شهدت الليرة السورية خلال الأيام الماضية، تراجعاً متسارعاً بعد فترةٍ من الاستقرار النسبي استمرت عدة أشهر، ما انعكس بشكلٍ سلبي على معيشة السوريين في مناطق سيطرة النظام.
وسجل سعر صرف الليرة السورية مطلع العام الحالي 3570 للشراء و3605 للمبيع، ثم بدأت الليرة بالتراجع الطفيف إلى أن استقرت ما بين 3850-3900.
في 19 من تموز الماضي بدأ تدهور الليرة السورية، وتجاوز سعر الصرف للمبيع والشراء لأول مرة حاجز الـ 4 آلاف ليرة، حيث سجل 4005 ليرات للشراء، و4045 للمبيع.
استمر سعر صرف الليرة السورية بالتدهور، إلى أن سجل خلال الساعات الماضية 4460 للشراء، و4500 للمبيع.
تأثيرات خارجية وأسماء الأسد
تراجع الليرة السورية بشكلٍ متسارع خلال الأيام الماضية، بعد أشهرٍ من الاستقرار النسبي، فتح باب التساؤل حول أسباب هذا التدهور.
وقال المحلل الاقتصادي رضوان الدبس لموقع تلفزيون سوريا: إن "هناك سببين أساسيين تزامنا، وساهما في تدهور قيمة الليرة السورية، الأول أن الخط الائتماني الإيراني الذي دعم الأسد بملايين الدولارات عقب مطلع العالم الحالي واستمر لعدة أشهر، يبدو أنه توقف حالياً".
أما العامل الثاني المساهم في تدهور الليرة، فهو وجود عجز في ميزانية الدولة منذ بداية العام، ومع الوصول إلى الثلث الأخير من السنة المالية، بات النظام عاجزاً عن سد هذا العجز، وأصبح الصندوق الحكومي للمصرف المركزي فارغاً، ما انعكس سلباً على واقع الليرة.
من جهته أرجع الباحث في الشأن الاقتصادي، يونس الكريم، تدهور الليرة السورية إلى أسبابٍ خارجية وأخرى داخلية، ومن أبرز العوامل الخارجية ارتفاع أسعار النفط والتضخم العالمي، وإحجام حلفاء الأسد عن دعمه، وفشله في جذب الصين كلاعب اقتصادي جديد بالسوق السورية.
الحرب الروسية كان لها تبعات على واقع الليرة، حيث إن دعم الأسد للغزو الروسي لأوكرانيا، دفع الاتحاد الأوروبي والدول التي تقف ضد موسكو، إلى تشديد علاقاتها الاقتصادية مع الأطراف الوسيطة التي تتعامل مع النظام، خوفاً من الوقوع بدائرة الحظر والعقوبات.
وأشار الكريم في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى سبب ساهم أيضاً في تراجع قيمة الليرة، وهو أن أسماء الأسد كانت تحاول ترتيب البيئة الداخلية من أجل الاستحواذ على مشاريع التعافي المبكر، ما دفع بالمانحين أخيراً إلى الإحجام عن تقديم الدعم المالي لتلك المشاريع، في ضوء دراسات أجروها على المنظمات التي ستقوم بمشاريع التعافي المبكر والموجودة بمناطق النظام، ما حرم الأسد من القطع الأجنبي القادم من الخارج.
المخدرات تتحكم بمصير الليرة
أما الأسباب الداخلية لتراجع قيمة الليرة، فكان أبرزها وفق رأي الكريم، توقف تجارة المخدرات تجاه الأردن، بسبب التفاهم بين دمشق وعمان على إيقاف تجارة المخدرات، مقابل قيام الأردن بمساعدة الأسد على العودة إلى الجامعة العربية، عبر التوسط مع دول الخليج بالتعاون مع سلطنة عمان.
اقرأ أيضاً: تركيا تضبط شاحنة تنقل مليوني حبة مخدر قادمة من سوريا
كما أن حرس الحدود الأردني بات يُشكل عائقاً حقيقياً لدخول شحنات تهريب المخدرات التابعة للأسد، ولذا انخفض حجم الأموال التي كان يجنيها النظام من تجارة الكبتاغون، والتي كانت تدخل خزينة البنك المركزي وتساهم في دعم الليرة.
في حين أفاد الخبير الاقتصادي محمد بكور، أن تراجع الحوالات المالية القادمة من السوريين في دول اللجوء، كان عاملاً حاسماً في تدهور الليرة.
وشرح بكور ذلك قائلاً: "خلال الأشهر الماضية، نشطت الحوالات بسبب الأعياد المتتالية، ابتداءً بعيد الأم ثم شهر رمضان وعيد الفطر وصولاً إلى عيد الأضحى، لكن بعد نهاية تلك الأعياد انخفضت الحوالات بشكلٍ كبير، التي كانت تمد الأسد بالعملات الأجنبية".
انفجار الأسعار في سوريا
تدهور قيمة الليرة السورية، انعكس سلباً على حياة المواطنين، حيث ارتفعت أسعار مختلف السلع بشكلٍ جنوني في مناطق النظام، إضافةً إلى رفع حكومة الأسد سعر البنزين بنسبة 130%.
وبلغ سعر كيلو لحم الغنم 40 ألفا، شرحات الدجاج 27 ألفا، الفروج الكامل 11 ألفا، الليمون 12 ألفا، الفليفلة الحمراء 2500، البطاطا 1800، الباذنجان 1700، الخيار 1600، البندورة 1200، والبصل 1100.
واعترف رئيس جمعية حماية المستهلك التابعة للنظام، عبد العزيز المعقالي لإذاعة مقربة من النظام، أن راتب الموظف لم يعد يكفي ليومٍ واحد، مطالباً بزيادة الرواتب عشرة أضعاف، وتخفيض الضرائب والرسوم على المواطن.
هل يتجاوز الدولار 5 آلاف ليرة سورية؟
يتخوف المواطنون من استمرار انهيار الليرة السورية، وتجاوزها حاجز الخمسة آلاف أمام الدولار، في ظل عجز النظام عن تقديم أي حلولٍ فعلية.
وأوضح رضوان الدبس، أنه إذا لم يتلقَّ الأسد دعماً مالياً خارجياً من الحلفاء (روسيا وإيران والعراق)، فمن المتوقع استمرار تراجع الليرة أكثر، وتجاوزها الـ 5 آلاف في نهاية العام، مستبعداً تلقي الأسد دعماً من حلفائه، بسبب العقوبات والأزمات التي تعيشها هذه الدول.
في المقابل يرى يونس الكريم أن النظام لن يسمح بتجاوز سعر صرف الليرة حاجز 5 آلاف، لأن ذلك سيجعل سلم الرواتب أقل من 14 دولارا للفئة الرابعة و19 دولارا للفئة الثالثة، واللتان تعتبران العمود الفقري للعمالة في سوريا، ولذا ستنهار منظومة الحد الأدنى للرواتب.
وصول الدولار إلى 5 آلاف، سيجعل المواطنين يعزفون عن القيام بأعمالهم كونها أصبحت بلا جدوى، ولذا يصبح النظام أمام مشكلتين، إما أن يقوم بتأمين موارد إضافية وحوافز ومكافآت للشعب، أو ستنهار مؤسسات الدولة، عبر لجوء الموظفين إلى نهب ممتلكاتها أو العزوف عن العمل، ولذا يفقد الأسد أحد عناصر القوة كممثل للدولة السورية.
حلول إسعافية لاقتصاد منهار
مع تواصل تراجع الليرة السورية، والتي أصبح لها تأثير كبير على الشعب أولاً، وعلى النظام ثانياً، بات الأخير مطالباً بإيجاد حلول لوقف انهيار الاقتصاد.
وأوضح رضوان الدبس، أن النظام قد يلجأ إلى بعض الحلول الإسعافية، مثل ضخ العملة وفرض الضرائب وإيقاف الاستيراد، لكنها حلول مؤقتة، فعلى سبيل المثال إذا طبع عملة محلية وضخها في الأسواق، فقد تتحسّن الليرة لعدة أيام، لكن بعد أسبوعين سيرتفع التضخم وتتدهور العملة المحلية، وتزيد الأسعار.
بدوره توقع يونس الكريم أن يلجأ الأسد إلى عدة حلول لوقف تدهور الليرة السورية منها:
- تسعير الدولار عند 4250 ليرة، وإجبار التجار وشركات الصرافة، على التعامل بهذا السعر، ومعاقبة كل من يخالف ذلك، ومن ثم ينخفض الطلب على الدولار.
- إعادة تنشيط تجارة المخدرات وتهريب المحروقات والسلع، باتجاه شمال شرقي سوريا والعراق وتركيا والأردن، لتأمين القطع الأجنبي.
- تخفيف التشديد الأمني على وصول الحوالات المالية إلى سوريا بالعملات الأجنبية.
- قيام المركزي عبر الأجهزة الأمنية بمصادرة أموال بعض أمراء الحرب وكبار التجار، وفرض ضرائب عليهم.
- دفع التجار لدعم صندوق تكافل اجتماعي، لمساعدة النظام في رفع الرواتب ومنح مكافآت للموظفين وتخفيض الضرائب، وحتى دعم الجمعيات الخيرية، لتخفيف الاحتقان ضده.
- فتح باب التعامل بالدولار المجمّد والمزور، وهو أمر بالغ الخطورة.
- منع الاستيراد ما يعني تخفيض الطلب على الدولار الرسمي.
وكان مصرف سورية المركزي قد أعلن الخميس الماضي، وقف تمويل استيراد المواد الغذائية حتى نهاية العام الحالي، بسبب تدهور الليرة، زاعماً أن هناك ما يكفي حاجة الأسواق من المواد الغذائية الأساسية.