لم ينشغل السوريون في بداية الموسم السياحي بالأسعار الباهظة لخدمات المنشآت السياحية، ولم تعد النزهة أو إجازة أيام الآحاد والجمعة إلى المصايف السياحية واردة في مخططات كثير من الأسر السورية، التي ألغت الاصطياف والسياحة من قاموسها السنوي.
ومنذ بدء جائحة كورونا قفزت الأسعار في سوريا قفزة خيالية في كل القطاعات من دون أي تناسب مع دخل الأفراد ممن يعملون في قطاعات الدولة والقطاعات الخاصة، في حين تتجه طبقة اجتماعية نشأت حديثا، إلى السياحة في دبي وباقي دول الخليج، قسم كبير منها من أمراء الحرب السورية.
مغتربون سوريون يستغلون فرق العملة
"ربيع" عامل في أحد قطاعات الدولة، من مدينة دمشق ولديه طفلان، اعتاد سنوياً أن يأخذ عائلته لقضاء عدة أيام في الساحل السوري في فصل الصيف، وكل عام يصبح من الصعب عليه تأمين هذه الرحلة السنوية اليتيمة لعائلته، لكنه يؤكد هذا العام أنه بات من المستحيل أن يحقق هذه الرحلة لعائلته، ويقول لموقع تلفزيون سوريا "كنت أوفر القليل من النقود لأرفه عن أطفالي في ظل هذا الوضع السيئ جداً، ولكنني اليوم عاجز عن تأمين حتى مصروف الشهر".
تبدأ أسعار الليلة الواحدة في منتجع الشاطئ الأزرق في اللاذقية من 500 ألف ليرة سورية وما فوق بحسب موقع الغرفة ومساحتها، وفي منتجع "الهوليداي بيتش" تبدأ الأسعار من 650 ألف ليرة سورية. وهي أسعار خيالية ولا تتناسب مع وضع ودخل السوريين ممن بقوا داخل سوريا.
وكل عام تنتشر أخبار على صفحات فيس بوك عن ارتفاع أسعار الحجوزات في المنشآت السياحية وعن وصول نسبة الإشغال إلى ما يزيد على 90 في المئة، وسط دهشة عن وجود أشخاص قادرين على تحمل مثل هذه التكاليف العالية. يقول "عامر" شاب يعمل في إحدى المنشآت السياحية إنه كل عام تغلق الحجوزات قبل شهر من بداية الموسم السياحي وأحياناً لشهرين قبل بدايته، رغم كل الغلاء المعيشي. ويؤكد عامر أن قسماً من زائري المنتجعات السياحية هم من المغتربين السوريين الذين يأتون إلى سوريا كل عام لقضاء إجازاتهم مع ذويهم ويستغلون فرق العملة بين سوريا والبلد الذي يعملون فيه، وتابع قائلا "كان لجائحة كورونا أثر إيجابي علينا، ففي الوقت الذي أغلقت فيه الدول الأوروبية حدودها بسبب جائحة كورونا، كانت سوريا هي ملاذ المغتربين السوريين ونحن كنا الرابحين".
سياحة دينية وتجميلية في سوريا
لطالما كانت سوريا من الدول السياحية التي شكلت مقصداً سياحياً لذوي الدخل المتوسط من دول الجوار ومقصداً لمحبي السياحة من دول العالم، ولكن ومع بداية اندلاع الاحتجاجات السورية تغيرت كل هذه المعطيات واقتصر زوار سوريا على من يؤيدون النظام الحالي ولا يخشون القدوم إلى سوريا وعلى زوار المراقد الدينية، إضافة إلى السياحة الطبية التي لم تتوقف حتى يومنا هذا نظراً لرخص الأجور قياساً بدول الجوار.
ومع اندلاع الثورة السورية وإغلاق معظم الدول سفاراتها في سوريا، توقف السياح الأجانب عن زيارة سوريا، ولم يعد هناك استثمار للمناطق الأثرية كما كان من قبل. "عيسى" موظف في وزارة السياحة السورية، يقول لموقع تلفزيون سوريا إنه وبحسب إحصائيات وزارة السياحة التابعة للنظام فقد "توقفت زيارات سوريا من مواطني دول الخليج والدول الأحنبية تماماً منذ اندلاع الاحتجاجات السورية، ولكن الزيارات من إيران وروسيا والعراق وقسم من مواطني لبنان استمرت وبقوة أكثر من السابق".
ويوضح "ازداد دخول المواطنين الروس إلى سوريا في الآونة الأخيرة لأسباب كثيرة سياسية وسياحية تحت أغراض أخرى، فضلاً عن المواطنين الإيرانيين والعراقيين الذين يزورون المراقد الدينية".
ويلفت الموظف أن الروس المسجلين كزائرين هم أقل من الروس الموجودين أساساً في سوريا، وسبب ذلك أن أغلب الروس المتوافدين إلى سوريا يدخلونها عبر مطار حميميم التابع لروسيا.
أما زيارات العراقيين والإيرانيين وقسم من اللبنانيين لسوريا فيعود لسببين الأول ديني والآخر يتعلق بالصحة، فالسياحة الدينية في سوريا ليست حديثة العهد، أما السياحة الطبية فقد ازدهرت في السنوات الأخيرة.
بحسب عيسى فسوريا قبل أزمة كورونا كانت تسجل أسبوعياً دخولاً للمواطنين اللبنانيين يوم السبت وخروجهم يوم الأحد يزورون خلالها المراقد الدينية، أما العراقيون والإيرانيون فدخولهم كان غير مقترن بأيام الأسبوع كاللبنانيين، ورغم توقف هذه الحركة خلال أزمة كورونا فإنها عاودت من جديد ولكن بنسبة أقل من السابق من الطرف اللبناني.
وعن السياحة الطبية فقد تابع عيسى حديثه أن هنالك مراكز طبية في منطقة السيدة زينب الواقعة في ريف دمشق، رواد هذه المراكز من الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين الذين يقدمون إلى سوريا في رحلة علاجية وتحديداً تجميلية. فيدخل مواطن إحدى الدول الثلاث سابقة الذكر إلى سوريا يصلح أسنانه ويخضع لعمليات تجميل ومن ثم يعود لموطنه بعد أن دفع أقل من ربع المبلغ الذي يفترض عليه دفعه في بلده الأصلي، وهذا النوع من السياحة لم يتوقف حتى اليوم بل إنه في ازدياد، ولا تقتصر السياحة الدينية على منطقة السيدة زينب بل إن كثيراً من اللبنانيين يأتون إلى سوريا لإجراء عمليات تجميلية عند أطباء ذوي سمعة معروفة في دمشق أو اللاذقية أو طرطوس.
دبي وجهة سياحية للأغنياء وأمراء الحرب
فتحت دبي الباب للحصول على الفيزا السياحية، تزامنا مع افتتاح معرض "إكسبو دبي"، حيث سارع كثير من السوريين للحصول على فيزا تخولهم دخول دبي، أغلبهم بغرض الهروب من سوريا والبحث عن فرص عمل أفضل، وقسم لا بأس به عمد لزيارة دبي كمقصد سياحي جديد، وهذه الفئة من أصحاب رؤوس الأموال والمتنفذين في سوريا، ومحدثي النعمة من أمراء الحرب الذين ظهروا بشكل قوي على الساحة السورية في السنوات الأخيرة.
"علا" فتاة تعمل في إحدى شركات السياحة التي نشط عملها جيداً بعد معرض "إكسبو دبي"، تقول إن عدد الشبان والشابات الذين تقدموا للسفر إلى دبي "مخيف حقاً"، وكأن سوريا قد فرغت من شبابها فبالإضافة إلى موضوع البحث عن فرص عمل والهروب من الخدمة العسكرية الإلزامية، أكدت "علا" أن كثيرين يسافرون إلى دبي فقط لقضاء عطلة العيد أو نهاية الأسبوع أو للتسوق. وتضيف أن كثيراً من أبناء المسؤولين ممن لم تسنح لهم الفرصة سابقاً الحصول على فيزا لدخول دبي كانوا السباقين للسفر وزيارة دبي والتسوق فيها، فضلاً عن العديد من أصحاب رؤوس الأموال الجدد الذين ظهروا بقوة في سنوات الحرب.
وتوضح لموقع تلفزيون سوريا "لست بحاجة إلى كثير من التفكير كي تعرف نمط المسافر وخلفيته إن كان من الأغنياء حقاً أم من أمراء الحرب ومحدثي النعمة، لقد أصبح السفر إلى دبي موضة ووسيلة لإظهار الترف والتبجح بالأموال".
وبالنسبة لكثيرين باتت دبي أرخص من سوريا، ففي ظل ارتفاع الأسعار المتواصل في سوريا خاصة في الفنادق والمطاعم التي تصنف من درجة خمس نجوم، فإن أسعار الفنادق المتوسطة الرفاهية في دبي أرخص من الفنادق عالية الرفاهية في سوريا وتقدم خدمات أفضل.
"سامح"، شاب سوري اعتاد السفر من صغره مع أهله ويحمل إقامة في دبي، فضل قضاء عطلة عيد الفطر الماضية في دبي على أن يقضيها في سوريا، فالأسعار باتت متقاربة في اللباس والطعام والمنامة، وطالما كانت الأسعار متقاربة والخدمة أفضل في دبي فلم لا يسافر من يستطيع إلى دبي و"يقضي وقتاً ممتعاً بعيداً عن بلد تصدع بالحرب ويحاول التعافي ويفشل" على حد قوله.