icon
التغطية الحية

عراقجي في دمشق لترتيب التحالف المترنح.. هل تصل النيران إلى الأسد؟

2024.10.06 | 15:56 دمشق

76
عراقجي في دمشق لترتيب التحالف المترنح.. هل تصل النيران إلى الأسد؟
 تلفزيون سوريا ـ خاص
+A
حجم الخط
-A

قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إن زيارته إلى دمشق وبيروت تعد رسالة بأن إيران ستظل دائماً بجانب "المقاومة"، مضيفاً أن الرد الإيراني على أي هجوم إسرائيلي سيكون أقوى وأشد، كما حذر عراقجي تل أبيب من اختبار إرادة طهران.

ويتساءل المتابعون حول الهدف من زيارة عراقجي إلى بيروت في ظل المخاطر والتهديدات الإسرائيلية، ويرى بعضهم أن الزيارة ليست فقط لتفقد الحلفاء، وإنما تحمل رسائل عاجلة إلى الخارج وإلى أذرعها في المنطقة.

وفي خضم التوترات الحالية، أشار عراقجي من بيروت إلى أن إيران تقف بقوة بجانب حزب الله، مؤكداً دعمها المستمر للشيعة في لبنان وللشعب اللبناني بشكل عام.

وأكد الوزير أنه لا يمكن الحديث عن وقف إطلاق النار في لبنان من دون أن يشمل قطاع غزة، مشيراً إلى التزام إيران بمبدأ "وحدة الساحات" ضمن محور "المقاومة".

أما في دمشق، التي تحافظ على موقف متحفظ تجاه الأحداث الجارية، فقد وصل عراقجي مباشرة من طهران، وهو ما فسره بعضهم بأن أمراً ما قد عرقل زيارته من بيروت، وخلال لقائه ببشار الأسد، ناقش عراقجي تطورات الحرب في لبنان، مؤكداً أن إسرائيل لا تفهم إلا لغة الحرب، وفقاً لوكالة "تسنيم" الإيرانية.

وبحسب مراقبين، فإن إيران حمّلت وزيرها رسائل نار وتحدٍّ تحمل طابع التحدي واستعراض القوة، ما يزيد من تعقيد الأوضاع ويورط الحلفاء وشعوبهم في حروب غير متكافئة تجني ثمارها طهران.

عراقجي في دمشق

التقى عراقجي رئيس النظام السوري بشار الأسد، إذ وضعه في صورة المبادرة من أجل وقف إطلاق النار، وفق جريدة "الوطن" المقربة من النظام.

وقال عراقجي "تعاوننا الثنائي هو محل نقاش واسع للغاية، لدينا علاقات جيدة مع سوريا في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، ومن الطبيعي أن تكون هناك مراجعة لها"، مضيفاً "نحاول إزالة العقبات القائمة وإيجاد مجالات (تعاون) جديدة، ومواصلة العلاقات بشكل أفضل مما كانت عليه في الماضي".

ونقلت وكالة أنباء النظام الرسمية (سانا) عن بشار الأسد قوله: إن "الردّ الإيراني على ما قام به الكيان الإسرائيلي من انتهاكات واعتداءات متكررة على شعوب المنطقة وسيادة دولها، كان رداً قوياً.."، وأضاف "الحل الوحيد أمام الكيان الإسرائيلي هو التوقف عن جرائم القتل وسفك دماء الأبرياء وإعادة الحقوق المشروعة إلى أصحابها"، حسب وصفه.

ما أهداف الزيارة؟

يعتقد الباحث في معهد الشرق الأوسط، الدكتور سمير التقي، أن هدف الزيارة هو لملمة تحالف "المقاومة" بسبب التصدعات الحتمية التي حدثت فيه، وفيما يتعلق بزيارة سوريا، هناك نقاش حول الشروط التي تضعها إسرائيل بشأن وقف إطلاق النار، فلم يعد القرار 1701 هو الأساس في هذا الأمر، بل أصبح يشمل التسهيلات والموارد المتوفرة لدى حزب الله في سوريا، بالإضافة إلى استخدام الأراضي السورية كمعبر.
 

وفي هذا السياق، تبدو الأمور صعبة، إذ إن عدم إعادة فتح الممرات عبر سوريا بشكل واضح سيضع "حزب الله" في ظروف صعبة فيما يتعلق بالتمويل، فإسرائيل تفرض حصاراً شاملاً على الحدود من جهة سوريا، وتقوم بضربها بشكل متواصل، وفي الوقت ذاته تحاصر الموانئ بحرياً.

وأضاف التقي في حديث مع تلفزيون سوريا: "لبنان الآن محاصر بالكامل بحرياً، من المهمات الرئيسية التي كان يطلبها عراقجي والتي ظهرت أيضاً في بعض التقارير الصحفية الإيرانية، هو السعي للحفاظ على الوضع الراهن فيما يتعلق بربط الوضع في لبنان بغزة، بالإضافة إلى محاولة ترميم العلاقة مع بشار الأسد والحصول على حد أدنى من تمرير الدعم لحزب الله".

وفيما يتعلق بمناقشة الشروط الإسرائيلية حول وقف إطلاق النار، يبدو أن إسرائيل ليست مهتمة بوقفه في هذه المرحلة، وما يحاول عراقجي تحقيقه لن يحل شيئاً، إذ تنتظر إسرائيل استكمال أهداف عملياتها من دون وقف إطلاق النار، والدليل على ذلك، أن الإدارة الأميركية أشارت إلى أنه وقبل وقف إطلاق النار يجب انتخاب رئيس وتشكيل حكومة في لبنان، وهو ما قد يستغرق وقتاً طويلاً.

أسباب معلنة ورسائل خفية

من جهته، ذكر الباحث في العلوم السياسية، الدكتور عزام القصير، أن الأسباب المعلنة لهذه الزيارة تتعلق بما أعلنته إيران من موقفها وما تحاول فعله حالياً، ويبدو أن هناك أهمية دعائية واستعراضية في الوقت الحالي لعرض تماسك "محور المقاومة"، خاصة في ظل الضربات القوية التي يتلقاها المحور على عدة جبهات. إذاً، الجانب الأول من الزيارة هو دعائي واستعراضي، والجانب الثاني يتعلق بإرسال رسائل لم يتم الكشف عن مضمونها بشكل دقيق.

ويمكن فهم هذه الرسائل على أنها مرتبطة بالخطوات القادمة ما بعد الرد الإسرائيلي المتوقع على الضربة التي تلقتها إسرائيل من إيران، فطهران تستعد لما بعد هذا الرد، الذي قد يكون مباشراً وموجهاً إلى إيران نفسها، أو قد يكون أوسع ليشمل جميع أطراف "محور المقاومة" بما في ذلك سوريا، فالجبهة السورية قد تشهد تصعيداً أكبر في المدة المقبلة.

وأردف القصير في حديث على شاشة تلفزيون سوريا ضمن برنامج "سوريا اليوم": "بالطبع، إسرائيل لا تسعى لإسقاط النظام السوري بضربة عسكرية مباشرة، بل تحاول الحفاظ على الوضع القائم الذي استمر خلال السنوات الماضية، في الوقت نفسه، إسرائيل لا تريد أن تتحول سوريا إلى جبهة إزعاج تستخدمها إيران من خلال الميليشيات الموجودة هناك، أو عبر وجود عناصر جديدة على الحدود السورية، لذلك، تسعى إيران لإرسال رسائل استعداد للحالة السورية، رغم أن النظام السوري التزم بسياسة النأي بالنفس في الفترات السابقة، لكن هذه السياسة ستكون لها حدود في الفترة القادمة، وستعتمد على مدى التصعيد الإسرائيلي في المنطقة".

وفي النهاية، إيران بحاجة إلى الجبهة السورية إذا خرجت الأمور عن السيطرة وأصبحت المواجهة أوسع مما هو متوقع حالياً، أما الحديث عن وقف إطلاق النار أو تخفيض التصعيد في هذه المدة قد يكون جزءاً من السياسة الدعائية، وهو ما يمكن طرحه الآن لأن التوقيت قد يكون مناسباً بالنسبة لإيران على الساحة الإقليمية.

وبحسب القصير، لا يمكن الحديث عن وقف إطلاق النار من دون وجود مبادرة دولية جادة تتطلب تدخلاً فعّالاً من الأطراف الدولية، سواء من الولايات المتحدة الأميركية أو من دول الاتحاد الأوروبي، والتواصل مع الجانب الإسرائيلي، وفي الوقت الراهن، لا يوجد مجال للحديث عن وقف إطلاق النار، إذ ترى إسرائيل أنها تمتلك القوة العسكرية التي تمكنها من فرض أجندتها أو استراتيجيتها التي تسعى لتحقيقها في الفترة القادمة، والتي تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة بشكل واسع.

في هذا التوقيت والوضع الراهن، لا يمكن إطلاق مبادرة مباشرة لوقف إطلاق النار، وما يتم الحديث عنه هو في إطار دعائي ضمن استراتيجية إقليمية أوسع، حسب وصف القصير.

ماذا تريد إيران من بشار الأسد؟

قال التقي، إنّ "هناك عدة مستويات تتعلق بالدور الذي تقوم به القوات الموالية لإيران داخل سوريا، رغم أن بقايا حزب الله أصبحت قليلة، إلا أن هناك فصائل عراقية وغير عراقية ما زالت تنتشر في مئات المواقع في الأراضي السورية، وفي الآونة الأخيرة، حاول بشار الأسد تخفيض الاحتكاك بين هذه القوات والقوات السورية في إطار جهوده لإعادة ضبط الساحة الداخلية، ولكن الوضع يبدو أنه سيشهد تغيراً".

وبحسب الباحث، قد توكل لهذه الميليشيات أدوار جديدة، مثل حماية الطريق الذي يربط بين إيران ولبنان، وهذا بدوره قد يزيد من تورط سوريا في الصراعات الإقليمية، مضيفاً أنه وعلى المستوى الاستراتيجي، إذا تعرضت إيران لضربة يمكن امتصاصها، فقد تستمر الأمور كما هي، لكن المخاوف الرئيسة تكمن في احتمال خروج الأمور عن السيطرة، خاصة إذا شملت الضربات الإسرائيلية أهدافاً استراتيجية مثل محطات توليد الطاقة أو موانئ تصدير النفط.

وفي هذه الحالة، قد تستخدم إيران الأراضي السورية بشكل عسكري أكبر مما هو معتاد، فقد فقدت إيران حليفها الأساسي، حزب الله، الذي كان "جوهرة التاج" في تركيبتها الإقليمية، وهذا الانهيار الاستراتيجي لا يمكن تعويضه بسهولة ويتطلب مرحلة من الانكفاء.

كذلك في حال تصاعدت الأوضاع في المنطقة، ستحتاج إيران إلى تأكيد من النظام السوري بعدم عرقلة استخدام أراضيه كمنصات للعمليات، خاصة أن هناك تقارير تفيد بأن الرئيس الروسي بوتين قد نصح بشار الأسد بالنأي بنفسه عن هذه الصراعات، ولكن يبقى السؤال حول مدى التزام الأسد بتلك النصائح، خاصة على حساب علاقته مع إيران.

وتابع التقي: "الإيرانيون يمتلكون محطات للتجسس والمراقبة الرادارية في جنوبي سوريا وفي البادية السورية، وقد تعرضت بعض هذه المحطات لضربات، رغم ذلك، يبدو أن بشار الأسد لم يمنع وجودها، وفي حال حدوث تحول استراتيجي وتصاعد المعارك في المنطقة، فإن الأراضي السورية ستصبح ضرورة لإيران، سواء بموافقة النظام السوري أو بدونها".

هل تصل النيران الإسرائيلية إلى الأسد؟

هناك عدة احتمالات حول ما إذا كانت النيران الإسرائيلية قد تصل إلى بشار الأسد في ظل التطورات الجارية في المنطقة، كانت هناك نصائح ربما من الجانب الروسي للأسد بالنأي بنفسه عن هذه الصراعات، لكن السؤال المهم هو ما إذا كان الأسد سيستمر في الالتزام بهذه النصائح.

ووفق الدكتور القصير، الإجابة تعتمد بشكل كبير على الخطوات القادمة وعلى نوعية الرد الإسرائيلي المتوقع على طهران، فنحن أمام سلسلة من الضربات والردود المتوقعة في المرحلة المقبلة، وكل شيء يعتمد على كيفية استجابة الأطراف الإقليمية، بما في ذلك إيران وحلفاؤها مثل النظام السوري والميليشيات المنتشرة في المنطقة، ومن غير المحتمل أن تُستخدم جميع الأوراق دفعة واحدة، فكل طرف سيبحث خطواته بناءً على نوع الضربات الإسرائيلية المقبلة.

وإذا كانت الضربة الإسرائيلية محدودة ويمكن استيعابها من قبل إيران، فقد تظل الأمور كما هي مع الحفاظ على الاستراتيجية القائمة، لكن في حال كان الرد أوسع، وضغطت إيران على النظام السوري للتدخل، فسيكون من الصعب على النظام البقاء بعيداً عن الصراع إلى الأبد، خاصة وأنه مدين ببقائه إلى حد كبير للدعم الإيراني.

وأشار إلى أن الدعم الإيراني للنظام السوري على مدى السنوات الماضية كان كبيراً، والآن قد حان الوقت لكي يجني الإيرانيون ثمار استثماراتهم، وقد يتجسد هذا في تفعيل الجبهة السورية، مثل تحريك الميليشيات المنتشرة في سوريا، أو تفعيل جبهة الجولان السوري المحتل.

وإذا شعر النظام السوري بأن تهديداً جدياً يلوح في الأفق، وقد يصل إلى مرحلة تهديد حقيقي لبقائه، فقد ينخرط في مواجهة مباشرة، وهذا يعتمد على مدى جدية إسرائيل في تحريك الجبهة السورية، وفي الوقت نفسه يؤكد القصير، أن إضعاف النظام السوري قد يفتح شهية العديد من الأطراف المحلية في سوريا، بما في ذلك المعارضة و"التنظيمات المتطرفة" الموجودة في البادية السورية، مما سيعيد خلط الأوراق في الساحة السورية.

ويشير الباحث إلى أن هذه التطورات تعتمد على سلسلة الخطوات القادمة، وما إذا كانت الأطراف الدولية ستتدخل لضبط الجبهات وتخفيف التصعيد في المنطقة.

ما الانعكاسات على الأسد؟

بالمقابل، إذا أردنا تقييم موقف بشار الأسد في ظل التطورات الأخيرة، وكيف انعكست عليه، خصوصاً بعد إضعاف حزب الله الذي كان يعتبر السند الرئيسي له، إضافة إلى الحديث عن الضربة الإسرائيلية المرتقبة لإيران، فيعتقد الدكتور التقي، أن هذه التطورات بلا شك تضعفه، فالنظام سيبقى في حالة مكابرة، ونذكر أن بعد حرب 1967، استمر النظام في الحديث عن انتصاره على إسرائيل فقط لأنها لم تسقطه، على الرغم من الخسائر.

وأضاف التقي: "أحد المؤشرات على ضعف سوريا هو أن إسرائيل ترى أن الساحة السورية في حالة فوضى، وأن بشار الأسد غير قادر على إدارة الأمور الداخلية بفعالية، لذلك، تسعى إسرائيل إلى إخراج الجنوب السوري من سيطرة الميليشيات الإيرانية، وهو ما يتضح من الضربات التي استهدفت مناطق على مسار جبل الشيخ وشرقي جبال لبنان، وهي مناطق قريبة من دمشق".

أعيد انتشار بعض القوات الروسية بشكل رمزي، في إشارة إلى أن روسيا لا ترغب في التورط في دخول بري إسرائيلي إلى الأراضي السورية، ورغم ذلك، يبدو أن الموضوع مطروح بشكل جدي، خاصة مع تحركات بعض القوى الإقليمية والمحلية السورية التي بدأت تتحرك في ظل الفراغ الناشئ عن ضعف السيطرة السورية.

وأردف: "جيش النظام السوري حالياً غير قادر على السيطرة على أراضيه من دون دعم إيراني، وروسيا لن تستطيع إرسال قوات برية لدعمه في ظل الوضع الراهن، وعلى الرغم من انكفاء الأسد، فإنه لا يستطيع النأي بنفسه تماماً عن هذه التطورات، فهو جزء من الانهيار الاستراتيجي لمحور إيران".

الدور الروسي

في ظل هذه المساعي والجهود الإيرانية، يبرز التساؤل حول موقف روسيا من كل ما يحدث، بما في ذلك الزيارات والسعي لإشراك الأسد في الحرب الإيرانية ضد إسرائيل.

بهذا الخصوص، قال القصير، إن روسيا تجد نفسها في وضع صعب للغاية، إذ تعد الجبهة الأوكرانية الجبهة الأساسية بالنسبة لها، وعلاقتها مع الغرب والمواجهة المفتوحة على أكثر من جبهة هي التي تهمها حالياً.

وبالنسبة للوضع في سوريا والمنطقة عموماً، لا يبدو أن هناك مؤشرات على انخراط روسي أكبر في المستقبل القريب، فروسيا ستكتفي بالمراقبة طالما أن الأمور تحت السيطرة وطالما أن النظام السوري، الذي يمثل أهمية قصوى بالنسبة لها، قادر على الاستمرار في سياسة النأي بالنفس عن الانخراط المباشر.

كذلك فإنه ليس من مصلحة روسيا التدخل لصالح إيران بشكل مباشر في المنطقة، لأن ذلك قد يؤدي إلى فتح جبهة عالمية، وهو ما يعني انخراطاً في حرب دولية كبيرة. حالياً، هناك مواجهات إقليمية، لكن إذا تصاعد الأمر إلى انخراط مباشر من الأطراف الكبرى، فقد يكون ذلك مؤشراً على احتمالية نشوب حرب عالمية، وهو ما لا يصب في مصلحة أي طرف.

ويرى أن الدور الروسي سيقتصر على تقديم النصح للنظام السوري بضرورة النأي بالنفس، فليس من مصلحة روسيا استفزاز إسرائيل بشكل مباشر، فبالرغم من التوتر الحالي في العلاقات الروسية-الإسرائيلية، إلا أن الأمور لم تصل إلى حد القطيعة، مشيراً إلى أن أي تدخل أكبر في الساحة السورية قد يؤدي إلى قطع العلاقات مع إسرائيل ويزيد من التورط بالنسبة لموسكو في محاور دولية، وهو ما تسعى روسيا إلى تجنبه بكل تأكيد.