ملخص:
-
استهداف مركز البحوث في مصياف: الهجمات الإسرائيلية استهدفت مواقع عسكرية في منطقة مصياف، بما في ذلك مركز البحوث العلمية المرتبط بإيران وحزب الله، مما أدى إلى دمار كبير وإصابات بشرية.
-
أسباب الهجوم المكثف: يعتقد أن الغارات تعكس معلومات استخبارية جديدة حول نشاطات عسكرية متزايدة في سوريا، لا سيما المتعلقة بتصنيع الصواريخ والأسلحة الكيميائية، مع وجود خبراء إيرانيين.
-
إيران وتعزيز وجودها: إيران عززت وجودها في المركز عبر تعديل خطوط الإنتاج لتشمل تطوير الطائرات المسيّرة والقذائف، وتعمل على إخفاء الأنشطة العسكرية في المناطق الجبلية المحيطة، مما يعقد اكتشافها.
شهدت سوريا مساء الأحد تصعيدا غير مسبوق في وتيرة وحجم الغارات الجوية الإسرائيلية، حيث تعرضت مواقع تابعة للنظام السوري في عدة مناطق بمنطقة مصياف بريف حماة لهجمات متتالية، وكان على رأسها مركز البحوث العلمية، الذي يعد موقعا استراتيجيا لإيران.
وعادة ما تركز الضربات على هجمات فردية، ولكن هذا الهجوم جاء على شكل دفعات متتالية. وبينما التزمت وسائل إعلام النظام السوري الرسمية الصمت حول تفاصيل الاستهداف في اللحظات الأولى، بدأت الصور والتقارير تتوالى لتكشف عن حجم الدمار الذي طال البنية التحتية والمواقع العسكرية المستهدفة.
تفاصيل الهجوم
أدت الغارات إلى مقتل 16 شخصا على الأقل وجرح 36 آخرين، إضافة إلى دمار كبير في المواقع المستهدفة، مما تسبب بقطع الطرقات والكهرباء والإنترنت عن القرى المحيطة.
بداية، أشار موقع "أثر برس" المقرب من النظام إلى سماع دوي انفجار في محيط حمص، مشيرا إلى وقوع هجوم استهدف عدة نقاط في ريفي حماة الغربي والشمالي الشرقي.
تبين لاحقا أن الأصوات في حمص كانت لانطلاق صواريخ الدفاع الجوي التابعة للنظام. كما سمعت أصوات في محافظة طرطوس، إلا أنها كانت ناجمة عن سقوط صواريخ الدفاع الجوي داخل المدينة. كما انتشرت صور تظهر أضرارا مادية في ضاحية المجد بمدينة طرطوس نتيجة سقوط شظايا أثناء التصدي للصواريخ.
بالتزامن مع الغارات، انتشرت تسجيلات مصورة تظهر حريقا كبيرا شبّ في منطقة "حير عباس" على طريق وادي العيون بريف حماة، وقيل إنه ناتج عن الغارات الإسرائيلية.
كانت هذه أول إشارة واضحة إلى موقع الاستهداف الإسرائيلي، بعد تداول أنباء متضاربة حول أن الغارات استهدفت حمص وطرطوس.
رد فعل النظام
من جانبها، لم تكشف وزارة الدفاع في حكومة النظام عن طبيعة الأهداف التي تعرضت للهجوم أو مواقعها، واكتفت بالإشارة إلى أنّ هجوما إسرائيليا جويا شنّ من اتجاه شمال غربي لبنان، مستهدفا عددا من المواقع العسكرية في المنطقة الوسطى.
وأضافت الوزارة في بيان نشر على فيسبوك إلى أن الدفاعات الجوية تصدت للصواريخ، مشيرة إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 15 آخرين، لكن العدد ارتفع لاحقا.
دمار في المواقع المستهدفة
وفي الساعات الأولى من صباح يوم الإثنين، كشفت الصور عن وقوع دمار كبير في مواقع توزعت على منطقة البحوث العلمية بمصياف ومنطقة الزاوي وموقع على طريق مصياف وادي العيون وموقع آخر بمنطقة حير عباس بريف حماة.
وأعلنت إدارة المواصلات الطرقية في حماة تحويل حركة السير من الرصافة إلى البيضة مرورا بقرية البستان في ريف مصياف، وذلك نتيجة الأضرار الكبيرة التي وقعت على طريق مصياف وادي العيون من جراء الغارات الإسرائيلية.
كانت الصور المنتشرة تظهر تشكيل حفر عميقة في طريق مصياف وادي العيون، ووصل عمق بعض الحفر إلى 7 أمتار مع مساحة انتشار وصلت في بعض الحالات إلى 30 مترا مربعا. وأظهرت الصور أن الهجوم استهدف سيارة على الطريق المذكور بشكل مباشر مما أدى إلى احتراقها، إلى جانب استهداف جرافة ضخمة، مما أدى إلى انقلابها.
من جانبه، قال مدير شركة كهرباء حماة حبيب خليل إن الهجوم أخرج "خط 66" الممتد بين سلحب ومصياف عن الخدمة، مؤكدا تضرر عدد من الشبكات بين الوراقة والبيضا باتجاه وادي العيون، إضافة إلى تضرر مبنى قسم كهرباء مصياف.
وتسبّب الهجوم بتعطيل الكبل الضوئي على طريق حماة مصياف وتعطل مركز اتصالات وادي العيون والمرحة وشيحة مصياف وتوقف العمل في وحدات نفاذ بلدات وقرى بشاوي والسنديانة والمعيصرة وعين كرم والنقير.
لماذا مركز البحوث العلمية؟
وكالة رويترز بدورها نقلت عن مصدرين من أجهزة مخابرات بالمنطقة بأن الهجوم استهدف "مركزا عسكريا رئيسيا للأبحاث الخاصة بإنتاج أسلحة كيماوية يقع قرب مصياف". وهو ما يُعرف بمركز البحوث العلمية.
وأكد المصدر أن الموقع تعرض للقصف عدة مرات، بالتزامن مع مصادر محلية أشارت إلى أن الموقع تعرض لستة غارات متتالية. وتابعت رويترز أنه "يُعتقد أن المركز يضم فريقا من الخبراء العسكريين الإيرانيين المشاركين في إنتاج أسلحة".
لكن مصدرا عسكريا كبيرا مقربا من النظام السوري وطهران نفى رواية أن تكون المنشأة لإنتاج الأسلحة الكيميائية وقال إن ما استهدِف هو منشأة بحثية معروفة في سوريا. يذكر أن مركز البحوث العلمية سبق أن استهدف بغارات إسرائيلية عام 2017.
وفي تعليقه على هذا التصعيد، أوضح الصحفي صهيب جوهر في تصريحات لموقع تلفزيون سوريا أن الغارات تأتي في إطار الاستهدافات المستمرة لمواقع حزب الله والحرس الثوري الإيراني. وأكد أن هذا يعكس مدى المتابعة الإسرائيلية لتحركات الحزب والميليشيات الموالية لإيران في المنطقة.
في هذا السياق، يعتقد جوهر أن الغارات المكثفة قد تعكس معلومات استخبارية جديدة حول نشاطات عسكرية في سوريا أو تحركات تهديدية مرتبطة بإيران وحزب الله. وأشار إلى أن هذه التطورات تأتي بعد إعادة تموضع هذه الجماعات داخل سوريا، نظراً لاستهدافات سابقة طالت مواقع وأفراداً تابعة لإيران وحزب الله.
تاريخ مركز البحوث العلمية في مصياف
من جانبه، قال مدير مركز رصد للدراسات الاستراتيجية، الدكتور عبد الله الأسعد، إن موقع البحوث في مصياف لم يكن في بدايته منشأة بحثية، بل كان معملاً يتبع لمؤسسة معامل الدفاع تحت إشراف "وزارة الدفاع." وبنته كوريا الشمالية في سبعينيات القرن الماضي.
واعتبارا من عام 2011، حوّل النظام السوري هذا المعمل إلى مركز للبحوث العلمية، حيث تم تجهيز المنطقة المحيطة به لتصبح منطقة عسكرية محصنة.
ويقع بالقرب منه منشآت أخرى مثل مدرسة المحاسبة ومدرسة التأهيل في مصياف، إضافة إلى معسكرات شبابية تم استغلالها لأغراض عسكرية في العقد الأخير، وفقاً للأسعد.
وأشار الأسعد إلى أن هذا المركز تم تأسيسه ليعمل كجزء من شبكة أكبر من المنشآت العسكرية، وخصوصا بعد نقل النشاطات المتعلقة بتصنيع الأسلحة والصواريخ من مناطق أخرى مثل ريف حلب وتحديدا منطقة السفيرة، خوفا من سقوط تلك المواقع في يد المعارضة.
وأضاف أن هيكلية هذا المركز تم تعديلها لتشمل مواقع إضافية على طريق قدموس وداخل منطقة وادي جهنم، مما سمح بإنشاء شبكة متكاملة تستخدم في تصنيع الصواريخ ذات المدى المتوسط والقصير، وبيّن الأسعد أن كوريا الشمالية وإيران كانتا تشاركان بشكل أساسي في عملية التصنيع.
وأكد الأسعد أن هذه المواقع، بما في ذلك المركز في مصياف، تعرضت للقصف مرات متعددة في السنوات الماضية، مشيرا إلى أن الوصول إلى هذه المواقع شديد الصعوبة نظرا للطبيعة الجغرافية المحيطة بها.
إيران تعزز وجودها في مركز البحوث
تابع الدكتور عبد الله الأسعد في تصريحاته لتلفزيون سوريا أن إيران قد عززت مؤخرا وجودها وسيطرتها على مركز البحوث العلمية في مصياف والمواقع المجاورة له، حيث عدّلت خطوط الإنتاج في هذه المنشآت.
أشار إلى أن هذا التعديل يشمل ليس فقط تصنيع الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، بل أيضا إنشاء مخازن جديدة للطائرات المسيّرة وتعديل القذائف. موضحاً أن إيران تعمل الآن في المركز على إنتاج وتعديل القذائف، وكذلك اختبار الطائرات المسيّرة وتحسين أنظمة التحكم فيها، مما يشير إلى توسيع نطاق عمل المركز ليشمل هذه المجالات المتقدمة.
وأضاف الأسعد أن هذه الأنشطة تشمل أيضا مواد كيميائية كانت إيران نقلتها إلى هذه المنطقة قبل سنوات، محاولة إبعادها عن أعين لجنة تقصي الحقائق الخاصة بالأسلحة الكيميائية.
وأشار إلى أن المنطقة المحيطة بوادي العيون، بما في ذلك طريق مصياف - وادي العيون الذي تعرض للقصف، هي منطقة جبلية يصعب الوصول إليها، مما يجعلها مثالية لإخفاء المستودعات وخطوط الإنتاج.
وأضاف أنه حتى إذا تم نقل أجزاء من المصانع إلى تلك المنطقة، فإن إخفاء المعدات والأنشطة هناك يتم بشكل محكم وصعب الكشف عنه.
وفي هذا السياق، أشار الصحفي صهيب جوهر إلى أن إسرائيل تحاول من خلال الهجوم منع أي تقدم عسكري أو نقل خبرات قد تشكل تهديدا مستقبليا، خصوصا في ظل التفاهم الإسرائيلي مع روسيا حول حجم الحضور الإيراني في سوريا.
وأوضح أن هناك رسائل تُنقل للنظام السوري وحزب الله عبر أطراف إقليمية تتعلق بمناطق وخطوط حمراء غير مسموح بتجاوزها، بما في ذلك منطقة تمتد على مساحة 40 كيلومترا مربعا في جنوب سوريا.
الغارات الإسرائيلية على مواقع النظام السوري
ومنذ تشرين الأول الماضي، شنت إسرائيل نحو 180 هجوماً على مواقع عسكرية في سوريا، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، بينما تجنبت إسرائيل الاعتراف علناً بهذه الهجمات للحد من تداعياتها، بحسب ما نقلته الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين.
ويرى "معهد دراسات الأمن القومي" في تل أبيب أن عدد الضربات الجوية على سوريا يشهد ارتفاعاً ملحوظاً في الفترة الأخيرة، كما أنّه أكثر عدوانية، بحسب المصدر.
وبدءاً من عام 2017 شنّت إسرائيل أكثر من 400 غارة جوية للحد من ترسيخ إيران وحلفائها في سوريا، وهو ما يمثل "بحسب المصدر" تسريعاً لاستراتيجية استمرت عقداً من الزمن وتعرف باسم "الحرب بين الحروب".