بعد قرابة شهرين من التصعيد العسكري على أحياء درعا البلد المُحاصرة والتي تخلّلتها جولات مكوكية من المفاوضات عمِل نظام الأسد بتعنته على إفشالها، تمكّنت الشرطة العسكرية الروسية من دخول الأحياء لتنفيذ اتفاق جديد، يهدف إلى إنهاء التصعيد الذي أثار موجة قلق إقليمي ودولي.
أمس الأربعاء (الموافق 2 أيلول 2021) دخلت الشرطة الروسية الأحياء المُحاصرة - منذ 25 حزيران 2021 - بمرافقة "اللواء الثامن" التابع لـ"الفيلق الخامس" المرتبط بروسيا وضباطٍ أمنيين من نظام الأسد، إضافةً إلى وجهاء درعا وأعضاء لجان التفاوض فيها، وذلك لتثبيت وقف إطلاق النار والبدء بتنفيذ بنود الاتفاق الجديد.
وبحسب مصادر لـ موقع تلفزيون سوريا فقد جرى، أمس، تسوية أوضاع 212 شاباً من أبناء مدينة درعا، مع تسليم قرابة 30 قطعة من السلاح الخفيف، على أن تُستكمل إجراءات "التسوية" وتنفيذ باقي بنود الاتفاق، في وقتٍ لاحق من اليوم الخميس.
اقرأ أيضاً.. اللجنة المركزية تعلن بنود الاتفاق النهائي مع النظام حول درعا البلد
ونصّ الاتفاق الجديد والنهائي الذي ضمنته روسيا - وفق ما أعلنت اللجنة المركزية في درعا البلد - على عدّة بنود أبرزها: تمركز دورية للشرطة العسكرية الروسية في درعا البلد، وفتح مركز لتسوية أوضاع المطلوبين وأسلحتهم، ونفي وجود الغرباء، ونشر أربع نقاط أمنية للنظام، وإعادة عناصر مخفر الشرطة، والعمل على إطلاق سراح المعتقلين وبيان مصير المفقودين.
وجاء الاتفاق الجديد بعد سلسلة مفاوضات بين لجان درعا البلد ووجهائها وبين نظام الأسد، برعاية روسيا التي حاولت الظهور كطرف ثالث و"محايد"، تسعى من خلاله إلى إنهاء الأزمة التي تصاعدت في درعا وريفها، منذ 25 حزيران الماضي، حينما أصرّ "النظام" على تسليم جميع الأسلحة الخفيفة زاعماً أن هذا ما ينص عليه اتفاق "التسوية" عام 2018.
وكانت دوافع نظام الأسد بفرض حصار على درعا البلد، إخضاع إرادة أبنائها وكسر صمودهم وإرغامهم على تقديم التنازلات وتسليم السلاح الخفيف والسماح بتفتيش منازلهم، بسبب مواقفهم المناهضة للنظام، وآخرها رفضهم للانتخابات الرئاسية التي أعادت بشار الأسد "رئيساً" لـ سوريا، رغم ما ارتكبه من مجازر واعتقالات وإخفاء بحق مئات آلاف السوريين، وتشريد وتهجير الملايين منهم، طوال السنوات العشر الماضية.
اقرأ أيضاً.. حصار درعا البلد.. دوافع تصعيد "النظام" ومآلاته
اتفاقات عديدة في درعا البلد
في ظلّ إحكام نظام الأسد حصاره على أحياء درعا البلد، توصّلت اللجنة المركزية إلى اتفاق مع نظام الأسد، يوم 26 تموز 2021، يشمل في بعض بنوده "تسليم عدد محدّد من السلاح الفردي، وتسوية وضع عدد من الأشخاص المطلوبين للنظام، مقابل رفع الحصار عن الأحياء".
ولكن "الفرقة الرابعة" في قوات النظام وميليشيات إيران بدأت تقصف أحياء درعا البلد بالتزامن مع عقد جولات المفاوضات، الأمر الذي صعّد التوتر ودفع مقاتلي درعا إلى الردّ، فضلاً عن تحرّك لمقاتلين في الريف ضد "النظام"، نصرةً للأحياء المُحاصرة.
وبعد أيام من قصفِ قوات "الأسد" لأحياء درعا البلد، دعا الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف إلى ضرورة حماية المدنيين في محافظة درعا، في حين دانت وزارة الخارجية الأميركية هجوم "النظام" على درعا ووصفته بـ"الوحشي"، بينما دعا السيناتور بوب مينيندز - رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي - إلى مساءلة نظام الأسد وداعميه.
من جانبها أصدرت لجنة التفاوض في محافظة درعا بياناً دعت فيه روسيا إلى الالتزام بوعودها، وحذرت مما وصفتها "الهيمنة الإيرانية" على الجنوب السوري.
اقرأ أيضاً.. وزير دفاع "النظام" يصل درعا و"اللواء الثامن" يدخل حي الشياح
اقرأ أيضاً.. درعا.. "العودة" يرد على "أيوب" واجتماع موسع في طفس
استمرت قوات النظام وميليشياتها بالتصعيد العسكري على أحياء درعا البلد وتكرّرت عملية المفاوضات وعُلقّت أكثر من مرّة، ليُعلن الوفد الروسي "راعي المفاوضات" بأنّ "الحرب في المحافظة انتهت"، إلا أنّ "الفرقة الرابعة" وميليشيات إيران واصلت مجدّداً، بعد أيام، قصف الأحياء المٌحاصرة وحاولت اقتحامها.
وخلال القصف المستمر كُشف النقاب عن اتفاق جديد "قبِلت" به اللجنة المركزية خلال التفاوض مع لجان "النظام" الأمنيّة برعاية الوفد الروسي، الذي قدّم خلال المفاوضات "خريطة طريق روسية" من عدة بنود من أبرزها: تسليم السلاح الخفيف، وتهجير بعض المطلوبين إلى الشمال السوري، إلا أنّ المفاوضات تعثرت مجدّداً.
الحديث مجدّداً عن اتفاق 2018 في درعا
كرّر الناطق باسم لجنة التفاوض في درعا عدنان المسالمة أكثر من مرّة أنّ "نظام الأسد والروس يريدون الالتفاف على اتفاق 2018 وإبرام اتفاق جديد للسيطرة على المدينة بمختلف الذرائع"، مطالباً بالعودة إلى الاتفاق، وذلك خلال اجتماعِ عقده - عبر منصة "زووم" - مع المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، لبحث آخر التطورات العسكرية والإنسانية في درعا.
وفي تسجيلات صوتية مسرّبة للاجتماع الأخير بين الجنرال الروسي (المسؤول في ملف التفاوض) ووجهاء وأعضاء لجان تفاوض درعا، قال "الروسي" إنّ "اتفاق التسوية عام 2018 كان مؤقتاً، وجاء لظروف خاصة، وإنّ نظام الأسد سيفرض سيطرته على درعا البلد وعلى باقي المناطق أيضاً في محافظة درعا، ومن بينها مدينة طفس".
كذلك وجّه الجنرال الروسي اتهامات إلى اللجنة المركزية في درعا البلد بإفشال المفاوضات، وإلى مسلّحي المنطقة في تعزيز دفاعاتهم واستعدادهم للحرب"، مشيراً إلى أنّ "القوات الروسية قالت إنها تضمن عدم دخول قوات النظام ولكن لِمَن يحترم قوانين الدولة (أي نظام الأسد)".
وردّ وجهاء درعا البلد على اتهامات الجنرال الروسي قائلين إنّ "شبّان المنطقة خرجوا بسلاحهم الخفيف الفردي للدفاع عن أنفسهم وأعراضهم من قوات النظام التي حاصرت درعا البلد واقتحمت المنازل وسرقتها"، مشيرين في الوقتِ عينه إلى أنّ "اتفاق 2018 نصّ على تسليم السلاح الثقيل والمتوسط فقط".
— نبأ (@NabaaFoundation) September 1, 2021
بنود اتفاق 2018
نصّ اتفاق التسوية الذي أبرم في محافظة درعا، منتصف تموز 2018، عقب حملة عسكرية تسبّبت بنزوح أكثر من 200 ألف شخص من المحافظة - وفق إحصائية الأمم المتحدة - ووضعت فصائل المعارضة السورية أمام خيار "تسوية" أوضاعهم أو التهجير إلى الجيب الأخير في الشمال السوري، وكانت أبرز بنود اتفاق التسوية 2018 - برعاية وضمان روسيا - هي:
- تسليم "السلاح الثقيل والمتوسط" لدى الفصائل العسكرية إلى النظام.
- تسليم المعابر الحدودية.
- دخول مؤسسات "النظام" وعودة الموظفين إلى أعمالهم.
- تسوية أوضاع المسلّحين والمطلوبين من أبناء المحافظة، وإعطاء مهلة 6 أشهر للمطلوبين بالالتحاق بالخدمة الإلزامية، ووقف عمليات الاعتقالات والملاحقات الأمنية والإفراج عن المعتقلين.
اقرأ أيضاً.. تعرف إلى 23 بنداً وسؤالًا تضمنتها ورقة "التسوية" بدرعا
ولكن معظم بنود الاتفاق وخاصّة المتعلقة بمصالح أبناء درعا لم يُنفّذها "النظام" ولم يتقيّد بها، وأبرزها ما يتعلق بخروج المعتقلين وتسوية أوضاع المنشقين والمطلوبين وإيقاف الملاحقات والبلاغات الأمنية بحق أصحاب "التسويات".
يذكر أنّ معظم الفصائل العسكرية في درعا قد قبِلت بـ"التسوية والمصالحة"، وبقي مع الفصائل التي عُرفت لاحقاً بـ"فصائل التسويات" قسم من السلاح الثقيل، حيث استغلّ "النظام" تلك الفصائل في قتال ما تبقّى - حينذاك - من خلايا تنظيم الدولة (داعش) في منطقة حوض اليرموك غربي درعا، ولاحقاً في قتال "التنظيم" بالبادية السورية.
أهمية درعا
تبرز أهمية محافظة درعا بأنها مهد الثورة السورية التي انطلقت ضد استبداد نظام الأسد، منتصف آذار 2011، فضلاً عن أهميتها الجغرافية لكونها قريبة من حدود الجولان السوري الذي تحتله إسرائيل، فضلاً عن أنها منطقة حدودية مع الأردن، وتعدّ بوابة العبور إلى الخليج العربي.
اقرأ أيضاً.. الانتفاضة الثانية.. درعا تفضح وهم "انتصار الأسد"
ورغم العديد من اتفاقات "التسوية" التي تمكّنت روسيا من تمريرها في مناطق سوريّة عدّة ومكّنت من خلالها نظام الأسد من استعادة السيطرة عليها، خاصّة في شمالي حمص وغوطتي دمشق، فإنّ اتفاق درعا يختلف عن غيره من الاتفاقات، بسبب وجود مصالح أميركية - إسرائيلية في المنطقة.
وبحسب تقارير إخبارية فإنّ التطورات الأخيرة في درعا حظيت باهتمام دولي وإقليمي واسع، فضلاً عن مراقبة حذرة من قبل الأردن وإسرائيل القريبتين، خشية انعكاس تلك التطورات "سلباً" على أمنهما الداخلي.
وذكرت التقارير أنّ الأردن يخشى من أن يؤدي التصعيد في درعا إلى حركة نزوح جماعية للسكّان باتجاهه، ما يضاعف أعداد اللاجئين السوريين، الذين تقدّر أعدادهم هناك بأكثر من مليون لاجئ سوري، فضلاً عن الحذر الإسرائيلي من الوجود المكثّف لـ ميليشيات إيران قرب الحدود.
اقرأ أيضاً.. "جيروزاليم بوست" تشرح خيارات إسرائيل ضد إيران في سوريا للعام 2022
اقرأ أيضاً.. الجنوب السوري يشهد تصفية الحسابات بين إيران وإسرائيل
وبحسب التقارير فإنّ هناك مخاوف تركية أيضاً من فرض نظام الأسد سيطرته الكاملة على الجنوب السوري، ما يدفعه لاحقاً إلى تركيز جهوده على الشمال، وخاصة محافظة إدلب، التي شهدت حملات عسكرية عدّة تقدّمت فيها قوات النظام وسيطرت على مناطق واسعة، بدعمٍ روسي وإيراني.
خريطة السيطرة في محافظة درعا
تسيطر قوات نظام الأسد على معظم مدينة درعا خاصةً (درعا المحطّة)، والقطاع الأوسط وأجزاء من مناطق الريف الغربي، في حين تسيطر الميليشيات الإيرانية - بالاشتراك مع "الفرقة الرابعة" والمخابرات الجوية الموالية لإيران - على مناطق شمال وشرقي درعا، فضلاً عن وجود معسكرات لميليشيا "حزب الله" اللبناني في منطقة اللجاة.
ويسيطر "اللواء الثامن" - يضم "فصائل التسويات" - التابع لـ"الفيلق الخامس" المرتبط بروسيا، على مدينة بصرى الشام وأجزاء من مناطق شرقي درعا المحيطة بالمدينة، وسط محاولات "اللواء" منع ميليشيات إيران من التغلغل في مناطق سيطرته.
أمّا مقاتلو المعارضة السوريّة الذين ما زالوا يحتفظون بسلاحهم الخفيف وغير منضوين ضمن فصائل "التسوية"، فإنهم يسيطرون - حتى الآن - على مناطق متفرقة من محافظة درعا، من أبرزها درعا البلد في المدينة، ومدنيتا طفس وجاسم في الريف الشمالي الغربي.
يشار إلى أنه ورغم التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق نار - قال المفاوضون إنه نهائي - في درعا البلد، فإنّ التوتر ما يزال يسود المنطقة، خاصّةً أنّ نظام الأسد "معتاد" - بدعم من ميليشيات إيران - على خرق الاتفاقات وعدم الالتزام بها، في ظل الحديث عن صراع روسي - إيراني لبسط نفوذ أحدهما على كامل الجنوب السوري.