ينبئ البيان الصادر عن وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، بملاحقة كل فصيل يعمل ضمن مناطق نفوذها، ويرفض الانضمام إلى صفوف الجيش الوطني السوري، بمرحلة جديدة على طريق هندسة المشهد الفصائلي في ريف حلب الشمالي والشرقي، خاصة أنه يتزامن مع تطورات مختلفة، من أبرزها التواء العصا التي لطالما ضربت بها "هيئة تحرير الشام" لتعزيز نفوذها في المنطقة، ويقصد هنا "تجمع الشهباء"، المتحالف مع الهيئة.
البيان المنسوب إلى المجلس العسكري الاستشاري التابع لوزارة الدفاع، لم يُنشر على معرفات الوزارة، لكن مصادر في الجيش الوطني أكدت صحته، وجاء فيه: "بهدف ترسيخ العمل المؤسساتي وتحسين الواقع الأمني في المنطقة، يجب أن تنضم جميع المجموعات غير المنضوية تحت مظلة الجيش الوطني والتي توجد في المناطق المحررة الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية المؤقتة إلى منظومة وزارة الدفاع بالشروط والمعايير التي يراها الجيش الوطني مناسبة".
وأضافت أنه "في هذا السياق جميع المجموعات التي ترفض الانضمام إلى الجيش الوطني سيتم التعامل معها من قبل وحدات الجيش الوطني على أنها مجموعات خارج القانون في الوقت والأسلوب المناسبين".
توقيت البيان
جاء بيان وزارة الدفاع، تزامناً مع توترات بين عدة فصائل شمالي حلب، كادت أن تهدد باقتتال هو الأول على مستوى المجموعات العسكرية في عام 2024، كما أنه تلا إعلان "حسين عساف" (أبو توفيق تل رفعت) استقالته من قيادة "الفرقة 50" التابعة لـ"تجمع الشهباء".
و"تجمع الشهباء" المتهم بالتبعية لهيئة تحرير الشام أُعلن عن تشكيله في شهر شباط 2023، من قبل فصائل "أحرار الشام - القطاع الشرقي" و"الفرقة 50 - أحرار التوحيد" و"حركة نور الدين زنكي"، بقيادة حسين عساف، من دون أن ينسب نفسه لأحد من فيالق الجيش الوطني السوري الثلاثة، في حين أصدرت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة بياناً في الفترة نفسها، أكدت فيه عدم انتماء التجمع للجيش الوطني.
وفي مساء يوم الثلاثاء، أعلن "عساف"، الذي يقود "تجمع الشهباء" أيضاً، عن استقالته من قيادة "الفرقة 50"، مبرراً ذلك بأن "المرحلة أصبح من الصعب تجاوزها إلا في الرجوع خطوة إلى الخلف، وأن اسمه أصبح غير مرغوب به".
لم يتطرق "عساف" إلى مستقبل "تجمع الشهباء"، أو دوره القيادي فيه، لكن بيانه يعني اعترافا ضمنيا بانتهاء "التجمع" كتشكيل خارج نطاق الجيش الوطني، لكونه قال مخاطباً بقية القادة في "الفرقة 50": "بالنسبة للمهام الثانية، كـ تجمع الشهباء والقوة الموحدة، إذا طُلب منكم الخروج منهم فلا بأس، مصلحة الفرقة 50 فوق كل الاعتبارات".
أحداث داعمة لهندسة المشهد الفصائلي
تشير مصادر من داخل الجيش الوطني السوري، إلى أن استقالة "عساف" مرتبطة بعدة أحداث، ويبدو أن الخطوة لا تنفصل عما كشفه موقع تلفزيون سوريا في شهر شباط الماضي، إذ نُشر تقرير تضمن تفاصيل حول خطط جديدة يجرى العمل عليها لإعادة هيكلة الجيش الوطني السوري، وقد ذكر أحد المصادر، أن الخطة قد تسحب البساط من تحت هيئة تحرير الشام في شمالي حلب، عبر تفكيك الكتل التي تشكّلت بناء على التحالف معها، واستقطاب بعض فصائل تلك الكتل عبر اعتمادها رسمياً ضمن الجيش الوطني.
بالفعل هذا ما جرى العمل عليه، حيث تلا ذلك خروج "فرقة المعتصم" من "القوة الموحدة"، ثم اعتماد "حركة نور الدين الزنكي" ضمن الجيش الوطني، ما يعني بشكل أو بآخر تلاشي تأثيرها في "تجمع الشهباء".
وفي الوقت نفسه، هناك مساع لاعتماد "الفرقة 50" ضمن "الجبهة الشامية" في الفيلق الثالث، وقد اُشترط سابقاً تنحي "أبو توفيق" لاعتماد كتلة مالية من قبل الجانب التركي للفرقة، وهذا ما أكده "عساف" بنفسه، وبذلك يكون "تجمع الشهباء" قد تفتت وتقلّص دوره، لا سيما أن خطوات مشابهة قد تشمل "أحرار الشام - القطاع الشرقي" عبر إعادة اعتماده في الجيش الوطني.
من الخاسر الأكبر؟
لا شك أن "هيئة تحرير الشام" هي الخاسر الأكبر من إعادة ترتيب المشهد الفصائلي شمالي حلب، ومنذ منتصف العام الماضي حتى الآن، واجهت الهيئة عدة مطبات كانت كفيلة بإنهاء وجودها ضمن نفوذ الجيش الوطني إلى حد كبير.
وبدأت الهيئة بفقدان نقاط القوة التي حققتها بريف حلب، بعد اعتقال القياديين فيها "أبو ماريا القحطاني" و"جهاد عيسى الشيخ" (أبو أحمد زكور) بتهمة العمالة، حيث أدى ذلك إلى تراجع نطاق عمل "تحرير الشام" في شمالي حلب، لكون هذين الشخصين هما المسؤولين عن إدارة ملف العلاقة بين الهيئة وحلفائها العاملين في مناطق نفوذ الجيش الوطني.
ولعبت الأزمة الداخلية التي تعصف بالهيئة منذ نحو عام، دوراً كبيراً في تراجع تأثيرها شمالي حلب، فغالبية المشاريع التي عملت عليها في طريقها إلى التلاشي، وأبرزها "تجمع الشهباء"، بعد أن أصبحت الخيارات محدودة أمام فصائل التجمع، فإما قطع العلاقة مع الهيئة والعودة إلى الجيش الوطني، وإما المواجهة العسكرية التي لطالما لوّحت بها وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة بدعم وتوجيه من الجانب التركي.
وفي مقابلة مع تلفزيون سوريا، سبق أن رأى الباحث عبد الوهاب عاصي، أن الجولاني لن يكون قادراً خلال الفترة القادمة على ممارسة نشاطه الأمني والعسكري ضمن نفوذ الجيش الوطني كما كان عليه الحال خلال السنوات الماضية، لا سيما أن وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة مدعومة من تركيا وقادة الفيالق في الجيش الوطني، بدأت بخطوات تهدف إلى تقويض أذرع الجولاني في المنطقة.
ولفت عاصي إلى أن الجولاني منشغل بأزمته الداخلية في إدلب، متوقعاً أن يكون استثمار "تحرير الشام" في معبر الحمران شرقي حلب قد انتهى على أرض الواقع، وبالتالي خسارة "ورقة النفط"، تزامناً مع العمل على حل "تجمع الشهباء"، وهذا ما قد يضع حداً لتدخل الجولاني في ريف حلب الشمالي.
ويتفق مطلعون على التطورات الحاصلة والخطوات التي تُتخذ، على أن ما يجري يصب في صالح هدف واحد، يتمثل في وضع جميع الفصائل العاملة في مناطق سيطرة الجيش الوطني تحت لواء وزارة الدفاع، بالتزامن مع إنهاء أي تأثير لـ"تحرير الشام" في شمالي حلب، خاصة أن "الهيئة" قبل حزيران 2023، لم تعد هي نفسها الآن، إثر أزمتها الداخلية الحالية التي كانت كفيلة بإجبار الجولاني على التنازل عن كثير من المكاسب الهامشية للبقاء متربعاً على عرش السلطة في إدلب.