عاد المشهد السياسي والعسكري لـ الجنوب السوري مِن جديد وبقوة أكبر، في شهر حزيران عام 2018، وبعد أن تمكّنت قوات "نظام الأسد" - بدعم روسي - مِن السيطرة على أكبر وأبرز معاقل الفصائل العسكرية في ريف دمشق المجاور، وانتهت الحملة العسكرية في (الغوطة الشرقية، القلمون الشرقي، بلدات جنوب دمشق) باتفاق أدّى إلى تهجير مقاتلي الفصائل برفقة عائلاتهم وعشرات آلاف المدنيين إلى الشمال السوري، ليبدأ التلميح بحملة مماثلة على درعا.
وتمهيداً لـ تلك الحملة العسكرية، استقدمت قوات النظام إلى مدينة درعا مجموعات مِن ميليشيات "طراميح قمحانة، فوج الأسمر، أحمد سيغاتي، الفهود، الطه، الأشتر، الجوية" التابعة لـ قوات "سهيل الحسن" (الملقّب بـ"النمر") والمدعومة روسيّاً، جاء ذلك عقب ظهور رأس النظام "بشار الأسد" على قناة "العالم" الإيرانية ولمّح خلاله بأن "الخطوة القادمة بعد الغوطة قد تكون درعا لتعزيز مسار المصالحات أو الحسم العسكري"،
ورغم شمول محافظة درعا في مناطق "تخفيف التصعيد" وخضوعها لـ اتفاق "تهدئة" توصلت إليه "روسيا وأمريكا والأردن" شهر تموز عام 2017، إلّا أن النظام استمر في حشدِ قواته وميليشياته مِن أجل السيطرة على كامل مناطق سيطرة الفصائل العسكرية في محافظتي درعا والقنيطرة، مستهدفاً إياها بمختلف أنواع الأسلحة، في خرق متواصل لـ الاتفاق.
ونتيجة لـ خروقات النظام المتكررة لـ اتفاق "تخفيف التصعيد"، كثّف الأردن - حسب وزير خارجيته أيمن الصفدي - اتصالاته مع "الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا" لـ ضمان عدم تفجير القتال في الجنوب السوري، داعياً "الصفدي" إلى ضرورة تكاتف الجهود لإنهاء ما سمّاها "الأزمة السورية" عبر الحل السياسي.
وعلى الرغم مِن استمرار المباحثات الدولية بين "إسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والأردن" مِن أجل الحفاظ على "خفض التوتر" في درعا، ظلّ "نظام الأسد" مستمراً في تحركاتهِ وتعزيزاته العسكرية نحو مدينة درعا وريفها الشرقي، تزامناً مع قصفِ معظم مدن وبلدات المنطقة، وإغلاقه كامل الطرق والمعابر الواصلة بين محافظتي درعا والسويداء، بعد استقدام تعزيزات ضخمة إلى الريف الشمالي الغربي في السويداء.
اندماج فصائل درعا وزعم روسي بعدم مساندة النظام
رغم التحذيرات الأمريكية مِن انتهاكات "نظام الأسد" لـ اتفاق "تخفيف التصعيد" في الجنوب السوري، واستعدادها لـ اتخاذ إجراءات حازمة ضد قواته والميليشيات المساندة له، إلّا أن "النظام" صعّد في الـ 15 مِن شهر حزيران الفائت (أول أيام عيد الفطر)، مِن عمليات القصف المدفعي والصاروخي على مدينة الحارة وبلدتي عقربا وكفرشمس شمال درعا، ما أسفر عن مقتل ستة مدنيين وجرح 11 آخرين.
وزاد تصعيد عمليات القصف بما فيها "الجوي" في الـ 19 مِن الشهر ذاته، على بلدتي "بصر الحرير، وناحتة" وقرى منطقة اللجاة في الريف الشمالي الشرقي، ما تسبّب بوقوع ضحايا مدنيين، وحركة نزوح كبيرة لـ الأهالي إلى ريف درعا الغربي، دفع الفصائل العسكرية العاملة في الجنوب، إلى تشكيل "غرفة عمليات مركزية"، بهدف التصدّي لـ هجوم يعتزم النظام تنفيذه في المنطقة.
وضمّت "الغرفة المركزية" جميع الفصائل العسكرية المنضوية في غرف عمليات بمحافظتي درعا والقنيطرة، مؤكّدةً في بيان الإعلان عن تشكيل (القيادة المركزية)، أنه "بعد إتمام غُرف العمليات تثبيت أركانها وتسلم مهامها في مختلف قطاعات الجنوب السوري، متخذة قرار الصمود والتحدي، أعلنت عن تشكيل العمليات المركزية في الجنوب"، وأن خيارها هو "الصمود بوجه أي عمل للنظام وحلفائه".
لن نكون قادرين على مساعدة الجنوب دافعوا عن أنفسكم
وجاء قرار الفصائل بالمواجهة، عقب إعلان الولايات المتحدة بأنها لن تتدخل "عسكريأً" لـ دعم الفصائل في مواجهة قوات النظام، وأبلغتهم ذلك عبر رسالة كتبت باللغة العربية جاء فيها - حسب قياديين عسكريين - "لا بد من توضيح موقفنا: نفهم أنه يجب اتخاذ قراركم حسب مصالحكم ومصالح أهاليكم وفصيلكم وينبغي ألا تسندوا قراركم على افتراض أو توقع بتدخل عسكري من قبلنا"، موضحين أن رسالة أمريكا تعني "لن نكون قادرين على مساعدة الجنوب، دافعوا عن أنفسكم".
في ظل هذه التطورات واستمرار التصعيد العسكري لـ "نظام الأسد" على درعا، كشفت مصادر دبلوماسية أردنية لـ وكالة الأنباء الإيطالية "آكي"، عن تأكيدات روسيا بأنها لن تقدم غطاء جوياً لـ أي عملية عسكرية "محتملة" قد يشنها "النظام وإيران" على مدينة درعا، مضيفةً أن القوات التي ستحاول السيطرة على أية مناطق هناك ستكون مكشوفة لـ"أمريكا وإسرائيل"، إلّا أن "روسيا" دخلت المعركة إلى جانب "النظام" بعد أربعة أيام مِن بدئها.
"النظام" يبدأ حملته العسكرية على درعا
في الـ 19 مِن شهر حزيران الفائت، بدأت الحملة العسكرية "الشرسة" لـ قوات النظام والميليشيات "الأجنبية" المساندة لها على مدينة درعا وريفها الشرقي، منطلقةً مِن "كتيبة الدفاع الجوي" في بلدة مسيكة و"كتيبة الصواريخ" قرب بلدة النعيمة، وسط قصفٍ جوي ومدفعي وصاروخي "مكثّف" طال البلدتين وعموم منطقة اللجاة شمال شرق درعا.
وسيطرت قوات النظام في بداية حملتها على هدفها الأول بلدة "بصر الحرير"، ونتج عن ذلك قطع خطوط الإمداد عن الفصائل العسكرية في منطقة "اللجاة" شمال شرق درعا وفرض حصار عليها، تبع ذلك سيطرته على بلدتي "ناحتة ومليحة العطش" القريبتين، وذلك بعد دخول سلاح الجو الروسي "المعركة"، وإقلاع طائراته مِن "مطار حميميم" (القاعد الروسية) في ريف اللاذقية، وتنفيذها غارات مكثّفة على المنطقة.
وحسب قادة عسكريين، فإن التدخل الروسي - رغم تأكيد روسيا بعدم تغطية النظام جوّاً - يُعتبر الأول منذ تطبيق اتفاق "تخفيف التصعيد" في الجنوب السوري، شهر تموز عام 2017، حيث شاركت خمس مقاتلات حربية ومروحية روسية، في قصف بلدات وقرى ريف درعا الشرقي، التي بدأت بلداتها بالسقوط لـ صالح "النظام" تباعاً، رغم تأكيد الفصائل أنهم مستعدّون للمواجهة أثناء ترويج "النظام" لـ حملته على درعا.
هذا السقوط السريع لـ بلدات "بصر الحرير، وناحتة، ومليحة العطش"، أظهر بأن الدفاعات التي أعدّتها الفصائل العسكرية في خطوط التماس لم تكن كافية أبداً لـ صدٍّ الحملة العسكرية لـ "النظام" والتي هدّد بها أكثر مِن مرة، فضلاً عن اتباعه لـ سياسة "الأرض المحروقة"، وانعكس ذلك - فيما بعد - على مفاوضات باتت فيها مطالب "الروس" هي الكفة الراجحة والتي ما على الفصائل إلّأ القبول بها.
تابعت قوات النظام تقدّمها على حساب الفصائل العسكرية التي أبدت مقاومةً في البداية، إلّا أن التدخل الجوي الروسي بمئات الغارات يومياً، فضلاً عن إلقاء مئات البراميل المتفجرة والقصفِ بألاف الصواريخ "غراد" وأرض أرض (فيل)، مكّن "النظام" مِن متابعة تقدّمه إلى مشارف بلدة الجراك التي تمكّن مِن السيطرة عليها وعلى بلدات "المسيفرة، والغارية الغربية، والكرك، والجيزة"، وأصبح على مشارف مدينة بصرى الشام (التي جرت فيها المفاوضات مع "الوفد الروسي").
بالتوازي مع حملة النظام في ريف درعا الشرقي، كانت مجموعات مِن قواته تتقّدم باتجاه "القاعدة الجوية" ومنطقة "جمرك درعا القديم" جنوب غربي مدينة درعا، بهدف فصل الريف الشرقي عن الريف الغربي وعزلهما، ومِن ثم الوصول إلى "معبر نصيب" الحدودي مع الأردن والواقع جنوب شرقي درعا، إلّا أن فصائل غرفة "العمليات المركزية" تمكّنت مِن صد هجمات النظام وتكبيد قواته خسائر في العدة والعتاد.
خلال أسبوعين مِن حملة النظام العسكرية على مدينة درعا وريفها الشرقي، وصل عدد الضحايا المدنيين إلى أكثر مِن 200 مدني نصفهم نساء وأطفال، إضافةً لـ خروج مشافٍ ومراكز للدفاع المدني عن الخدمة، فضلاً عن نزوح أكثر من 320 ألف مدني نحو الحدود الأردنية، والشريط الحدودي مع (الجولان المحتل).
"تسوية" شرق درعا وتسليم "معبر نصيب"
بعد مرور أكثر مِن 20 يوم على الحملة العسكرية لـ"النظام" على درعا وريفها الشرقي، كانت مدينة (بصرى الشام) والتي يسيطر عليها "قوات شباب السنة" التابعة لـ الجيش الحر، تشهد مفاوضات بين فصائل غرفة "العمليات المركزية" و"الوفد الروسي" حول مصير الجنوب السوري (درعا - القنيطرة).
وجرت مفاوضات عديدة - بـ مساعٍ أردنية - بين الفصائل العسكرية و"الوفد الروسي" دون شروط مسبقة مِن الطرفين، ولكنها انتهت دون التوصّل لأي اتفاق، ولكن في آخر جلسة تفاوض جرت في مدينة بصرى الشام، مطلع شهر تموز الجاري، قدّمت روسيا شروطاً عدّة أبرزها "تسليم السلاح الثقيل والمتوسط للشرطة الروسية، ودخول الشرطة إلى مناطق سيطرة فصائل الجيش الحر، وإعطاء مواقع تمركز الفصائل لـ قوات النظام، وأن تكون مدينة درعا ومعبر نصيب تحت سيطرة النظام أيضاً".
ورفض "الروس" خلال عملية التفاوض عرضاً مِن الفصائل يتضمن تسليم السلاح الثقيل تدريجياً، وأن يكون "معبر نصيب" بإدارة مدنيين وبحماية روسية، مقابل منع دخول قوات النظام والمليشيات إلى المنطقة، وطلبت تسليم السلاح دفعة واحدة، مهدّدة وفد الفصائل بأنهم "إن لم يبدؤوا بتسليم السلاح الثقيل دفعة واحدة، هناك نحو أربعين طائرة سوف تتحرك"، الأمر الذي اعتبرته الفصائل شروط "استسلام".
وعلى خلفية تلك الشروط، انسحب "فريق إدارة الأزمة" (المُفاوض عن الفصائل العسكرية والهيئات المدنية في الجنوب السوري) مِن "وفد التفاوض" مع الجانب الروسي، معلناً "النفير العام" لـ مواجهة قوات النظام وحلفائها، فيما حذّر مجلسا محافظتي (درعا والقنيطرة) في بيان مشترك، من أية عملية تفاوضية مع "الروس" لا تشمل كامل مناطق محافظات الجنوب (درعا، القنيطرة، السويداء)، مؤيّدين في الوقتِ عينه، موقف فريق التفاوض الرافض للمساومة.
وجاء بيان انسحاب "إدارة الأزمة" مِن التفاوض، بعد يوم من فشل المفاوضات مع "الوفد الروسي" ورفض شروطه خلال اجتماع عُقد في مدينة بصرى الشام، إلّا أن قائد "قوات شباب السنة" (أحمد العودة) أعلن قبوله بالشروط، وانضمامه لـ "الفيلق الخامس" (الذي شكّلته روسيا في سوريا ويُقاتل إلى جانب قوات "نظام الأسد").
في اليوم التالي وبعد انسحاب فريق "إدارة الأزمة"، شكّلت غرفة "العمليات المركزية في الجنوب"، لجنة مفاوضات "موسّعة"، مهمتها استئناف المفاوضات مع "الوفد الروسي" حول مصير المنطقة التي تتعرض لـ حملة عسكرية "شرسة"، مؤكّدة في بيانها أن الهدف مِن تشكيل اللجنة (المؤلفة مِن 12 عضواً) "حفظ دماء الأبرياء وضمان سلامة الأهالي والمقاتلين وتهيئة الظروف لحل سياسي نهائي".
وعادت المفاوضات مجدّداً - بوساطة أردنية -، وتوصّلت فصائل الجنوب مع "الجانب الروسي"، يوم السادس مِن شهر تموز الجاري، إلى اتفاق يقضي بـ تسليم السلاح الثقيل، ودخول الشرطة العسكرية الروسية إلى مناطق سيطرتها، وانسحاب النظام من أربع قرى (الجيزة، الكحيل، السهوة، المسيفرة) سيطر عليها مؤخراً، وأن يستلم "النظام" جميع النقاط الحدودية مع الأردن (بما فيها معبر نصيب)، وخطوط التماس مع "جيش خالد بن الوليد" التابعة لـ تنظيم "الدولة" في منطقة "حوض اليرموك" شمال غرب درعا، إضافةً لـ خروج من لم يرغب بـ"التسوية" إلى الشمال السوري.
وسيطرت - فعلاً - قوات النظام على كامل "معبر نصيب" الحدودي مع الأردن بعد انسحاب الفصائل العسكرية منه، بعد ثلاث سنوات مِن سيطرتها عليه في نيسان عام 2015، وأغلقته الحكومة الأردنية من جانبها منذ ذلك الوقت، ويعتبر "معبر نصيب (معبر جابر مِن الجانب الأردني)" مِن أهم المعابر البرية في منطقة الشرق الأوسط.
ورغم استلام النظام لـ جميع النقاط الحدودية مع الأردن إضافةً لـ"معبر نصيب"، وتسليم جميع الفصائل العسكرية في ريف درعا الشرقي ضمن المناطق المتفق عليها لـ سلاحها الثقيل، إلّا أن خروج الدفعة الأولى مِن مهجّري مدينة درعا والريف الشرقي (الذي توصّلوا لـ اتفاق مع الروس) تأجّلت في ظل خرق النظام لـ الاتفاق وهجوم قواته على بلدة "أم المياذن" جنوب شرقي درعا، وكان مِن المقرّر أن تخرج الدفعة الأولى نحو محافظة إدلب، حيث ستصل قرابة الـ 100 حافلة إلى منطقة "جمرك درعا القديم" لـ نقلهم، مع السماح لـ المقاتل بحمل بندقية وثلاثة مخازن رصاص فقط.
تشكيل "جيش الجنوب" وبدء المفاوضات شمال درعا
أعلنت بعض مِن الفصائل المتبقية في الجنوب السوري (درعا والقنيطرة) تشكيل "جيش الجنوب" في ريف درعا الشمالي الغربي، بهدف "توحيد الصفوف وتوحيد القرارين العسكري والسياسي"، معلنين "النفير العام" بالتزامن مع تشكيل وفد جديد للتفاوض مع "الجانب الروسي" حول مصير المنطقة المتبقية مِن الجنوب، مؤكّدين بدء إجراءات تنسيق التفاوض تزامناً مع الجاهزية لرد أي عدوان.
وجاء هذا التشكيل، بعد توصّل فصائل من الجيش الحر لـ اتفاق مع روسيا يشمل محافظة درعا باستثناء ريفها الشمالي الغربي والقنيطرة (التي لم يشر إليها خلال المفاوضات)، ويقضي بوقف إطلاق النار وتسليم "الحر" سلاحه الثقيل في درعا، وتسلم النظام جميع النقاط الحدودية مع الأردن بما فيها "معبر نصيب"، إضافةً لـ خروج الرافضين لـ الاتفاق نحو الشمال السوري.
بعد انتهاء قوات النظام - تقريباً - مِن ريف درعا الشرقي، ألقت مروحياته منشورات ورقية على بلدات وقرى منطقة (زمرين، الحارة، كفرشمس، سملين) شمال درعا عند منطقة "مثلث الموت"، تدعو الأهالي إلى العمل على "إعادة الأمن والاستقرار" في المنطقة، والنظر إلى مصير "الإرهابين" في المناطق المجاورة.
وحسب مصادر محلية في درعا، فإن اتفاقاً جرى بين الفصائل العسكرية في بلدات "سملين، وكفرشمس، وكفرناسج، وعقربا" و"الجانب الروسي" يقضي بتسليم البلدات لـ القوات الروسية، مرجحةً المصادر دخول القوات في وقت لاحق اليوم، لافتين أنها دخلت إلى مدينة طفس (أبرز معاقل الفصائل العسكرية غرب درعا)، بعد اتفاق تم بين الطرفين أيضاً.
ونص الاتفاق في مدينة طفس، بأن تبقى الفصائل العسكرية في مناطقها مع تسليم السلاح الثقيل فقط (ويبقى السلاح المتوسط والخفيف بحوزتها)، وعدم دخول قوات "نظام الأسد" إلى المدينة، دون أي تعليق رسمي مِن الفصائل حتى اللحظة حول هذا الاتفاق، فيما ذكرت وكالة أنباء النظام "سانا"، أن الاتفاق في "سملين، وكفر شمس، وكفر ناسج، وعقربا" ينص على "تسليم االسلاح الثقيل والمتوسط، وتسوية أوضاع المسلحين الراغبين بالتسوية، وإعادة مؤسسات الدولة إلى المناطق المذكورة، والمساعدة على عودة مواطني تلك المناطق الذين فروا منها بسبب المعارك".
كذلك في الريف الشمالي الغربي لـ درعا، اشترطت القوات الروسية على فصائل الجيش الحر هناك، تسليم التلال الاستراتيجية لقوات النظام وهي "تل الحارة، تل الكبير، تل الصغير، تل السمن، تل الجابية، والتلول الحمر"، فيما أوضح أحد المصادر العسكرية بأن المفاوضات حول الريف الغربي ستكون بذات شروط الاتفاق الذي عُقد مع الفصائل شرق درعا، ويزيد عليها شرط تسليم التلال في المنطقة الغربية للنظام، في حين دخلت الشرطة الروسية، نهاية شهر حزيران الفائت، إلى بلدتي "داعل، وإبطع" بعد اتفاق مع فصائل وأهالي البلدتين، وتجري مفاوضات مماثلة الآن مع فصائل وأهالي مدينة إنخل.
مصير "جيش خالد" في الجنوب السوري
خلال المفاوضات التي ما تزال مستمرة بين "الروس" وفصائل الجيش الحر في مدينة (بصرى الشام)، طالب "الجانب الروسي" بانسحاب الفصائل مِن خطوط التماس مع "جيش خالد بن الوليد" التابع لـ تنظيم "الدولة" الذي يسيطر على معظم منطقة "حوض اليرموك" شمال غرب درعا، وتسليمها لقوات النظام.
وشهدت منطقة "حوض اليرموك" - خلال فترة سريان اتفاق "تخفيف التصعيد" بين الفصائل وقوات النظام -، العديد مِن معارك "الكر والفر" بين "جيش خالد" وفصائل عسكرية مِن الجيش الحر و"الكتائب الإسلامية"، يتبادلان خلالها السيطرة على نقاط معينة، مع عمليات تسلل مستمرة لـ"جيش خالد" نحو مناطق "الحر".
ومع الحملة العسكرية للنظام على درعا، شهدت منطقة (حوض اليرموك) "تهدئة" بين الفصائل و"جيش خالد"، والذي استعرض مؤخراً قواته وعتاده في المنطقة، مطالباً الأهالي بالالتفاف حول عناصره، وسط ترجيحات عن تحضيره لـ معركة قريبة ضد قوات النظام.
وتبنى - فعلاً - "جيش خالد"، في بيان لـ أول مرة يظهر باسم تنظيم "الدولة"، أمس الثلاثاء، قتل نحو 35 من قوات النظام والجنود "الروس" وجرح 15 آخرين فضلاً عن تدمير دبابتين، بعد استهدافهم بسيارة "مفخّخة" في سرية زيزون غرب درعا، ضمن ما سماها "ولاية حوران"، إلّا أن وزارة "الدفاع الروسية" نفت تلك الأنباء في بيان نشره موقع "لينتا.رو" وقالت إنها "كذب".
سبق وأن تساءل كثيرون مِن متابعي الشأن السوري عن سبب إبقاء تنظيم "الدولة" في درعا والذي يسيطر على مناطق متاخمة لـ(الجولان المحتل)، وما إن كان عدم الجدّية في محاربته هو استخدامه لـ "ذريعة" لـ قصف المنطقة واجتياحها مِن قبلِ روسيا والنظام، خاصةَ بعد التصريحات الروسية، أواخر شهر أيار عام 2018، بأن انتهاء اتفاق "تخفيف التصعيد"في مدينة درعا سيكون "حتميا" في ظل استمرار وجود تنظيم "الدولة" و"جبهة النصرة" (هيئة تحرير الشام حاليا).
والآن وبعد تمكّن روسيا وقوات النظام مِن فرضِ سيطرتها على كامل ريف درعا الشرقي، وحصار منطقة "درعا البلد" في مدينة درعا، بعدم حملة عسكرية "شرسة" استمرت لأكثر مِن 20 يوماً وانتهت باتفاقات "تسوية"، مع البدء بمفاوضات حول مصير الريف الشمالي الغربي، يبقى مصير تنظيم "الدولة" على تخوم (الجولان المحتل) ما يزال مجهولاً حتى اللحظة، وسط ترجيحات بأن ينتهي الأمر لـ اتفاق ينتقل فيه "التنظيم" إلى مناطق يسيطر عليها في (البادية السورية)، على غرار اتفاق مماثل جرى معه جنوب دمشق.
إلى ذلك، يبدو أن الحسم العسكري السياسي لـ "روسيا" في جنوب سوريا بات أمراً واقعاً، وبإرادة إقليمية ودولية واضحة بُنيت على تفاهمات وصفقات كبرى، تخلّت فيها أمريكا عن الفصائل العسكرية وتركتهم لـ مصيرهم، فيما أخذت "إسرائيل" ضمانات روسية بإبعاد النفوذ "الإيراني" عن المنطقة مقابل وجود قوات "نظام الأسد"، ورغبة الأردن بوضع حدٍّ لـ تدفق اللاجئين السوريين نحو حدوده تزامناً مع سعيه لـ فتح "معبر نصيب" المغلق منذ سيطرة الفصائل عليه قبل ثلاث سنوات، فيما يبقى خيار الفصائل هناك إمّا "التسوية" أو "التهجير" إلى الشمال السوري وتحديداً (إدلب)، والتي ستكون الوجهة التالية لـ روسيا بعد طي ملف الجنوب بشكل كامل، حسب تحذيرها الأخير لـ فصائل درعا قائلةً لهم "لا تخرجوا إلى إدلب فالمعركة هناك قريبة".