icon
التغطية الحية

"انفجار تموز" يعزز الاصطفاف ضمن تحالفين عسكريين شمالي حلب.. هل يتطور لصدام؟

2024.08.01 | 05:33 دمشق

55
قوات تتبع لـ "القوة المشتركة" خلال استعراض عسكري - إنترنت
حلب - خاص
+A
حجم الخط
-A

في الأول من تموز، اهتزت منطقة شمال غربي سوريا على وقع مظاهرات غاضبة، احتجاجاً على الاعتداءات العنصرية ضد اللاجئين السوريين في ولاية قيصري وسط تركيا، وربما كانت هذه الحادثة إضافة للتصريحات التركية حول التطبيع مع النظام السوري مجرد شرارة أشعلت فتيل الغضب.

هذه التظاهرات لم تكن مجرد تعبير عن غضب شعبي، بل أسدلت الستار عن حالة من التنافس الحاد والاستقطاب بين الفصائل العسكرية في المنطقة، مما أدى إلى انقسامها إلى حلفين رئيسيين، بينما اختارت بعض الفصائل اللعب على الحبال الرفيعة بينهما، في محاولة للبقاء على مسافة واحدة من الجميع.

قد يرى الحلف الأول في التظاهرات فرصة ذهبية لتعزيز موقفه، مستغلاً الموجة الشعبية لتحقيق أهدافه على صعد مختلفة، فالفصائل في هذا الحلف تنظر إلى الشارع كقوة دافعة للتغيير، وتسعى بالاستفادة منه لتعزيز موقفها وقوتها في ريف حلب.

في المقابل، ينظر الحلف الآخر إلى التظاهرات بعين الريبة، ويرى أنها تهدد استقرار المناطق التي يسيطر عليها، بالنسبة له، قمع التظاهرات ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة للحفاظ على هيمنته، ويعتقد مراقبون أن مكونات التحالف تعتقد أن الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية مع تركيا يفوق أي مكاسب قد تأتي من دعم الحراكات الشعبية.

التنافس بين هذين الحلفين لا يقتصر على الأهداف السياسية فقط، بل يمتد ليشمل السيطرة على الموارد الحيوية والمناطق والمعابر الاستراتيجية، كل حلف يسعى لتعزيز موقعه في المشهد الجغرافي، وفي هذا الصراع، تقف بعض الفصائل على الحياد أو كما يقال محلياً "تلعب على الحبلين"، محاولةً الاستفادة من التوازنات الدقيقة بين الأطراف.

تحالفان عسكريان

علم موقع تلفزيون سوريا من مصادر خاصة أن منطقة شمال وشرقي حلب شهدت خلال الأشهر الماضية اصطفافات عسكرية جديدة، لا ترقى إلى حد الاندماج الكامل بين أطرافها، مضيفة أن انسجام الأفكار بين بعض التشكيلات العسكرية وتخوفها من تحديات مشتركة أسهم في تعزيز التواصل فيما بينها سعياً لخلق أرضية مشتركة للعمل معاً.

وتشير المصادر إلى أن التحالف الأول يتمثل بالقوة المشتركة التي تضم "فرقة السلطان سليمان شاه" و"فرقة الحمزة"، والتي تتبع ظاهراً للفيلق الثاني في الجيش الوطني السوري، وتنتشر في العديد من المناطق الرئيسية أبرزها منطقة عمليات "غصن الزيتون" (عفرين) بريف حلب.

وسعى هذا التحالف الذي يقوده "محمد الجاسم أبو عمشة" و"سيف بولاد أبو بكر" إلى تعزيز نطاق سيطرته بشكل أكبر على منطقة "غصن الزيتون" بعد أن تخلص من "العدو الأول" من وجهه نظره والمتمثل بـ "الجبهة الشامية"، وذلك بعد إجبارها على إخلاء كل مقارها ومواقعها في المنطقة خلال المعارك التي اندلعت بين الطرفين قبل نحو عامين.

ويعمل هذا التحالف على تعزيز قواته والتطوير من القدرات القتالية لأفراده، كما يحاول أن يظهر للعلن أنه غيّر من سلوكه، إذ تُتهم الفرقتان المشكّلتان له بارتكاب انتهاكات واسعة بحق السكان، ووفق المصادر، فإن "القوة المشتركة" تعتبر السيطرة على كامل "غصن الزيتون" من أبرز أولوياتها على حساب إضعاف أو إنهاء تواجد بعض الأطراف الأخرى في المنطقة.

ويرى مراقبون أن سيطرة "القوة المشتركة" على كامل غصن الزيتون نابع عن رغبة تركية، حيث عملت هذه القوة على إدارة معظم الحواجز في المنطقة، وفرز عناصر محددين للانتشار ضمن هذه الحواجز، مع إعطاء تعليمات بضرورة التعامل بشكل لائق مع المارة لعكس "صورة جديدة" عن القوة المشتركة مخالفة لتلك التي طُبعت في أذهان المدنيين من انتهاكات وجرائم وفساد.

هذا التحالف يثير قلق أطراف أخرى بالضرورة، في مقدمها "الجبهة الشامية"، ثم "حركة التحرير والبناء" بدرجة أقل، حيث تعتبر "الشامية" أن من حقها العودة إلى بعض المناطق في عفرين واستعادة السيطرة على مقارّها التي استولت عليها "القوة المشتركة" وتحديداً "العمشات"، ولا سيما في ناحية معبطلي.

من المهم التذكير أن بعض التحالفات العسكرية التي فُرضت قبل نحو عامين شمالي حلب، تبدلت الآن بشكل جذري، حيث تقول المصادر: "في السابق تحالفت هيئة تحرير الشام مع القوة المشتركة بهدف شن هجمات على الجبهة الشامية، ونتج عن ذلك إضعاف الشامية وتقويض نفوذها، بالتعاون مع فصائل انشقت عنها بالأصل وشكّلت لاحقاً تجمع الشهباء المتهم بالارتباط بشكل مباشر مع تحرير الشام".

وأضافت: "التحالفات تبدلت اليوم بشكل واضح، فالجبهة الشامية نجحت في استقطاب الفصائل التي انشقت عنها، كما تم حلّ تجمع الشهباء، وباتت الشامية اليوم على تنسيق واضح مع تحرير الشام، التي تبدل موقفها أيضاً من القوة المشتركة، حيث تتحين الفرصة لإضعاف هذا التشكيل نتيجة عوامل مختلفة، منها أن قادة العمشات والحمزات خذلوا الهيئة في أكثر من موقف، أبرزها عندما منع أحد حواجز المشتركة - بتوجيه تركي - رتل لهيئة تحرير الشام من نقل القيادي المنشق عنها أبو أحمد زكور، من ريف حلب إلى إدلب بعد اختطافه بعملية أمنية داخل مدينة اعزاز".

مواقف عززت الاصطفاف

في شهر نيسان الماضي، أعلن "تجمع الشهباء" العامل في ريف حلب الشمالي، عن حلّ نفسه، وانضمام تشكيلاته إلى فصيل "الجبهة الشامية" في الفيلق الثالث ضمن الجيش الوطني السوري، وذلك في تأكيد لمعلومات نشرها موقع تلفزيون سوريا قبل الإعلان الرسمي بأيام.

"تجمع الشهباء" المتهم بالتبعية لهيئة تحرير الشام أُعلن عن تشكيله في شهر شباط 2023، من قبل فصائل "أحرار الشام - القطاع الشرقي" و"الفرقة 50 - أحرار التوحيد" و"حركة نور الدين زنكي"، بقيادة حسين عساف، من دون أن ينسب نفسه إلى أحد من فيالق الجيش الوطني السوري الثلاثة، في حين أصدرت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة بياناً في الفترة نفسها، أكدت فيه عدم انتماء التجمع إلى الجيش الوطني.

ورغم التوترات السابقة، تؤكد المصادر أن "الجبهة الشامية" عملت خلال الأشهر الماضية على حل الخلافات مع "الشهباء" بعد العودة إلى صفوفها ظاهرياً، علماً أن التجمع لم يقطع علاقته بشكل كامل مع الهيئة، ويبدو أن الشامية اقتنعت بفكرة التنسيق مع الهيئة لتحقيق مكاسب مختلفة، قد تضمن تعزيز قوتها في أي مواجهة مع "القوة المشتركة"، وربما يضمن لها ذلك العودة أيضاً إلى المناطق التي خرجت منها في عفرين.

وأشارت المصادر إلى العديد من المواقف التي ساعدت على تعزيز الاصطفاف ضمن حلف (الجبهة الشامية - فصائل تجمع الشهباء التي انضمت لها - حركة التحرير والبناء) بتنسيق غير معلن مع الهيئة، لمواجهة الحلف الآخر (القوة المشتركة) الذي عمل مؤخراً على محاولة استقطاب مجموعات محايدة في عفرين، بعضها من محافظة دير الزور استعداداً فيما يبدو لأي مواجهة قد تندلع مع "التحرير والبناء" في عفرين، والتي تنحدر فصائلها من المنطقة الشرقية في سوريا، وتعتبر حالياً العقبة الأكبر في وجه "المشتركة" لبسط نفوذها في كامل عفرين.

وبحسب المصادر، فإن "الجبهة الشامية" استشعرت الخطر، بعد أن جهّزت "القوة المشتركة" أرتالاً عسكرية في شهر آذار الماضي ووصلت إلى أطراف منطقة كفرجنة بريف عفرين، بهدف الدخول إلى مدينة اعزاز بهدف اعتقال أشخاص أقدموا على اعتراض موكب في منطقة سجو القريبة من الحدود مع تركيا.

اعتبرت "الشامية" أن إرسال "القوة المشتركة" لهذه الأرتال "تدخلاً سافراً" ومحاولة لاستغلال الموقف بهدف الدخول إلى مدينة اعزاز وتسجيل نقاط عند الجانب التركي على حساب "الشامية" ورغم أن الأرتال عادت إلى مواقعها فيما بعد، إلا أن مجرد الوصول إلى كفرجنة خلق شعوراً بالقلق لدى الجبهة الشامية.

ومن هنا بدأت التحالفات بالتبدل، لا سيما أن بعض الأشخاص الذين كانت "القوة المشتركة" تعتزم اعتقالهم بحجة اعتراض الموكب يعملون ضمن "تجمع الشهباء"، ما خلق شعوراً متبادلاً لدى "الشامية" و"الشهباء" بضروة تسوية الخلافات بينهما والتحالف لمواجهة أي تمدد لـ "العمشات" و"الحمزات".

كذلك بدأت بعض فصائل "التحرير والبناء" بالتقرب من هذا الحلف، لا سيما بعد اندلاع مواجهات عنيفة في مدينة عفرين خلال شهر حزيران الماضي، بين "حركة التحرير والبناء" و"القوة المشتركة" ضمن الجيش الوطني السوري، ما أدى إلى سيطرة "المشتركة" على عدة حواجز، ووقوع قتلى وإصابات بين الطرفين وخسائر لدى المدنيين، وحينذاك كانت "المشتركة" على وشك السيطرة على معبر الحمام الحدودي مع تركيا الذي يخضع لسيطرة التحرير والبناء، بعد توسيع نطاق الاشتباكات لتصل إلى مدينة جنديرس.

وكانت آخر المؤشرات على توسع الهوة بين التحالفين، ما جرى مؤخراً من استنفارات عسكرية في مدينة الباب، كان ظاهرها الغضب من اعتقال شخصين شاركا في التظاهر بعد أحداث العنصرية ضد اللاجئين السوريين في ولاية قيصري التركية، أما الهدف الخفي، كان في سياق تبادل الرسائل بين التحالفين، حيث أرسلت "الشامية" تعزيزات عسكرية من اعزاز إلى الباب، كذلك انتشرت قوات عسكرية كبيرة من "أحرار الشام - القطاع الشرقي" (ضمن الشامية وسابقاً في تجمع الشهباء) داخل وعلى أطراف المدينة، في حين حشدت "القوة المشتركة" وخاصة "فرقة الحمزة" قواتها في بلدة بزاعة شرق مدينة الباب استعداداً لأي سيناريو.

ما دور أحداث تموز؟

أسهمت الاحتجاجات التي اندلعت في الأول من تموز شمال وشرقي حلب، بتعزيز الاصطفاف ضمن التحالفين المذكورين بشكل واضح، ولوحظت عدة مواقف تشير لذلك، منها:

  • مشاركة عناصر من الجبهة الشامية وحركة التحرير والبناء وأحرار الشام بالمظاهرات.
  • اتهام "القوة المشتركة" بإطلاق الرصاص على المتظاهرين في عفرين ما تسبب بوقوع قتلى.
  • الحلف الأول أبدى دعمه بشكل غير مباشر للاحتجاجات الشعبية لا سيما "اعتصام الكرامة".
  • الحلف الآخر أبدى امتعاضه خلال جلسات واجتماعات لقادة في الجيش الوطني من الحراك الشعبي.
  • عدد من المطلوبين أو المعتقلين بتهمة التظاهر هم عناصر في فصائل التحالف الأول.
  • إجراء قادة "القوة المشتركة" جولة في تركيا ولقاء عدة مسؤولين منهم دولت بهتشلي، زعيم حزب الحركة القومية (MHP)، الحليف الرئيسي لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا (AK Parti).

هل يتطور التنافس إلى صدام؟

قال مصدر مطلع لموقع تلفزيون سوريا، إن التنافس بين الحلفين بدأ منذ عدة أشهر، القوة المشتركة كانت تنوي السيطرة على منطقة غصن الزيتون بشكل كامل وابتلاع الفصائل القوية هناك، وخاصة التابعة لحركة التحرير والبناء والسيطرة على معبر الحمام، كما تعمل على استقطاب مجموعات عبر منحهم المال والسيارات والسلاح.

وأضاف المصدر: "هذا الأمر أخاف حركة التحرير والبناء بشكل كبير، ولا ننسى تحرك القوة المشتركة وتسيير الأرتال والاقتراب من كفرجنة استعداداً للدخول إلى اعزاز في آذار الماضي، وهذا ما أثار قلق الجبهة الشامية أيضاً التي تعتبر المنطقة خاضعة لنفوذها وهي المسؤولة عن حل الإشكاليات التي تحصل هناك".

وتابع: "لا ننسى موقف أحرار عولان (انضمت إلى الشامية) التي يعود العداء بينها وبين فرقة الحمزة إلى سنوات، هذه الأحداث جعلت الكتل الثلاث تتكاتف حول بعضها خاصة بعد الاشتباكات التي شهدتها مدينة عفرين بين المشتركة والتحرير والبناء، والتي لولا التهديد من الشامية وأحرار الشام، لكانت المشتركة قد قضت على الشرقية وسيطرت على غصن الزيتون"، حسب توقع المصدر.

ووفق المصدر، يبدو أن "الأمور قد تتطور في أي لحظة، وأحداث الباب الأخيرة أبعد مما نتصور، أعتقد أن هناك نية للعمل ضد القوة المشتركة، لكن هناك فاعل تركي مهم رفض ذلك، في حين يرى فاعل تركي آخر أن سلوك القوة المشتركة وجولة قادتها مؤخراً في تركيا وسحب بعض قواتها من إدلب خلال الأزمة الأخيرة، أنه تمرد واضح، ما يعني أن هناك طرفا يريد القضاء على المشتركة وهناك طرف آخر يحميها".

وتابع: "سياسة القوة المشتركة والسكوت على تمددها في عفرين وتهديدها للتحرير والبناء، جعل الشرقية تلتف حول الحلف، الذي يمتد من معبر الحمام حتى جرابلس، أرى أن الأمور ذاهبة إما باتجاه تهدئة حقيقية وضمانات بعدم اعتداء فصيل على آخر، أو أن الأمور قد تتجه نحو الصدام والتغلب، وكل ذلك مقرون بالسياسات التركية وطريقة التعامل مع الملف".

ويبدو أن تركيا تريد تعزيز الفصل بين إدلب ومناطق سيطرة قسد، أو بين إدلب ومناطق سيطرة الجبهة الشامية أيضاً، وجعل عفرين منطقة عازلة بإدارة القوة المشتركة، بحسب المصدر، الذي قال: "لكن المشتركة يبدو أنها لا تحلب صافي كما يقال محلياً كما هو الحال مع فهيم عيسى، فهيم يسير بدون اعتراض، أما المشتركة لديها حالات انفعالية، خاصة عندما شكر الجانب التركي فهيم عيسى على حسابها بعد أحداث 1 تموز، فأبدت امتعاضها وسحبت بعض قواتها من إدلب، بالتالي القوة المشتركة لديها حالة عاطفية تجعلها أقل التزاماً من فرقة السلطان مراد، لكنَّ مراقبين يرون أن هذا الامتعاض يكون ضمن حدود الهوامش المسموح بها".

يضيف المصدر: "هناك شعور أن تركيا تريد تسليم غصن الزيتون للمشتركة ودرع الفرات للسلطان مراد، بمعنى أن تكونا القوتين المهيمنتين عبر دعمهما على حساب البقية، وهذا خلق ردات فعل لدى بعض الأطراف، بالتالي ظهرت بوادر حلف يعتبر أن ترابطه مع المجتمع هو الذي سيحميه بعد أحداث واحد تموز، حيث عقد لقاءات كثيرة مع أفراد المجتمع والعوائل والعشائر".

ويرى المصدر أن سيناريو الصدام الشامل غير مرجح حالياً لكن قد تحصل مناوشات بين حين وآخر، خاصة أن هيئة تحرير الشام المتهم بالارتباط بالحلف الأول ودعمه لا تريد الصدام، وكذلك تركيا (الفاعلان الأهمان).

ومن المتوقع أن تتزايد الاصطفافات خلال الفترة القادمة، خاصة أن مواقف بعض الفصائل ما زالت غامضة ومتضاربة مثل جيش الإسلام، كما أن موقف فرقة "السلطان مراد" مهم في ترجيح كفة طرف ما على حساب الآخر، فرغم حالة التناغم المعلنة بين القوة المشتركة والسلطان مراد، إلا أن العديد من الخلافات عالقة بينهما بسبب سعي كل طرف لإثبات وجوده لدى الجانب التركي وإقصاء الطرف المنافس.