icon
التغطية الحية

عام دراسي جديد في سوريا.. كيف يدعم الأهل مستقبل أبنائهم التعليمي؟

2024.09.06 | 05:44 دمشق

65
عام دراسي جديد في سوريا - (أرشيفية - تلفزيون سوريا)
تلفزيون سوريا - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

يعدّ الأهل عنصراً أساسياً في دعم التعليم وتحسين تجربة التعلم لأبنائهم، حيث يشكّلون أساساً لتطوير المهارات وتحفيز الأطفال على التفوق الدراسي، وفي شمال غربي سوريا على سبيل المثال، ومع قرب انطلاق العام الدراسي الجديد، يصبح هذا الدور أكثر أهمية في ظل الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها العديد من الأسر.

ومن أهم الأدوار التي يلعبها الأهل في هذا الجانب توفير بيئة منزلية مناسبة للدراسة، فالأطفال يحتاجون إلى مكان هادئ ومنظّم داخل المنزل يساعدهم على التركيز والاستعداد الجيد للدروس، حتى مع الظروف الاقتصادية الصعبة، يمكن للأهل اتخاذ خطوات بسيطة لتحسين هذه البيئة، مثل تخصيص زاوية في المنزل تكون خالية من التشويش، وقد يساهم هذا الإجراء في تعزيز شعور الأطفال بأهمية التعليم ويزيد من قدرتهم على التحصيل الأكاديمي.

كذلك، يعدّ الدعم العاطفي الذي يقدمه الأهل لأبنائهم عنصراً حاسماً في نجاحهم التعليمي، حيث يسهم الأهل الذين يظهرون اهتماماً بتعليم أبنائهم ويعبّرون عن تقديرهم للجهود المبذولة في بناء ثقة الأطفال بأنفسهم.

كما أن التحفيز الإيجابي والتشجيع المستمر يدفع الأطفال إلى الإصرار على التفوق حتى في الأوقات التي يواجهون فيها صعوبات.

يجب الإشارة هنا إلى أن الأهل الذين يبنون جسور تواصل مستمر مع المدارس والمعلمين يساهمون في تحسين تجربة التعليم لأبنائهم، ومن خلال هذا التواصل، يمكن للأهل متابعة تقدم أبنائهم في الدراسة ومعرفة أي صعوبات قد يواجهونها في وقت مبكر، مما يساعدهم على تقديم الدعم المناسب أو التنسيق مع المعلمين لتقديم المساعدة المطلوبة.

ومع قرب انطلاق العام الدراسي الجديد، أجرى موقع تلفزيون سوريا لقاءات مع عدد من المعلمين والموجهين التربويين وذوي الطلاب للحديث عن أهمية دور الأهالي في تحسين تجربة التعليم لأبنائهم، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تواجهها منطقة شمال غربي سوريا مع العديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية.

إصرار على التعليم رغم التحديات الاقتصادية

رغم أن الكثير من الأسر تواجه تحديات اقتصادية صعبة، فإن العديد من الأهل يجدون طرقاً مبتكرة لدعم تعليم أبنائهم مادياً، بعضهم قد يضطر للتضحية بجزء من النفقات الأساسية لتأمين الكتب المدرسية أو اللوازم التعليمية الضرورية.

كما يلجأ البعض إلى الاستفادة من المساعدات المقدمة من المنظمات المحلية والدولية لتخفيف الأعباء المادية وضمان استمرار أطفالهم في المدرسة.

خلال احتفالية أقامتها إحدى المدارس في ريف اعزاز شمالي حلب لتكريم الطلاب المتفوقين خلال العام الدراسي الماضي، أجرى موقع تلفزيون سوريا مقابلة مع مصطفى السلوم، أحد الآباء محدودي الدخل، إذ تحدث الأب عن تجربته في دعم تعليم أبنائه رغم التحديات الاقتصادية.

بدأ السلوم حديثه قائلاً: "مع محدودية دخلي، يصبح من الصعب تلبية جميع احتياجات أسرتي، لكنني أؤمن أن تعليم أبنائي هو الأولوية القصوى، وأعتبر التعليم فرصة لمستقبل أفضل لهم، وأنا مستعد للتضحية لضمان استمرارهم في المدرسة".

عندما سُئل عن كيفية توفير اللوازم المدرسية رغم الصعوبات المادية، أجاب: "أحاول شراء الأساسيات فقط، أبحث عن البدائل الأرخص وأتجنب المصاريف غير الضرورية، كذلك أتواصل مع المنظمات المحلية التي تقدم مساعدات مدرسية، مما يساعد في تخفيف العبء المالي بالرغم من الضغط المالي الذي تعيشه هذه المنظمات مع انخفاض تمويلها، وفي الوقت نفسه، لا أستطيع أن أوفر لأطفالي كل شيء، لكنني أحاول أن أضمن أنهم يحصلون على ما يحتاجونه لمتابعة تعليمهم".

وتطرق الأب إلى التحديات النفسية التي تواجهه كأب محدود الدخل في متابعة تعليم أبنائه، قائلاً: "أشعر بالضغط عندما لا أستطيع توفير كل ما يحتاجه أبنائي، لكنني أحاول دائماً أن أظهر لهم أن المال ليس كل شيء، أدعمهم معنوياً وأقول لهم إن التعليم ليس متعلقاً بما نملك من أشياء مادية، بل بما نبذله من جهد، هذا يشجعهم على التركيز أكثر في دراستهم".

وفيما يتعلق بالتواصل مع المدرسة، أكد الأب على أهمية البقاء على اتصال دائم مع المعلمين، وقال: "أحرص على حضور الاجتماعات المدرسية والتحدث مع المعلمين لمتابعة تقدم أبنائي، حتى وإن كنت أعمل لساعات طويلة، أخصص وقتاً لهذا الأمر، لأنني أؤمن أن تعاون الأهل مع المدرسة ينعكس إيجاباً على تحصيل الأبناء".

وختم السلوم بالقول: "أحلم أن يكمل أبنائي تعليمهم ويحققوا نجاحاً لم أتمكن من تحقيقه، أعرف أن الطريق مليء بالتحديات، لكنني أثق أنهم قادرون على تجاوزها بفضل دعمنا وتوجيهنا المستمر، رسالتي لكل أب هي أن التعليم هو الأمل الذي يمكن أن يغير مستقبل أبنائنا، ولا يجب أن نتخلى عنه مهما كانت الظروف".

أهمية دور الأهل

في سياق متصل، يلعب الأهل دوراً مهماً في تعزيز القيم الاجتماعية مثل التعاون والمشاركة بين الأطفال، فتشجيع الأطفال على العمل الجماعي والتعاون مع زملائهم في المدرسة يساعدهم على تطوير مهارات اجتماعية مهمة تسهم في تحسين تجربتهم التعليمية.

كما أن الأهل الذين يشجعون أبناءهم على المشاركة في الأنشطة المختلفة، مثل الرياضة والفنون، يعززون من تنمية شخصياتهم بشكل متوازن، مما يساهم في تعزيز حب التعلم لديهم.

في هذا السياق، أشار الموجه التربوي علي الخضر إلى "الدور الكبير الذي يلعبه الأهل في دعم تعليم أبنائهم، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة".

وقال الخضر في حديث مع موقع تلفزيون سوريا إنّ "الأهل هم الشريك الأول والأهم في العملية التعليمية، ومن خلال دعمهم المستمر لأبنائهم، يمكن تحسين الأداء الدراسي وتعزيز الدافعية نحو التعلم رغم كل الظروف".

وأشار الخضر إلى أهمية تهيئة البيئة المنزلية المناسبة للتعلم، حيث قال: "حتى في المنازل الصغيرة أو المتواضعة، يمكن للأهل تخصيص مساحة صغيرة للدراسة، هذا يساعد الأطفال على التركيز ويشعرهم بأن التعليم هو أولوية للأسرة، علماً أن بعض الأسر تواجه صعوبات مادية كبيرة".

وأكد الموجه أن الدعم العاطفي لا يقل أهمية عن الدعم المادي، مضيفاً: "نحن نرى أن الأطفال الذين يحصلون على دعم معنوي وتشجيع مستمر من أسرهم يظهرون تفوقاً في الدراسة مقارنة بالآخرين، الأهل الذين يتابعون تقدم أبنائهم ويشجعونهم على المثابرة يزرعون فيهم الثقة بالنفس، وهذا يجعلهم أكثر إصراراً على النجاح".

كما تحدث عن أهمية التواصل المستمر بين الأهل والمدرسة، قائلاً: "نحن نحث دائماً الأهل على التواصل مع المعلمين والموجهين لمتابعة تقدم أبنائهم، عندما يشعر الطفل أن هناك تعاوناً بين أسرته والمدرسة، يتحسن أداؤه بشكل ملحوظ، الحوار المستمر بين الطرفين يساعد في اكتشاف المشكلات الدراسية أو السلوكية في وقت مبكر، مما يسهل حلها بسرعة".

ووجّه الخضر نصيحة لذوي الطلاب، مشيراً إلى أنه "رغم الظروف الصعبة، يبقى التعليم هو المفتاح لمستقبل أبنائنا، فدور الأهل لا ينتهي عند باب المدرسة، بل هو جزء مستمر من نجاح العملية التعليمية، علينا جميعاً أن نبذل جهدنا لتوفير بيئة داعمة لأبنائنا، فهم أملنا في بناء مستقبل أفضل"، حسب وصفه.

تحديات اجتماعية ونفسية

لا يمكن في الوقت نفسه تحميل ذوي الطلاب أكبر من طاقتهم، فمع مرور السنوات، انقسمت شرائح المجتمع إلى عدة مستويات، منها الفقيرة ومنها الغنية ومنها متوسطة الدخل، والأهم من ذلك أن بعض الطلاب يعانون من فقد آبائهم وأمهاتهم أو أحدهما لأسباب مختلفة، منها مقتلهم على يد النظام السوري وحلفائه، أو احتجازهم في سجونه، أو بسبب المشكلات العائلية التي تودي للطلاق، مما يخلق حالة نفسية سيئة لدى الطلاب تعيقهم عن التفوق والنجاح في دراستهم.

في لقاء مع غيداء الحسين، إحدى الأمهات الأرامل في شمال غربي سوريا، تناولت الأم تجربتها في دعم تعليم أبنائها رغم الظروف الصعبة، لتبدأ حديثها قائلة: "كوني أماً أرملة، أتحمل مسؤولية مزدوجة في تأمين احتياجات أبنائي، ولكن التعليم يبقى أولوية، أؤمن أن التعليم هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يمنحهم مستقبلاً أفضل".

عندما سُئلت عن كيفية توفير بيئة تعليمية في المنزل، قالت الحسين: "أحاول بكل جهد تخصيص وقت محدد في اليوم لمتابعة دراستهم، رغم ضيق المساحة في المنزل كوني أسكن في تجمع سكني للنازحين، قمت بتخصيص مكان صغير للدراسة، هذا الترتيب البسيط جعلهم يدركون أهمية التعليم ويشعرون بأهمية دروسهم، حتى لو كانت الظروف غير مثالية".

وتحدثت الأم عن الدور العاطفي الذي تلعبه في حياة أبنائها لدعمهم دراسياً، مردفةً: "أحياناً، يجد أبنائي صعوبة في التركيز بسبب الضغوط النفسية التي نمر بها، لكنني أحرص على أن أكون دائماً مشجعة لهم، أحاول أن أزرع فيهم الثقة بأنهم قادرون على التفوق، وأن التعليم هو الوسيلة لتغيير حياتهم، كل كلمة دعم مني تجعلهم أكثر تصميماً على النجاح".

كما أشارت الأم إلى التحديات المالية التي تواجهها في تأمين مستلزمات المدرسة، قائلة: "المستلزمات المدرسية تكلف الكثير، وغالباً ما يكون لديّ أولويات أخرى، لكنني أبحث دائماً عن حلول، مثل شراء اللوازم الأساسية فقط أو الاستفادة من الدعم المقدم من المنظمات المحلية أو أقارب زوجي في الخارج".

وعبّرت الأم عن أمنياتها بقولها: "أدرك أن الطريق ليس سهلاً، لكنني أريد أن أكون قدوة لأبنائي، أحلم أن يواصلوا تعليمهم ويحققوا النجاحات".

"لا بد من التكاتف"

قالت إحدى المعلمات في مدرسة بريف مدينة اعزاز إنّ "الدعم النفسي من الأهل يعزز ثقة الطالب بنفسه ويحفزه على التقدم، فعندما يرى الطفل أن والديه يهتمون بدراسته ويتابعون إنجازاته، يشعر بالحافز للتفوق".

وأضافت المعلمة في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: "لا بد من التكاتف بين جميع شرائح المجتمع، سواء المعلمين أو الأهل أو المؤسسات الحكومية والمجالس المحلية والمنظمات، فكلنا ندرك أن كثير من الأهالي يواجهون صعوبات مالية تجعل من الصعب توفير المستلزمات المدرسية لأبنائهم، وهنا يأتي دور المدرسة والمجتمع في التعاون لإيجاد حلول، مثل تنظيم حملات تبرع أو طلب دعم من المنظمات الإنسانية لتوفير اللوازم الضرورية".

وبحسب اقتراحات المعلمة، "يجب على المدارس توفير برامج دعم نفسي واجتماعي للطلاب، خاصة في المناطق الريفية وفي المخيمات، فمثل هذه البرامج تساعد الطلاب على التغلب على الصعوبات النفسية التي قد تؤثر على تحصيلهم الدراسي".

ومن الضروري "تشجيع الطلاب على المشاركة في الأنشطة الرياضية، والفنية، والثقافية، بما يسهم في تحسين تجربة التعليم لديهم، لذلك يجب أن يبذل مسؤولو المدارس جهوداً لتقديم هذه الأنشطة وتعزيز مهارات الأطفال وتشجيعهم على الإبداع".

ووفق المعلمة، يمكن للمدارس التعاون مع المنظمات المحلية والدولية لتوفير اللوازم المدرسية الأساسية للطلاب الذين يعاني أهاليهم من ضائقة مادية، مما يساهم في تخفيف العبء المالي على الأهل وضمان استمرارية تعليم الأطفال.

وفي ختام حديثها، دعت المعلمة المدارس إلى توفير آليات تتيح للأهالي التعبير عن مخاوفهم واقتراحاتهم فيما يتعلق بتعليم أبنائهم، مما يعزز الثقة بين المدرسة والأسرة ويخلق بيئة تعليمية داعمة.