بين صورتي اللاجئ والمستثمر، شكّلت نظرة المصريين للسوريين في مصر مزيجاً معقداً من المشاعر، تتأرجح بين التعاطف والدعم من جهة، والتنافس والحذر من جهة أخرى.
منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، تدفق عدد كبير من السوريين إلى مصر، جالبين معهم تجاربهم وآمالهم ومهاراتهم وبعض منهم جلب أمواله وآخرون صنعوا ثروتهم بعد اللجوء.
وهذا التباين بين المستويات الاقتصادية للسوريين ركّب صورة متداخلة ومتناقضة في أذهان المصريين بين اللاجئ المستضعف الذي يحتاج الدعم، وبين المستثمر الناجح الذي ينافس في السوق المصرية، مما أثّر بشكل ملحوظ على علاقة المصريين بالسوريين داخل مصر.
يعيش في مصر حوالي مليون ونصف المليون سوري، بينهم 30 ألف مستثمر بحسب خلدون الموقع رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر.
صورة اللاجئ السوري وتأثيرها على التعاطف
كانت أولى الصور التي رسمها المصريون للسوريين بعد الأزمة هي صورة اللاجئ، الذي هرب من النزاع والحرب بحثًا عن الأمان، وهذا ما أثار في نفوس المصريين مشاعر التعاطف والرغبة في المساعدة.
وصل عدد كبير من السوريين إلى مصر تاركين خلفهم ديارهم وأعمالهم، مما جعلهم يتقاسمون مع المصريين قصص نزوحهم ومعاناتهم.
أثار ذلك في نفوس المصريين مشاعر إنسانية قوية، خاصة وأن مصر تستضيف عبر تاريخها لاجئين من مختلف البلدان العربية، ودائما كانت ملجأ للدول الشقيقة.
ظهر هذا التعاطف بشكل واضح في الأحياء الشعبية والمجتمعات المحلية في معظم المحافظات المصرية، حيث رحّب السكان بالسوريين وساعدوهم في تأمين سكن ومعيشة مناسبة.
ويلاحظ أيضاً أن المؤسسات الخيرية المصرية، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني، قدموا دعماً للسوريين سواء عبر التبرعات أو تسهيل حصولهم على فرص عمل بسيطة.
وقد أسهمت وسائل الإعلام في تعزيز هذا الشعور، بتغطيتها للأوضاع الإنسانية التي يعيشها السوريون، وعرض قصص معاناتهم، مما خلق صورة إنسانية في نفوس المصريين.
صورة المستثمر السوري وتأثيرها على التنافس
مع استقرار السوريين في مصر واندماجهم تدريجياً في الحياة الاقتصادية، ظهرت صورة أخرى للسوريين، وهي صورة المستثمر الناجح.
عُرف السوريون بتجاراتهم المختلفة في مجالات متنوعة مثل المطاعم، ومحال الملابس، والحلويات. وقد أثبتت الاستثمارات السورية نجاحها في مصر خلال أكثر من عقد.
واستطاع السوريون تقديم تجربة مميزة بمنتجات ذات جودة عالية بحسب آراء كثير من المصريين.
كما أصبحت المطاعم السورية مثلاً جزءاً أساسياً من تجربة الطعام في مصر، وباتت المنتجات السورية تنافس في السوق المحلي، وذات سمعة حسنة.
رغم الإعجاب بقدرة السوريين على النجاح، إلا أن هذه الصورة خلقت أيضاً بعض التحديات. ففي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المصريون، ونسبة البطالة المتزايدة، بدأت تظهر مشاعر تنافس بين المصريين والسوريين.
خصوصاً في القطاعات التي أحرز فيها السوريون نجاحاً ملحوظاً. إذ أصبح بعض المصريين يرون في استثمارات السوريين تهديداً لفرص العمل المتاحة لهم.
التأثيرات الاجتماعية التي خلفتها الصور المختلفة
وجود هاتين الصورتين المتناقضتين للسوريين في مصر، صورة اللاجئ المستحق للتعاطف وصورة المستثمر الناجح، خلق حالة معقدة من العلاقات الاجتماعية.
فمن ناحية، عززت صورة اللاجئ مشاعر التضامن والتعاطف، فقد أصبحت بعض الأسر المصرية تعتبر الأسر السورية جزءاً من النسيج الاجتماعي المحلي. وهناك تزايد في العلاقات الإنسانية بين المصريين والسوريين، ما أسهم في تعزيز الترابط الاجتماعي، خاصةً أن الثقافتين المصرية والسورية تشتركان في اللغة والعادات.
من ناحية أخرى، ونتيجة للنجاح الاقتصادي للسوريين، ظهر نوع من التوتر والمنافسة، خاصةً في الأحياء التي شهدت تزايدا في المشاريع السورية كدمياط و"ستة أكتوبر" والرحاب.
أثر هذا على علاقات بعض المصريين بالسوريين، إذ يشعر بعضهم أن السوريين يستفيدون من الفرص الاقتصادية بشكل لا يتناسب مع احتياجات المصريين، ويرى بعضهم الآخر أنهم يشكلون ضغطا على الاقتصاد.
دور الإعلام وتسليط الضوء
كان لوسائل الإعلام دور كبير في تكوين وتوجيه هذه الصور المتناقضة للسوريين. فقد ركز الإعلام في البداية على الجانب الإنساني، وأظهر السوريين كلاجئين بحاجة إلى الدعم، ما أسهم في خلق حالة من التعاطف الواسع، حتى على مواقع التواصل الاجتماعي.
ثم بدأ الإعلام يعرض قصص نجاح السوريين في مجالات عديدة في كثير من البرامج المتابعة من المشاهد المصري مثل برامج الإعلامي عمرو أديب وغيره من الإعلاميين المصريين ما أثار إعجاباً لدى المصريين، ولكنه في الوقت نفسه أظهر بأن السوريين يشكلون منافسة قوية.
وبدأ الاختلاف بالظهور عن طريق منشورات على مواقع التواصل بين داعم ومعارض لوجودهم، وصلت إلى المطالبات بترحيلهم، وهي ما تعرف بحملات "التحريض الإلكتروني" التي تدعو الحكومة لمحاربتها.
من الواضح أن النظرة المصرية تجاه السوريين تأثرت بشكل كبير بالصورتين المتناقضتين للاجئ والمستثمر، إذ ترى فئة منهم أن السوريين جميعهم مستثمرون وأصحاب أموال وأنهم يقاسمونهم بأرزاقهم، مما أثر بالسلب على اللاجئ الذي بالكاد يؤمن قوت يومه.
مع ذلك لم تسجل حالات اعتداء أو عنصرية ضد السوريين في مصر كتلك التي تشهدها دول أخرى استضافتهم، وتعد مصر من البلدان الأكثر احتضاناً وتقبلاً للسوريين.