بعد أيام على وقوع الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، بدأت تتكشف الأضرار وأعداد الضحايا في محافظة اللاذقية الساحلية، فإضافة إلى الأبنية المنهارة والمتصدعة، تحول الخوف عند أهالي اللاذقية إلى هلع لم يعهدوه سابقا.
المناطق الأكثر تضررا من الزلزال في اللاذقية
تقول مصادر محلية لموقع تلفزيون سوريا إن "الموت ضرب المناطق الأكثر فقرا، حيث كان لأحياء الغراف وسكنتوري والرمل الجنوبي الحصة الأكبر من الضحايا والدمار"، وفي ريف المدينة وقع أكبر ضرر في قرى اسطامو والحفة وفديو والهنّادي.
يضاف إلى هذه الأحياء المتضررة تهدم خمسة مبان في "التوسع العاشر" وكان الضحايا كلهم من مبنى واحد هدمه الزلزال، أما المباني الأربعة فقد تهدمت في اليوم التالي أي بعد أن هجرها سكانها.
وتضيف المصادر "أما المشروع العاشر والذي يعد من أغلى المناطق في اللاذقية تم إخلاء عشر مبان فيه من سكانها، في حين تضررت عشرات المباني بشكل طفيف أو بدقة أكثر تضررت بشكل لا يدعو للقلق".
كما انهار على أوتستراد دمسرخو مبنى (موبيلي توب) قبل هروب سكانه من الزلزال مما أدى لوفاة بعضهم وإصابة آخرين. أما بناء (كريستال بالاس) فقد تهدم جزء منه دون وقوع ضحايا بحسب المصادر.
وأشارت المصادر إلى أن النظام السوري يحاول تضخيم حجم الخسائر بغية الحصول على مزيد من المساعدات الدولية، وتحدثت صحيفة الوطن المقربة من النظام، عن أزمة سكن خانقة في محافظة اللاذقية بعد انهيار 103 مبان بشكل كلي وتوثيق 247 مبنى آيل للسقوط، بحسب محافظ اللاذقية عامر هلال.
وأكد رئيس مجلس مدينة اللاذقية حسين زنجرلي أنه "تم العمل والكشف على المباني المتضررة بنسبة 90 بالمئة في المدينة، لافتاً إلى أن 21 بناءً في حي الرمل الجنوبي مهدد بالسقوط وفق تقارير أولية للجان المختصة، وسيتم اتخاذ القرار النهائي بشأنها من اللجنة العليا..". بحسب الوطن.
وقالت الصحيفة إن "رئيس مجلس مدينة جبلة أحمد قناديل أعلن أن عدد الأبنية المتضررة في جبلة 12 بناء تهدم بالكامل، و10 أبنية بحاجة لإزالة فوراً وفقاً لتقارير الكشف الفني للجان المختصة بالسلامة العامة".
ما هي آليات الإنقاذ في اللاذقية؟
يقول المهندس حسام حسين لموقع تلفزيون سوريا: "في الساعات الأولى للزلزال أو عند انهيار أي مبنى مأهول بالسكان تعمل فرق الإنقاذ بالمعاول والأيدي وليس بالجرافات التي قد تقتل ناجين تحت الأنقاض، ولكن لم يتم التعامل هكذا في اللاذقية وأظن في معظم سوريا إلا أمام الكاميرات".
يتابع: "اللوم طبعا ليس على العامل البسيط، لكن للأمانة لسنا مدربين أو مستعدين لمواجهة هذه الكوارث، بالإضافة طبعا لاستهتار المسؤولين المعنيين بكل مواقعهم".
اقرأ أيضا: مشروع قانون أميركي يضمن عدم سرقة الأسد لمساعدات السوريين
أما حيدر راعي مواطن من قرية "فديو" فيؤكد على أن الآليات لا تعمل إلا بمازوت يتبرع به الأهالي الذين جمعوا المازوت وساندوا فرق الإنقاذ وتفوقوا عليها بالجهد المبذول. على حد تعبيره.
أما محمد تيزيني فيقول لتلفزيون سوريا: "إن حي الغراف تم إهماله تماما مقارنة بغيره من الأحياء لأن سكانه من الفقراء ولن يستخرجوا من تحت الأنقاض لأن الناس هناك لا تملك ذهبا أو دولارات".
يشاركه في هذا الرأي أكثر من شخص من الحي ذاته، لكن بالسؤال والتقصي تبين أن هذا الكلام غير دقيق بحسب أسعد سليمان (اسم مستعار) وهو موظف في فوج الإطفاء والذي قال لموقع تلفزيون سوريا إنه "سمع نفس العبارات من أهالي اسطامو والهنادي وصنوبر جبلة، وأن الموجوع ومن فقد قسما من أهله وذويه قد يلقي بتلك الاتهامات وأكثر"، ويضيف: "لقد عملنا بكل طاقاتنا وبكل كوادرنا، لم يحصل أي تقصير مني أو من زملائي هذه إمكانياتنا.. لم يتوقع أحد مثل هذا الحدث".
قصص من مراكز الإيواء
بعد البقاء عدة ساعات في الشوارع استطاع الناجون من الزلزال الوصول إلى الجوامع للمبيت فيها، وبعدها كانت المدارس تستقبل النازحين من منازلهم دون أي قدرة على احتوائهم.
وتقول المصادر "امتلأت المدارس والجوامع بآلاف الناس منذ اليوم الأول، بظل ظروف مأساوية تجمع بين الذل والخوف والجوع والبرد، ودون أي جاهزية باستثناء سقف يمنع عنهم المطر".
وفي اليوم التالي ومع ازدياد الهزات الارتدادية الذي ترافقت بازدياد الاضطراب بين السكان، وازدياد الضرر في المباني ازداد عدد الوافدين إلى مراكز الإيواء، وعند مدرسة رفعت دحو في الرمل الجنوبي، كانت سيدة ومعها طفلان تبكي وتطلب إدخالها إلى المركز والشرطي يمنعها قائلا: "نامي محل ما نمتي مبارح" لتجيبه: "نمت ببيتي بس اليوم طلعونا منو". وفق المصادر.
وحاول رجل ستيني أن يستعطف الحارس لكنه فشل في ذلك، وبرر الشرطي رفضه متحججا أن المركز الذي يستوعب 400 شخص صار يحوي 550 شخصا.
والتقى موقع تلفزيون سوريا السيدة وقالت إنها أم لثلاثة أطفال الأكبر عمره 14 عاما وزوجها في السجن منذ ستة أعوام ولا معيل لها غير ابنها وما يتصدق به أهل الخير كما وصفتهم.
وفي مدرسة يونس رضوان في المشروع العاشر، يوجد مركز إيواء يعتبر "خمس نجوم" مقارنة بغيره، لكن حتى في هذا المركز تتم معاملة الناس بطريقة تنزع عنهم آدميتهم، كما وصفت الحال السيدة منى (اسم مستعار) التي تقيم في المركز مع ابنتها، حيث قالت لموقع تلفزيون سوريا: "أعلم أني لست في منزلي ولا يمكن أن يكون لنا حمام خاص، لكننا لسنا متسولين، ومنزلنا مساحته 150 مترا، لن نطمع بإسفنجة أو علبة مرتديلا، الظروف أقوى منا، وهذا ليس مبررا لتكديس المساعدات في الطابق الثاني لتتم سرقتها لاحقا، ولا يبرر معاملتنا كمعتقلين أو كعبيد".
أما ماهر الشيخ وهو ناج من الزلزال أيضا فيقول: "ذهبت إلى مدرسة يونس رضوان لمدة ساعتين أنا وزوجتي وابني وعندما علمت أن النساء والرجال يستعملون الحمام ذاته وينامون بالغرفة ذاتها والطابق الثاني ممنوع الصعود إليه لم أستطع البقاء، صديقي لديه شقة على العظم طلبتها منه وسكنتها على الرغم من أنها من دون أبواب ولا نوافذ، استعضت عن كل ذلك بشادر".
وفي كل مراكز الإيواء يمنع خروج أي أحد منها بعد الساعة السابعة مساء ويتم طرده نهائيا إذا تأخر في عودته عن الساعة السابعة، مما أدى ذلك لأضرار مادية لعدد من المقيمين في المراكز بسبب طبيعة عملهم التي تتطلب منهم البقاء في عملهم للساعة الثامنة أو التاسعة أو حتى بعد ذلك. عدا عن مئات العائلات التي تركت منازلها لتقيم عند أقاربهم ومعارفهم.
المساءلة الأمنية توقف العمل الإغاثي
وفي كل يوم تتجدد المعاناة وتزيد حالات الإخلاء، في حين تتناقص حملات الإغاثة لعدة أسباب أهمها كما قال أحمد (شاب عمل في الإغاثة وجمع الأغطية والملابس): "عدم قدرة الناس للتبرع، فهم غالبا في حاجة، السبب الثاني عدم قدرة المتطوع على العمل التطوعي لفترة طويلة فهو أيضا مضطر ليعود إلى عمله الذي يأكل ويشرب منه، السبب الثالث والأهم: القرار رقم (507) الذي جاء فيه:
"يمنع استقبال أي قوافل مساعدات إلا من خلال غرفة عمليات الإغاثة في محافظة اللاذقية عن طريق التواصل عبر الأرقام التالية: بشار أسد رئيس غرفة عمليات الإغاثة في محافظة اللاذقية والدكتور موفق صوفي عضو المكتب التنفيذي المختص".
ويتابع "بالتالي يهدد كل من يقدم المعونات للمساءلة الأمنية، وهذا ما تم تجاهله في البداية لكن أكثر من تحذير وصلنا وتوقفنا فعلا عن العمل الإغاثي".
اقرأ أيضا: منظمات إنسانية وشركات محلية تخرق العقوبات بدعم مؤسسة "أسماء الأسد"
وفي سياق متصل قال أحد سكان اللاذقية "الأستاذ هيثم طلب عدم ذكر اسمه كاملا" أن القرار جاء ليحصر المساعدات الدولية والمحلية ضمن إطار الجمعيات المرخصة، أي بمعنى آخر أن "تمر عبر أسماء الأسد بشكل مباشر وتكون للأمانة السورية للتنمية ولجمعية العرين حصة الأسد، أو بشكل غير مباشر عندما تمر عبر جمعيات أخرى مرخصة تعمل تحت جناح النظام وإشرافه، وبالتالي سرقة هذه المساعدات كل حسب موقعه، أما السبب الثاني والذي أزعج النظام هي الحدود بين أبناء الشعب الواحد والتي عمل نظام الأسد أكثر من نصف قرن على تثبيتها فرآها تنهار بسبب الزلزال".
وأوضح "كانت المساعدات للمنكوبين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والمناطقية والطائفية".
أضرار أخرى من جراء الزلزال في اللاذقية
الزلزال أدى إلى رفع أسعار الإيجارات ليتضاعف مرة على الأقل في المباني التي لم تتضرر، مما دفع البعض للعودة إلى منازلهم رغم المخاطر الواضحة، ليقوم الأمن التابع للنظام بترحيلهم عنها بالقوة، وقال أحد العائدين ويدعى "أبو نزار" لدورية الأمن على مسمع كل أهالي الحي في شارع أنطاكيا: "بدي موت ببيتي ما بقى منتحمل أكتر من هيك ذل" لكن القرار واضح.. العودة ممنوعة.
وفي اليوم الأول للزلزال وبعد نزوح بعض السكان إلى القرى والأرياف المرتفعة بعد إشاعة تقول إن إعصارا سيضرب المدينة، وقعت لعديد من السرقات وتم إلقاء القبض على أحد الجناة متلبسا في شقة سكنية ضمن سكن الشباب، ليعترف لاحقا بسرقته لمنزلين آخرين في نفس اليوم. إضافة لوقف العملية التعليمية نتيجة استخدام المدارس كمراكز إيواء.
وحاول بعض المنتفعين من النظام نشر إشاعة تقول إن الناس غير متضررين ويأتون إلى مراكز الإيواء لأخذ سلة غذائية أو معطفا مستعملا، ما أثار سخرية المتطوعين والنازحين على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقول سامر شاهين: "لولا نظامك ما كان اضطر حدا يدعي إنو بيتو انهدم الكل بيستاهل مساعدة الكل منكوب ونكبتنا كبيرة بنظامنا قبل الزلزال".
ولاحقا تم تخفيض عدد مراكز الإيواء ومنع الجوامع من أن تكون مراكز لإيواء المنكوبين. وتحددت وفق القرار 506 مراكز الإيواء في اللاذقية بـ 21 مدرسة إضافة إلى نادي شاليهات الضباط وفندق الشاطئ الأزرق ومنتجع شاطئ النخيل ومسبح الباسل والملعب البلدي ومركز المدينة الرياضية (صالة2) وجامعة الشام الخاصة ومركز الباسل للتدريب والإقامة.