تعتزم وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة إعادة افتتاح معبر "عون الدادات" الفاصل بين مدينتي جرابلس ومنبج بريف حلب الشرقي، أمام حركة المدنيين الراغبين بالتنقل بين مناطق السيطرة، بعد مرور نحو ثلاث سنوات على إغلاق المعبر كإجراء احترازي للوقاية من فيروس "كورونا".
وقالت الحكومة المؤقتة في بيان صدر عنها قبل أيام، إن قرار فتح معبر "عون الدادات" أمام حركة المدنيين يأتي "لأسباب إنسانية في سبيل مكافحة تهريب الأشخاص ومنع استغلالهم"، مؤكدة بدء التسجيل على الدخول من المعبر عن طريق إدارة الشرطة العسكرية اعتباراً من تاريخ صدور البيان، علماً أن حركة العبور ستبدأ رسمياً في 1 من شباط المقبل.
آلية التسجيل والعبور
افتتاح معبر "عون الدادات" الفاصل بين مناطق سيطرة المعارضة السورية، ومناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في مدينة منبج شرقي حلب يعد مطلباً لآلاف المدنيين منذ سنوات، كونه يتيح الزيارات والتنقل بغرض العلاج وغيره بشكل رسمي، بعيداً عن استغلال العاملين في مجال تهريب البشر بين مناطق السيطرة بمبالغ كبيرة وطرق غير آمنة.
وبالفعل، كان من ضمن أهداف إعادة افتتاح المعبر حلّ هذه الإشكالية، حيث قال المتحدث باسم الجيش الوطني السوري، العميد أيمن شرارة، إن الحكومة السورية المؤقتة قررت فتح المعبر نظراً للحاجة الماسة لعبور المدنيين من خلاله، وتخفيف العبء المادي عن الزائرين وإدخالهم بشكل رسمي وتجنيبهم الاستغلال من قبل المهربين.
وحول آلية وشروط عبور المدنيين من "عون الدادات"، ذكر "شرارة" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن الإجراءات تتمثل بتسجيل اسم الشخص الذي يريد العبور إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني، لدى إدارة الشرطة العسكرية، وذلك عن طريق الفرد أو العائلة التي ستستقبل الزائر، بهدف تسهيل إجراءات العبور.
وأشار المتحدث باسم الجيش الوطني، إلى أن أقرباء الزائر يستطيعون اصطحابه من مكاتب مخصصة للاستقبال في المعبر، ومن المقرر تزويد الزائر ببطاقة مؤقتة أو دائمة لسهولة التنقل في مناطق شمال غربي سوريا.
وفيما إذا كان الجيش الوطني سيسمح بالتنقل ذهاباً وإياباً للرجال والنساء من مختلف الفئات العمرية، أجاب شرارة بأنه يوجد إجراءات وضوابط معينة - لم يذكرها - قبل العبور من وإلى "المناطق المحررة"، تحددها "الجهات المختصة"، كما يتوقف ذلك على الوضع الأمني لكل شخص، مضيفاً أن الرسوم المالية للعبور ستكون رمزية جداً.
الخطوات غير مكتملة
من جهته أفاد مصدر محلي في مدينة جرابلس شرقي حلب بأن آلية التسجيل تمهيداً للعبور غير واضحة بالشكل المطلوب حتى الآن، مضيفاً أن المعلومات الواردة من فرع الشرطة العسكرية في المدينة، تشير إلى تكليف لجنة بإدارة ضابط من وزارة الدفاع وآخر من الشرطة لاستلام أسماء الأشخاص الراغبين بالعبور ودراسة ملفاتهم الأمنية.
ويتوقع أن تنص الآلية على إرسال اسم وصورة الشخص الراغب بالعبور للضباط المسؤولين، الموكلين بالرد بعد يومين أو ثلاثة أيام كحد أقصى بقبول عبور الزائر أو الرفض.
وأضاف المصدر في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن المعبر سيكون تحت إشراف الشرطة العسكرية، وسيسمح للجميع بالدخول والخروج شرط خلو السجل الأمني لكل شخص من أي ثغرات، مشيراً إلى أن الزائر مطالب بدفع مبلغ 10 دولارات لإدارة المعبر (كفالة - تأمين)، ويمكنه استرجاع المبلغ عند العودة.
ونفى المصدر تسيير أي رحلات من خلال المعبر حتى الآن، سواء ذهاباً أو إياباً، كما أكد أن المقاطع المصورة التي انتشرت قبل يومين على أنها للمسافرين عبر "عون الدادات" غير صحيحة، إنما تظهر سيارات تقل مدنيين وصلوا إلى المعبر من الطرف الخاضع لسيطرة "قسد"، ثم دخلوا إلى مناطق سيطرة المعارضة عبر طرق التهريب مروراً بقرية الحلونجي بريف جرابلس.
واقترحت جهات محلية اتخاذ خطوات أكثر فاعلية من قبل وزارة الدفاع والشرطة العسكرية لتيسير تحرك المدنيين، كنشر الخطوات بشكل مفصل عبر بيان رسمي، وتخصيص جهات اتصال للإجابة عن استفسارات المدنيين وتلقي أسماء الراغبين بالعبور.
طريق آمن بعيداً عن حقول الألغام
يأمل آلاف السكان منذ زمن في تخصيص نقطة عبور واحدة على الأقل للمدنيين بين مناطق السيطرة، لا سيما أولئك القادمين من مناطق سيطرة النظام للشمال السوري، سواء بهدف زيارة ذويهم المهجرين، أو للاستقرار في المنطقة.
ومن دوافع هذه الآمال في إتاحة الممرات لعبور المدنيين، تعزيز فرص زيارة الأهالي - لا سيما النساء - للشمال السوري عبر طرق آمنة للقاء أفراد من العائلة (زوج - أب - إبن) بعد سنوات من الفراق نتيجة تهجير هؤلاء الأشخاص نحو الشمال من قبل النظام وروسيا وإيران.
استطلع موقع تلفزيون سوريا آراء عدد من المهجرين، ورحّب غالبيتهم بفكرة فتح المعبر لمرور المدنيين، حيث قال الشاب محمد سلامة، المهجر من ريف حمص الشمالي ويقطن بريف حلب، إنه لن يتردد في نقل أفراد من عائلته وخاصة والدته من حمص إلى الشمال السوري للقاء بها بعد سنوات من الفراق، بشرط أن يكون العبور شرعياً عبر الممرات الرسمية، خوفاً من المخاطر الموجودة في طرق التهريب.
من جهته يقول الشاب مجد الدوماني في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "عندما هُجّرنا من الغوطة الشرقية خرجت برفقة زوجتي وطفلتي الصغيرة، وفي عام 2019 أرسلت طفلتي ووالدتها إلى الغوطة كزيارة بشكل رسمي عبر معبر عون الدادات جنوب جرابلس، وعندما أُغلق المعبر في عام 2020 لم يعد بإمكاني نقل أسرتي للشمال".
وتابع: "أرحب بفكرة فتح المعابر أمام حركة المدنيين، لأنني في هذه الحالة سأتمكن من اللقاء مجدداً بأسرتي، وأضمن وصول زوجتي وطفلتي عبر ممر آمن نوعاً ما، وليس عبر ممرات التهريب الخطرة والمكتظة بالألغام، والتي يحتكرها أيضاً بعض العسكريين لجني الأموال وملء جيوبهم من رسوم تهريب البشر".
بلا شك ستحفظ هذه الخطوة أرواح العشرات ممن يسلكون طرق التهريب للوصول إلى الشمال السوري يومياً، خاصة أن حوادث مقتل المدنيين في أثناء عبور الممرات غير الرسمية قد تكررت في الفترة الماضية، وآخرها في 23 من أيلول من العام الماضي، حيث أعلن الدفاع المدني السوري عن مقتل امرأة وإصابة مدنيين اثنين بجروح خطرة إثر انفجار لغم أرضي بعدة أشخاص على خطوط التماس مع قوات النظام، في قرية الفيخة قرب مدينة الباب شرقي حلب، أثناء قدومهم من مناطق سيطرة النظام نحو شمال غربي سوريا، كما قُتل في آب عام 2020 نحو 7 أشخاص من محافظة درعا، بينهم القيادي السابق في الجيش الحر "رمزي محمود أبازيد"، نتيجة وقوعهم في حقل ألغام بمنطقة براد غرب بلدتي نبل والزهراء بريف حلب، عند محاولتهم العبور نحو مناطق سيطرة المعارضة.