لا يوجد عام محدد لمعرفة متى بدأ السوريون في صناعة "المكدوس"، إلا أنها من أشهر الأكلات السورية والتي لها حضورها على موائد السكان في بلاد الشام "فلسطين والأردن ولبنان".
هذه الوجبة الشامية، التي لا يُعرف على وجه التحديد من ابتكرها، واستطاع دمج هذه النكهات معاً فيها، إلا أنها ما زالت مُحافظة على طريقة تحضيرها بنفس الطعم منذ عقود طويلة.
وفي ظل الوضع الاقتصادي المتردي في مناطق سيطرة النظام السوري، تحاول العديد من العائلات المحافظة على تقاليدها السنوية في تموين "أكلة المكدوس" إلا أن قلة توفر المال وغلاء أسعار محتوياتها دفع بعضهم للتغيير.
مكونات المكدوس
ومع دخول شهر أيلول تبدأ العائلات في سوريا بتجهيز مكونات المكدوس المؤلفة من: "الباذنجان، والفليفلة الحمراء، والجوز، والثوم، وزيت الزيتون، والملح الصخري".
ورغم وجود المكدوس بشكل معلب في الأسواق فإن العائلات ما زالت مستمرة في تجهيزها منزلياً للمحافظة على جودتها وطعمها الفريد الذي اعتادته.
في المقابل، لم يعد بإمكان عائلات كثيرة تعاني من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة يوماً بعد يوم أن تجهز حتى "قطرميزاً واحداً" من المكدوس يساعدها على زيادة أطباق الفطور أو العشاء في الشتاء القادم.
ويعد المكدوس واحداً من أبرز أطباق المونة التي تجهزها العلائات مع اعتدال الأجواء قبيل حلول الخريف إلى جانب الزيتون والزعتر والمربيات، والتي تؤكل خصيصاً في وجبات الإفطار والعشاء.
كلفة بتكسر الظهر
ورغم أهمية "الأكلة" في التقليد السوري بشكل عام، فإن التكاليف الباهظة التي ترافق صناعتها، دفعت كثيراً من العائلات للعزوف عنها أو اختصار بعض محتوياتها أو استبدالها بمكونات أخرى أرخص، وإن كانت لا تعطي النتيجة أو الطعمة ذاتها.
وقال محمد لطفي أحد العاملين في مجال البزورية بدمشق، إن أسعار مكونات المكدوس بتكسر الظهر، ولكن هذا الحال بالسوق وليس بيدنا، الجوز اليوم في أعلى ارتفاع بسبب الموسم، إلى جانب انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار (4480 ليرة سورية مقابل الدولار).
وأضاف في حديثه مع موقع "تلفزيون سوريا"، أن سعر كيلو الجوز البلدي الأبيض يصل إلى 75 ألف ليرة سورية، وهناك أنواع أخرى صينية وإيرانية بأسعار أرخص تبدأ من 42 ألف ليرة.
وأردف أن زيت الزيتون البلدي نوع أول التنكة 16 ليتراً بـ 350 ألف ليرة، وهناك أنواع نخب ثاني التنكة بـ 300 ألف ليرة، وثالث 275 ألف ليرة.
وهناك من يستخدم زيت نباتي للذرة أو دوار الشمس في صناعة المكدوس، وإن كان غير جيّد صحياً، وغير لذيذ بالطعم.
ولفت إلى أن كيس الملح الصخري 5 كيلوغرامات يبدأ بـ 7500 ليرة سورية.
وبخصوص الفستق (الفول السوداني) يصل الكيلو إلى 18 ألف ليرة، حيث يستخدم بعضهم لصناعة المكدوس عوضاً عن الجوز أو يتم خلطه لتخفيف الكلفة.
باذنجان حمصي
من جانبه، قال أبو الهدى بائع خضراوات في سوق الهال بالزبلطاني في دمشق، إن "كيلو الباذنجان الحمصي الممتاز يبدأ من 4000 ليرة وهناك جيد للمتوسط بـ 2500 ليرة، وبعضهم يبحث عن الباذنجان الأسود الكبير أو البايت بأسعار أقل".
وأضاف لموقع "تلفزيون سوريا" أن كيلو الفليفلة المَونسة (فيها مذاق حار) بـ 3500 ليرة، والحارة بـ 4000 ليرة، والحلوة بـ 4500 ليرة، وأحياناً تختلف بحسب الجودة والحجم، وهناك "بواقي" يبدأ الكيلو بـ 2000 ليرة.
وأشار إلى أن كيلو الثوم الممتاز يصل سعره إلى 15 ألف ليرة، ويراوح بين 10 آلاف و 13 ألفا للأنواع الأقل جودة.
المكدوسة بـ 2000 ليرة سورية
ورغم أن أسعار مكونات المكدوس تختلف بين مدينة وأخرى في مناطق سيطرة النظام السوري، فإن متوسط السعر يتراوح بين 1300 ليرة و2000 ليرة بحسب الجودة.
وقالت هدى الجزائرلي العاملة في صناعة المونة منزلياً بما فيها المكدوس، إن هذه "الأكلة من الأكلات الأساسية، والتي تعدّ الأكثر طلباً عندي، مقارنة بالزيتون المجرح أو المعطون أو المربيات والمخللات".
وأضافت في حديث لموقع "تلفزيون سوريا"، أن "ما أصنعه يكون صنفا أول أو ثانيا، وأعمل على الطلب وفق أسعار متفق عليها، وأحياناً هناك من يجلب لي المواد وأنا أجهز الطلبية وأحصل على أجرتي بحسب الكمية".
وتابعت أن مرطبان (قطرميز) المكدوس 2 كيلو يصل سعره إلى 75 ألف ليرة سورية نوع أول من ناحية الزيت والزيتون والحشوة، وهناك نخب ثان المرطبان 5 كيلو بـ 55 ألف ليرة.
وأكّدت أن هناك تراجع في حجم الزبائن مقارنة بالعام الماضي، حيث ارتفع سعر المكدوسة من 1000 ليرة إلى 2000 ليرة للنوع الممتاز ومن 700 ليرة إلى 1300 للنوع المتوسط الذي فيه حشوة أقل بسبب غلاء جميع المكونات وبشكل أساسي الجوز والزيت.
وأشارت إلى أن بعض الناس يخلطون الجوز مع الفستق، وهذه عادة جديدة لم تكن قبل سنوات قليلة فقط، ورغم أن الطعم أقل جودة بكثير، فإن "الحاجة أم الاختراع، والناس ليس لديها حيلة".
كيف يتم تحضير المكدوس؟
وعن طريقة التحضير بينت الجزائرلي أن "العمل مرهق ومتعب لصعوبة تحضير المكدوس، والذي يحتاج إلى تقانة ونظافة واحترافية".
وأردفت الجزائرلي، أنها تقوم بسلق حبات الباذنجان الصغيرة الحجم بعد غسلها ونزع الجزء الأخضر من كل حبة من دون استخدام السكين، ويفضل أن تكون بيضاء، من النوع الحمصي في سوريا، أو أي باذنجان من نوعية جيدة أخرى.
وبعد عملية السلق نتركها تبرد ثم نحدث شقا طوليا بالسكين في كل حبة نملأ حبات الباذنجان بالملح من الداخل والخارج. بعد ذلك نضعها في مصفاة في أسفلها وعاء ونغطيهم ونتركهم لمدة لا تقل عن خمس ساعات حتى يخرج الماء منهم عبر وضع حجر ثقيل أو أي يساعد على إخراج الماء الزائد منها، بحسب الجزائرلي.
أما بخصوص الحشوة، أوضحت الجزائرلي: "نفرم الجوز بالسكين فرماً متوسط النعومة، ثم نفرم حبات الفليفلة في الماكينة فرماً متوسط النعومة ثم نصفيها من العصارة.
وأكملت "كما نهرس الثوم قليلاً ثم نخلط المكونات بعضها مع بعضها ونضيف الملح بحسب الرغبة وبذلك تكون الحشوة جاهزة".
ونملأ حبات الباذنجان بالحشوة ونرتبها في مرطبان من زجاج حتى يمتلئ ثم نغطي المرطبان بمصفاة ونقلبه، ونتركه يومين حتى يخرج الماء من حبات المكدوس وبعد يومين نخرج حبات المكدوس ونمسحها بفوطة جافة ونظيفة، ثم نعيدها إلى المرطبان بعد غسله ونغمرها بزيت الزيتون وكلما بُيّت فترة أطول في الزيت زادت طيابته ولذته.