icon
التغطية الحية

معركة داخلية ومفترق طرق.. هل بات مصير عبد الرحمن مصطفى على المحك؟

2024.09.10 | 07:01 دمشق

رئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى - (منصة إكس)
هل بات مصير عبد الرحمن مصطفى على المحك؟
تلفزيون سوريا - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

في اجتماع مفصلي لمؤسسات المعارضة السورية في غازي عنتاب، انطلقت شرارة مرحلة جديدة تحمل في طياتها ملامح تحولات عميقة قد تُفضي إلى تغيير رأس الهرم في الحكومة السورية المؤقتة.

ساد اللقاء سجال حاد وتوتر بين بعض الحضور، ويبدو أن المواجهة التي ظهرت بين عدة قادة، سواء سياسيين أو عسكريين، لم تكن سوى امتداد لصراع محتدم، يُعتقد أن نيرانه لن تُخمد إلا بإزاحة رئيس الحكومة السورية المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى، الذي وضع نفسه في مركز العاصفة.

عبد الرحمن مصطفى انبرى في ذلك الاجتماع مدافعاً عن سياسات حكومته المؤقتة، موجهاً الاتهامات يمنة ويسرة لبعض فصائل الجيش الوطني السوري، فكانت كلماته كالمعاول التي ضربت في صميم العلاقات المتوترة أصلاً، ما أجّج الخلاف وأشعل المواجهة بينه وبين من طالتهم تلك الاتهامات.

الجبهة الشامية، وهي إحدى الفصائل التي طالتها تلك الانتقادات، لم تتأخر بالرد، إذ أصدرت بياناً حادّاً غير مسبوق، أعلنت فيه تعليق تعاملها مع حكومة عبد الرحمن مصطفى، داعية إلى حجب الثقة عنه، وبذلك، أُلقيت الكرة في ملعب الائتلاف الوطني، الذي بات تحت وطأة امتحان عسير يهدد علاقته مع فاعلين رئيسيين في الداخل السوري ويضعه على مفترق طرق.

وفي خضم هذا المشهد المتشابك، تطرح الأسئلة نفسها: هل كتب عبد الرحمن مصطفى بيده نهاية حقبته الرئاسية نتيجة لانفعاله غير المدروس في اجتماع غازي عنتاب؟ وهل سيعالج رحيله جذور الأزمة أم سيزيد من تعقيدها؟ لكن السؤال الأعمق هو: من سيكون الشخص الذي سيتحمل إرث قيادة هذه المؤسسة التي تواجه تحديات هائلة منذ سنوات؟

بين تزايد الضغوط الداخلية من مظاهرات واعتصامات تدعو إلى إسقاط عبد الرحمن مصطفى، وتعاظم التحديات السياسية، يجد الائتلاف الوطني نفسه أمام مفترق طرق، في وقت تتزايد فيه الأنظار على كيفية تعامله مع هذه الأزمة التي قد تعيد رسم خريطة المعارضة السورية من جديد، مع ضرورة عدم إغفال أن الجانب التركي سيكون له الدور الأكبر غالباً في رسم مسار المرحلة المقبلة.

اجتماع عنتاب نقطة التحول

قبل نحو أسبوع، عُقد في مطار ولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا اجتماع ضم إلى جانب ممثلين عن وزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات التركية، كلاً من الائتلاف الوطني السوري والحكومة المؤقتة، وهيئة التفاوض، ومجلس القبائل والعشائر، وقادة من الجيش الوطني السوري.

واستمر الاجتماع لأربع ساعات، وعكس انقساماً واضحاً بين صفوف المعارضة السوريّة، إذ اعتبر غالبية المجتمعين أنّ هذا الانقسام لن ينتهي حتى يتم تغيير الإدارة والعقليّة الإداريّة للمؤسسة المسؤولة عن إدارة مناطق في الشمال السوري، بينما اعتبر قسم آخر أنّ هذا الانقسام هو نتيجة طبيعيّة لتعاطي بعض فصائل الجيش الوطني مع المؤسسات الرسمية للمعارضة وهيمنتهم على قرار الشارع الثوري.

على إثر السجال ضمن الاجتماع، أصدرت الجبهة الشامية في الجيش الوطني بياناً جمّدت من خلاله التعاون مع الحكومة السورية المؤقتة، مطالبة الائتلاف بعقد اجتماع طارئ لحجب الثقة عن حكومة عبد الرحمن مصطفى بالسرعة القصوى وإحالته إلى القضاء.

الردود الرسمية غائبة

لم يعلق الائتلاف الوطني أو الحكومة المؤقتة على البيان الصادر عن الجبهة الشامية، في حين ذكر الصحفي سامر العاني لموقع تلفزيون سوريا، أنّ الاجتماع الأخير للهيئة السياسية في الائتلاف السوري ناقش فقط التطورات في ريف حلب، وتم خلاله تشكيل ثلاث لجان للتحقيق في التطورات الأخيرة، موضحاً أن اللجان وافق عليها 16 عضواً من أصل 19.

ووفق العاني، فإن اللجنة الأولى مهمتها التحقيق في أموال الحكومة السورية المؤقتة، والثانية التحقيق في اتهامات رئيس الحكومة عبد الرحمن مصطفى للجبهة الشامية، والثالثة التحقيق مع عضو يتبع لمصطفى وتهجم على بقية الأعضاء.

كذلك كشف العاني أن الائتلاف قد يعقد اجتماعاً طارئاً للهيئة العامة لمناقشة إقالة رئيس الحكومة المؤقتة، مشيراً إلى أن المظاهرات في ريف حلب أثرت على الهيئة السياسية في الائتلاف ودفعتها لاتخاذ هذه القرارات.

وخلال الساعات الماضية، جرى تداول عدة أسماء مرشحة لقيادة الحكومة السورية المؤقتة، منها نائب رئيس الائتلاف عبد المجيد بركات، والأمين العام لمجلس القبائل والعشائر السورية جهاد مرعي، ووزير الإدارة المحلية في الحكومة المؤقتة محمد سعيد سليمان، لكن لم يتم تأكيد هذه الأنباء من الائتلاف، كما أن عبد الرحمن مصطفى لم يجب على استفسارات موقع تلفزيون سوريا بشأن مصير رئاسته للحكومة.

ما التوقعات لمصير رئيس الحكومة؟

يعتقد مدير قسم تحليل السياسات في مركز "حرمون" للدراسات المعاصرة، د. سمير العبد الله أن السيناريوهات حول مصير عبد الرحمن مصطفى مرتبطة بالموقف التركي، ففي حال إصرار الجانب التركي على بقائه، لن يستطيع أحد تغييره، وخاصة أن غالبية أعضاء الائتلاف أسهم هو (مصطفى) أو مع حلفائه "أعضاء G4" بوضعهم.

وقال العبد الله في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إنّ "سيناريو الذهاب لخيار حجب الثقة عن عبد الرحمن مصطفى من خلال التصويت عليه غير ممكن، إلا في حالة واحدة هي طلب الجانب التركي ذلك، وخاصة أن دوره أصبح مضراً للمصالح التركية في الشمال السوري، وتغييره مع باقي قيادات المعارضة مطلب شعبي في الاحتجاجات والاعتصامات في الشمال السوري، وبقاؤه قد يؤدي لاستمرار الصدام مع بعض الفصائل".

وأضاف أن السيناريو الآخر يتمثل بوجود وساطة تركية بين عبد الرحمن مصطفى والفصائل، وعلى رأسها الجبهة الشامية، وهذا قد يُهدئ الصدام مع الفصائل لفترة، لكنه لن يغير من الواقع على الأرض والاعتصامات الرافضة لقيادات المعارضة وفتح المعابر مع النظام، لذلك يرجح العبد الله أن تطلب تركيا استبداله بشخصية أخرى مقربة منها، وغالباً ستكون تركمانية أيضاً.

واستدرك: "لكن في حال تم التغيير بالأشخاص فقط أي تم استبدال الطرابيش كما جرى سابقاً فهذا سيكون له نتائج سلبية على المعارضة في الداخل والخارج، وستزداد الفجوة بين كل المؤسسات المعارضة والشارع الثوري، وستزيد شعبية بعض الفصائل مثل الشامية وأحرار الشرقية التي تبدو أقرب لشعارات الشارع من مؤسسات المعارضة، فالتغيير يحتاج لتغيير بهيكلية وطريقة عمل تلك المؤسسات، مع تغيير تدريجي لكل الشخصيات التي تحتكر العمل المعارض وأبعدت كثيرا من الشخصيات الوطنية، ومن دون ذلك ستكون تغييرات لتهدئة الشارع لفترة، لكن سيعود الصدام مجدداً".

بدوره، قال الرئيس السابق للائتلاف الوطني نصر الحريري: "من خلال معرفتي بالحرائق الداخلية في المعارضة، أعتقد أن التحرك الحالي لتنحية رئيس الحكومة المؤقتة يعني وجود إشارات على رفع الغطاء عنه، وبالتالي أتوقع حدوث تغييرات في رئاستها".

وفي الوقت نفسه، رأى الحريري في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن "البديل المتوقع لن يختلف كثيراً عن مصطفى، لأن القيادات الحالية معيّنة وبعيدة كل البعد عن الديمقراطية وعن الانتخابات".

وبحسب الحريري، فإنّ رئيس الحكومة لا يتحمل وحده مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع، إنما يتشارك في ذلك الائتلاف وقيادته، وهيئتيه السياسية والعامة، فهذه القيادة هي من جاءت برئيس الحكومة خلال السنوات الماضية "لأنه مدعوم ومرضي عنه، بالتالي تحميله المسؤولية وحده أمر غير عادل".

ما المطلوب؟

ذكر الكاتب والصحفي غسان ياسين أن ملف إقالة عبد الرحمن مصطفى يجب أن يُطرح بشكل جدي لأسباب كثيرة، أهمها طول مدة ولايته في الرئاسة، مضيفاً أن الائتلاف أمام مسؤولية كبيرة تتعلق بترتيب بيته الداخلي، وإعادة النظر في المكونات التي تشكّل منها الائتلاف.

ورأى ياسين في حديث مع موقع تلفزيون سوريا أن أولى خطوات إصلاح الائتلاف تبدأ بتغيير رئيس الحكومة المؤقتة، بما يسهم بضخ دماء جديدة ووضع رؤى تتجاوز الخلافات، في ظل استحالة استمرار عمل مؤسسات المعارضة العسكرية والسياسية مع بعضها البعض بعد خلافات اجتماع غازي عنتاب.

وشدد على أن تغيير رئيس الحكومة وحده لا يحل المشكلة، لأن سوء إدارة مناطق الشمال السوري لا تتعلق بشخصه، إنما بالصلاحيات الممنوحة للحكومة، المسحوبة حالياً لصالح الولاة الأتراك، ما جعل الشمال مقسماً لدويلات تخضع لسطوة المجالس المحلية، مضيفاً أن عدم إحداث تغيير في آلية التواصل مع الجانب التركي أو آلية إدارة المناطق في شمالي وشرقي حلب، سيجعل من الصعب حدوث خرق في عمل الحكومة بصرف النظر عن رئيسها القادم.

من جهته، قال الكاتب حسن النيفي إنّ "الأزمة التي تعصف بكيانات المعارضة السورية جميعها هي أزمة بنيوية وليست ظاهرة عارضة أو طارئة، أعني أن الأزمة ذات صلة بنشأة تلك الكيانات والمعايير التي تم اعتمادها في تشكيلها، وكذلك في طبيعة القائمين عليها والعاملين فيها بآن معاً، لذلك يمكن الذهاب إلى أن الانفجار الذي ظهر للعلن في اجتماع مطار غازي عنتاب هو نتيجة طبيعية لمسار تراكمي طويل من الأخطاء والإصرار على ممارسة الخطأ".

وأردف النيفي في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: "وربما لهذا السبب لا أعتقد أن المشكلة تكمن في رئيس الحكومة المؤقتة فحسب بل بالائتلاف ومشتقاته من هيئة التفاوض وسواها، فهي جميعها لم تكن قد بُنيت استناداً إلى خيارات شعبية سورية ولا كذلك على معايير مهنية، بل على معايير الولاء والقدرة على الوصول إلى صاحب القرار التركي، وبالتالي فإن جميع قادة الكيانات الرسمية للمعارضة يعتقدون أنهم أصحاب مناصب وامتيازات يجب الحفاظ عليها والدفاع عنها بعيداً عن المصلحة العامة".

وتابع "سواء بقي رئيس الحكومة في منصبه أو تم استبداله فإن المشكلة سوف تبقى قائمة، والحل الصحيح هو إيجاد مقاربات جدّية لجذر الأزمة وليس ملامسة مظاهرها فقط، أعني ما يجب حصوله أو العمل عليه هو السعي لاستعادة القرار الوطني والتخلص من التبعية المطلقة للخارج، ومن ثم تشكيل قيادات جديدة تنبثق من إرادة السوريين وتحظى بالقدرة والكفاءة المهنية بآن معاً، وما لم يحصل ذلك فلن تكون الإجراءات المحتملة سوى ذر للرماد في العيون، وما تحتاجه القيادات الراهنة للمعارضة الرسمية هو الوازع الأخلاقي الذي يدعوها للتفكير بأن السوريين ما يزالون في طور الثورة، وقادة الثورة يتوجب عليهم التضحية والبذل والعطاء وليس التفكير بالمغانم والمناصب، ومن لم يستطع القيام بواجبه فليذهب ويترك الأمر لمن لديه القدرة على تأدية الواجب".

تُجمع التحليلات الأخيرة على أن التغيير في رئاسة الحكومة السورية المؤقتة أصبح مسألة وقت، حيث تتزايد الضغوط بهذا الاتجاه من أطراف داخلية وخارجية، ورغم الإشارة إلى أن هذا التغيير قادم لا محالة، تظل الأسئلة معلقة حول كيفية حدوثه والتوقيت الذي سيتم فيه، وربما تحمل الأيام القادمة مزيداً من الوضوح، مع تبلور ملامح المرحلة الجديدة التي سترسم مستقبل رئاسة الحكومة ودورها في الشمال السوري.