لطالما كانت قضية استئناف فتح المعابر بين مناطق السيطرة في شمال غربي سوريا، من الملفات المثيرة للجدل خلال السنوات الماضية، سواء تلك الفاصلة بين مناطق سيطرة المعارضة السورية والنظام، أو بين مناطق سيطرة المعارضة، و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).
حاولت "هيئة تحرير الشام" منذ سنوات، افتتاح معابر رسمية في إدلب مع مناطق سيطرة النظام، لكن جهودها بهذا السياق لم تُترجم على أرض الواقع، بسبب الرفض الشعبي للفكرة، خاصة أنها أعقبت سيطرة قوات النظام بدعم روسي، على مناطق واسعة في أرياف إدلب وحماة وحلب، خلال عامي 2019، و2020.
أما في مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري، في ريف حلب الشمالي والشرقي، فقد تقرر إغلاق المعابر الفاصلة مع مناطق سيطرة النظام و"قسد"، إبان تفاقم أزمة كورونا، وبعد ذلك، أعيد افتتاح بعضها جزئياً، في حين ما زال أبرز هذه المعابر مغلقاً، ويقصد بذلك، معبر أبو الزندين في محيط مدينة الباب.
توزع المعابر شمال غربي سوريا
تدير "هيئة تحرير الشام"، وفصائل الجيش الوطني السوري عدة معابر في شمال غربي سوريا، سواء الحدودية مع تركيا، أو الفاصلة مع مناطق سيطرة النظام وقسد، ومنها:
- معبر باب الهوى (حدودي مع تركيا - تديره هيئة تحرير الشام).
- معبر الحمام (حدودي مع تركيا - يديره الفيلق الأول في الجيش الوطني السوري).
- معبر باب السلامة (حدودي مع تركيا - يديره الفيلق الثالث في الجيش الوطني).
- معبر الراعي (حدودي مع تركيا - يديره الفيلق الثاني في الجيش الوطني).
- معبر جرابلس (حدودي مع تركيا - يديره الفيلق الثاني في الجيش الوطني).
- معبر تل أبيض (حدودي مع تركيا - يديره الفيلق الثالث في الجيش الوطني).
- معبر رأس العين (حدودي مع تركيا - يديره الفيلق الثاني في الجيش الوطني).
ومن المعابر الفاصلة بين مناطق السيطرة:
- معبر أبو الزندين (تجاري - مغلق / يفصل بين مناطق سيطرة الجيش الوطني والنظام).
- معبر عون الدادات (تجاري ومدني / فعّال بشكل غير منتظم - يفصل بين مناطق سيطرة الجيش الوطني وقسد).
- معبر الحمران (تجاري / فعّال - يفصل بين مناطق سيطرة الجيش الوطني وقسد).
- معبر الجطل (تجاري / فعّال - يفصل بين مناطق سيطرة الجيش الوطني وقسد).
- معبر سراقب (تجاري / غير فعّال - يفصل بين مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام والنظام).
- معبر معارة النعسان (تجاري / غير فعّال - يفصل بين مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام والنظام).
إضافة إلى المعابر المعلنة، يلحظ وجود عشرات النقاط المخصصة للتهريب بشكل غير رسمي، سواء المواد الغذائية والسلع، أو البشر، وذلك بين مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام والنظام في إدلب، ومناطق سيطرة الجيش الوطني السوري، والنظام، وقسد، في شمال وشرقي حلب، ومعظم نقاط ومنافذ التهريب هذه، تُدار من قبل الفصائل العسكرية.
ملف إعادة فتح المعابر
بين الحين والآخر، يعاد طرح ملف إعادة فتح المعابر بين مناطق السيطرة، خاصة في محافظة إدلب، وفي محيط مدينة الباب (أبو الزندين)، في ظل تباين الآراء حول مصلحة كل طرف من ذلك.
وعمل موقع تلفزيون سوريا على إنتاج ملف موسع بهذا السياق، سنستعرض تفاصيله في الآتي، ومن الجدير بالذكر، أن جمع المعلومات والإحصائيات بدأ منذ عام 2022، لذا قد تكون الأسعار وبعض البيانات قد اختلفت مع مرور الوقت، إلا أن الأرقام الحالية، من شأنها إيصال صورة واضحة عن الرابح والخاسر من مسألة إعادة فتح المعابر من عدمها.
في عام 2022، بدأ التجهيز من الجيش الوطني السوري وهيئة تحرير الشام بشكل متزامن وبفارق أيام فقط، لافتتاح معبرين مع مناطق سيطرة النظام السوري، وهما معبر أبو الزندين بمحيط مدينة الباب بريف حلب الشرقي، ومعبر الترنبة - سراقب القريب من مدينة سرمين شرقي إدلب.
كانت تحركات الفصائل مفاجئة نوعاً ما ولم يُمهد لها كما جرت العادة، وحملت معها تساؤلات كثيرة عن موعد افتتاح هذه المعابر، واختصاصها، وفيما إذا كانت معتمدة لدخول وخروج المدنيين أم للحركة التجارية فقط.
الحديث عن إعادة افتتاح المعابر أو المنافذ التجارية مع مناطق سيطرة النظام لم لكن حينذاك بالجديد، لكن التوقيت والتطورات السياسية زرعت الريبة بين سكان الشمال السوري، وسط تخوفات من أضرار اقتصادية وعسكرية وسياسية متوقعة، يقابلها تطلعات بانتعاش اقتصادي وزيادة في التصدير وتسريع دوران عجلة التجارة، وهنا يُطرح سؤال جوهري، من المستفيد الأكبر من افتتاح المعابر، وما الإيجابيات والسلبيات للأمر، وما الانعكاسات المتوقعة على منطقة شمال غربي سوريا والقاطنين فيها؟
تحركات متزامنة من دون نتائج
اتخذت الحكومة السورية المؤقتة في آذار عام 2020 قراراً بإغلاق عدة معابر مع مناطق سيطرة النظام بينها "أبو الزندين" بريف حلب، في سياق الإجراءات المتبعة للحد من انتشار فيروس كورونا، واستُخدم المعبر بعد ذلك أكثر من مرة لتبادل الأسرى بين النظام والمعارضة.
في 20 من أيلول 2022، حاولت فرقة السلطان مراد في الجيش الوطني إعادة فتح معبر "أبو الزندين" أمام الحركة التجارية مع النظام، وسمحت بخروج شاحنتين محملتين بمادة البرغل إلى مناطق سيطرة النظام كإجراء "حسن نية"، وتزامناً مع ذلك، بدأ النظام بقصف محيط المعبر بالأسلحة الرشاشة، وأدى ذلك إلى تعليق عملية فتح المعبر حتى الآن.
وفي محافظة إدلب، أدخلت هيئة تحرير الشام في 24 أيلول 2022 آليات هندسية إلى خط التماس مع مناطق سيطرة النظام قرب مدينة سراقب شرقي إدلب، للعمل على إزالة السواتر الترابية، وتفكيك الألغام، تمهيداً لفتح معبر الترنبة قرب بلدة سرمين، ثم هاجمت الهيئة بعد أيام قليلة نقاطاً عسكرية تابعة للجبهة الوطنية للتحرير قرب المنطقة المخصصة للمعبر، للسيطرة عليها، ليقتصر الوجود العسكري هناك على الهيئة فقط.
صحف روسية ربطت هذه التطورات برغبة تركية في إقامة علاقات اقتصادية جزئية مع النظام السوري، حيث قال الخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسي، كيريل سيميونوف لصحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا": "الصادرات التركية إلى هذه المناطق (شمال غربي سوريا) وصلت إلى ملياري دولار سنوياً، أي أنها تساوي في الواقع حجم التجارة بين تركيا وسوريا قبل الحرب، وبالتالي، بالطبع، إذا تم فتح المعابر، ستعمل نقاط التفتيش الحدودية ويبدأ فتح حركة البضائع والخدمات وما شابه ذلك، ما سيؤدي بالطبع إلى إذابة الجليد ويتيح لسوريا الحصول على المنتجات النادرة التي لا يمكنها الوصول إليها، والمناطق الرمادية بالمحميات التركية تسمح بذلك".
وبينما غابت المواقف الرسمية للمعارضة السورية، يمكن الإشارة إلى بيان أصدره الائتلاف الوطني السوري، في آذار 2021، قال فيه إن فتح معابر بين المناطق المحررة والمناطق الواقعة تحت سيطرة النظام هو طوق نجاة لنظام معزول دولياً ويعاني من انهيار اقتصادي، مضيفاً أن روسيا تحاول الالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة على النظام من خلال سعيها لفتح المعابر مع المناطق المحررة، من أجل الحصول على العملات الأجنبية لدعم عملة النظام، فضلاً عن وجود مخاوف أمنية جدية من جرّاء فتح المعابر مع النظام "خشية تدفق المواد الممنوعة وتصدير الإرهابيين والمفخخات إلى المناطق المحررة وزيادة تهديد حياة الناس".
هل من فائدة اقتصادية للشمال السوري؟
تختلف رؤى خبراء الاقتصاد في تحديد الرابح والخاسر من فتح المعابر المذكورة، في ظل تعقد المشهد وكثرة اللاعبين في الملف والمهيمنين عليه سواء محلياً أو دولياً، وللحصول على نتيجة توضح إيجابيات وسلبيات الملف، بالاعتماد على وقائع ميدانية وآراء محايدة، أجرى موقع تلفزيون سوريا لقاءات مع صناعيين وتجار واقتصاديين، إضافة إلى مسؤولين حكوميين وعاملين بالمجلس الإنساني.
من الناحية الاقتصادية والتجارية، أكد معظم الصناعيين الذين التقى بهم موقع تلفزيون سوريا أن فتح المعابر مع مناطق سيطرة النظام سينعكس عليهم إيجاباً، بشرط أن تكون الرسوم المزمع دفعها للمعابر رمزية وقليلة.
على سبيل المثال، قال صاحب معمل لصناعة الحصير في مدينة الباب بريف حلب، لموقع تلفزيون سوريا، إن مناطق سيطرة نظام الأسد هي من تحتاج لواردات الشمال السوري من الحصير، دون "أن نحتاج لشيء من هناك بالمطلق".
يستورد معمل الحصير المواد الأولية من السعودية ودول الخليج عبر الترانزيت، إضافة إلى بعض المواد من تركيا، في حين لا يستورد شيئاً من مناطق سيطرة النظام، حتى لو افتتحت المعابر.
يضيف صاحب المعمل: "يمكن أن أصدّر الحصير بقوة إلى مناطق سيطرة النظام لو افتتحت المعابر، وبذلك أستفيد بشكل خاص وتتسارع وتيرة الإنتاج، لأن الطن الواحد من الحصير يزيد سعره عند النظام 300 دولار، عمّا هو عندنا، ينفعنا افتتاح المعابر أكثر مما يضرنا، ويتوسع نطاق الإنتاج إلى دمشق ودرعا ولبنان".
كان معمل الحصير يعمل بدوام 24 ساعة قبل إغلاق المعابر، ووفقاً لمالك المصنع، فإنه استمر بالتصدير لمناطق سيطرة النظام لمدة 7 سنوات، وعندما أُغلقت المعابر تراجع الإنتاج، وأصبح العمل لمدة 12 ساعة، وانخفض عدد العمال من 75 إلى 25 عاملاً.
انخفض الإنتاج بنحو 80 بالمئة (2500 متر من الحصير يومياً)، وقبل سنوات، كان المنتج يُصدّر بنسبة 100 بالمئة، ليتراجع الآن إلى 25 بالمئة، مع تخزين الفائض لتصريفه عندما يحين "الموسم"، وفق قول المتحدث.
وينحصر تصدير الحصير حالياً من المعمل نفسه، لريف حلب الشمالي (محلياً)، وإخراج النسبة الأكبر إلى الحسكة والرقة ودير الزور، من معبر الحمران شرقي حلب الخاضع لسيطرة الجيش الوطني والفاصل مع مناطق سيطرة "قسد"، مقابل رسوم قدرها 15 دولاراً على الطن الواحد، وهو ما يعتبره صاحب المعمل مبلغاً رمزياً (أُجريت المقابلة عام 2022).
بدوره أفاد مصطفى قشقوش - صاحب شركة مياه معدنية في المدينة الصناعية بالباب - بأن المواد الأولية الأساسية بالنسبة لمصنعه هي أمبولات البريفورم، مع الغطاء المخصص لها، ويتم استيرادها من تركيا.
ورغم أن سعر المواد الأولية هذه في مناطق سيطرة النظام أقل ثمناً مما هي في تركيا، يؤكد "قشقوش" أن كلفة استيرادها وشحنها من مناطق سيطرة النظام عالية، بالتالي الاستيراد من تركيا أقل كلفة.
ويبلغ سعر طن البريفورم 1700 دولار في تركيا، ويتم دفع 50 دولاراً كلفة شحنها إلى الشمال السوري، لكن "قشقوش" يؤكد أن المواد المشغلة للطابعة في المعمل حصراً يتم استيرادها من مناطق سيطرة النظام (حبر - مزيل - منظف).
وعن مكاسب المصنع لو افتتحت المعابر، قال "قشقوش": "حتى الآن يتواصل معنا تجار في مناطق سيطرة النظام للحصول على منتجاتنا، لكن كلفة الشحن توازي كلفة البضائع التي أريد تصديرها، عندنا طرد المياه 12 عبوة (ليتر) بدولار واحد، وفي مناطق سيطرة النظام يبلغ سعره دولارا ونصف".
ويعتقد صاحب الشركة أن شروط عدة يجب أن تتوافر ليعود افتتاح المعابر بالنفع على الصناعيين، فـ "لا نريد أن يكون التصدير كيس خرجية لأصحاب المعابر من الفصائل، بسبب كلفة النقل العالية، فعندما كان معبر أبو الزندين مفتوحاً كنت أدفع 2400 دولار كرسوم على السيارة الواحدة".
من الأكثر حاجة للمواد الغذائية؟
تُصدّر أو تستورد الشركات التجارية في الشمال السوري أو في مناطق سيطرة النظام المواد الغذائية بحسب حاجة وطلب السوق لها، وبعد حساب الكلفة الأولية لها في أكثر من مصدر، ثم اختيار الأنسب من ناحية الثمن.
التقى موقع تلفزيون سوريا ثلاثة تجار وأصحاب شركات للمواد الغذائية في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، وجميعهم أكدوا أن فتح المعابر وتصدير البضائع نحو مناطق سيطرة النظام، سيكون مفيداً لهم كتجار أولاً، ثم للمناطق من ناحية تشغيل اليد العاملة وإنعاش الحركة التجارية، دون أن يتأثر السوق المحلي، لأن خط الاستيراد ترانزيت من مختلف دول العالم مفتوح ويمكن جلب أي كميات مطلوبة.
وتقتصر البضائع التي يمكن استيرادها من مناطق النظام على الملابس والأحذية والبيبسي والإندومي وبعض الأمور الأخرى، أما المواد الأساسية من الأرز والسكر والزيت والسمنة والبقوليات، فيوضح التجار أنه يتم استيرادها من الخارج.
وقال أحد التجار إنه اجتمع في عام 2022 مع إدارة معبر أبو الزندين، وأخبروه بأن التصدير سيكون متاحاً إلى مناطق سيطرة النظام بمختلف الأنواع، قبل أن يتم إغلاق المعبر بعد ساعتين من افتتاحه، متوقعاً أن يكون النظام قد رفض الفكرة لما لها من مساهمة في تدهور الليرة السورية، وإفراغ مناطق سيطرته من الدولار.
وحول أسعار المواد الغذائية، قال مالك شركة تجارية في اعزاز: "أسعار المواد الغذائية عندنا أقل ثمناً من مناطق النظام بفارق كبير، ومهما صدّرنا من المواد لن يتأثر السوق المحلي، وعند افتتاح أي معبر من المستبعد استيراد مواد غذائية، إلا في حالات معينة، فمثلاً سعر طن السمسم شمالي سوريا 1700 دولار، وعند النظام 1500 دولار، فيمكن استيراده، ويمكن أن يتأثر السوق فقط في حال تصدير المشتقات الحيوانية والمواشي".
أسعار المواد الغذائية في الشمال السوري أقل ثمناً من مناطق النظام بفارق كبير، والتصدير إليها لن يؤثر على السوق المحلي
يستورد التجار بعض البضائع من تركيا، أما النسبة الكبيرة للمواد، فيؤكدون أن "استيرادها يتم عبر الترانزيت من عدة دول، مثل الصين والهند وأوكرانيا وماليزيا".
وعن حركة التصدير يضيف أحد التجار: "كنا ندفع 100 دولار على أي سيارة يمكن أن تتوجه إلى منبج الخاضعة لسيطرة قسد، عن طريق معبر الحمران، وهناك عناصر "ترفيق" مهمتهم إيصال الشاحنة إلى منبج"، كما يؤكد "نصدّر الأرز والسكر على سبيل المثال إلى منبج عبر معبر الحمران بعشرات الأطنان، ولا يمكن أن يؤثر ذلك علينا محلياً، لأننا قادرون على استيراد 100 طن بدل الـ 10 أطنان التي يمكن أن نصدّرها".
بيئة مصدّرة لأكثر من 20 دولة
في تقديره للربح والخسارة من افتتاح المعابر، رأى وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة الدكتور عبد الحكيم المصري، أن الفائدة ستكون للنظام بنسبة 85 بالمئة، مقابل 15 بالمئة للمناطق المحررة، ويفسّر ذلك قائلاً: "المستفيد الأكبر هو نظام الأسد، لأننا سنخفف عنه الحصار بشكل كبير، ونزوده بما يحتاج من مواد، مقابل تصديره لنا سلعاً تدمّر الصناعات المحلية مثل الألبسة والأحذية، وهذا يمنع إطلاق مصانع بمواد معينة يفكر التاجر بها، لأنها تدخل من مناطق سيطرة النظام".
وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة: الفائدة ستكون للنظام بنسبة 85 بالمئة، مقابل 15 بالمئة للمناطق المحررة، لأننا سنخفف عنه الحصار بشكل كبير
ويتوقع المصري في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن "تعود الفائدة للمنطقة على المستوى الزراعي من خلال التصدير، ويمكن أن يستفيد التاجر الذي يصدّر ويستورد، لكن النظام لن يعطينا أشياءً نحن بحاجتها، وأي شيء نحتاج إليه يمكن أن نستورده من الخارج ببساطة".
ولتعمّ الفائدة بشكل حقيقي يجب "تحديد المواد التي يحتاج إليها الشمال السوري، والمواد التي يمكن تصديرها، والالتزام بالقائمة، علماً أن كل شيء يمكن استيراده من الخارج، حتى الأدوية أو المواد الغذائية، ومن عدة دول منها بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية" بحسب الوزير.
ويمكن أن يصدّر الشمال السوري بعض المواد الزراعية، لكن وزير الاقتصاد تساءل، هل سيقبلها النظام؟ بالتأكيد لا لو كان لديه فائض، ولذلك يجب أن تكون هناك إدارة واحدة تتألف من وزارة المالية بالتعاون مع اتحاد غرف الصناعة والتجارة، لإدارة هذا الملف ودراسته وتجنب الثغرات الموجودة فيه، كون المشهد حالياً يتحكم به الفصيل فقط الذي يسيطر على كل معبر".
ويتم التصدير من الشمال السوري لأكثر من 20 دولة حول العالم وفق تأكيدات وزير الاقتصاد، وعلى سبيل المثال، تم تصدير حفارات آبار من مدينة الباب إلى المغرب العربي والجزائر، وأحذية إلى ليبيا وأربيل والإمارات، والمنتجات الزراعية إلى عدة دول منها قطر، وألبسة إلى دول منها ألمانيا، والزيت إلى تركيا، إضافة إلى صابون الغار وكثير من المواد".
يصدّر الشمال السوري منتجاته لأكثر من 20 دولة حول العالم، مثل الألبسة والأحذية والمنتجات الزراعية والزيت وصابون الغار وغيرها
وهناك إنتاج محلي لعدة صناعات مثل الإسمنت، وهذا يقلل من الاستيراد، كما يوجد معمل لتعبئة الحليب المجفف، ويتم تشييد معمل أدوية بيطرية في مدينة مارع، مع جهود لبناء مصنع أدوية بشرية في المدينة الصناعية داخل مدينة اعزاز.
وإذا ما تحدثنا عن الجانب الطبي واستيراد الأدوية، يوضح الوزير أن "الأدوية تستورد من الخارج، وبخصوص العلاج هناك مشاف مختصة في الشمال السوري، ومنها مشفى لعلاج الحروق، وهناك أقسام متخصصة بالقسطرة القلبية، وقسم لـ الرنين المغناطيسي في مشفى الراعي، أما الحالات المستعصية فيمكن تحويلها إلى تركيا، مع الإشارة إلى بعض الإجراءات التي قد تكون معقدة لنقل المريض إلى الداخل التركي".
لا قطيعة كاملة بين مناطق النفوذ
ذكر الباحث في الشأن الاقتصادي في مركز "جسور" للدراسات، خالد تركاوي، أننا أمام حالة من التعاملات التجارية بين مختلف المناطق في سوريا، سواء من شمال غربي سوريا إلى الشمال الشرقي لها، أو من هاتين المنطقتين نحو مناطق سيطرة النظام، بمعنى أنه لا توجد قطيعة كاملة بين مناطق نفوذ المعارضة والنظام.
من حيث المبدأ، فتح المعابر يجب أن يصب في صالح المواطن، من ناحية أن يسهم التبادل التجاري في خفض الأسعار ويزيد التنافسية، لكن ما يحصل عند فتح المعابر، أن فصيلا أو جهة ما هي من تدير المعبر، وتفرض مبالغ مالية على السيارات التي تعبر من المنفذ، ثم تذهب الأموال لصالح الجهة نفسها فقط، وعندئذ لن يكون سعر البضائع متناسباً مع طموحات المدنيين، لأن الرسوم الجمركية ستعوّض من جيوب المواطنين.
وينقص الشمال السوري الكثير من التنظيم، إضافة إلى الإدارة المركزية، التي يمكن أن تضع مجموعة أهداف عند فتح المعابر، مثل تحديد أسعار المواد، ورفد الخزينة العامة بالموارد، التي من المفترض أن تنعكس إيجاباً على الخدمات العامة في المنطقة، وفق الباحث.
الباحث الاقتصادي خالد تركاوي: ينقص الشمال السوري الكثير من التنظيم، إضافة إلى الإدارة المركزية، التي يمكن أن تضع مجموعة أهداف عند فتح المعابر
ولكي يستفيد المواطن فعلياً من فتح المعابر يجب إيجاد آلية واضحة للعمل، بمعنى أن تحدد الجهات المسيطرة على المعابر "ما هي المنتجات التي سأسمح بدخولها، وما هي المنتجات التي سأسمح بخروجها؟ وفي حالة شمال غربي سوريا يوجد ارتفاع في أسعار الدواجن، هنا يجب استيراده من مناطق سيطرة النظام لو كان السعر مناسباً، ومنع تصدير اللحوم بكل أشكالها، عند ذلك نقول إن المعبر يجب أن يُفتح اليوم وليس غداً".
متى يكون فتح المعابر مجدياً؟
ما لم تكن المعابر والمنافذ التجارية في شمالي سوريا ضمن ترتيب وإشراف حكومة مدنية، فإنها بحسب اعتقاد المستشار الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي، لن تعود بالفائدة على المنطقة بشكل عام، إنما ستعود بالنفع على الفصائل التي تسيطر عليها، والتي ستوزع العائدات على "مجموعات مسلحة" محددة.
لكي تستفيد المنطقة بشكل عام اقتصادياً من افتتاح المعابر، يقول "القاضي" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إن المعابر يجب أن تكون تحت إشراف وزارة المالية بالتعاون مع وزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة - التي يجب أن تكون حكومة حقيقية ممكّنة - لأن الرسوم في هذه الحالة، لن تعود للفصيل هذا أو ذاك، إنما لصندوق مالي مركزي يفترض أن يكون مخصصاً لخدمة المواطن.
المستشار الاقتصادي أسامة القاضي: فتح المعابر لن يعود بالفائدة على المنطقة إذا تدخلت الفصائل العسكرية
ويشترط أن يبيع التاجر أو الصناعي أو المزارع في الشمال السوري بضائعه للمناطق الخاضعة لسيطرة النظام بالقطع الأجنبي، ويشتري منهم بالليرة السورية، وهذا لا يكون إلا ضمن حكومة مدنية ترعى مصالح السكان.
ولا يبدو أن الفصائل في الجيش الوطني بوارد تسليم إدارة المعابر الداخلية للحكومة السورية المؤقتة أو جهة محلية أخرى، وهو ما أكدته مصادر في الحكومة لموقع تلفزيون سوريا، مع الإشارة إلى أن الفصائل لا تمانع زيارة الحكومة لهذه المعابر بهدف تفقدها والاطلاع على سير عملها، لكنها ترفض بالمطلق أي فكرة لنقل الإدارة من فصيل ما، للحكومة.
طرق آمنة للمدنيين بعيداً عن حقول الألغام
فيما لو أصبح افتتاح المعابر الفاصلة بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام أمراً واقعاً، فإن عشرات الآلاف يأملون في ألا تقتصر على الحركة التجارية، وأن يكون بعضها مخصصاً لعبور المدنيين، لا سيما القادمين من مناطق النظام للشمال السوري.
من دوافع هذه الآمال في إتاحة الممرات لعبور المدنيين، تعزيز فرص زيارة الأهالي - لا سيما النساء - للشمال السوري عبر طرق آمنة للقاء أفراد من العائلة (زوج - أب - ابن) بعد سنوات من الفراق نتيجة تهجير هؤلاء الأشخاص نحو الشمال من قبل النظام وروسيا وإيران.
استطلع موقع تلفزيون سوريا آراء عدد من المهجرين، ورحّب غالبيتهم بفكرة تخصيص معابر لمرور المدنيين، حيث قال الشاب محمد سلامة، المهجر من ريف حمص الشمالي ويقطن بريف حلب، إنه لن يتردد في نقل أفراد من عائلته وخاصة والدته من حمص إلى الشمال السوري للقاء بها بعد سنوات من الفراق، بشرط أن يكون العبور شرعياً عبر الممرات الرسمية، خوفاً من المخاطر الموجودة في طرق التهريب.
من جهته يقول الشاب مجد الدوماني في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "عندما هُجّرنا من الغوطة الشرقية خرجت رفقة زوجتي وطفلتي الصغيرة، وفي عام 2019 أرسلت طفلتي ووالدتها إلى الغوطة كزيارة بشكل رسمي عبر معبر عون الدادات جنوب جرابلس، وعندما أُغلق المعبر في عام 2020 لم يعد بإمكاني نقل أسرتي للشمال".
وتابع: "أنا شخصياً مع فكرة فتح المعابر أمام حركة المدنيين، لأنني في هذه الحالة سأتمكن من اللقاء مجدداً بأسرتي، وأضمن وصول زوجتي وطفلتي عبر ممر آمن نوعاً ما، وليس عبر ممرات التهريب الخطرة والمكتظة بالألغام، والتي يحتكرها أيضاً بعض العسكريين لجني الأموال وملء جيوبهم من رسوم تهريب البشر".
بلا شك ستحفظ هذه الخطوة أرواح العشرات ممن يسلكون طرق التهريب للوصول إلى الشمال السوري يومياً، خاصة أن حوادث مقتل المدنيين في أثناء عبور الممرات غير الرسمية تكررت، ومنها في 23 أيلول 2022، حيث أعلن الدفاع المدني السوري عن مقتل امرأة وإصابة مدنيين اثنين بجروح خطرة إثر انفجار لغم أرضي بعدد من المدنيين على خطوط التماس مع قوات النظام، في قرية الفيخة قرب مدينة الباب شرقي حلب، في أثناء قدومهم من مناطق سيطرة النظام نحو شمال غربي سوريا.
وفي آب عام 2020 قُتل نحو 7 أشخاص من محافظة درعا، بينهم القيادي السابق في الجيش الحر "رمزي محمود أبازيد"، نتيجة وقوعهم في حقل ألغام في منطقة براد غرب بلدتي نبل والزهراء بريف حلب، في أثناء محاولتهم العبور نحو مناطق سيطرة المعارضة.
"المسمار الأخير في نعش المساعدات الإنسانية عبر الحدود"
يعتقد مدير فريق منسقو استجابة سوريا محمد حلاج، أن افتتاح المعابر بين مناطق السيطرة في الشمال السوري، يعني الاعتراف بالأمر الواقع وتثبيت الحدود الحالية وحرمان آلاف المدنيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي سيطر عليها النظام خلال الحملات العسكرية، كما أن افتتاح المعابر المذكورة يهدف لتحقيق المنفعة الاقتصادية بين الطرفين فقط (الفصائل - النظام) ولا يعود بأي نفع اقتصادي على السكان في الشمال السوري.
مدير فريق منسقو استجابة سوريا محمد حلاج: افتتاح المعابر يعني الاعتراف بالأمر الواقع وتثبيت الحدود الحالية، والمنفعة الاقتصادية ستعود على النظام والفصائل العسكرية
وفي حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أكد حلاج أن الأسواق المحلية شمالي سوريا تعاني منذ مدة من ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، الأمر الذي أثر سلباً على الواقع المعيشي للمدنيين بشكل عام، وقد تم اتخاذ ذريعة رفع الأسعار كورقة ضغط على المنطقة للرضوخ والقبول بفتح المعابر مع النظام السوري، علماً أن السوق المحلية قادرة على استيعاب الفائض التجاري من المواد الموجودة في المنطقة.
ويرى حلاج أن الترويج للمعابر مع النظام، يعتبر فرصة جديدة للنظام للالتفاف على العقوبات الدولية وقانون قيصر ومنحه فرصاً جديدة لإنعاش اقتصاده بشكل واسع، مضيفاً أن افتتاح المعابر يعتبر بمنزلة المسمار الأخير في نعش المساعدات الإنسانية عبر الحدود وإنهاء العمل بالقرارات الأممية لإدخال المساعدات من الحدود، حيث ستصبح ورقة المعابر الداخلية ذريعة جديدة بيد روسيا لإنهاء وتعطيل أي قرار أممي لإدخال المساعدات الإنسانية من معبر باب الهوى الحدودي.
محمد حلاج: افتتاح المعابر مسمار أخير في نعش المساعدات الإنسانية عبر الحدود وإنهاء العمل بالقرارات الأممية لإدخال المساعدات من الحدود
ويتفق مصدر آخر مع ما أورده "حلاج" من أضرار فتح المعابر، حيث ذكر في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن أضرار فتح المعابر هي أكثر مما تحققه من فوائد، حيث ستنعكس الفائدة والمصلحة على النظام بشكل أكبر.
وسيحقق فتح المعابر "عائدات مادية للفصيل الذي يشرف على المعبر، وللأسف هي أكبر غاية يسعى إليها الفصيل"، بحسب المصدر، الذي قال إن الإجراء هذا سيساعد في تخفيف الحصار عن نظام الأسد، وتأمين معظم احتياجاته من المواد التي لا يستطيع استيرادها، ويمهّد لإضفاء شرعية أكبر على النظام، فضلاً عن تسهيل عملية دخول المخدرات والمتفجرات إلى الأراضي المحررة.
وفي حال افتتحت المعابر، فإن تحقيق الفائدة الأكبر منها يتطلب تخفيف حركة دخول الأشخاص إلى الحد الأدنى، وتحضير فريق مدرّب على اكتشاف المخدرات والمتفجرات وتأمين المعدات اللازمة لذلك.
محطة استيراد وتصدير مهمة
تعد منطقة الشمال السوري محطة استيراد وتصدير مهمة بالنسبة لسوريا ككل، حيث يستورد التجار في المنطقة البضائع من تركيا وبقية دول العالم عن طريق المعابر الحدودية، ويمكن استغلال هذه الجزئية من خلال تصدير الفائض نحو مناطق سيطرة النظام من خلال المعابر في حال افتُتحت، لكن الفائدة العامة مرتبطة حصراً بإنشاء إدارة مركزية واحدة لهذه المعابر ترسم الخطط اللازمة لتعمّ المنافع التجارية على مختلف شرائح المجتمع، والمؤسسات الخدمية، دون أن تقتصر على بعض الفصائل والتجار.
ومن البضائع المستوردة من تركيا، المواد الغذائية وتشمل: (الطحين - الزيوت النباتية - السمنة - الزبدة - المعلبات الغذائية - لحوم الدواجن - السمك - الشيبس - المعكرونة والشعيرية - المياه الغازية والعصائر - البسكويت - السكاكر - الشوكولا - الخضراوات والفواكه - مياه صحة)، ومواد البناء وتشمل: (الإسمنت - حديد الباتون - السيراميك - البحص)، والعلف ويشمل: (العلف المركب - النخالة - تفل الشوندر - التبن)، والأدوات المنزلية والكهربائية: (غسالات - أفران - مكيفات - برادات - عفش منزلي وغيرها).
ومن بقية الدول تستورد منطقة شمال غربي سوريا: (السكر - الشاي – الأرز - السمسم - المكسرات - الموز - حليب الأطفال - الأسمدة - الأدوية البشرية والزراعية والبيطرية - المواد الأولية للصناعة - زيوت المحركات - الوقود - السيارات وقطع التبديل - الحفاضات – الآليات الثقيلة والحديد الصناعي - ألواح الطاقة الشمسية - الشعير - القمح الطري).
وخلال ورشة عمل عقدتها وزارة الاقتصاد والمالية في الحكومة السورية المؤقتة بالتعاون مع نقابة الاقتصاديين ومركز الدراسات والأبحاث في جامعة حلب في المناطق المحرّرة، في وقت سابق بعنوان "التبادل التجاري بين المناطق المحررة ودول العالم.. الاستيراد والتصدير"، أكد مسؤول المديرية العامة للجمارك في الحكومة المؤقتة العميد عثمان هلال، أن المديرية لا تشرف على أي من المعابر الداخلية رغم وجود مذكرة تفاهم على ربط المعابر الداخلية مع الحدودية ضمن إدارة وإشراف جهة واحدة، لكن ذلك لم يتم.
وانتهت ورشة العمل باقتراح جملة من التوصيات لإنعاش اقتصاد الشمال السوري، منها عدم فرض أي رسوم أو ضرائب على البضائع المستوردة عبر المعابر الحدودية إلا وفق ما تحدده الحكومة السورية المؤقتة، والاعتراف باتحاد غرف التجارة والصناعة في المناطق المحررة كممثل رسمي للفعاليات الاقتصادية والتجارية، وتوحيد الجهود بين جميع الجهات بإشراف الجيش الوطني السوري لخلق بيئة أمنية مستقرة تشجع على الاستثمار والإنتاج، والاعتراف بسلطة مركزية واحدة تعتبر مرجعية لكل الجهات، تمثلها الحكومة السورية المؤقتة، إذ إن تعدد السلطات وتداخلها أدى إلى غياب السياسة الاقتصادية ورسم الخطط، وتدني التطور الاقتصادي، على أن تعمل السلطة المركزية الممثلة بالحكومة المؤقتة وبإشراف وزارة المالية والاقتصاد وبالتعاون مع كافة الجهات العامة (مجالس محلية - غرف تجارة - فصائل الجيش الوطني...إلخ) على وضع خطة اقتصادية ناجحة تحرّك وتطوّر الاقتصاد في شمال غربي سوريا.
وبناء على سبق، يمكن القول إنّ افتتاح المعابر بين مناطق السيطرة في شمال غربي سوريا يحمل مصالح متبادلة لمختلف الأطراف العسكرية بنسب متفاوتة، من دون أن يحمل تأثيراً إيجابياً على السكان، باستثناء بعض الجوانب، ذلك فضلاً عن أن قرارات من هذا النوع لا بد أن تحمل صبغة سياسية، وفي الغالب، لم يعد الأمر قائماً على الخيارات الرغبوية للأطراف المحلية، بل توسع ليصبح أحد أوراق التفاوض بين الأطراف الدولية المتداخلة في سوريا.