يقضي الفلاحون والمزارعون في أرياف حلب الشمالية والشرقية، معظم أوقاتهم في الأراضي الزراعية بغية جني المحاصيل الزراعية خلال شهر حزيران الجاري، في ظل تراجع الإنتاج بشكل كبير عن الأعوام السابقة، نتيجة العديد من العوامل التي ساهمت بشكل أو بآخر في تدني إنتاجية مختلف المحاصيل وعلى رأسها القمح والشعير.
زار موقع تلفزيون سوريا، الأراضي الزراعية خلال موسم الحصاد في ريف حلب الشمالي والشرقي، لهذا العام واطلع على إنتاجية المحاصيل التي بدأت تتراجع عاما تلو الآخر، نتيجة شح الهطولات المطرية، وانخفاض مستوى المياه الجوفية، وتضرر التربة وارتفاع أسعار الأسمدة، وانخفاض المساحات المزروعة من القمح والشعير.
"التبن" يخلص الفلاح من الخسائر
بدأ الفلاحون والمزارعون يعدون أكوام التبن والقش المخصص للأعلاف، عوضاً عن إحصاء ناتج المحصول الزراعي المتدني بعدما ارتفعت أسعار العلف في الأسواق خلال الشتاء الماضي، الذي أدى إلى خسارات لدى مربي الثروة الحيوانية، حيث يعتقد الفلاحون أن أسعار التبن سبيلهم للخلاص من تردي الإنتاج الزراعي.
كنعان بكور، واحد من هؤلاء المزارعين في ريف حلب الشمالي، عندما بدأ حصاد محصول القمح، صار يعدّ أكوام التبن التي تنتجها أرضه الزراعية، عوضاً عن إحصاء إنتاج الأرض من مادة القمح، التي لم تتجاوز 100 كيلوغرام لكل دونم، ما يعني أن الهكتار ينتج طناً واحداً.
وقال خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" إن "إنتاج محصول القمح متدنّ وكمية الإنتاج لا تغطي الكلفة التي وضعتها على الأرض الزراعية خلال مرحلة الزراعة، إضافة إلى أجور الأرض الزراعية التي استأجرتها، لذلك بدأت أبحث عن بدائل أخرى لتغطية الكلفة من حصاد ونقل وأجور عمال وإلى ما ذلك".
وأضاف أن "سعر (الطبة) الواحدة يتراوح بين 50 و60 دولاراً، في حين يتراوح سعر الطن الواحد من تبن القمح بين 250 إلى 300 دولار، وفي حال أنتج الهكتار طنا واحدا من التبن، إلى جانب محصول القمح، فإنه يغطي التكاليف والربح إلى مستوى جيد، قد يخلص الفلاح من الخسارة".
أسعار التبن
وارتفعت أسعار "التبن" العلف المخصص للمواشي، الناتج عن العديد من الحبوب وعلى رأسها القمح والشعير، خلال الشتاء الماضي، بعدما أصدرت مديرية الجمارك العامة التابعة لوزارة التجارة التركية، قراراً يقضي بمنع تصدير السلع والمنتجات ومن بينها الأعلاف، إلى مناطق شمال غربي سوريا.
وتضمن القرار منع تصدير جميع أنواع النخالة والقشر الناتج عن الحبوب والبقوليات، تزامناً مع الحرب الروسية على أوكرانيا، بالإضافة إلى أعواد وقشر ونخالة الفستق، والذرة والكسبة والقطن والشوندر وما شابه هذه المنتجات، والبرسيم، والذرة العلفية المكسورة وكسارة الشعير، وكسبة بذر القطن، وكسبة بذر دوار الشمس، وقشر فاصولياء الصويا، وكل ما ينتج من مخلفات زيت الصويا من نخالة وكسبة.
وتسبب منع تصدير التبن إلى الشمال السوري بارتفاع أسعار العلف بشكل غير مسبوق، ما دفع مربي المواشي إلى التخلي عن العمل في تربية الماشية، نتيجة تكاليف طعامها، تزامناً مع قلة المراعي، وضيق المساحات الجغرافية التي منعتهم من التنقل بحثاً عن المراعي.
وقال نصر أبو عبدو أحد مربي المواشي في ريف حلب الشمالي خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" إن "الماشية بدأت تأكل بعضها بعضا نتيجة ارتفاع أسعار التبن، وبدأت أبيع عددا منها مقابل إطعام ما تبقى عندي خلال الشتاء الماضي، بالإضافة إلى عدم قدرتنا على الرعي في المنطقة الصغيرة".
وأضاف "كان سعر طن التبن يبلغ 100 دولار خلال موسم العام 2020 - 2021، لكن منع توريد العلف من قبل مديرية الجمارك التركية، أسهم في ارتفاع أسعاره إلى ثلاثة أضعاف خلال شتاء العام 2022، حيث وصل سعر الطن إلى 5000 ليرة تركية، ما يعادل 350 دولارا، بحسب سعر تصريف الليرة التركية مقابل الدولار خلال تلك الفترة".
وتختلف أسعار طن التبن الناتج عن قشور وقش الحبوب، من مادة إلى أخرى، خلال الموسم الحالي، حيث يتراوح سعر طن تبن القمح بين 250 و300 دولار، في حين يتراوح سعر طن تبن الشعير بين 200 و250 دولارا، ويبلغ سعر طن تبن العدس 400 دولار، أما تبن الحمص وحبة البركة فيصل إلى 150 دولارا للطن الواحد، وتبن الفول 100 دولار أميركي للطن.
ويعمل المزارعون ومربو المواشي في ريف حلب الشمالي على تخزين كميات كبيرة من التبن في المخازن خشية ارتفاع أسعاره خلال فصل الشتاء المقبل بعدما واجهوا تحديات كبيرة في تربية الماشية لا سيما العام الماضي.
تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية في ريف حلب الشمالي
وشهد القطاع الزراعي في مناطق شمال غربي سوريا، تراجعاً كبيراً عن المواسم الزراعية السابقة، نتيجة تأثره بالعديد من العوامل التي ساهمت في انخفاض إنتاجية الأراضي المزروعة بالقمح والشعير، والبقوليات والحبوب العطرية التي نشطت زراعتها في المنطقة مؤخراً.
ويزرع الفلاحون والمزارعون في ريفي حلب الشمالي والشرقي، القمح والشعير، والفول والعدس والحمص، وحبة البركة، والكمون واليانسون، والعصفر "الكركم، وتتنوع الزراعة بين مروية وغير مروية، وفقاً لقدرة الفلاح على استجرار المياه الجوفية لري المحاصيل الزراعية، بعد شح الأودية التي تغذي المنطقة شتاءً وانخفاض منسوب المياه الجوفية وتوقف العديد من الآبار.
وقال المهندس الزراعي قيس حلاوة في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" إن "الزراعة البعلية، تأثرت بالعوامل الجوية، لأن اعتماد الفلاحين على الهطولات المطرية النادرة ساهم في انخفاض الإنتاج، وتسبب في عدم تغطية التكاليف للفلاحين وتضررها بنسبة تفوق الـ 85 في المئة، أما الزراعة المروية، فرغم تحقيقها إنتاجية أكبر، فإنها لم تغطّ الكلفة بشكل فعلي لأن الفلاحين انتقلوا حديثاً للري عبر الطاقة الشمسية بعد ارتفاع أسعار الكهرباء والمحروقات في المنطقة، حيث تصل نسبة التضرر إلى أكثر من 50 في المئة".
وأضاف أن "الأسباب التي ساهمت في تراجع الإنتاج الزراعي، هي شح الهطولات المطرية خلال عامين متتاليين، واستنزاف التربة من قبل المزارعين، وعدم استخدام الأسمدة الطبيعية بسبب ارتفاع أسعارها واللجوء إلى الأسمدة الكيماوية التي ارتفعت أسعارها إلى 800 دولار للطن الواحد خلال موسم الزراعة، ما جعل الفلاح يحصد المحصول الزراعي دون تحقيق هامش الربح".
وأوضح أنه "بسبب عدم قدرة الفلاحين على تحقيق هامش الربح من الزراعة، بدؤوا يلجؤون إلى جمع العلف من قشور وقش الحبوب، لتغطية جزء من التكاليف وتحقيق شيء من هامش الربح الذي يطمح الفلاح إلى تحقيقه في كل موسم، حتى إنهم يضطرون إلى استخدام الأعلاف التي كانوا يستغنون عنها خلال الأعوام الماضية".
أسعار المحاصيل الزراعية
وتتنوع أسعار المحاصيل الزراعية، بحسب العرض والطلب عليها في الأسواق المحلية، وإمكانية تصديرها إلى خارج المنطقة، ولذلك يعمد بعض الفلاحين إلى تخزينها وانتظار ارتفاع أسعارها، حتى تحقق لهم أرباحاً جيدة.
التاجر عبد الغني أبو علي، قال خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" إن "تحديد سعر الحبوب يتم عن طريق تحديد الإجرام، وإزالة الشوائب من كمية محددة من الحبوب، بالإضافة إلى نوع الحبة الناصحة أو غير ذلك وحجمها".
ويبلغ سعر طن القمح القاسي 480 دولارا، والقمح الطري 465 دولارا، ويبلغ سعر طن الشعير 440 دولارا، وطن الفول العريض المغربل 800 دولار، وطن الفول القبرصي المغربل 600 دولار، وطن الحمص المغربل 900 دولار.
أما العدس الكردي (الحبة الكاملة) المغربل فسعره 1100 دولار، والعدس البلدي الأحمر المغربل 700 دولار، وحبة البركة 1200 دولار، والكمون 3200 دولار، والكزبرة الخضرة 1300 دولار والكزبرة السمرة 1100 دولار، واليانسون الأخضر 1900 دولار، واليانسون الشمعي 1700 دولار، والعصفر 11 ألف دولار للطن الواحد.
وحددت وزارة المالية والاقتصاد في "الحكومة السورية المؤقتة" أسعار القمح القاسي والطري، للموسم الزراعي 2022، حيث أصبح سعر طن القمح القاسي الصافي من الدرجة الأولى 475 دولارا، وسعر القمح الطري 460 دولارا للطن الواحد الصافي من الدرجة الأولى.
وافتتحت "الحكومة السورية المؤقتة" مراكز لشراء القمح في اعزاز ومارع وعين البيضا وبزاعة والأتارب بريف حلب، إضافة إلى مراكز رأس العين وتل أبيض، في ريف الحسكة، وبدأت هذه المراكز شراء القمح من المزارعين، واعتمدت تسعيرة القمح، بعد تشكيل لجان من قبل الحكومة.
وأوضح "وزير المالية والاقتصاد" في "الحكومة المؤقتة" عبد الحكيم المصري خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أن "اللجان التي انتدبتها الوزارة لوضع تسعيرة القمح، قدمت الدراسات وفق المواسم المتوسطة، بحيث تغطي تكاليف الإنتاج".
وأضاف أن "الحكومة المؤقتة منعت تصدير القمح من مناطق المعارضة، للحفاظ على الأمن الغذائي في المنطقة، لأن هناك فجوة بين الإنتاج والاحتياج، حيث يبلغ الإنتاج في المناطق التي تشرف على إدارتها الحكومة المؤقتة 125 ألف طن من القمح، وعملياً تحتاج هذه المناطق إلى 320 ألف طن، وسيتم التغطية عبر الاستيراد".