icon
التغطية الحية

كيف تستغل "قسد" عمليات "داعش" في أوروبا لتأمين الدعم السياسي؟

2024.09.03 | 06:07 دمشق

قسد
سجن لـ"قسد" يضم سجناء من "داعش" في ريف الحسكة
تلفزيون سوريا ـ باسل المحمد
+A
حجم الخط
-A

شكّلت عملية الطعن التي تبناها تنظيم الدولة (داعش) في مدينة زولينغن غربي ألمانيا، والتي أدّت إلى مقتل ثلاثة أشخاص (رجل وامرأتان)، فرصة مهمة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) لإعادة التأكيد على دورها في عملية محاربة خلايا "داعش" التي تنشر في مناطق سيطرتها شمال شرقي سوريا، والتي تشكّل تهديداً خطيراً يتجاوز حدود تلك الجغرافيا ليصل إلى مناطق مختلفة من العالم.

يرى كثير من المتابعين لتحركات "قسد"، في الآونة الأخيرة، أن هذا الدور يأتي في إطار سعي "الإدارة الذاتية" إلى تأمين استمرار الدعم والغطاء السياسي والعسكري، خاصة في ظل فشلها بإعطاء الشرعية لوجودها في مناطق شمال شرقي سوريا، عن طريق الانتخابات التي كانت تنوي إجراءها، شهر آب الفائت.

يدعم سعي "قسد" في هذا السياق تأكيد صحيفة "دير شبيغل" الألمانية، بأنّ "المشتبه به الذي سلّم نفسه يُدعى (عيسى. الـ هـ) يبلغ من العمر 26 عاماً، وهو من مواليد مدينة دير الزور السورية (تسيطر "قسد" على مساحات كبيرة منها)، وجاء إلى ألمانيا في نهاية كانون الأول 2022.

وأعلنت تنظيم "داعش"، يوم 24 آب الفائت، مسؤوليته عن هجوم الطعن، وقال في بيان نشرته وكالة "أعماق" الدعائية التابعة للتنظيم، إنّ "أحد عناصره نفذ هذا الهجوم انتقاماً للمسلمين في فلسطين وأماكن أخرى، وأن الهجوم كان يستهدف مجموعة من المسيحيين"، لكنّ البيان لم يذكر أي دليل على وجود اتصال بين المشتبه به الذي سلّم نفسه وبين التنظيم.

"قسد" تواكب الحدث

بعد تبنّي "داعش" لعملية زولينغن، سارعت "قسد" إلى إصدار بيان تدين فيه هذه العملية، محذّرة المجتمع الدولي من خطر إعادة "داعش" تنظيم صفوفه، مستنداً في ذلك إلى "الإيديولوجيا التي يتبنّاها".

وقالت عبر بيان في 26 آب، إنّ "ما حدث في زولينغن الألمانية يؤكّد مرة أخرى ضرورة التحرك نحو التضامن لمواجهة التحديات المشتركة التي يشكّلها تنظيم الدولة ضد أمن واستقرار المنطقة والعالم، مع ضرورة الحد من منابع (دعم الإرهاب)".

وحرصت "قسد" في بيانها على تذكير المجتمع الدولي على أنها ما تزال في "خط النضال الأول ضد الإرهاب وفكره"، وأنها ما تزال ملتزمة بواجبها في "الحد من هذا الخطر الذي لا تحده جغرافيا".

تحرّكات "قسد" لم تقتصر على بيان الإدانة فقط، إذ كثفت من حملاتها الأمنية وإعلانها عن تفكيك خلايا تابعة لـ"داعش" في مناطق سيطرتها، وفي هذا السياق كشفت قوات "الأسايش"، في 25 آب، اعتقال عنصر في خلية لـ"داعش" كان يهرّب عناصر وقيادات التنظيم من مخيم الهول جنوبي الحسكة.

وبعد ذلك بيوم، أعلنت "قسد" أيضاً تفكيك خلية لـ"قسد"، موضحةً أنّ فرق العمليات العسكرية التابعة لها، نفّذت عملية أمنية (يوم تنفيذ عملية الطعن في ألمانيا) في بلدة صفيان بمنطقة الشدادي جنوبي الحسكة، استهدفت خلية لـ"داعش".

"قسد" توجّه رسائل للمجتمع الدولي

مسارعة "قسد" في إصدار بيان إدانة وتضامن مع ألمانيا بعد حادثة الطعن، وقبله الإعلان عن تفكيك خلايا لـ"داعش"، يندرج ضمن إطار الضخ الإعلامي، ومحاولة للعودة إلى "أمجادها القديمة في عامي 2015-2106"، عندما كانت تنشر عملياتها و"بطولاتها" في محاربة التنظيم بدعمٍ من قوات التحالف الدولي، وذلك بحسب الباحث في مركز "عمران" للدراسات سامر الأحمد.

وأوضح "الأحمد" خلال حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا، أن "قسد" تنشط إعلامياً باستغلال عمليات تنظيم الدولة سواء في مناطق سيطرتها أو في أي منطقة بالعالم، وتجيير هذه الأحداث لصالحها من أجل كسب مزيد من الدعم الأوروبي السياسي والعسكري والاقتصادي.

وبعد إخفاق "قسد" في تنظيم وضعها السياسي -يضيف "الأحمد"- عمِلت على الضغط الأمني والاستحواذ والسيطرة من أجل فرض نفسها كقوة أمر واقع يحتاج إليها التحالف ومنطقة الشرق الأوسط، من أجل محاربة تنظيم "نفّذ عملاً إرهابياً في أوروبا".

وفي ذات السياق يوضّح مساعد باحث في مركز الحوار السوري عامر العبد الله، أنّ إعلان "قسد" عن ضبط خلية لـ"داعش" في اليوم نفسه، الذي جرت فيه عملية الطعن يحمل دلالات واضحة في محاولة استثمار الحدث وتوصيل رسائل إلى الأطراف الغربية بأن "قسد" مستمرة في نشاطها ضد التنظيم وأنها الخيار الأنسب في سوريا للحد من عملياته وضبطه.

ويشير "العبد الله" -المهتم في شؤون الشرق السوري- خلال حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا، إلى أنّ "قسد" ما زالت تحتضن كتلة ضخمة من عناصر وعائلات "داعش" الأجانب داخل مخيمات وسجون في مناطق سيطرتها شمال شرقي سوريا، الأمر الذي قد يُشكّل مدعاة للاستمرار بدعمها خاصة من قبل الدول التي ترفض استعادة مواطنيها.

يشار إلى أنه بعد 5 سنوات من إعلان قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة القضاء على تنظيم "داعش" في سوريا، تعمل "قسد" بشكل متكرر على التحذير من إعادة تنظيم صفوفه، إذ أكد المتحدث باسم "قسد"، سايمند علي، في تصريحات صحفية سابقة شهر آذار الماضي، بأنّ "تنظيم داعش ما يزال قادراً على تنفيذ جرائم إرهابية، وأنّه بدأ في إعادة تشكيل صفوفه".

وحول عدد أفراد تنظيم "داعش"، قال المسؤول إنه ما من أرقام واضحة، لكن التقديرات تشير إلى أنّ "هناك على الأرض السورية بشكل عام، أكثر من 10 آلاف مقاتل من داعش يعملون بشكل متخفٍّ"، وفقاً لقوله.

ما دور "قسد" في ازدياد نشاط "داعش"؟

يرى كثير من المتابعين لشؤون تنظيم "داعش"، أنّه رغم فقدانه السيطرة المكانية في شرقي سوريا، منذ 5 سنوات، إلا أنه ما يزال حاضرا بالسر ويشكل "تهديداً كامناً".

وبينما ارتبطت معظم أنشطته بعمل "الخلايا"، منذ عام 2019، تشير تحركات متكررة ارتبطت باسمه أكثر من مرة، إلى "اتباعه سياسة قائمة على استغلال الثغرات".

إلى جانب ذلك يرى الباحث سامر الأحمد، أنّ من أسباب ازدياد نشاط "داعش" هو التعامل الأمني من قبل "قسد" مع انتفاضة العشائر في شرقي الفرات، العام الفائت، إذ شكّل هاجس الامتداد الإيراني في تلك المناطق، دافعاً قوياً لـ"قسد" للتعاون الأمني مع الأهالي في سبيل إنهاء هذه الانتفاضة، وهذا أدّى إلى تغاضي "قسد" عن نشاط خلايا "داعش" في المنطقة.

ويضيف "الأحمد" أنّ هناك اتهامات مباشرة لـ"قسد" بأنّها أفرجت عن عشرات عناصر التنظيم الذين اعتقلتهم بحملات أمنية وإنزالات جويّة من التحالف، فلماذا أفرجت عنهم، طالما ستعتقلهم بعد فترة تحت اسم "تفكيك خلايا داعش"؟.

وفي سياق الحديث عن هذه الاتهامات، يشير "الأحمد" إلى أنّ كل التقارير تشير إلى أن التنظيم خلال الأشهر الماضية كان يأخذ الإتاوات نهاراً من التجار ومتعهدي النفط وتجار الحبوب في دير الزور تحت أنظار "قسد"، بل إن هناك اتهامات لبعض كوادرها المتحكمين بالاقتصاد والأمن، بالتواصل مع بعض خلايا التنظيم التي تنشط هناك.

ويرى عامر العبد الله المهتم في قضايا شرقي سوريا، أنّ هناك مواقع ومناطق في جنوبي الحسكة وريفي دير الزور الشرقي والشمالي لم تضبطها "قسد" فعلياً منذ سيطرتها عليها، قبل سنوات، فهي تفتقر للضبط الأمني مثل المناطق ذات الغالبية الكردية.

هذا الأمر وفق "العبد الله"، أتاح لـ"داعش" النشاط بشكل نسبي في بعض مناطق جنوبي الحسكة وريفي دير الزور الشرقي والشمالي، وشكّل في الوقت ذاته فرصة لـ"قسد" لشن عمليات الدهم بحجة "داعش" واعتقال المعارضين لسياساتها.

وسبق أن وجّهت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في وقت سابق، اتهاماً لـ قوات "قسد" بالإفراج عن أسرى سوريين من تنظيم "داعش" مقابل أموال ومخطّط "مصالحة"، محذّرةً من أن ذلك يشكّل خطراً أمنياً كبيراً داخل سوريا وخارجها ويزيد من احتمالية عدم مواجهة العناصر الذين ارتكبوا جرائم جسيمة للعدالة.

ما علاقة التطبيع بين تركيا والنظام السوري؟

تستمر "قسد" في تحذيرها من خطوات التقارب بين تركيا والنظام السوري، معتبرةً أنّ هذه المصالحة وإن تمت فهي "مؤامرة كبيرة ضد الشعب السوري بكل أطيافه، وتكريس للتقسيم وتآمر على وحدة سوريا وشعبها".

وتتخوّف "قسد" من أن هذا التقارب سيشكّل ضغطاً سياسياً ودبلوماسياً يُضعف شرعيتها على الساحة الدولية والإقليمية، وقد يكون ذلك من خلال إعادة صياغة "اتفاقية أضنة" عام 1998، بما يسمح لأنقرة بتنفيذ عمليات جديدة داخل الأراضي السورية لمسافة تتراوح بين 30-40 كم، تشبه تلك التي تجريها مؤخراً في العراق ضد "حزب العمال الكردستاني".

بناءً على ذلك ترى "قسد" أن استمرار التعاون مع التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة يشكل طوق نجاة لها، وهو الخيار الوحيد القادر على وضع حد لأي أعمال عسكرية محتملة ضدهم.

وتعقيباً على مخاوف "قسد" من التقارب التركي مع نظام السوري، يؤكّد الباحث سامر الأحمد أنّ "قسد" ستكون ضحية لهذا التطبيع سواء على المستوى العسكري، أو من خلال تعاون أمني بين تركيا والنظام، وأوّل النتائج كانت إلغاء الانتخابات البلدية، وضغط أمني على "قسد" من خلال استهداف كوادر "حزب العمال الكردستاني"، أمّا النظام فبدأ يضغط من خلال المعابر.

أمام هذا الواقع، يضيف "الأحمد" أنّ "قسد" ترى نفسها مضطرة للتأكيد أمام المجتمع الدولي على دورها الوظيفي الأمني في ملاحقة تنظيم الدولة، لكي لا يتم التضحية بها والاستغناء عنها لصالح تركيا.