في كل عام مع نهاية شهر آب وبداية شهر أيلول يبدأ موسم قطاف شجر الجوز في عموم سوريا، حيث يكون قد حانت فترة نضوجه بشكل كامل.
ويعد جني الجوز أو "فراط الجوز" كما يسمى في ريف دمشق أو "نفضُ الجوز" في أرياف حماة وإدلب وحلب، من المهمات الشاقة على المزارعين أو حتى العاملين في المجال، خصوصاً أن نوعية شجر الجوز في سوريا، مرتفعة الطول الأمر الذي يصّعب عملية قطافها.
كيف يُقطف الجوز؟
ومع بدء الموسم، يتفق المزارعون مع أشخاص يعملون في "فرط أو نفض" الجوز مقابل بدل مادي أو قسم من الحصاد، حيث تنتشر أرقام "الفراطين" على مواقع التواصل الاجتماعي وبين الناس.
ومع ارتفاع أسعار كل شيء في سوريا، وتوسع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد لتشمل مختلف مناحي الحياة، وخاصة مناطق سيطرة النظام السوري، ارتفعت أجرة "الفرّاطين" حيث تصل إلى 50 ألف ليرة سورية للشجرة الكبيرة، و40 ألف ليرة للشجرة الأصغر، إلى جانب وجبة فطور و"براد شاي".
في المقابل لا يتجاوز راتب الموظف الحكومي الـ 100 ألف ليرة شهرياً (نحو 20 دولاراً أميركياً).
ويتسلق "الفرّاط" على شجرة الجوز مهما كان ارتفاعها، في مهمة خطرة ومغامرة ليست سهلة، حيث يصعد دون أي عوامل أمان إلى منتصف الشجرة مستخدماً عصا طويلة يطلق عليها "المفراط" أو "المرواط" بحسب المنطقة، وهي مخصصة لهذه المهمة الشاقة.
وعبر "المفراط" تُضرب ثمرة الجوز الصلبة البعيدة عن مركز جذع الشجرة، لأنه لا يمكن الاقتراب من أطراف الأغصان المعروفة بسرعة التكسر وعدم تحمل الأوزان الثقيلة فوقها.
كما يسهل على العامل في قطاف الجوز حملها خلال مراحل القطاف، فأشجار الجوز المعمرة الكبيرة قد تصل مساحة ظلها إلى نحو نصف دونم وأكثر.
"يضرب الجوز ما أصعب فراطه"
وقال أبو مجد الذي يعمل في المجال منذ نحو 8 سنوات في ريف دمشق، إن "فراط الجوز مهنة صعبة جداً، وتحتاج إلى لياقة بدنية وقوة جسدية لتحمل ثقل وزن المفراط وتسلق الأشجار الطويلة".
وأضاف في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا"، أن المثل القائل "يضرب الجوز ما أصعب فراطه"، هو حقيقة فعلية يعيشها من يصعد إلى الجوزة وقد يتعرض لمخاطر الوقوع من ارتفاع 15 إلى 20 متراً على الأقل.
وأردف أن المبلغ الذي نحصل عليه مقابل فرط كل شجرة قليل جداً (50 ألف ليرة) مقارنة بما قد نتعرض له، ولكن تردي الأوضاع المادية في سوريا، يدفعنا إلى الانخراط في كل شيء.
ولفت إلى أن شقيقه الأكبر كان يعمل في مهنة فراط الجوز منذ 20 عاماً وقد كان يذهب معه، فتعلم كيفية صعود الشجرة، وكيف يمكن أن يتوازن فوقها ويبدأ بضرب الجوزات حتى لا تبقى أي جوزة عليها.
كم يبلغ سعر حبة الجوز في سوريا؟
وتحمل الشجرة الكبيرة ما يتجاوز الـ 4 آلاف إلى 5 آلاف جوزة، وتصل مدة قطافها إلى ما يتجاوز الساعتين والنصف أحياناً.
ويبدأ سعر حبة الجوز في مناطق سيطرة النظام السوري هذه الأيام من الحبة الصغيرة (العويلة) 100 ليرة سورية، والمتوسطة بـ 150 ليرة، أما الممتازة الكبيرة (الفحلة) فتصل لـ 250 ليرة أو الأربع حبات بألف ليرة، بحسب شاهر الخطيب صاحب إحدى الأراضي في ريف دمشق.
ويصل سعر كيلو الجوز البلدي الناشف في سوريا اليوم إلى 48 ألف ليرة سورية، فيما يوجد أنواع أخرى مستوردة بـ 36 ألف ليرة.
وأضاف في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" أنه خلال فراط الجوز تتساقط حباته على الأرض وتتطاير من مكان إلى آخر، فيكون بانتظارها جامعو الحبات سواء من أصحاب الأراضي أو العاملين فيها أو أشخاص يعملون في ذلك بالموسم.
ولفت إلى أن جامع حبات الجوز والباحث عنها بين أوراق الشجر يأخذ ما يصل لـ 10 آلاف ليرة على اليوم الواحد، وفي الغالب هم أشخاص صغار في السن أو نساء لا يجدن ما يعلن به أطفالهن.
الجوز في سوريا
وتنتشر أشجار الجوز بمختلف المحافظات السورية نظراً لتوفر الأجواء الملائمة لزراعتها، وإن كانت تتركز بشكل أساسي في محافظات اللاذقية وريف دمشق وطرطوس مقارنة بغيرها من المدن.
ويقدر حجم إنتاج الجوز في سوريا بنحو 12 ألف طن سنوياً (وفق إحصائيات وزارة الزراعة التابعة لنظام الأسد عام 2021)، في حين يبلغ عدد شجرات الجوز نحو 800 ألف شجرة منها 635 ألف شجرة مثمرة.
وهي من أطول أنواع الأشجار عمراً حيث يصل عمرها بين 100 إلى 300 سنة، ويستخدم خشبها في صناعة المفروشات.
ولا يكفي إنتاج الجوز البلدي في سوريا الاستهلاك المحلي، حيث تستورد البلاد من عدة دول من بينها الصين وأوزبكستان وإيران، في حين يبقى سعر الجوز البلدي مرتفعاً لجودته وطعمه المميز.
ويدخل الجوز في العديد من الأكلات، خصوصاً الكبب، وبشكل أساس في المكدوس، إلى جانب استخدامه في الحلويات والمربيات والمكسرات.
حظر استيراد الجوز
وبشكل مفاجئ، أعلنت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية التابعة للنظام تعليق استيراد أكثر من 20 مادة لمدة ستة أشهر، من دون توضيح أسباب القرار، من بين هذه المواد الجوز - واللوز - والكاجو - والزبيب - وأدوات منزلية وكهربائية وغيرها.
وجاء ذلك قبل موسم المكدوس بفترة وجيزة، الأمر الذي أثار استغراب الكثير من الناس، في حين أرجع محللون اقتصاديون الأمر إلى أن النظام يريد المحافظة على القطع الأجنبي في البلاد.
وأدى ذلك القرار إلى ارتفاع سعر الجوز في سوريا إلى أكثر من الضعف حيث كان لا يتجاوز الـ 14 ألف ليرة، ووصل مباشرة إلى 35 ألف ليرة سورية، في حين يتجاوز حالياً الـ 48 ألف ليرة.