تجني فصائل الجيش الوطني السوري ملايين الدولارات من واردات المعابر، سواء الحدودية مع تركيا، أو الداخلية مع مناطق سيطرة النظام السوري و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، بينما لا يتجاوز راتب المقاتل في الجيش الـ 30 دولاراً في أحسن الأحوال.
بدأت النقاشات بين أفراد الجيش الوطني حول إمكانية رفع الرواتب الشهرية المقدمة لهم، فيما لو اتفقت الفيالق التابعة للجيش على توحيد الصندوق المالي، في سياق "المبادرة الموحدة" التي يشرف عليها عدة أكاديميين، لتوحيد الجيش على مختلف المستويات، فهل يمكن أن تتحقق طموحات المقاتلين بهذا الجانب، أم أن للقادة رأي آخر؟
الاقتصاد في المقدمة
قدّمت فيالق الجيش الوطني موافقة مبدئية على توحيد الحقائب المالية للفصائل، وهي إحدى أهداف المبادرة المطروحة من شخصيات عسكرية، ومدنية مستقلة، وهو أمر من شأنه رفع قيمة رواتب عناصر الجيش، لو سارت الأمور كما هو مخطط لها.
تم التركيز على الملف الاقتصادي في البداية، وطرحه على الطاولة كأولوية للنقاش والوصول إلى نقاط مشتركة بين فصائل الجيش الوطني، ويرى القائمون على المبادرة أن هذا الملف يعد الأكثر تعقيداً، وسيسهم التوافق عليه بقطع شوط كبير نحو نجاح المبادرة.
ومن أهداف هذه المبادرة إنشاء إدارة اقتصادية موحدة، وتوحيد الحواجز، وإنشاء إدارة أمنية، وقوة مركزية، ومكاتب للعلاقات العامة، والقانون، وهيئة رقابة، وهيئة تعنى بشؤون الشهداء وذويهم، وللإشراف على التنفيذ تم تشكيل مجلس قيادة من 28 شخصاً، بواقع 7 أشخاص من كل فيلق، إضافة لسبعة أشخاص من المستقلين.
وستوزع العائدات الاقتصادية من المعابر على الفيالق الثلاثة التابعة للجيش الوطني، بنسبة 30 بالمئة للفيلق الأول، و36 بالمئة للفيلق الثاني، و34 بالمئة للفيلق الثالث، حسب معلومات متداولة رفض المسؤولون عن المبادرة تأكيدها أو التحدث عن تفاصيلها.
هل تم تفعيل المبادرة؟
مصادر خاصة أكدت لموقع تلفزيون سوريا، أن الأمور ما زالت في طور النقاش بين المسؤولين عن المبادرة وقادة فصائل الجيش الوطني، وسط تقارب في وجهات النظر وتقديم ملاحظات من كل طرف على البنود المطروحة.
وتسلل الإحباط إلى القائمين على الملف، بعد تسرب رسالة لقائد الفيلق الثاني العميد أحمد عثمان، يخبر بها قادة الفيلق بعدم رضا أو دعم الجانب التركي للمبادرة بسبب عدم وضوح الرؤية، لكنه في الوقت نفسه، يدعم فكرة توحيد الصندوق الاقتصادي والنسب الموزعة بين الفيالق.
تزامن التسريب مع نشر الفيلق الثاني بياناً بفصل فرقتي "الحمزة" و"السلطان سليمان شاه"، بسبب ترشيحهما ممثلاً مشتركاً عنهما ضمن مجلس القيادة الذي ستفرزه المبادرة، دون الرجوع إلى قيادة الفيلق.
ويقود الفيلق الثاني العميد أحمد عثمان، وتؤكد مصادر خاصة أن قرار الفصل جاء بتحريض مباشر من قائد هيئة ثائرون للتحرير فهيم عيسى، لتعود الخلافات بين عيسى وقائديّ الفرقتين المفصولتين إلى الواجهة (سيف بولاد أبو بكر - محمد الجاسم أبو عمشة)، لكونه لم يمر سوى أسابيع على انشقاقهما عن "ثائرون".
بالمقابل يروي مسؤول في الجيش الوطني لموقع تلفزيون سوريا، أن هذه العوامل لم تكن كافية لهدم المبادرة، حيث زار قادة من الفيلق الثالث ومسؤولون عن المبادرة الجانب التركي في أنقرة، وبعد شرح تفاصيل المشروع والنتائج المنتظرة منه، وافقت تركيا على أن تمضي المبادرة قدماً.
بذلك يكون الطريق قد أصبح معبّداً أمام هيئة ثائرون للتحرير أو الفيلق الثاني للاستمرار في المبادرة، كما توقع المسؤول إعادة فرقتي "الحمزة" و"السلطان سليمان شاه" إلى الفيلق الثاني، ولم يجزم بذلك بنسبة كبيرة، لأن الأمر يتعلق بمدى قابلية الفرقتين للعودة.
معابر الجيش الوطني
يشرف الجيش الوطني السوري، أو الحكومة السورية المؤقتة على ستة معابر حدودية مع تركيا، وهي رأس العين، تل أبيض، جرابلس، الراعي، باب السلامة، الحمام.
وتدير الحكومة المؤقتة هذه المعابر شكلياً، حيث تتقاسم فصائل الجيش الوطني الإشراف عليها بشكل غير مباشر، وحمايتها، ووفقاً لمعلومات متطابقة، يدار معبر رأس العين من فرقة الحمزة، ومعبر تل أبيض من الفيلق الثالث، ومعبر جرابلس من هيئة ثائرون للتحرير (الفرقة التاسعة)، ومعبر الراعي من هيئة ثائرون للتحرير (فرقة السلطان مراد)، ومعبر باب السلامة من الفيلق الثالث، ومعبر الحمام من قبل حركة التحرير والبناء.
وتشرف فصائل الجيش الوطني على معابر داخلية فاصلة مع مناطق سيطرة النظام وقسد، مثل معبر الحمران (الفيلق الثالث) معبر أبو الزندين، ومعبر الجطل (هيئة ثائرون)، إضافة لممرات تهريب غير معلنة، قرب عون الدادات والتوخار وعرب حسن والمحسنلي جنوب جرابلس، وممرات في منطقة السكرية قرب مدينة الباب شرقي حلب.
وفي منطقة عملية "نبع السلام"، تحاول الفصائل تقاسم إدارات المعابر، فبينما يشرف الفيلق الثالث على معبر تل أبيض، وفرقة الحمزة على معبر رأس العين، تشرف حركة التحرير والبناء على ممر للتهريب مع مناطق سيطرة قسد، وكذلك تشرف فرقة السلطان مراد (هيئة ثائرون) على معبر آخر مشابه.
كم قيمة الواردات وأين تذهب؟
قال وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة عبد الحكيم المصري، إنّ الحكومة تشرف على المعابر الستة الحدودية مع تركيا، ولا علاقة لها بالمعابر الداخلية مع مناطق سيطرة النظام وقسد، مضيفاً أن المنافذ الحدودية موحدة ولها مدير عام واحد للجمارك.
وفي حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أفاد المصري بأن الرسوم الجمركية التي يتم جنيها من هذه المعابر، يتم وضعها في حساب الحكومة المؤقتة في بنك "زراعات" التركي، بعد خصم المصاريف التشغيلية للمعابر ورواتب الموظفين.
من جهته نفى مدير المديرية العامة للجمارك في الحكومة المؤقتة العميد عثمان هلال أن يكون أي معبر من المعابر الستة الحدودية مع تركيا يدار من قبل فصيل، حيث قال لموقع تلفزيون سوريا: "لا يوجد فصيل يدير المعابر، والرسوم المستوفاة خدمية وقليلة حتى لا نزيد العبء على المواطن، والتصرف بها ليس فرديا إنما يتم من خلال لجنة معنية بالأمر".
وبحسب العميد، تبلغ الواردات الشهرية من هذه المعابر نحو 16 مليون ليرة تركية شهرياً، في حين قال وزير الاقتصاد، إن الأرقام تختلف من شهر لآخر بشكل كبير جداً، فأحياناً تكون قيمة الواردات 15 مليون ليرة تركية، وأحياناً 40 مليون.
وتوزع هذه الواردات على أربع جهات وفقاً للوزير، حيث يذهب 50 بالمئة منها لصالح الجيش الوطني، و25 بالمئة للمجالس المحلية بريف حلب و"نبع السلام"، و15 بالمئة للحكومة السورية المؤقتة، و10 بالمئة لذوي الشهداء.
المقاتل هو الأولوية
يُجمع كثيرون على أن 90 بالمئة من مشكلات الجيش الوطني يمكن أن تُحل، لو تم منح المقاتل راتباً شهرياً يكفيه، لا يقل عن 200 دولار، لأن الراتب الحالي نحو 400 ليرة (20 دولاراً) سيجرّ المقاتل بالضرورة إلى أساليب أخرى للحصول على المال، من شأنها الإضرار بسمعة الجيش ككل، كالسرقة، وتشليح المارة على الحواجز، أو قطع الأشجار، أو التجارة بالممنوعات وترويجها مثل المخدرات.
ولا يكفي الراتب الحالي للمقاتل ثمن خبز فقط، ما يعني أنه سيكون عاجزاً عن تأمين متطلبات الأطفال أو تأمين الكهرباء والماء والاتصالات والمواصلات والمحروقات، وغيرها من المتطلبات الأساسية.
بهذا السياق، يقول السياسي السوري محمد أبو النصر، إنّ قاعدة "خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود" يمكن أن تصلح في إدارة المنزل، أما في عالم الفصائل والجماعات فتصبح "اصنع رجالك الأشداء لأيامك السوداء وأنفق عليهم ولا تبخل".
وأضاف أن "الرجال أهم من المال، الرجال يأتونك بالمال إذا عزّ، ولكن ساعة الشِّدة لن يصنع لك المال رجالاً، ففرق كبير بين قتال المرتزقة وقتال أصحاب المشروع، ومن خَبِر المعارك يَعلم، ومن راقب تقلبات الساحة السورية يعرف ذلك تماماً".
وفي حال كان المتحدث في موضع قرار، يقول: "لكان المرابط الذي يحمي ظهورنا أولى أولوياتي ولحددت الحد الأدنى لراتبه بما يؤمّن له حياة كريمة ولسخّرت الموارد التي حولنا (والتي يعرفونها جيداً) لتكون الأولوية لاستفادة هؤلاء قبل كل الناس في كل ما يُقدَّم للمجتمع، ولعملت على تشكيل نواة سياسية تحشد لمشروع الثورة، تمول بما يعينها على أن تتفرغ بشكل كامل وبدعم حر من أموال الثورة، ولقلصت أعداد المنتسبين العسكريين منتقلاً مِن الكم إلى النوع لبناء قوة عسكرية محترفة ليست مدرَّبة فحسب بل تؤمن بمشروع قيادتها الواضح وبهذا تكون مستعدةً للتضحية من أجله".
ويخاطب "أبو النصر" أصحاب القرار: "عشرة آلاف مرابط، إذا أعطيت كلاً منهم 100 دولار فأنت تحتاج لمليون دولار شهرياً، والكثير من الفصائل وارداتها الشهرية (معابر، تهريب، ترانزيت، نفط، احتكار أهم التجارات بهامش ربح فلكي... ) تفوق هذا الرقم بأضعاف".
رؤية مقترحة لزيادة الرواتب
في سياق استعراض رؤيتهم تجاه المبادرة الموحدة المعلن عنها، طالب القيادي في هيئة ثائرون للتحرير مصطفى سيجري، اعتماد الهيكلية العسكرية القائمة في هيئة الأركان العامة للجيش الوطني، مع إعادة ضبط الأعداد بشكل رسمي للأفراد عبر جهاز البصمة الإلكتروني وتسليم التعويضات المالية -الراتب- باليد للمقاتل مباشرة عبر كرت البريد PTT وبما لا يقل عن 200 دولار شهرياً.
وتتضمن الرؤية أن يقوم الملف الاقتصادي على إدارة عامة للمعابر وفق: إدارة اقتصادية واحدة - إدارة جمركية واحدة - صندوق مالي واحد، بما يضمن الإدارة المشتركة والشفافية المالية والعدالة والمساواة وفق معايير موضوعية منطقية، من شأنها بناء الثقة وتجاوز الخلافات السابقة وتحقيق المصلحة الوطنية العليا.
وأضاف سيجري أنه بالنسبة للواردات المالية من المعابر فكذلك هناك رؤية في آليات الإنفاق على النحو الآتي:
- الاستثمارات والمشاريع الداخلية: بهدف الوصول للاكتفاء الذاتي فيما يخص التعويضات المالية لأكثر من 50 ألف مقاتل، وإيجاد فرص عمل للآلاف من الشباب السوريين المقيمين في الشمال السوري.
- دعم المجهود الحربي من تسليح وتذخير وإعداد عسكري.
- دعم عوائل الشهداء عبر تشكيل الهيئة العليا لدعم أسر الشهداء والمصابين من خلال إجراء عمليات حصر وإحصاء كاملة لأعداد الشهداء والمصابين وافتتاح المشاريع التنموية الخاصة بعوائل وأبناء الشهداء وتحديد تعويضات -رواتب- مالية شهرية.
- دعم التعليم والصحة والقضاء والأوقاف والإعلام من خلال المساهمة بنسب مالية من واردات المعابر.
وحول موقف هيئة ثائرون من المبادرة، قال سيجري في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "هناك موافقة مبدئية وما زلنا نعقد اللقاءات والمناقشات حول جميع تفاصيلها".
وعن مصير واردات المعابر الخاضعة لسيطرة هيئة ثائرون، أضاف سيجري: "لم يمرّ إلا عدة أسابيع على افتتاح معبر خاص بهيئة ثائرون، ومدخوله ضعيف جداً، ووارداته يتم توزيعها على تشكيلات الهيئة وكذلك على التجهيزات العسكرية والبنى التحتية ووفق كشوفات مالية رسمية".
ويخشى ناشطون ومراقبون من أن يخسر الجيش الوطني رأس ماله المتمثل بالمقاتل، والذي يعني الفشل في بناء جيش منظم، يتبعه الانهيار المحتم لهذه التشكيلات ومصالحها ومشاريعها لكونها فقدت أبرز ركائزها، وما هجرة الكثير من الشباب بمن فيهم عناصر الفصائل نحو الدول الأوروبية، أو اعتزالهم العمل العسكري سوى بوادر تمهد لهذه النهاية، ويسرعها الارتفاع الكبير في الأسعار وضعف الدعم الإنساني لمنطقة شمال غربي سوريا وانتشار البطالة.