في مهنة لم تكن معتادة سابقاً في اللاذقية تعمل أم أحمد وهي معيل لثلاثة أطفال بمهنة الوقوف في "الطوابير"، تصطف المرأة الأربعينية منذ الصباح أمام فرن "الفيض" في جبلة، مع عشرات المنتظرين لتستلم مخصصات بعض الأهالي الذين كلفونها بشراء الخبر، مقابل مبلغ مالي زهيد، إلا أن تكرار الوقوف عدة مرات يجمع لها مبلغا يوميا يعينها على تحمل مشاق الحياة.
تقول أم أحمد في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا" إن الفكرة جاءتها من عجز العديد من الأسر على تعطيل أعمالها، والوقوف في طوابير الخبز لساعات، وتكمل:" تطوعت في البداية لمساعدة بعضهم، إلا أن الحال بات يزداد سوءا مع صعوبة تحصيل الخبز، وقضاء وقت طويل بسبب الازدحام".
أم أحمد ليست وحيدة في هذا العمل كما تؤكد، بل أصبحت مهنة الطوابير رائجة بشكل لافت سواء على الأفران، أو محطات الوقود، بعضهم يقف لساعات ثم يبيع دوره، وآخرون يعمدون بأنفسهم لشراء حاجات غيرهم مقابل مبالغ مادية.
اقرأ أيضاً.. بالأرقام.. سبب أزمة الخبز في سوريا
ذل وإهانة:
من جانب آخر يصف "أبو الياس" وهو من سكان حي مرتقلة باللاذقية الوضع الذي وصل إليه حال المحافظة "بالأسوأ" ويوضح:" لم أشهد في حياتي مثل هذه الأيام، كل يوم قرار جديد، كنا بالبطاقة الذكية والتوزيع عبر معتمدين، ثم عادوا للتوزيع عبر الأفران، وآخر إبداعاتهم فيش للمواطنين بعدد ربطات الخبز المستحقة للأسرة، ومن ثم أخذ الفيش إلى نافذة البيع لتسلّم ربطات الخبز، وتسديد ثمنها" وتساءل:" أي قدر من الفشل يعاني مسؤولو هذه الحكومة في التخطيط هل نحن فئران تجارب أمامهم؟".
يضطر أبو الياس وهو موظف حكومي للاستيقاظ منذ السادسة صباحا للحاق شراء الخبز، قبل موعد عمله في الثامنة، ويؤكد أنه في معظم الأحيان يتأخر عن عمله، هذا عدا الركلات و"الدفش" والنعر الذي يتلقاه أمام الفرن كما يقول، وينهي حديثه بسخرية:"من لم يمت في ساحات المعارك خلال السنوات الأخيرة، سيموت قهراً أو مرضاً، هذا واقع الناس هنا".
يروي الشاب عبد الله من سكان حي الصليبة في اللاذقية إحدى القصص التي عايشها بنفسه أمام فرن الحي قبل عدة أيام، حين تطاول عامل المخبز على النساء، وطردهن بعد أن أسمعهن عبارات نابية أمام مراقب التموين الذي لم يحرك ساكناً، وأضاف" أمام شبابيك الفرن تجد عدة أدوار أحدها للنساء وآخر للواسطات (معارف أصحاب الفرن والمتنفذين) وآخر لباقي فئة الشعب، في كل يوم قصة قهر لا تنتهي".
ويشير الشاب الثلاثيني إلى أن الخبز الذي يباع للأهالي "أصبح ذو نوعية سيئة جداً، ويغلب عليه اللون الأسمر حيث باتت النخالة تغلب الطحين"، وأضاف:" المشكلة ليست فقط في الأفران الخبز السياحي قليل جداً، وأسعاره مضاعفة، هناك هم يومي لنا يسمى الخبز".
وحول أسباب أزمة الخبز المتفاقمة في المنطقة وزيادة الطوابير بهذا الشكل أوضحت مصادر مطلعة في المنطقة لـ موقع تلفزيون سوريا أن كميات الطحين التي تصل إلى الأفران قليلة، ولا تكفي غالباً الحصص التي يجب توزيعها، وأوضحت المصادر أن جزءا من الأزمة متعلق أيضاً "بإغلاق بعض الأفران من قبل شعب التموين، بحجج مختلفة لكن السبب الحقيقي هو قلة الطحين".
من جانب آخر أوضح مندوب سابق لتوزيع الخبز في مدينة جبلة أن المشكلة الأساسية مقترنة بسببين هي "نقص الطحين وغياب التخطيط "وأوضح: "لم يعد بالإمكان تقليل حصص الأفراد أكثر من ذلك لكن في حال نقص مادة القمح يمكن على الأقل إيجاد طريقة أكثر فائدة لتقليل هذا الازدحام خاصة في الأحياء المكتظة مثل توزيع عمل الأفران على ساعات اليوم كاملة أو تخصيص مراكز بيع أو حتى استخدام السيارات النقالة لكن المشكلة أنه في كل يوم قرار جديد يخالف سابقه".
اقرأ أيضا: أفران مغلقة وطحين قليل.. أزمة الخبز في دمشق تشتد وتصل "السياحي"
"دبر راسك":
ومع أزمة الخبز المتفاقمة يستقبل معظم أهالي الساحل السوري شتاء هذا العام دون تلقي مخصصاتهم من الوقود للتدفئة، في حين تجاوز أسعار المحروقات الحرة طاقتهم على شرائها، أما الكهرباء فهي تكاد تكون ضيفا خفيفا على منازلهم لا يرونه في بعض الأيام إلا ساعات محدودة.
وفي هذا السياق يذكر مسؤول" لجان التنسيق المحلية" في مدينة جبلة أبو يوسف جبلاوي أن المجتمع في الساحل السوري انقسم إلى فئتين متباعدتين جدا، أحدها فاحشة الغنى وتشمل كبار التجار وقادة الميليشيات وبعض ضباط النظام، أما السواد الأعظم فهم الفئة المعدمة التي انضم إليها مؤخراً عدد كبير من الأسر التي كانت سابقا تحسب على الفئة المتوسطة.
وأضاف جبلاوي في حديثه عن الواقع المعيشي الذي يعيشه أهالي الساحل السوري: "أنا على دراية بالكثير من الأسر التي باتت تنام جائعة فعلا، وليس لديها ما تملك، خلال الفترة الأخيرة شهدت مدينة جبلة تسجيل العديد من حالات الانتحار لشبان وأرباب أسر بسبب اليأس، بات مشهد جمع الطعام من النفايات مشهداً عادياً، السرقات اليومية باتت أكثر انتشاراً، النظام يطبق حرفيا سياسة "دبر راسك" مع الناس و"الشاطر من يعيش".