icon
التغطية الحية

ترتيب الأوراق ومراجعة الاستراتيجيات.. اختبار يرسم مسار "الجبهة الشامية"

2024.10.22 | 06:33 دمشق

آخر تحديث: 22.10.2024 | 17:11 دمشق

56
المتتبع لسياسات الجبهة الشامية يستنتج أنها ترغب مسك العصا من المنتصف
حلب - خاص
+A
حجم الخط
-A

استحقاق جديد واجهته "الجبهة الشامية" العاملة في الفيلق الثالث بالجيش الوطني السوري، وضعها أمام مفترق طرق، بعد إخفاقها في التعامل مع ملف "لواء صقور الشمال" الذي لجأ إليها خشية حلّه، لكن قرار وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة الموافق عليه ضمنياً من الجانب التركي طُبّق في نهاية المطاف، ببيان ممهور من قيادة "الصقور" تعلن فيه حلّ الفصيل والخروج من "الشامية" ووضع اللواء تحت تصرف وزارة الدفاع.

المتتبع لسياسات الجبهة الشامية يستنتج أنها ترغب مسك العصا من المنتصف، لا عداء مطلق لجهة ما، ولا إذعان كامل، لكن هذه السياسة دائماً ما تصطدم بالواقع، فعند كل "امتحان" تتعرض له "الشامية"، تدرك أنها ما زالت بحاجة إلى مزيد من التحليل بعين الواقعية لما يدور حولها، تجنباً للخسائر التي تتعرض لها عند كل اختبار، بالتالي، ضعف جديد في بنيتها التنظيمية والعسكرية.

مرحلة صعود ثم تراجع

صعدت الجبهة الشامية بشكل لافت بعد المعارك التي خاضتها إلى جانب بقية فصائل الجيش الوطني بدعم من القوات التركية، تحت مسميات "درع الفرات" و"غصن الزيتون" و"نبع السلام"، في أرياف حلب والحسكة والرقة.

توسّع نفوذ الجبهة الشامية شيئاً فشيئاً، وبات نفوذها العسكري ممتداً على مساحات واسعة، تشمل مدن عفرين واعزاز ومارع والباب وجرابلس، وبلدات أخرى في ريف حلب الشمالي والشرقي، إضافة لمدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي.

وضعت الجبهة الشامية يدها على "منابع اقتصادية"، أهمها معبر الحمران شرقي حلب، الفاصل مع مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، إضافة لمعبري باب السلامة وتل أبيض الحدوديين مع تركيا، ما عزّز من قوتها بصفتها فصيلاً بارزاً في الجيش الوطني.

مع صعود الجبهة الشامية، بقيادة "مهند الخلف" أبو أحمد نور، توسّع منظور "الشامية" بشكل أكبر، وحاولت الخروج من عباءة التبعية لجهات أخرى، فعملت على تشكيل تكتلات عسكرية تعمل ضمنياً داخل الجيش الوطني، لكنها فعلياً خارج مسميات الفيالق الثلاثة المتعارف عليها، والتي تديرها وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة.

رأت "الشامية" في تلك الفترة (2021 - 2022) أنها طرف قادر على منافسة "هيئة تحرير الشام" العاملة في إدلب، في مجالات الإدارة والعسكرة والتنظيم، وحاولت ترهيباً وترغيباً احتواء عدة فصائل لتكون القوة الأبرز في مناطق نفوذ الجيش الوطني.

في شهر تموز 2021، أعلنت الجبهة الشامية إلى جانب "فرقة السلطان مراد" تشكيل "غرفة القيادة الموحدة - عزم"، بقيادة "أبو أحمد نور"، ثم انضمت إليها تشكيلات أخرى، أبرزها "فرقة السلطان سليمان شاه"، و"فرقة الحمزة"، و"جيش الإسلام".

لم تدم التجربة طويلاً، فسرعان ما بدأت التشكيلات بالانفكاك عن "عزم"، وتشكيل كيانات موازية، مثل "هيئة ثائرون للتحرير" و"الجبهة السورية للتحرير"، ويبدو أن خطوات التفكك كانت بضوء أخضر من الجانب التركي الذي لم ترق له فكرة "عزم".

بعد ذلك، عملت "الشامية" على تفعيل مسمى "الفيلق الثالث" بشكل أكبر، من خلال العمل على دمج الفصائل العاملة فيه، أبرزها (الجبهة الشامية - جيش الإسلام - لواء السلام - فيلق المجد)، ليكون الرقم الصعب في الجيش الوطني، وينافس بقية الفيالق من ناحية التنظيم أيضاً.

في غضون ذلك، دخل "الفيلق الثالث" في معركة مزدوجة، تحالف فيها مكونان ضمن الجيش الوطني (العمشات - الحمزات) مع هيئة تحرير الشام ضده، وفقد خلالها الفيلق نقاط قوته، بعد خسارته لمناطق نفوذه في عفرين، وفقدان معبر الحمران، الذي كان يدر أموالاً طائلة.

لملمة الأوراق

بعد "الضربة" والخسارة التي تعرض لها "الفيلق الثالث"، بدأ يتفكك تدريجياً، إذ لم يعد يختلف كثيراً عن "الفيلق الأول" و"الفيلق الثاني"، وبدأت فصائله بالعمل منفرداً، يسعى كل واحد منها للحفاظ على مصالحه بعيداً عن "الفيلق الثالث".

حاولت "الجبهة الشامية" إعادة رسم مسار خاص بها، ومن المعلوم أن قيادة "الفيلق الثالث" كانت من "الجبهة الشامية" نفسها، وفي الغالب كان الشخص نفسه قائداً للتشكيلين، مثل "أبو أحمد نور" و"حسام ياسين".

وفي شهر أيار 2023، عيّنت "الجبهة الشامية"، عزام غريب، الملقب بـ "أبو العز سراقب"، قائداً لها، خلفاً للقائد السابق حسام ياسين، الذي استمر في مهامه - لفترة قصيرة - قائداً عاماً للفيلق.

بعد ذلك بفترة وجيزة، خسرت "الشامية" قيادة "الفيلق الثالث" بالكلية، حيث تم تعيين قائد الفرقة 51 المقدم محمد ديري (أبو حمزة الديري) قائداً للفيلق خلفاً لحسام ياسين.

رغم فشل عدة مشاريع انخرطت بها "الشامية"، إلا أنها شاركت مجدداً في تكتل عسكري، أُطلق عليه اسم "القوة الموحدة"، ويضم "الجبهة الشامية - تجمع الشهباء - فرقة المعتصم"، ولم يدم التشكيل طويلاً، حيث أعلنت "المعتصم" الخروج منه، في شهر شباط 2024، وكان ذلك بمثابة إعلان وفاته.

انتكاسات يوازيها ترميم

خلال السنوات الماضية، شهدت "الشامية" عدة انتكاسات، وفي المقابل، استطاعت تجاوز بعضها بأقل الخسائر، ويمكن الإضاءة على بعض الأحداث في الآتي:

  • خلال عام 2023، شهدت الشامية صراعاً ضمن قطاعها في تل أبيض شمالي الرقة، كاد أن يقسم الفصيل إلى قسمين هناك، لكن "الجبهة الشامية" أعلنت في مطلع 2024 إنهاء الخلاف، وتكليف "أحمد القسوم" المكنى بـ "أبي عزام سراقب" كقائد لقطاع الفصيل في تل أبيض.
  • مطلع 2024 توصلت "الجبهة الشامية" و"أحرار الشام - القطاع الشرقي" المعروف محلياً بـ"أحرار عولان" إلى اتفاق يقضي بإنهاء الخلاف بينهما، بعد أشهر من العداء.
  • منتصف العام نفسه، أعلن "تجمع الشهباء" العامل في ريف حلب الشمالي، عن حلّ نفسه، وانضمام تشكيلاته (أبرزها أحرار الشام القطاع الشرقي - الفرقة 50) إلى فصيل "الجبهة الشامية".
  • في شهر آب الماضي انفصلت كتلة عسكرية يقودها "علاء فحام" المعروف بلقب "أبو العز أريحا" وينحدر معظم أفرادها من محافظة إدلب، عن فصيل "الجبهة الشامية".

تطورات مفصلية في النصف الثاني من 2024

بعد التطورات التي استعرضها التقرير، ومنذ منتصف العام الحالي تقريباً، بدأت "الجبهة الشامية" بتغيير العديد من سياساتها، وكان من أبرز نتائجها، إنهاء حالة العداء مع "هيئة تحرير الشام".

دخلت عدة فصائل إلى "الجبهة الشامية" تعتبر على علاقة وثيقة مع "تحرير الشام"، خاصة "تجمع الشهباء" الذي يعتبر "أحرار الشام - القطاع الشرقي" أبرز مكوناته.

مع التطورات السياسية التي شهدها الملف السوري، لا سيما بوادر التطبيع بين تركيا والنظام السوري، رأت عدة أطراف عسكرية في الشمال السوري، أن التحالف فيما بينها هو الخيار الوحيد لها لضمان بقائها مستقبلاً، خاصة مع صعود عدة فصائل مقربة من تركيا مثل "القوة المشتركة".

وأبدت "الجبهة الشامية" اعتراضها على عدة خطوات، منها افتتاح معبر "أبو الزندين" التجاري، قرب مدينة الباب، الفاصل مع مناطق سيطرة النظام السوري.

وصل الخلاف، إلى درجة أن رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، اتهم "الجبهة الشامية" و"حركة التحرير والبناء" في الجيش الوطني، بإحداث الفوضى والتحريض على التظاهر، لا سيما بعد أحداث 1 تموز التي نتج عنها "اعتصام الكرامة" ومن أبرز مطالبه، إسقاط رئيس الحكومة المؤقتة.

وخلال أيلول الماضي، أعلنت الشامية "تجميد التعاون مع حكومة عبد الرحمن مصطفى، إلى حين تشكيل حكومة رشيدة ترقى إلى شرف تمثيل الشعب السوري الحر وثورته العظيمة"، كما طالبت الائتلاف السوري "بعقد اجتماع طارئ لحجب الثَّقَة عن حكومة عبد الرحمن مصطفى بالسرعة القصوى، وإحالته إلى القضاء لينال جزاءه العادل أصولاً".

الاختبار الأبرز

منذ منتصف شهر أيلول الماضي، قررت "الجبهة الشامية" الانخراط باختبار جديد، يشمل عدم السماح بحلّ "لواء صقور الشمال" في الجيش الوطني، بقرار من وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، حيث انضم اللواء الذي يقوده حسن حاج علي (حسن خيرية) إلى الجبهة الشامية والتي رحّبت بهذه الخطوة وسارعت إلى تعزيز مواقعها العسكرية وتسيير الأرتال تحسباً لأي تصعيد.

بالتزامن مع ذلك، تحركت "القوة المشتركة" المتمثلة بـ"فرقة السلطان سليمان شاه" (العمشات) و"فرقة الحمزة" (الحمزات)، لتعزيز حضورها في المنطقة، محاولة استغلال الحدث لإظهار نفوذها كأبرز الفاعلين العسكريين في ريف حلب الشمالي، خاصة أن "المشتركة" تُعتبر من أبرز خصوم "الجبهة الشامية".

في محاولة لاحتواء التصعيد، شكّلت وزارة الدفاع لجنة للتفاوض تهدف إلى إيجاد حل للأزمة المتفاقمة، وتم تقديم مقترحات تتضمن تخلي "الجبهة الشامية" عن "لواء صقور الشمال" وتسليم مقاره في عفرين وحور كلس، إلا أن "الشامية" رفضت، وبرز الدور التركي كعامل رئيسي، حيث ضغط على "الجبهة الشامية" لتنفيذ قرار حل "لواء صقور الشمال"، كما دعم "القوة المشتركة" ومن خلفها وزارة الدفاع في خطواتها.

سرعان ما تطورت الأحداث في الأسبوع الماضي، حيث تم طي صفحة "لواء صقور الشمال"، بعد مهاجمة القوة المشتركة لمقاره في حور كلس وريف عفرين شمالي حلب والسيطرة عليها، حيث انتهت المواجهات بإعلان "صقور الشمال" حل نفسه وخروجه من "الجبهة الشامية".

"الشامية" الخاسر الأكبر

خرجت "الجبهة الشامية" من المواجهات بوصفها أكبر الخاسرين، كونها تصدرت لحماية "صقور الشمال" ومنع حلّ اللواء، وفشلت في ذلك، كما عجزت عن حماية اللواء من هجوم القوة المشتركة، المدعوم من وزارة الدفاع، برضا ضمني للجانب التركي.

من جانبه، قال مصدر من "الجبهة الشامية" لموقع تلفزيون سوريا، إن "الشامية" لم تتخلى عن صقور الشمال، لكن اللواء نفسه لم يخض المواجهة بجدية، حيث حيدت كثير من مجموعاته نفسها عن القتال، ما سمح للقوة المشتركة السيطرة على أبرز مواقعه العسكرية، ليعلن بعد ذلك "حسن خيرية" حل اللواء والخروج من "الشامية".

من جهته، قال مصدر مطلع في الجيش الوطني السوري، لموقع تلفزيون سوريا، إنّ الجبهة الشامية أمام اختبار حقيقي بعد المواجهات الأخيرة، قد يدفعها إلى إعادة الحسابات وترتيب الأوراق والعودة خطوة إلى الوراء.

وذكر المصدر أن نحو 5 بالمئة فقط من قوات الجبهة الشامية تحركت خلال المواجهات الأخيرة، بسبب تخوف عدة كتل من ردة فعل الجانب التركي، كما أن أطرافاً أخرى نأت بنفسها عن الحدث، بعد أن كان من المتوقع أن تؤازر الشامية، مثل "هيئة تحرير الشام" أو "حركة التحرير والبناء" أو "أحرار الشام" أو "حركة نور الدين الزنكي".

وبحسب المصدر، كان من المخطط أن تتحرك بعض كتل "الجبهة الشامية" بشكل أكثر فاعلية، لا سيما في مدن الباب وجرابلس للضغط أكثر على القوة المشتركة، من خلال الهجوم على مواقعها في بزاعة، لكن تلك المجموعات، ولا سيما التابعة لـ "أحرار الشام - القطاع الشرقي" لم تتحرك.

وأشار إلى أن "الجبهة الشامية" تعقد اجتماعات داخلية للنظر في أسباب فشل سياساتها الأخيرة، في حين تبدي أطراف داخل الفصيل تفاؤلها بتصحيح المسار والعمل بواقعية في المرحلة القادمة، مع مراعاة التغيرات التي طرأت في منطقة شمال غربي سوريا بشكل عام، بمعزل عن "أمجاد الماضي".

وأضاف: "بالفعل، الجبهة الشامية لم تسعَ للصدام أو تحدي وزارة الدفاع أو الجانب التركي، لكنها اتخذت قراراً بقبول ضم لواء صقور الشمال، ثم قدمت مبادرات لمحاولة إنهاء الأزمة سلمياً والتخلي عن قرار حل اللواء، وهو ما لم يحصل".

وتوقع المصدر أن تتخذ الجبهة الشامية قرارات جديدة خلال الأيام المقبلة، تتعلق بهيكلة قواتها العسكرية، بعد اكتشاف ترهل ضمنها في المواجهات الأخيرة، خاصة أن "القوة المشتركة" تبذل جهوداً لاستقطاب بعض المجموعات في الجبهة الشامية لمحاولة إضعافها والتغلغل في مناطق نفوذها.

وقبل أيام، أعلنت كتلتين عسكريتين الخروج من "الجبهة الشامية"، والانضمام إلى "الفرقة 51" في الفيلق الثالث بالجيش الوطني، وهما "اللواء الخامس" ويقوده "محمود شوبك أبو دجانة"، و"كتائب الساجدون لله" بقيادة بكري عبود أبو عامر، وقد لاقى ذلك ترحيباً من وزارة دفاع الحكومة المؤقتة.

الفصيل يمثل مكونات مناطقية مهمة

قال الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، إنّه لا مشكلة للجبهة الشامية بشكل مباشر مع الجانب التركي، بقدر ما هو خلاف مع بعض الفصائل الأخرى، فالإشكال الأخير لم يكن الأول ولا الثاني، ويأتي ذلك في سياق الخلافات ضمن التحالفات الفصائلية في الجيش الوطني السوري نفسه.

وأضاف علوان في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة كانت تتدخل في الإشكاليات السابقة، وتحاول حل الخلافات بالشكل الممكن، مشيراً إلى أن استعداء الجبهة الشامية لوزارة الدفاع قد لا يكون في صالحها، خاصة أن الفصيل نفسه يشهد بعض الخلافات المناطقية، وهو ما يمكن أن يجعل الشامية في "المكان الأضعف".

وختم علوان: "الفصيل موجود، ويمثّل كتلاً مناطقية مهمة ومؤثرة، لكن الخلل المستمر سواء في البنية الداخلية أو في العلاقة مع المحيط سيترتب عليه آثار مقلقة للجبهة الشامية والمنطقة بشكل عام".

ومن المرجح أن يتضح مصير "الجبهة الشامية" في المرحلة المقبلة بعد تبلور المشهد بشكل كامل، ومعرفة آلية تعامل الجانب التركي مع الفصيل، وفيما إذا كانت قيادة "الشامية" ستتخذ خطوة للوراء للحفاظ على الفصيل من مصير مشابه للواء صقور الشمال، مع فارق القوة والعدد والنفوذ بين الطرفين، خاصة أن الأحداث الأخيرة ربما تدفع الأطراف لإعادة الحسابات وقراءة الواقع بدقة مع مراعاة التوازنات والاصطفافات بين التشكيلات العسكرية خلال الأشهر الماضية.