icon
التغطية الحية

مضمار سباق و"تشبيب" الدراجة على عجلة واحدة.. مغامرة شبابية أم تهديد وإزعاج؟

2024.09.12 | 06:26 دمشق

66
ما كان يُنظر إليه كتحدٍّ للشباب أصبح يشكل مصدراً للخطر - تلفزيون سوريا
 تلفزيون سوريا ـ خاص
+A
حجم الخط
-A

في شوارع المدن وضواحيها في الشمال السوري، تتصاعد وتيرة ظاهرة "تشبيب" الدراجات النارية، حيث يقوم الشباب برفع الدراجات على عجلة واحدة في استعراض متهور للمهارة، كما يصفها البعض، هذه الظاهرة، التي بدأت كهواية خطيرة لبعضهم، سرعان ما تحولت إلى مشكلة اجتماعية تهدد سلامة المارة والسائقين على الطرقات الرئيسية.

ما كان يُنظر إليه كتحدٍّ للشباب أصبح يشكل مصدراً للخطر، مع تزايد حوادث المرور والوفيات التي تنجم عن فقدان السيطرة على الدراجة في "لحظة تهور".

يلجأ الشباب إلى الطرق العامة كمسرح لاستعراض مهاراتهم، متجاهلين المخاطر الكبيرة التي تترتب على تصرفاتهم، فالسباق على الدراجات النارية لا يُعرضهم وحدهم للخطر، بل يضع حياة الآخرين على المحك، سواء كانوا من السائقين أو المارة.

تحولت بعض الطرق السريعة في الشمال السوري، التي ينبغي أن تكون ممرات آمنة، إلى مضامير خطرة للسباق، حيث تزداد احتمالات وقوع حوادث قد تكون مميتة.

إضافة إلى المخاطر على الأرواح، تُحدث هذه الظاهرة إزعاجاً للسكان والمجتمع، فأصوات المحركات المزعجة التي تصدح في الشوارع العامة تؤثر على راحة الأهالي، فضلاً عن التسبب بزيادة الضغط على الطرق المزدحمة.

في ظل تفاقم هذه الظاهرة، يبرز التساؤل عن الحلول الممكنة، فهل يمكن للجهات المعنية أن توفر للشباب منافذ آمنة لممارسة هواياتهم دون تعريض حياتهم وحياة الآخرين للخطر؟ وما الدور الذي يجب أن يلعبه المجتمع في توجيه طاقات هؤلاء الشباب نحو أنشطة أكثر إيجابية وإنتاجية؟

"تشبيب" الدراجات

برزت ظاهرة "تشبيب" الدراجات النارية أو السباق بشكل واضح خلال السنوات الماضية في شمال غربي سوريا، وغالباً ما يلجأ الشباب إلى الطرقات السريعة لتنفيذ هوايتهم، لا سيما على طريق M4 في إدلب، أو طريق "سرمدا - باب الهوى".

ويعتقد الشبان أن من حقهم ممارسة هوايتهم من خلال الاستعراض على الدراجات النارية للترويح عن أنفسهم، معتبرين أن الأنشطة الجماعية التي ينفذونها طبيعية وتأتي في سياق اجتماعي ترفيهي.

من جهة أخرى، يعترض كثير من السكان على انتشار هذه الظاهرة وما تخلّفه من مخاطر، حيث قال الشاب محمد سعيد: "بصراحة، ما يحدث في شوارعنا مع ظاهرة تشبيب الدراجات النارية أصبح مزعجاً جداً وخطيراً على الجميع، نحن كمدنيين نعاني يومياً من هذا السلوك الذي لا يقتصر على إزعاجنا بصوت المحركات العالية والمتكررة، بل يمتد ليهدد حياتنا وحياة أبنائنا".

وأضاف: "لا يمكن لأحد أن يسير بسلام أو يقود سيارته دون الشعور بالخطر من هذه الحركات المتهورة التي تحدث في الطرقات العامة، نطالب الجهات المعنية باتخاذ إجراءات صارمة للحد من هذه الظاهرة".

وأردف: "يجب أن يكون هناك قانون رادع، ومراقبة صارمة للشوارع، وتوجيه للشباب نحو ممارسة هذه الأنشطة في أماكن مخصصة وآمنة بعيداً عن الطرق الرئيسية والمناطق السكنية".

ما أضرار الظاهرة؟

ظاهرة "تشبيب" الدراجات النارية على عجلة واحدة قد تبدو في ظاهرها استعراضاً مثيراً ومغامرة ممتعة للشباب، لكنها تحمل في طياتها مخاطر جمة وسلبيات عميقة على الأفراد والمجتمع بأسره.

هذه المخاطر لا تقتصر على الشخص الذي يقوم بالاستعراض فحسب، بل تمتد إلى كل من يشارك الطريق معه، ما يجعلها قضية تستحق تسليط الضوء عليها بشكل موسع.

أحد أكبر المخاطر المرتبطة بهذه الظاهرة هو ارتفاع احتمالية وقوع حوادث مميتة، إذ إن "تشبيب" الدراجة النارية على عجلة واحدة يقلل من سيطرة السائق على مركبته بشكل كبير، ما يهدده بفقد توازنه ويصبح عرضة للانزلاق أو فقدان السيطرة على المركبة، ويزيد من احتمالية اصطدامه بمركبات أخرى أو خروج الدراجة عن المسار.

الحوادث الناتجة عن هذا النوع من السلوك غالباً ما تكون شديدة الخطورة، وتؤدي إلى إصابات خطيرة أو حتى الموت.

حتى في الحالات التي لا تكون فيها الحوادث مميتة، فإن الإصابات الناتجة عن حوادث الدراجات النارية ربما تكون بالغة، قد تتراوح من كسور في العظام إلى إصابات في الرأس أو العمود الفقري، والتي قد تترك آثاراً دائمة على حياة المصاب، ونظراً لكون معظم الشباب لا يرتدون معدات السلامة الكاملة مثل الخوذة أو حماية الجسم، فإن المخاطر تتضاعف بشكل كبير.

لا تقتصر المخاطر على السائق نفسه، بل تمتد لتشمل كل من يشارك الطريق معه، فالطرقات العامة والمزدحمة تصبح مسرحاً لهذه العروض الخطيرة، ما يعرض المارة والمركبات الأخرى لخطر كبير.

إلى جانب المخاطر الجسدية، تخلق هذه الظاهرة إزعاجاً للسكان في المناطق التي يتم فيها استعراض "تشبيب" الدراجات النارية، فصوت المحركات العالي والضجيج الذي يتصاعد من هذه الحركات يسبب إزعاجاً لبعض المدنيين، خاصة في المناطق السكنية.

تشكل هذه الظاهرة أيضاً نموذجاً سلبياً للشباب الآخرين الذين قد يرون في هذه الحركات نوعاً من الاستعراض البطولي أو الشجاعة، وهذا يؤدي إلى انتشار سلوكيات متهورة بين الفئات العمرية الأصغر سناً، التي قد تسعى إلى تقليد هذه الأفعال دون إدراك للعواقب التي قد تنجم عنها.

ما المطلوب للحد من الأضرار؟

التعامل مع ظاهرة "تشبيب" الدراجات النارية والسلوكيات الخطيرة خلال القيادة وما تحمله من تداعيات سلبية يستدعي تدخلاً من الجهات المعنية لضمان سلامة الشباب والمجتمع بأسره.

أولى مسؤوليات الجهات المعنية تتمثل في تشريع وتنظيم القوانين المرورية بفعالية لضمان تطبيقها بصرامة على كل من ينفذ سلوكيات خطيرة خلال القيادة، بما في ذلك فرض غرامات وعقوبات صارمة على من يمارسون هذه الأنشطة الخطرة على الطرق العامة.

بالإضافة إلى ذلك، يرى مدنيون أنه ينبغي تحسين الرقابة المرورية عبر زيادة استخدام التكنولوجيا، مثل كاميرات المراقبة، لمراقبة حركة المرور ورصد المخالفات المتعلقة بهذه الظاهرة بشكل فوري.

وتعد التوعية جزءاً أساسياً في مواجهة هذه الظاهرة، إذ يتعين على الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني إطلاق حملات توعوية تستهدف فئة الشباب، لتثقيفهم حول المخاطر الحقيقية المتعلقة بـ"تشبيب" الدراجات النارية، وفي هذا السياق يمكن تنظيم ورش عمل وحلقات نقاش في المدارس والجامعات وأماكن التجمعات الشبابية، لتسليط الضوء على الحالات التي انتهت بحوادث مميتة أو إصابات جسيمة.

كذلك يمكن للتوعية أن تركز على شرح كيفية الحفاظ على السلامة أثناء استخدام الدراجات النارية وتقديم بدائل رياضية أو أنشطة تنافسية أكثر أماناً، كتنظيم سباقات قانونية في مضامير مخصصة بعيداً عن الطرق العامة، بحيث يجد الشباب متنفساً لتفريغ طاقاتهم.

الشباب الذين يمارسون "تشبيب" الدراجات النارية غالباً ما يبحثون عن التحدي والإثارة، ولذلك من المهم توفير بدائل آمنة تحقق لهم هذا النوع من المتعة دون تعريض حياتهم أو حياة الآخرين للخطر، لذا على الجهات المعنية النظر في إنشاء مضامير سباق قانونية مخصصة للدراجات النارية، حيث يمكن للشباب التنافس تحت إشراف مختصين وبأمان تام.

ويُعتقد أن مثل هذه المبادرات ستساعد على احتواء هذه الظاهرة وتوجيه الشباب إلى مسارات آمنة، ما يقلل من انتشار "تشبيب" الدراجات على الطرق العامة، كما يمكن أيضاً تنظيم مسابقات تحت رعاية الجهات المعنية، مما يعزز من فكرة أن هناك طرقاً قانونية للاستمتاع بالدراجات النارية.

ومن المهم تشجيع الشباب على الانخراط في الأنشطة الرياضية المختلفة التي تُعد بديلاً صحياً وآمناً للمغامرات الخطرة مثل "تشبيب" الدراجات، ويمكن للجهات المعنية، بالتعاون مع النوادي الرياضية، تنظيم مسابقات رياضية وبرامج لياقة بدنية تستقطب هؤلاء الشباب، مما يساعدهم على تفريغ طاقتهم بشكل أكثر أماناً.

وجهة نظر مختلفة

من وجهة نظر العديد من الشباب، يُعتبر "تشبيب" الدراجات النارية على عجلة واحدة شكلاً من أشكال التعبير عن المهارة الفردية، وفرصة للتحدي في عالم يتطلب منهم الانضباط والالتزام بالقواعد.

الشباب الذين يمارسون "تشبيب" الدراجات النارية غالباً ما يبحثون عن تحدٍ يجذب انتباه الآخرين ويُظهر مهاراتهم في التحكم بالمركبة، بالنسبة لهم، ليس الأمر متعلقاً بالمخاطر بقدر ما هو إثبات للذات وقدرتهم على القيام بحركات استعراضية.

يرى بعض الشباب أن "تشبيب" الدراجات النارية ملاذاً من ضغوط الحياة اليومية وتحديات المجتمع، حيث يمكنهم الهروب من الروتين والمشكلات والتمتع باللحظات الخاصة بهم.

كذلك يؤمن بعض الشباب أن لديهم الحق في ممارسة أنشطة ترفيهية حتى لو كانت غير تقليدية، ويرون أن "تشبيب" الدراجات هو شكل من أشكال الرفاهية التي يختارونها، خاصةً إذا لم تكن هناك خيارات بديلة توفر القدر نفسه من الإثارة.

ومن وجهة نظرهم، المجتمع لا يقدم بدائل ترفيهية كافية تتناسب مع رغباتهم وحبهم للمغامرة، مما يدفعهم إلى البحث عن وسائل غير تقليدية مثل هذه الهواية.

في حين أن الكثير من الناس يرون في "تشبيب" الدراجات النارية والسباق على الطرقات العامة مخاطرة كبيرة، يعتقد بعض الشباب أنهم على دراية كاملة بالمخاطر المحتملة، وبالنسبة لهم، القدرة على ممارسة هذه الهواية دون التعرض لحوادث تعكس مهارتهم العالية في القيادة والتحكم بالدراجة، ويرون أن المجتمع ربما يبالغ في تصوير خطورة هذه الممارسة، معتبرين أنها جزء طبيعي من هوايات الشباب والتجارب التي يعيشونها في هذه المرحلة.