أنهت المدارس في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية التابعة لمديريات التربية والتعليم في المجالس المحلية ضمن مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي العام الدراسي 2023 / 2024 وفق التقويم المدرسي من دون انقطاع طيلة العام، في وضع هو الأول منذ سبعة سنوات.
ويجري طلبة المراحل الإبتدائية والإعدادية والثانوية الامتحانات النهائية، وباشر طلبة شهادة التعليم الأساسي (الثالث الإعدادي) امتحاناتهم في 2 حزيران الجاري، بينما من المفترض أن تبدأ امتحانات طلبة الشهادة الثانوية العامة في مطلع تموز القادم.
وأغلقت المدارس أمام الطلاب خلال الأعوام الدراسية السابقة، متأثرةً بكارثة الزلزال، وإضراب المعلمين، وأزمة كورونا، والظروف الأمنية، مما أدى إلى إحداث خلل في القطاع التعليمي الذي يعاني من تراجع مستمر، لا سيما أن الإغلاق تسبب في تسرب آلاف الطلاب من المدارس، وفقدان الثقة بالمدارس العامة، وحال دون إنهاء المقررات الدراسية، فهل استطاع القطاع التعليمي ردم الفجوة خلال هذا العام؟
أول عام دراسي دون انقطاع
يعتبر العام الدراسي 2023 /2024 الأول من نوعه منذ العام 2017 كونه استمر من دون انقطاع أو إغلاق للمدارس، بينما حقق خلاله المعلمون والمدرسون إنجازات واسعة على المستويين التعليمي والتربوي، فضلاً عن إنهاء المقررات الدراسية لمختلف المراحل التعليمية في المدارس العامة.
واستطلع موقع تلفزيون سوريا، آراء شريحة واسعة من المعلمين والمدرسين في مدن شمال وشرقي حلب، بينهم عاملون في المدارس وضمن مديريات التربية، بهدف معرفة مستوى أداء القطاع التعليمي، ورصد المنجزات والتحديات والمشكلات التي اعترضت العملية التعليمية خلال العام الدراسي المنصرم.
وتفاوتت الآراء من منطقة إلى أخرى، ففي مدن اعزاز ومارع وعفرين والباب وجرابلس وصوران والراعي، كان القطاع التعليمي مستقرا نسبياً، ويواجه مشكلات بين حين وآخر جراء القصف المدفعي والصاروخي من قبل وحدات حماية الشعب في تل رفعت. بينما كان في منطقة أخترين مختلفاً كلياً إذ تضرر القطاع التعليمي جراء الخلافات العائلية والفصائلية التي استمرت قرابة أربعة أشهر ما أدى إلى إغلاق المدارس والمرافق العامة.
واستطاع المدرس عبد الكريم المحمد، في مدينة اعزاز شمالي حلب الانتهاء من المقررات الدراسية للصف السادس في المرحلة الابتدائية خلال العام الحالي، لأول مرة منذ عدة سنوات، بعدما كان يضطر إلى حذف أجزاء من المنهاج والمقررات الدراسية نتيجة حالات إغلاق المدارس متأثرةً بأحداث أمنية وعسكرية وإنسانية.
وقال خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "إن استقرار أوضاع القطاع التعليمي، وعدم إغلاق المدارس أمام الطلاب ضروري لأن ذلك يتسبب في تسرب الطلاب من مقاعد الدراسة، في ظل الضائقة المعيشية حيث يضطر الطلاب إلى العمل في مهن مختلفة". وأضاف أن أداءه في الصف كان جيداً مقارنةً مع الأعوام السابقة، رغم أنه تعرض للعديد من التحديات والمعوقات التي لا تزال ترافق القطاع التعليمي.
إلى مدينة الباب شرقي حلب، فقد أكد المدرس محمد دبك في إحدى مدارس المدينة، خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن العملية التعليمية حملت خلال العام الدراسي إيجابيات وسلبيات، فالإيجابيات كانت بانتهاء المشادات والخلافات وإبعادها عن القطاع التعليمي، وتكامل بنية القطاعين التعليميين العام والخاص، بينما السلبيات كانت في انخفاض الأجور، ونزيف الخبرات التدريسية وضعف الوسائل التعليمية.
إغلاق وتعطيل الدوام المدرسي
تضررت العملية التعليمية نتيجة إغلاق المدارس في مختلف المراحل، ضمن مناطق شمال وشرقي حلب خلال الأعوام الدراسية الماضية، متأثرةً بكارثة زلزال تركيا وسوريا، والظروف الأمنية والاقتصادية، وإضراب المعلمين احتجاجاً على قلة الرواتب، وأزمة فيروس كورونا (كوفيد 19).
ففي العام الدراسي 2022 / 2023، أغلقت المدارس لمدة شهر ونصف في بعض المناطق، وأغلقت كلياً في مناطق أخرى، جراء كارثة زلزال السادس من شباط، وتدمر وتصدع المدارس، وتحول بعضها إلى مراكز إيواء للناجين من الكارثة، فضلاً عن مخاوف تكرار الزلزال مما أدى إلى انقطاع الدوام المدرسي.
بينما شهد العام الدراسي 2021 /2022 إغلاقا لمدة شهرين على التوالي تخللهما احتجاجات للكوادر العاملة في القطاع التعليمي، وإضرابات عن الدوام، ما تسبب في اختصار الدوام لفترة ستة أشهر من أصل ثمانية، مما انعكس سلباً على أداء العملية التعليمية.
كما شهد العام الدراسي 2020 / 2021 إغلاقا للمدارس والمؤسسات التعليمية العامة لمدة شهر كامل خلال تشرين الأول، جراء إضراب الكوادر التعليمية عن الدوام احتجاجاً على انخفاض الأجور الشهرية وسياسية التعامل مع القطاع التعليمي، ما أدى إلى فشل العملية التربوية والتعليمية.
في حين، شهد العام الدراسي 2019 /2020 إغلاق المدارس بشكل كامل في مناطق شمالي سوريا في إطار الوقاية من انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)، في منتصف العام، فضلاً عن تحول عدد من المدارس إلى مراكز إيواء للنازحين من ريف إدلب الجنوبي، ما أدى إلى انقطاع الطلاب عن الدوام خلال الفصل الثاني، وأحدث تراجعاً في العملية التعليمية.
يشار إلى أن العملية التعليمية من النادر أن تواصل مسيرتها في مناطق سيطرة الجيش الوطني شمالي حلب، متأثرةً بالعديد من الظروف المحيطة، ولعل أبرزها الظروف الأمنية والاقتصادية والسياسية والتي تؤدي إلى إغلاق المدارس بشكل كلي، لفترات متقطعة ما ينعكس سلباً على القطاع التعليمي، المتهاوي أساساً.
هل استطاع القطاع التعليمي ردم الفجوة؟
يتأثر القطاع التعليمي بالمحيط الأمني والاقتصادي والإنساني والاجتماعي والسياسي، وأي خلل يصيب المنظومة التعليمية والتربوية سيعود سلباً على الطالب، فالأعوام الدراسية السابقة شهدت توقف للتعليم بشكل كلي أو جزئي مما تسبب في تضرر متابعة التحصيل العلمي لدى الطلاب، حسب ما أوضح مدير مدرسة تلالين الابتدائية محمد علي النجار.
وقال النجار لموقع تلفزيون سوريا: في العام الدراسي الماضي لم تتضرر العملية التعليمية بسبب إغلاق المدارس، إلا أنها لم تكن بالمستوى المطلوب، نتيجة ضعف الطلاب، في الصفوف الدراسية السابقة، سيما أن إغلاق المدارس خلال الأعوام السابقة كان يتسبب في اجتزاء المناهج، وهذا يشكل انقطاعا تعليميا لدى الطالب لأن المناهج مرتبطة ببعضها البعض".
وأضاف: "المعلم ملزم بتقديم المنهاج، لكن الطلاب لا يزالون قاصرين عن استيعاب المعلومات الجديدة التي يصعب إيصالها لأذهانهم، بالتالي اضطر المعلمون لإجراء مراجعات ضرورية تربط المعلومات الدراسية ببعضها، إلا أنها تسببت في عدم ردم الفجوة التي أحدثتها الأعوام السابقة ما يعني عدم إعطاء المعلومة حقها من حيث الزمن وبالتالي عدم رسوخ المعلومة في ذهن الطالب بشكل كامل".
بدوره محمد الحسن مدير تربية مدينة أخترين، أكد أن القطاع التعليمي لم يتمكن من ردم الفجوة التي أحدثتها فترات الانقطاع، رغم المحاولات الخجولة التي لم ترق إلى مستوى الطموح، حيث بقيت محدودة النطاق والفعالية، نتيجة ضعف الإمكانات وعدم توفر البنية التحتية لدى المؤسسات التعليمية.
وقال إبراهيم القدور مدير التربية في مدينة الباب، إنهم حاولوا ردم الفجوة التعليمية التي أحدثها الانقطاع خلال الأعوام الدراسية الماضية جزئياً، من خلال تدريب الكوادر للعمل على الفاقد التعليمي، والنادي الصيفي للمواد الأساسية (التعليم التعويضي).
وقال لموقع تلفزيون سوريا: إن مديرية التربية عملت على تأمين الشواغر، وما يلزم من وسائل تعليمية، وإصلاحات للبنية التحتية، بإشراف المجلس المحلي، فضلاً عن افتتاح 7 مدارس إضافية من بينها الثانوية الصناعية، وأجرت التربية مسابقات واختبارات مركزية للمواد على مستوى المدارس، فضلاً عن دورات تدريبية للمعلمين والمعلمات الوكلاء بهدف تحسين مستوى الأداء التعليمي".
وإلى مدينة اعزاز، فقد أوضح عضو المكتب التعليمي في المجلس المحلي لمدينة اعزاز يوسف حاجولة، أن مديرية التربية عملت على ردم الفجوة من خلال دعم المدارس بالاحتياجات اللوجستية وتوفير كوادر الدعم النفسي والاجتماعي والخدمات الصحية وبحث أسس التعليم الحديث.
وأضاف: "المدارس شمالي حلب لا تزال تتجه نحو مهارات التفكير الدنيا، وفق هرم بلوم، ضمن ستة مستويات، هي: التذكر، والفهم، والتطبيق، والتحليل، والتركيب، والتقويم، لأسباب عدة تتعلق بالمناهج الدراسية والكفايات التعليمية، والتجهيزات المدرسية". وأوضح أن المكتب التعليمي يواصل عمله على إعادة الاستقرار في المدارس العامة، كما يعمل على إعداد معلمين مختصين في الطرائق التعليمية الحديثة، التي تعتمد على تنمية مستويات الفكر العليا.
ويتفق من تحدثنا إليهم لإعداد التقرير، أن مشكلة القطاع التعليمي شمالي حلب لا ترتبط فقط بانقطاع الدوام، وإنما بانخفاض الرواتب التي تدفع المعلمين إلى البحث عن عمل رديف لمهنة التعليم، أو بديل ما يؤدي إلى هجرة الكوادر لمهنة التعليم، ويحل مكانهم غير المختصين، مما ينعكس سلباً على نوعية التعليم.
إضافةً إلى شح الوسائل التعليمية، والتسرب المدرسي الذي يصل نسبة 15 بالمئة متأثراً بالعديد من العوامل، كالهجرة والنزوح وانعدام الاستقرار المعيشي والاقتصادي للأهالي، التي تدفع الطلاب إلى البحث عن فرصة عمل لإعالة أسرهم، واكتظاظ الشعب الصفية.
كما طالبوا العمل على توحيد المؤسسات التعليمية في القطاع العام (مديريات التربية في المجالس المحلية) وإنشاء مرجعية إدارية واحدة، بهدف تخفيف الأثار السلبية والفوضى الإدارية التي تنعكس على الطلاب والكوادر التدريسية، بالدرجة الأولى.
يشار إلى أن مديريات التربية والتعليم في مدن ريفي حلب الشمالي والشرقي مستقلة غير مرتبطة ببعضها البعض وتختلف قرارات كل منها عن الأخرى، وتتبع للمجالس المحلية وتدار عبر منسق تركي من قبل إدارة التربية التركية في ولايات غازي عنتاب، وكلس وهاتاي التركية.