إن ضعف تطبيق القانون وإفلات الجناة من العقاب يؤدي حتماً إلى انتشار الجريمة المضادة أو الثأر، لاسيما في المجتمعات التي تتزعزع فيها ثقة الناس بالمؤسسات الأمنية والقضائية، وهذا ما عكسته صورة لشخص في مدينة اعزاز في ريف حلب الشمالي، عثر عليه مقتولاً وبجانبه ورقة موقعة باسم سرايا المجد كتب عليها إنّه "إرهابي قام بعدّة عمليات إرهابية وتفجيرات في المناطق المحررة" وهذا ما يشير إلى حالة من الاحتقان بسبب تزايد عمليات التفجير وارتفاع عدد الضحايا، فضلاً عن شعور الناس بعدم الرضى عن عدم تنفيذ الأحكام الصادرة بحق الجناة.
يقول الناشط محمد بلال لـ "تلفزيون سوريا" إنّ عمليات التفجير تجاوزت المعقول في مناطق الشمال السوري، قد تعتبر عمليات التفجير حادثاً عرضياً أو اختراقاً أمنياً إذا حدثت مرة أو مرتين، أما وقد تكرر هذا الأمر بشكل شبه يومي، فذلك يعني أن المنطقة تعاني من ضعف أمني لم تتمكن المؤسسات التنفيذية من ضبطه.
ويضيف، أن الجناة الذين يتم توقيفهم غالباً، يطلق سراحهم إما لعدم ثبوت الأدلة أو لاعتبارات أخرى وحسابات بين الفصائل أو لاعتبارات اجتماعية، وهذا ما يجعل الجناة في مأمن من العقاب ويدفع لمزيد من الجرائم.
أحكام لم تنفذ
ما إن يصدر حكم عن دور القضاء حتى تبدأ معركة إلقاء المسؤولية بين الأطراف المختلفة، إذ ينتظر 24 حكماً بالإعدام على مرتكبي التفجيرات التصديق عليها للبدء بعملية التنفيذ، وهذا ما أثار عاصفة من الإلقاء بالمسؤولية بين الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة كمؤسسة تشريعية تعتبر أعلى سلطة في المعارضة السورية، وبين الحكومة السورية المؤقتة كمؤسسة تنفيذية، بينما يعمل المجلس الإسلامي السوري على الدفع نحو تنفيذ تلك الأحكام على خلفية مطالبات أهالي الضحايا بذلك.
يقول مسؤول قضائي طلب عدم كشف هويته لـ لموقع تلفزيون سوريا إنّ الأحكام الـ 24 بالإعدام هي فقط على خلفية قضايا أمنية ويوجد لدى وزارة العدل في الحكومة المؤقتة أحكاماً أخرى على خلفيات جنائية وجميع المحكومين تم وضعهم في سجن خاص تحت رقابة أمنية مشددة، ولا تستطيع وزارة العدل تنفيذها وهي مازالت محط نقاش مع الائتلاف الوطني.
ويضيف أنّ الحكومة المؤقتة طلبت بشكل رسمي من الائتلاف الوطني التصديق على عقوبات الإعدام ولم تتلق أي رد، وعلى ما يبدو ألا أحد في الائتلاف الوطني يجرؤ على تحمل مسؤولية مثل تلك القرارات، ثم طلبت من المجلس الإسلامي السوري فلم يُبدِ أيَّ استجابة بهذا الخصوص، والحكومة السورية المؤقتة هي سلطة تنفيذية لا يمكنها سن التشريعات.
ويستطرد أنّ وزارة العدل ليس لها سلطة على القضاء حتى من الناحية الإدارية، ناهيك عن أنّ الحكومة المؤقّتة غير ممكّنة في الداخل السوري فضلاً عن أنّها جهة تنفيذية وليست سياسية وتشريعية، وبالتالي لا تلام على عدم تنفيذ الأحكام.
قيد الدراسة
لا يبدو أن الائتلاف الوطني الذي يعتبر أعلى سلطة تشريعية في المعارضة السورية يشعر بامتلاك السيادة التي تحميه من عواقب التصديق على مثل تلك القرارات، إذ يرى المشرعون فيه أن التصديق على تلك القرارات من الممكن أن تجرهم إلى المحاكم الجنائية الدولية، لذلك يسعى لأن يلقي بالمسؤولية على الهيئة العامة كاملة من خلال طرح الأمر للتصويت.
يقول رئيس اللجنة القانونية في الائتلاف الوطني هشام مروة إنهم يعملون في اللجنة القانونية على دراسة مفصلة حول الموضوع وسيتم نشرها فور الانتهاء منها واعتمادها من الهيئة العامة للائتلاف، وتبليغها من يلزم للعمل بها.
ويضيف لموقع تلفزيون سوريا إنه يمكن القول إن هذه الدراسة تعتمد قانون العقوبات السوري أساساً لها، وستبين الدراسة الأسس القانونية لعقوبة الإعدام والجهة المخولة بالتصديق على الحكم وتجيب الدراسة على الاستفسارات التي تثور حول الموضوع، لن ينجو من العقوبة المجرمون.
المجلس الإسلامي يوضح
من جهته يرى عضو المجلس الإسلامي السوري الدكتور عبد الكريم بكار أنَّ أحكام الإعدام هي قضية قضائية عدلية وليس للمجلس أي دور في تلك العقوبات أو تنفيذها إذ ينحصر عمله بكونه جهة استشارية فكرية، والمجلس أصدر بياناً يحض فيه على إيقاع أقصى العقوبات بالجناة بعد مطالبات من الناس بالتدخل في ذلك.
وأضاف أنّ المجلس لا يقوم بأي تواصل مع الحكومة المؤقتة أو الائتلاف الوطني بخصوص عملهم، والعلاقة مع تلك المؤسسات لا تتعدى الاستشارات فيما لو طلب منه ذلك.
ويؤكد أنه من المفترض أن تعيّن الحكومة المؤقتة مفتياً لمثل تلك القضايا، وفيما لو طلبت الحكومة من المجلس الإسلامي المساعدة فيمكن أن نرشّح شخصاً لذلك المنصب، لكن لا يتدخل المجلس الإسلامي السوري مباشرة في تلك القضايا.
تبقى حماية مناطق الشمال السوري رهن تنفيذ العقوبات بحق مرتكبي جرائم التفجيرات حتى تكون رادعاً لغيرهم، وليتم التنفيذ لابد من أن تتحمل السلطتان التشريعية والتنفيذية مسؤولياتهما الكاملة، وإلى ذلك الحين نحن أمام مشهد جديد قد يكون عنوانه العريض "الجريمة المضادة".