دير الزور على صفيح ساخن.. شرارة قد تجبر "قسد" والتحالف الدولي على إعادة حساباتهم

2024.08.10 | 06:50 دمشق

العشائر
+A
حجم الخط
-A

يبدو أن الوضع في دير الزور شرقي سوريا هو انعكاس لتعقيدات الأزمة السورية والصراعات الإقليمية والدولية على المنطقة. فالتوترات القائمة بين السكان المحليين ومن خلفهم ما يسمى "قوات العشائر" المدعومة من النظام السوري وبين قوات قسد، والسياسات المتناقضة للتحالف الدولي، كلها عوامل تساهم في تأجيج الوضع وتعقيده. وهناك حاجة ماسة لإيجاد حلول تراعي مصالح وطموحات أهالي دير الزور، وتعزز الاستقرار والتنمية في المنطقة.

وبالرغم من ذلك، يظل السكان المحليون في دير الزور ملحين على مطالبهم التي تعكس تطلعاتهم نحو استعادة الاستقرار والعيش الكريم في منطقتهم. فهم يطالبون بسحب العناصر غير المحلية والتمكين السياسي والاقتصادي للقوى المحلية، بالإضافة إلى إصلاحات جذرية في الحوكمة والمؤسسات الأمنية والخدمية. وهذه المطالب تشكل خارطة طريق واقعية لتحقيق التغيير المنشود.

وفي هذا الصدد، يقع على عاتق المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة مسؤولية دعم هذه المطالب والعمل على إيجاد حلول تراعي مصالح السكان المحليين. فاستقرار المنطقة وأمنها لن يتحقق إلا بتمكين القوى المحلية وضمان حقوقها وتطلعاتها. وهذا يتطلب إرادة سياسية قوية ورؤية شاملة تستهدف إنهاء النزاع في سوريا بشكل عادل ومستدام.

ويشير ما شهدته محافظة دير الزور فجر يوم الأربعاء 7 آب/أغسطس 2024، من اشتباكات عنيفة بين مقاتلي العشائر وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حيث شن ما يسمى "جيش العشائر" هجمات متزامنة على عدة مواقع لقسد في بلدات الصبحة والبصيرة وحوايج ذيبان وأبو حمام وغرانيج، يشير إلى وجود خلافات وتوترات كبيرة بين السكان المحليين والقوات الكردية المسيطرة على المنطقة. كما تظهر الهجمات المتزامنة على عدة مواقع لقسد مدى القلق والغضب الشعبي تجاه هيمنة قسد وسياساتها في المنطقة.

وأكدت مصادر محلية أن الاشتباكات كانت عنيفة في الساعات الأولى على انطلاقتها، وتركزت على نقاط ومراكز لقسد التي تم إخلاؤها بشكل كبير قبل بدء الهجمات. وعلى الرغم من تراجع وتيرة الاشتباكات مع مرور الوقت، إلا أن القصف المتبادل استمر لساعات.

وأسفرت هذه المواجهات العنيفة عن سقوط ثلاثة قتلى وأكثر من أربعة عشر جريحًا، حيث تم نقل المصابين إلى  مشفى جديد بكارة ومشفى الهدى في أبو حمام ، والذي ناشد عبر مجموعات واتساب ومكبرات الصوت في الجوامع للتبرع بالدم، بحسب ما وصل من مصادر محلية من سكان المنطقة.

ومع ساعات الظهيرة من يوم الأربعاء، توقفت الاشتباكات بشكل كامل تقريبا في المنطقة في ظل الحديث عن إرسال قسد لتعزيزات عسكرية وفرض حظر للتجول في المنطقة بالتزامن مع تحليق مكثف لطيران التحالف الدولي.

وعود غير صادقة بالإصلاحات

وعلى الرغم من وعود قسد بالإصلاحات والتغيير بعد أحداث العام الماضي، إلا أن الوضع لم يتحسن كما وعدت. لا تزال قوات قسد تسيطر بشكل كامل على القرار والموارد في المحافظة، مما أدى إلى زيادة الشعور بالظلم والاستغلال والتهميش السياسي لدى السكان المحليين، فضلاً عن استمرار الحملات الاعتقالية وإجراءات التجنيد الإجباري التي تستفز المجتمع.

وبعد مرور عام على أحداث دير الزور عقب اعتقال قائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل أبو خولة ووعود قسد بالإصلاحات وإطلاقها لمؤتمر تعزيز الأمن في أكتوبر الماضي، حيث أطلقت قسد وعوداً بالتغيير والإصلاح، لكن بعد مرور عام كأن شيئا لم يكن فما زال الكادر الكردي هو المتحكم بالقرار في دير الزور، وموظفو دير الزور ومناصبهم لا تزال شكلية، وسط ازدياد الوضع الاقتصادي سوءا يوما بعد يوم في منطقة غنية بالنفط.

دير الزور المحافظة الغنية بالنفط تبلغ نسبة الفقر فيها أكثر من 80 ٪، في حين يشاهد الناس بشكل يومي أرتال النفط المستخرج من أرضهم يذهب باتجاه مناطق سيطرة النظام وإلى إقليم كردستان، بينما الناس لا يحصلون على الوقود أو غاز الطهي إلا بأسعار مرتفعة ويرون أن قسد تسيطر على هذه الموارد وتوزعها بشكل غير عادل، مما يزيد من حدة الشعور بالظلم والاستغلال، كما أن الوضع الخدمي لا يزال على حاله منذ عام وربما ازداد سوءا أكثر مما كان عليه من قبل.

ولا تزال قسد تهمش أبناء دير الزور كما كان قبل عام، وهذا ما أخر تشكيل الحكومة المحلية في دير الزور أو المجلس المدني فيها بعد رفض رئيس المجلس محمد الدخيل تدخل الكوادر الكردية في القرار، ولكن لم يستطع أن يفعل شيئا في ظل هذه السيطرة واستقالة رئيس لجنة الصحة وهو طبيب من أبناء دير الزور بسبب تدخل الكوادر الكردية بعمله، وهذا ما جعل أبناء المجتمع المحلي يشعرون بالتهميش السياسي، وعدم مشاركتهم في صنع القرارات التي تؤثر على حياتهم اليومية، حيث يرون أن قسد تفرض سيطرتها على المنطقة دون مراعاة لآراء ومطالب المجتمع والناس في دير الزور.

وعلى الصعيد الأمني فلا تزال قسد تقوم بحملات اعتقالات تعسفية تستهدف شباب دير الزور وكوادرها وناشطيها، مما أدى إلى زيادة التوتر والغضب الشعبي وسياسة التجنيد الإجباري والتهجير الممنهج التي تستهدف الشباب. كلها أسباب ستبقى كالجمر تحت الرماد في دير الزور في ظل تسلط كوادر حزب العمال الكردستاني.

ولا يمكن إغفال التدخلات الخارجية التي تلعب دوراً هاماً في تأجيج الصراع، حيث تسعى بعض الدول إلى استغلال هذه التوترات لتحقيق أهدافها الخاصة في المنطقة.

سياسة التحالف الدولي جزء من المشكلة وليس الحل

وعلى الرغم من وجود قوات التحالف الدولي في المنطقة، إلا أن سياساته الداعمة لقسد تشكل جزءًا من المشكلة وليس الحل. فالتحالف هو الداعم الرئيسي لقسد وسياستها، وهناك تناقض في موقفه من وجود عناصر حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيًا في منطقة حقل العمر بجوار قواته.

أي أن وجود قوات التحالف الدولي في المنطقة الذي يعد منع الوجود الإيراني وعدم تقدمه باتجاه مناطق شرق الفرات أكبر إيجابياتها، إلا أن سياسته الداعمة لقسد أصبحت تشكل جزءا من المشكلة وليس الحل، فالتحالف الدولي اليوم هو الداعم الرئيسي لقسد وسياستها، ومن التناقضات الغريبة أن كوادر حزب العمال الكردستاني يقيمون في قاعدة حقل العمر بجوار قوات التحالف الدولي التي تدعي محاربة الإرهاب، علما أن حزب العمال الكردستاني مصنف على لوائح الإرهاب.

وبالرغم من ذلك لا يزال الناس يرون أن هناك فرصة لقوات التحالف في إصلاح الوضع الحالي في دير الزور قبل فوات الأوان.

ماذا يريد أهالي دير الزور؟

يتطلع أهالي دير الزور إلى حل مؤقت لمشكلاتهم، في انتظار الحل السياسي الشامل للأزمة السورية. وتتمثل أبرز مطالبهم في إيجاد حل مؤقت لمحافظتهم بانتظار الحل السوري الشامل، حيث كانت المطالب واضحة وقابلة للتطبيق لو أرادت الولايات المتحدة دعم مطالب السكان المحليين.

ومن أبرز المطالب لأهالي المنطقة هي:

  • سحب وإخراج جميع العناصر غير المحلية من المنطقة.
  • التأكيد على ألا تكون منطقة شمال شرقي سوريا نقطة صراع مع دول الجوار.
  • العمل على تفكيك كل الأجسام والهياكل وكل الرموز المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بقسد، وإخراج القنديليين من المنطقة، وضمان عدم عودة PKK للمنطقة وإدارتهم لها.
  • العمل مع القوى المحلية العسكرية والمدنية، وتقديم الدعم لها لضبط المنطقة واستقرارها بالتشارك مع التحالف الدولي.
  • تمكين سكان المناطق ذات الأغلبية العربية من إدارة مناطقهم بشكل مباشر ومستقل عن قسد ومسد عسكريا وأمنيا وشُرطيا وخدميا واقتصاديا وسياسيا.
  • التواصل بشكل مباشر والتنسيق بين القيادات المحلية وقوات التحالف الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية.
  • إيجاد إدارة محلية وطنية وحوكمة حقيقية واعتماد الشفافية وذلك بالتشارك مع التحالف الدولي تجعلها قادرة على إدارة الموارد المحلية وتوزيعها بشكل عادل يساهم في التنمية المحلية وتحقيق الأمن المجتمعي المستدام.
  • يلتزم سكان منطقة شرق الفرات بالتنسيق مع التحالف بغية طرد الميليشيات الإيرانية والحشد الشعبي من محافظة دير الزور وسوريا بشكل عام.
  • تعمل القوات المحلية في المنطقة على مواجهة التطرف وجميع أشكال الإرهاب بالتنسيق والتعاون مع التحالف الدولي.
  • الطلب من قوات التحالف والمجتمع الدولي على دعم واستقرار المنطقة وأحداث التنمية فيها ومساعدة القوى المحلية على تنظيمها بدعم تقني وعلمي ومعرفي.
  • إعادة الهيكلة لكل المؤسسات العسكرية والأمنية وقوى الأمن الداخلي وذلك يكون من ضباط الجيش والشرطة والعناصر المنشقين ومن لديهم الخبرة والكفاءة بهذا التخصص لضبط المنطقة أمنياً.
  • استخدام الموارد المحلية من خلال إدارة وطنية تحت إشراف أممي على تنمية مناطق دير الزور بشكل خاص وسوريا بشكل عام.
  • تقديم الدعم في  مجال التعليم كأداة لمحاربة الإرهاب والتطرف وتعزيز النسيج الاجتماعي لمرحلة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار.
  • دعم الاستثمار التجاري والصناعي مع مراعاة حاجات السوق المحلية لإعادة الإعمار في المنطقة بشكل خاص وسوريا ما بعد الأسد.
  • تلتزم القوى المحلية بالقرارات الدولية ذات الصلة بالملف السوري ومنها بيان جنيف 1والقرار 2118 والقرار 2254.
  • العمل على حوكمة المنطقة والفصل بين السلطات وتفعيل دور المؤسسة القضائية وإيجاد محاكم مدنية من مختصين محامين وقضاة فقط.
  • تمكين الشخصيات والكوادر المثقفة والكفاءات من أبناء المنطقة المشهود لهم بالنزاهة ونظافة اليد والكفاءة العالية لإدارة مناطقهم بشكل مباشر، والاستعانة بخبرات سورية وطنية وتسهيل عودة أبناء المنطقة المهجرين منها في الداخل والخارج ووضع آليات لذلك.
  • التركيز على الوحدات الإدارية ودعمها لتساهم بشكل فعال في الحوكمة والحل السياسي القادم وممارسة الديمقراطية بشكل صحيح وشفاف.
  • تشكيل هيئة الرقابة والتفتيش لوضع برامج وأسس لمكافحة الفساد بكل أشكاله تحت رقابة قضائية عادلة من رجال قانون وكوادر متخصصة مؤهلة ذات كفاءة عالية.
  • تفعيل الدور التاريخي لشيوخ ووجهاء العشائر بالسلم الأهلي وفض النزاعات والإصلاح بين الناس، وإيجاد آليات لذلك.

ووفقاً للأحداث المتسارعة، يمكن استنتاج عدة سيناريوهات محتملة لما قد يحدث في المستقبل في محافظة دير الزور شرق سوريا:

استمرار التوتر والصراع بين القوات المحلية والكردية

تشير المعلومات إلى أن هناك اشتباكات مستمرة بين "جيش العشائر" المدعوم من النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية على السيطرة في المنطقة. ويتصاعد مع ذلك مطالب السكان المحليين بسحب العناصر غير المحلية وتمكينهم في الإدارة والحكم. كما تستمر سياسات قسد المركزية وتهميش السكان المحليين، مما يؤدي إلى تفاقم الغضب الشعبي. وهناك مخاوف من تدخل خارجي من دول المنطقة لاستغلال هذه التوترات لتحقيق مصالحها الخاصة.

تفاقم الأزمة الاقتصادية والخدمية في المنطقة

تواصل سوء الأوضاع الاقتصادية والخدمية في ظل سيطرة قسد على الموارد والخدمات دون تحقيق تنمية أو توزيع عادل. وينعكس ذلك في زيادة معدلات الفقر والبطالة وتدهور الأوضاع المعيشية للسكان المحليين. وينمو الشعور لديهم بالظلم والاستغلال تجاه سياسات قسد، مما قد يؤدي إلى تصاعد التوتر والاحتجاجات الشعبية.

فشل جهود الإصلاح والحوكمة المحلية

على الرغم من وعود قسد بالإصلاحات والتغيير بعد أحداث العام الماضي، إلا أن الوضع لم يتحسن كما وُعد. فلا تزال الكوادر الكردية مسيطرة على القرار وتعرقل تشكيل هيئات محلية مستقلة. كما تستمر الاعتقالات التعسفية والتجنيد الإجباري، مما يزيد من التوتر. ويبدو أن الجهود الدولية لم تنجح حتى الآن في إيجاد حلول تراعي مصالح السكان المحليين وتحقق الاستقرار.

تدخل أكبر للتحالف الدولي وتعديل السياسات

إن التناقضات في سياسات التحالف الدولي الداعمة لقسد ربما تؤدي إلى تعديل هذه السياسات مستقبلاً. فقد يدرك التحالف ضرورة أن يكون أكثر انحيازاً نحو مطالب السكان المحليين وتمكينهم. وقد يقوم التحالف بدعم القوى المحلية العسكرية والمدنية لضبط الأمن واستقرار المنطقة، وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والخدمية بمشاركة هذه القوى. كما قد يعمل التحالف على دعم الحوكمة المحلية الشفافة وتنمية الموارد لصالح السكان.

في النهاية، إن الوضع الحالي في دير الزور في ظل سيطرة قسد سيستمر على حاله وربما سيزداد سوءا وسيزداد معه التطرف، في حين أن التحالف الدولي اليوم بإمكانه تقديم المساعدة للمجتمعات المحلية قبل فوات الأوان على الجميع، وإن معالجة الوضع في دير الزور تتطلب رؤية شاملة تضع مصالح السكان المحليين في المقام الأول، بعيدًا عن الصراعات الإقليمية والدولية التي أسهمت بشكل كبير في تفاقم الأزمة والحيلولة دون تحقيق الأمن والازدهار للناس في هذه المحافظة الحيوية.