يواجه قطاع التعليم في شمال غربي سوريا العديد من الصعوبات التي تزداد تعقيداً مع انطلاق كل عام دراسي جديد، ما يخلق ضغوطاً متزايدة على القطاع بشكل عام، في وقت تشهد فيه المدارس نقصاً بالكوادر التعليمية والموارد الضرورية للاستمرار، في حين تكثر التساؤلات عن دور الجهات الحكومية والمحلية في دعم التعليم الذي يعد حجر الزاوية لضمان مستقبل الأجيال الصاعدة.
على مستوى مناطق نفوذ الجيش الوطني السوري شمالي وشرقي حلب، ينظم المعلمون منذ عام 2021 وقفات احتجاجية بين حين وآخر، ويرجع ذلك إلى استياء شريحة واسعة من المدرسين من الواقع السيئ للقطاع التعليمي في المنطقة، الذي يعاني من عدة إشكالات من بينها انخفاض الراتب، في حين بدت المجالس من خلال تعاملها مع الأزمة عاجزة عن تقديم أي حلول مرضية أو وعود للمعلمين المضربين، وكان أداؤها سبباً مباشراً في تصاعد الاحتجاجات، بعد تهديدها لعدد من المعلمين بالفصل.
أما في إدلب، فقد فتح الحراك الشعبي ضد سياسات "هيئة تحرير الشام"، وحكومة الإنقاذ التابعة لها، الآفاق أمام مختلف فئات المجتمع من الموظفين وغيرهم، للمطالبة بحقوقهم وتحسين بيئة عملهم بما يتناسب مع الوضع المعيشي، ويضمن حياة كريمة لهم، وكان للمعلمين نصيب في ذلك، حيث طالبوا خلال تظاهراتهم، بإعادة هيكلة نقابة المعلمين عبر إجراء انتخابات حرة لا يكون لـ "حكومة الإنقاذ" يد فيها، لتكون مستقلة تماماً، فضلاً عن المطالبة بزيادة الرواتب ووضع نظام داخلي يشمل جميع دوائر وزارة التربية والتعليم.
يعتقد كثيرون أن التعليم يشكل الأساس الراسخ لأي نهضة مجتمعية، فهو الأداة التي تنقل المجتمعات من التخلف إلى التقدم، وفي هذا السياق، ينبغي أن يكون المعلم محور الاهتمام من قِبل الحكومات، سواء في إدلب أو ريف حلب، وأن يُعتبر دعمه أولوية قصوى، فالمعلم هو المسؤول عن بناء جيل كامل، وتوجيهه وحمايته من الانحراف أو الضياع، ومع ذلك، تُتهم الجهات المعنية غالباً بالتقصير في هذا الجانب، سواء من حيث الاهتمام بالمعلم أو توفير الدعم اللازم له، وهو ما يفرض على تلك الجهات مسؤوليات إضافية لضمان بيئة تعليمية تحقق النتائج المرجوة.
تحديات وصعوبات
يصارع قطاع التعليم في شمال غربي سوريا منذ سنوات للاستمرار، حيث يواجه العديد من الصعوبات التي تزداد تعقيداً مع انطلاق كل عام دراسي جديد، وربما أبرز هذه الصعوبات هي البنية التحتية المتهالكة للمدارس، حيث تعاني معظم المدارس من أضرار جزئية أو كلية بسبب العمليات العسكرية والقصف المتكرر من جانب النظام السوري وحلفائه، كما يشكو المعلمون من ضعف الرواتب التي لا تفي بالحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية، مما يدفع كثيراً منهم إلى البحث عن وظائف إضافية أو مغادرة المهنة تماماً.
وقال نقيب فرع حلب في نقابة المعلمين السوريين الأحرار، محمد حميدي، إنّ توصيفهم كنقابة لقطاع التعليم أنه يشهد انهياراً، إذ لم يعد الأمر يقتصر على مجرد صعوبات، خاصة مع تزايد عدد المدارس الخاصة وهجرة الكفاءات التعليمية للمهنة.
وذكر حميدي في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن أسباباً كثيرة وراء سوء الواقع التعليمي، أولها نقص التمويل وضعف البنية التحتية، وقلة رواتب المعلمين، كما أن "تسييس" الملف التعليمي يلعب دوراً في تدهوره خاصة مع تدخل "التربية التركية" في المناهج.
وأضاف حميدي أن المناهج غير محدثة، ما قلل من قدرة الطلاب على التكيف مع التعليم الحديث. كما أشار إلى ارتفاع عدد الطلاب بشكل كبير، بالتالي ازدحام الشعب الصفية ما يعني التأثير سلباً على جودة التعليم، كذلك فإن الشهادات الممنوحة من المجالس المحلية غير معترف بها.
وبحسب حميدي، فإن المعلم يتقاضى راتباً قدره 2900 ليرة تركية (نحو 84 دولاراً) في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة في شمال غربي سوريا التي تصل إلى نحو 400 دولار شهرياً كحد أدنى، مضيفاً أن نقابة المعلمين دقت ناقوس الخطر منذ سنوات بهذا الخصوص، وحاولت تسليط الضوء على هذه المشكلة، إلا أن الجهات المعنية لم تجد حلولاً حقيقية للأمر.
ضعف الرواتب.. التحدي الأكبر
أحد أكبر التحديات التي يواجهها قطاع التعليم في شمال غربي سوريا هو ضعف رواتب المعلمين، فالرواتب المتدنية لا توفر احتياجاتهم الأساسية، مما يجعل مهنة التعليم غير جذابة للكثيرين.
وقال المدرّس في مدرسة بريف اعزاز "بهجت" (اسم مستعار) إنّ "الرواتب التي يتلقاها المعلمون في المنطقة بالكاد تغطي احتياجاتهم الأساسية، مما يدفع كثيرين منهم إلى البحث عن أعمال إضافية لتأمين دخل إضافي، أو التفكير في ترك مهنة التعليم بالكامل".
وأضاف بهجت في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن تدني الرواتب لا يؤثر فقط في مستوى المعيشة للمعلمين، بل ينعكس سلباً على جودة التعليم المقدم للطلاب، فالمعلم الذي يجد نفسه مضطراً للعمل ساعات طويلة خارج المدرسة، لا يستطيع التركيز بشكل كامل على تحضير الدروس أو متابعة الطلاب بشكل كافٍ.
وأردف: "نحن بحاجة إلى رواتب تمكننا من التفرغ الكامل لمهامنا التعليمية وتطوير مهاراتنا بدلاً من القلق اليومي بشأن كيفية تأمين لقمة العيش".
واقترح المعلم زيادة الرواتب لتتناسب مع التكاليف المعيشية في المنطقة، مؤكداً على أهمية العمل المشترك بين المنظمات التعليمية المحلية والدولية لتأمين دعم مالي إضافي للقطاع التعليمي، حيث يجب أن يكون التعليم على رأس الأولويات لضمان مستقبل أفضل للأجيال المقبلة.
كما أشار إلى إمكانية تقديم حوافز مالية إضافية للمعلمين الذين يعملون في المناطق الأكثر تضرراً أو النائية أو في المخيمات، حيث تكون الظروف أصعب، مضيفاً "يمكن أن تكون هذه الحوافز عاملاً لبقاء المعلمين في مناطقهم وتحسين أدائهم في العمل"، على حد قوله.
هشاشة البنية التحتية
تعاني البنية التحتية للمدارس في شمال غربي سوريا من أضرار جسيمة، حيث تعرضت العديد من المباني المدرسية للتدمير الكامل أو الجزئي بسبب قصف قوات النظام وروسيا، كما أن بعض المدارس تُستخدم كمقارّ عسكرية سواء للفصائل أو الشرطة، مما يزيد من نقص الأماكن المتاحة للطلاب، في حين تعاني المدارس القائمة من نقص في التجهيزات الأساسية، مثل الطاولات والمقاعد والكتب الدراسية.
وبهذا الخصوص، قال نائب مدير الدفاع المدني السوري، منير مصطفى، في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: "دأب نظام الأسد وروسيا، طوال سنوات حربهم على السوريين، على استهداف المرافق العامة والمؤسسات الخدمية من مختلف القطاعات من دون أي رادعٍ أو التزامٍ بالقوانين والمواثيق الدولية، وتأتي المؤسسات التعليمية والمدارس على رأسِ تلك المؤسسات التي كانت هدفاً لقنابل وصواريخ النظام وروسيا خلال 13 سنة الماضية، وهو ما يُثبت إصرار النظام وحلفائه على حرمان السوريين من مستقبلهم كما حرموهم من ماضيهم وحاضرهم".
ووفق مصطفى، كان العام الماضي قد شهدَ أرقاماً مرتفعة لاستهداف النظام وروسيا للمدارس في شمال غربي سوريا، إذ تم استهداف 29 مدرسة، منها الاستهداف بالقصف المدفعي لمدرسة الشهداء في بلدة آفس شرقي إدلب في الـ 2 من كانون الأول الماضي، خلال فترة الدوام الرسمي للطلاب في المدرسة، وأدى القصف حينئذ إلى إصابة معلمة و3 أطفال، ولاحقاً توفيت المعلمة "رانيا محيميد" والطفل "إبراهيم فريد المصطفى" اللذين أصيبا في القصف المذكور.
وكذلك تسببت العمليات العسكرية والقصف الممنهج من قبل قوات النظام وروسيا، بتضرر آلاف المدارس منذ عام 2011، حيث استجاب الدفاع المدني السوري منذ عام 2019 حتى الآن لـ 172 هجوماً شنها نظام الأسد وروسيا استهدفت مدارس ومنشآت تعليمية في شمال غربي سوريا.
وكانت الهجمات موزعة على: 89 هجوماً في عام 2019، و40 هجوماً في 2020، و7 هجمات عام 2021، وهجومَين في عام 2022، و29 هجوماً في عام 2023، وبلغ عدد الهجمات على المدارس في شمال غربي سوريا منذ بداية العام الحالي 2024 حتى 5 من أيلول 8 هجمات.
ولفت مصطفى إلى أن الدفاع المدني يسهم في حماية العملية التعليمية في شمال غربي سوريا عبرَ عددٍ من الإجراءات التي تسعى لتأمين سلامة الطلاب والكادر التعليمي، ومنها تركيب أجهزة الإنذار الضوئي، وتم تركيب أجهزة في 93 مدرسة، والتي تعطي تحذيرات مبكرة في حال احتمال تعرض هذه المدارس للغارات الجوية، إضافة إلى تنظيم جلسات توعوية وإقامة فرضيات لتدريب الطلاب والكوادر التعليمية على الإخلاء الآمن في حالات القصف والكوارث، للحفاظ على سلامة الطلاب.
كما تحاول "الخوذ البيضاء" دعم العملية التعليمية في شمال غربي سوريا عبر أعمالها بطرق شتى، منها إعادة بناء وترميم المدارس التي تضررت بسبب الزلزال وحملات القصف الممنهجة لقوات النظام وروسيا، أو تجهيز المدارس لفترة الامتحانات والوجود في المراكز الامتحانية خلال تلك الفترة للتدخل في حال حصول أي طارئ.
عبء مالي على السكان
بات تأمين الحقائب المدرسية، والكتب، والقرطاسية، والزي المدرسي للطلاب يشكل عبئاً كبيراً على الأسر بسبب الارتفاع المستمر في الأسعار وتراجع الأوضاع الاقتصادية، خاصة أن أبسط الأدوات أصبحت تكلف مبالغ كبيرة لا يستطيع معظم الأهالي تحملها، في ظل الأوضاع المعيشية المتدهورة.
وتعتمد معظم الأسر في المنطقة على دعم محدود من المنظمات الإنسانية، والتي غالباً ما تكون غير كافية لتغطية احتياجات جميع الطلاب، علماً أن المساعدات قليلة، وأحياناً تصل متأخرة، مما يضطر بعضهم إلى شراء المستلزمات بأسعار مرتفعة من الأسواق، في حين يعجز الغالبية عن الشراء بالأصل.