فتحت حادثة إعدام شخصين ضالعين في تفجير سيارة ملغمة بمدينة اعزاز شمالي حلب، قبل أيام، باب النقاش مجدداً عن سبب غياب الدور الرسمي للجهات الحكومية عن المشهد، خاصة أن تنفيذ الحكم جرى من دون صدور قرار قضائي للعلن، ومن قِبل أشخاص قيل إنهم مجهولون.
وتبرر شريحة من المجتمع الطريقة التي تم من خلالها إعدام الشخصين، بأنها السبيل الوحيد للاقتصاص من القتلة، على اعتبار أن حكم الإعدام وإن صدر عن القضاء التابع للحكومة السورية المؤقتة في شمالي وشرقي حلب، فإنه لا يُنفّذ، ما يفتح المجال للقائمين على التفجيرات لتنفيذ مزيد من العمليات التي تودي في الغالب بحياة المدنيين.
وأمام سيل من الآراء والمواقف، سواء المؤيدة للطريقة التي أُعدم بها الجناة أو المعارضة لها، يبرز الحديث عن سببب عدم تطبيق الحكومة السورية المؤقتة وأدواتها التنفيذية (الجيش الوطني السوري - الشرطة العسكرية) لحكم الإعدام بالطرق القانونية، والمعوقات التي تحول دون ذلك.
تفاصيل حادثة الإعدام
في 25 من نيسان الماضي أقدم مجهولون على تنفيذ حكم الإعدام بحق شخصين ضلعا قبل أسابيع بتفجير سيارة ملغمة داخل مدينة اعزاز بريف حلب، ما أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين.
وحينذاك أفادت مصادر محلية، بأن أشخاصاً مجهولين قَتلوا الشخصين اللذين ألقي القبض عليهما من قبل الجهاز الأمني في "الجبهة الشامية" بالجيش الوطني السوري، بتهمة الضلوع بتنفيذ التفجير، ثم رموا جثتيهما وسط السوق الرئيسي في المدينة، بالقرب من موقع انفجار السيارة.
وتعليقاً على الحادثة، قالت الحكومة المؤقتة في بيان لها: "ندين بشدة هذا العمل الإجرامي الذي يتنافى مع مبادئ العدالة وحقوق الإنسان التي نلتزم بها، ويعتبر إجراماً غير مبرر بأي حال من الأحوال، بصرف النظر عن حجم الألم والخسائر التي أسفر عنها التفجير الذي وقع في اعزاز".
وأوضحت أنها أبلغت "وزارة الدفاع" في الحكومة المؤقتة والجهات الأمنية والقضائية بملاحقة الجناة، وإلقاء القبض عليهم وتقديمهم للعدالة.
أما "الجبهة الشامية" في الجيش الوطني السوري التي توجد بشكل أساسي في مدينة اعزاز، فقد أعلنت تأييدها لتنفيذ حكم القصاص بحق "القتلة" شمال غربي سوريا، في حال تمّ ذلك ضمن المنظومة القضائية الرسمية.
وجاء ذلك في بيان نشرته "الجبهة الشامية"، قالت فيه إن مجهولين اختطفوا الشخصين الضالعين في التفجير، في أثناء نقلهما إلى فرع الشرطة العسكرية في مدينة اعزاز، ثم أقدموا على تصفيتهما في سوق المدينة.
وأشار البيان إلى عدد من النقاط، ومنها:
- تأييد القصاص من القتلة في المحرر، وخاصة المتورطين بعمليات التفجير الآثمة التي تروع المدنيين وتقتل بشكل عشوائي، على أن يتم القصاص ضمن المنظومة القضائية الرسمية.
- تفعيل الأحكام القضائية المتعلقة بالقتلة والمتورطين بعمليات التفجير، فهذا هو السبيل الوحيد لتحقيق العدالة وعدم حصول تجاوزات كما حصل في مدينة اعزاز.
- إدانة عملية اعتراض دورية الشرطة العسكرية واختطاف الموقوفين وقتلهما قبل خضوعهما للمحاكمة أصولاً.
وبعد ذلك، أشارت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، إلى اعتقال شخصين قاما بخطف المتهمين بتنفيذ التفجير، ونفذا حكم الإعدام بهما، معلنة إحالتهما إلى القضاء العسكري.
ما سبب عدم تبني عقوبة الإعدام؟
وفي سياق التعليق على أسباب عدم تطبيق عقوبة الإعدام بشكل رسمي، قال المحامي في فرع حلب للمحامين الأحرار، عبدو عبد الغفور، إنّ أي جريمة أو قضية عندما تتحول إلى قضية رأي عام، فإن هذا الرأي العام سيكون وسيلة ضغط قد تفرض حضورها على السلطة الحاكمة مهما كان شكل هذه السلطة.
وأضاف عبد الغفور، في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن "التفجير الذي وقع في مدينة اعزاز قبيل عيد الفطر بأيام، كان جريمة يندى لها جبين الإنسانية، فالقتل العشوائي الذي تسببه مثل هذه الملغمات، يعقبه موجة غضب شعبي عارم يوجب على السلطات المختصة ضبط الأمن ومتابعة التحقيقات والإسراع بكشف ملابسات الجريمة وإلقاء القبض على الفاعلين وتقديمهم بالسرعة القصوى للقضاء، لينالوا جزاءهم العادل بما اقترفت أيديهم".
ومن الناحية القانونية، يقول عبد الغفور: "كلّنا يعلم أن قانون العقوبات السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949 يتضمن تطبيق عقوبة الإعدام على كثير من الأفعال الجرمية ومنها القتل العمد طبعاً، وسوريا ومعظم الدول العربية لم تأخذ بالاتجاه القائل بضرورة إلغاء هذه العقوبة".
ولكن تطبيق عقوبة الإعدام يحتاج إلى سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية فاعلة على الأرض تكون قادرة على استلام زمام المبادرة، وفق المحامي، إضافةً إلى القدرة على تحمّل واستيعاب الضغوط الشعبية التي تُمارَس من قبل الناس في المجتمع لأنهم يشكلون الرأي العام بالنتيجة.
ورأى عبد الغفور أن "الحل لتجاوز مثل هذه المطبّات يكون أولاً بتضافر جهود جميع المؤسسات الثورية (المدنية والعسكرية والسياسية) العاملة في الشمال السوري المحرر، للعمل على تمكين المؤسسة القضائية من ممارسة عملها باستقلالية وحيادية، للوصول إلى العدالة المنشودة التي نبتغيها جميعاً، وخاصةً نحن كرجال قانون وكجزء من هذا الشعب الذي ثار من أجل حريته وكرامته، بحيث ينال كل مجرم الجزاء العادل عبر القنوات القضائية والشرطية أصولاً".
من جهته، يعتقد المحامي عمار عز الدين (رابطة المحامين السوريين الأحرار) أنه لا علاقة لموضوع عدم تطبيق قانون الإعدام شمالي حلب، بالقانون التركي على اعتبار أن الجانب التركي يشرف على إدارة المنطقة بشكل غير مباشر، كون القانون المطبق في هذه المناطق هو القانون السوري والذي ينص على عقوبة الإعدام في حالات معينة وفق قانون العقوبات السوري.
حظر الإعدام خارج نطاق القانون
ورأى عز الدين، في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن "الفعل الذي قامت به هذه المجموعة (إعدام الشخصين) هو جرم القتل العمد وفق قانون العقوبات السوري، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقتص الرجل لنفسه أو لذويه، ويجب أن يكون العقاب بموجب حكم قضائي صادر عن المحكمة المختصة وفق الأصول القانونية.
وأضاف: "أما وفق القانون الدولي الإنساني يحظر حظراً مطلقاً عمليات الإعدام بإجراءات موجزة أو خارج نطاق القضاء، فقد تم القبض على المتهمين ويحب أن تتم محاكمتهم، إذ لا يجوز إصدار أي حكم أو تنفيذ أي عقوبة حيال أي شخص تثبت إدانته في جريمة من دون محاكمة مسبقة من قبل محكمة تتوفر فيها الضمانات الأساسية للاستقلال والحيادية، وبما أن المجموعة أعدمت الأشخاص المتهمين من دون محاكمة إطلاقاً، فإن هذا الفعل يشكل انتهاكاً لقواعد القانون الدولي الإنساني".
إشكالية قانونية
وأردف عز الدين: "رغم صدور العديد من الأحكام بالإعدام عن المحاكم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري التابعة للحكومة السورية المؤقتة وفق قانون أصول المحاكمات الجزائية، ومواد قانون العقوبات السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949، ولكن توجد إشكالية قانونية في تنفيذ حكم الإعدام، فقد نصت المادة 43 من العقوبات بأنه لا يُنفذ حكم بالإعدام إلا بعد استطلاع رأي لجنة العفو وموافقة رئيس الدولة".
ونصت المادة 461 من أصول المحاكمات الجزائية، بأنه وعند صدور حكم الإعدام، يحيل وزير العدل أوراق الدعوى إلى لجنة العفو مرفقة بتقرير النائب العام لدى المحكمة التي أصدرت الحكم، فتنظر فيها وتبدي رأيها في اقتضاء إنفاذ عقوبة الإعدام أو إبدالها بغيرها، وذلك خلال خمسة أيام على الأكثر.
وفي النص القانوني، تُنفذ أحكام الإعدام بعد تصديق قرار الإعدام من قبل محكمة النقض، ويتم إرسال ملفات الأحكام إلى لجنة العفو الخاصة في وزارة العدل، والتي يتم تشكيلها من قبل رئيس الجمهورية بمرسوم، وتكون مهمتها دراسة الملفات وتقديم الاقتراح للرئيس، إما لإنفاذ الأحكام أو لاقتراح العفو، ويكون رأيها غير ملزم، لذلك يعتبر رئيس الجمهورية بحسب نص المادة 43 من قانون العقوبات والمادتين 454 و461 من أصول المحاكمات الجزائية صاحب القرار الأخير.
وعلى اعتبار أن وزارة العدل في الحكومة السورية المؤقتة لا يوجد بتشكيلها لجنة عفو، وكونه لا يوجد منصب رئيس الجمهورية، فإن ذلك يجعل الحكم بالإعدام غير قابل للتنفيذ لاستحالة إتمام الإجراءات القانونية التي نص عليها قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية لتنفيذ العقوبة.
نصائح حقوقية
وأشار عز الدين إلى ضرورة توافر الضمانات باستقلال السلطة القضائية ومبدأ فصل السلطات، وممارسة السلطة القضائية الرقابة على عمل الضابطة العدلية في إجراءات توقيف المتهمين والتحقيق معهم، وضمان تأمين الحماية للمتهمين إلى حين إحالتهم للقضاء، ومن ثم ضمان المحاكمة العادلة لهم، على أن يكون تشكيل المحكمة وفقاً للقانون، وملتزمة بالاستقلال والحيادية وبالمبادئ التي تقوم عليها الإجراءات القضائية المرعية والمعترف بها عموماً.
ولفت إلى أن قضية الثأر ترتبط بالعادات والتقاليد الموروثة والقناعات عبر الأجيال المختلفة، هذه الظاهرة تحتاج إلى قدر من الوعي الديني والاجتماعي والأخلاقي والقانوني، يتمثل في أن تعمل السلطة القضائية على تحقيق العدالة الناجزة والرادعة ليكون لدى الضحايا ثقة في أن القانون والقضاء سيقتص لهم من المجرمين.
وكذلك يجب أن يكون هناك ردع قانوني عبر وضع حد لظاهرة انتشار السلاح من خلال سَن قوانين صارمة تعمل على منع انتشار السلاح والانفلات الأمني الذي يعزز ثقافة الانتقام والثأر والبلطجة، بالتالي تسود شريعة الغاب، وتتأصل ثقافة الدم في المجتمع، مما يضعف الثقة بمؤسسات سلطات الأمر الواقع وهيبة القضاء ومؤسساته.
مطالبات سابقة بتنفيذ أحكام الإعدام
ومنذ قرابة 4 سنوات، أصدر مجموعة معارضين سوريين وقياديون في فصائل الجيش الوطني السوري بياناً، يدعون فيه إلى إصلاح القضاء في مناطق سيطرة الفصائل، والعمل على تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة مِن محاكم المنطقة.
وجاء في البيان أن "إقامة العدل تتطلب القضاء النزيه، والقانون العادل، والاستقلال القضائي، مع قوة تنفيذية تطبّق القانون وتنصر الضعيف والمظلوم"، وأنّه "رغم الإنجازات التي حقّقها القضاء في مناطق سيطرة الفصائل العسكرية، فقد شابه بعض العثرات والأخطاء".
ودعا البيان إلى إنشاء "إدارة التشريع" مِن أجل "دراسة جميع المواد التي تخالف الشرع الحنيف في أحكامهِ ومقاصده، وتعارض حقوق الإنسان، أو تتعارض مع أهداف الثورة السوريّة".
وطالب البيان بتشكل "لجنة تفتيش قضائية" بإشراف كل مِن "الائتلاف الوطني، والمجلس الإسلامي، ونقابة المحامين" مِن أجل مراجعة جميع التعيينات السابقة في الملف القضائي العادي والعسكري، ومتابعة المظالم على كامل المؤسسة القضائيّة، وشدد على ضرورة الإسراع في تنفيذ أحكام "الإعدام" الصادرة، مع اتخاذ جميع الإجراءات القانونية الضرورية لـ ضمان تحقيق العدالة.
من يتحمل المسؤولية؟
في شهر شباط من عام 2021، كان 24 حكماً بالإعدام على مرتكبي التفجيرات تنتظر التصديق عليها للبدء بعملية التنفيذ، وهذا ما أثار عاصفة من الإلقاء بالمسؤولية بين الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة كمؤسسة تشريعية تعتبر أعلى سلطة في المعارضة السورية، وبين الحكومة السورية المؤقتة كمؤسسة تنفيذية، في حين أشار المجلس الإسلامي السوري إلى أنه يعمل على الدفع نحو تنفيذ تلك الأحكام على خلفية مطالبات أهالي الضحايا بذلك.
وحينذاك قال مسؤول قضائي طلب عدم كشف هويته لـ لموقع تلفزيون سوريا إنّ الأحكام الـ 24 بالإعدام هي فقط على خلفية قضايا أمنية ويوجد لدى وزارة العدل في الحكومة المؤقتة أحكام أخرى على خلفيات جنائية وجميع المحكومين تم وضعهم في سجن خاص تحت رقابة أمنية مشددة، في حين لا تستطيع وزارة العدل تنفيذ الأحكام.
ووفق المسؤول، فإنّ الحكومة المؤقتة طلبت بشكل رسمي من الائتلاف الوطني التصديق على عقوبات الإعدام ولم تتلق أي رد، وعلى ما يبدو أنه لا أحد في الائتلاف الوطني يجرؤ على تحمل مسؤولية مثل تلك القرارات، ثم طلبت من المجلس الإسلامي السوري فلم يُبدِ أيَّ استجابة بهذا الخصوص.
ورداً على ذلك، قال رئيس اللجنة القانونية في الائتلاف الوطني حينذاك هشام مروة، إنهم يعملون في اللجنة القانونية على دراسة مفصلة حول الموضوع وسيتم نشرها فور الانتهاء منها واعتمادها من الهيئة العامة للائتلاف، وتبليغها من يلزم للعمل بها، بينما رأى عضو المجلس الإسلامي السوري الدكتور عبد الكريم بكار أنَّ أحكام الإعدام هي قضية قضائية عدلية وليس للمجلس أي دور في تلك العقوبات أو تنفيذها إذ ينحصر عمله بكونه جهة استشارية فكرية، موضحاً أن المجلس أصدر بياناً في وقت سابق يحض فيه على إيقاع أقصى العقوبات بالجناة بعد مطالبات من الناس بالتدخل في ذلك.