في مساء الجمعة الفائت (7 تشرين الأول 2022)، اغتيل الناشط محمد عبد اللطيف المعروف بـ"محمد أبو غنوم" وزوجته الحامل، برصاص مسلّحين أطلقوا النار عليه وسط مدينة الباب شرقي حلب.
حينذاك، قالت مصادر محلية لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ الناشط "أبو غنوم" كان يقود دراجة نارية برفقة زوجته الحامل، عندما تعرّضا لإطلاق نار بمسدسات مزوّدة بكاتم صوت من داخل سيارة مجهولة، توجّهت بعد تنفيذ عملية الاغتيال إلى بلدة بزاعة المجاورة.
في البداية لم تُعرف الجهة التي اغتالت "أبو غنوم" ودوافعها إلى ذلك، لكن المصادر أشارت إلى أنّ "أبو غنوم" كان صوته مرتفعاً في انتقاد حالة الفساد المستشرية داخل المؤسسات العسكرية والأمنية والخدمية في عموم مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري، وعلى وجه الخصوص مدينة الباب.
عصيان مدني وتشييع
هذه الجريمة دفعت سكّان مدينة الباب والناشطين فيها - عبر بيان صادر عن "الشارع الثوري في مدينة الباب" حمل الرقم 8 - لتوجيه الدعوات إلى عصيانٍ مدني، حِداداً على روح الناشط (محمد أبو غنوم) وزوجته وجنينهما.
واعتبر البيان أن عملية الاغتيال ما هي إلّا "وصمة عار وخزي لجميع القائمين واللا مسؤولين عن أمن هذا البلد، الذي أصبح مرتعاً تسرح فيه عصابات المخدرات والاغتيالات والمهربين والعملاء"، مردفاً: "إن كان مصير مَن يصدح بكلمة الحق ويقف في وجه كل طاغ هو الموت.. فما من الموت بدُّ".
ودعا البيان إلى "عصيان مدني وإضرابٍ عام وإغلاق شامل يبدأ من صباح السبت (8 تشرين الأول 2022)، حِداداً على الضحايا، ورفضاً لجميع السياسات المتبعة من المؤسسات والفصائل والمؤثرين الخارجيين".
صباح السبت الفائت، شهدت مدينة الباب إضراباً عاماً، تزامن مع تجمّع آلاف السكّان في المدينة، لصلاة الجنازة على "أبو غنوم" وزوجته الحامل في "الجامع الكبير"، قبل تشييعهما بمراسم كانت استثنائية، شاركت بها جموع غفيرة وأطلقت هتافات الأيام الأولى من الثورة السورية في وجه سلطات الأمر الواقع بالمنطقة.
خيمة عزاء ومظاهرات
مع انتهاء التشييع، أقام الناشطون خيمة عزاء لـ"أبو غنوم" عند "دوّار السنتر" - أطلقوا عليه اسم "ساحة الشهيد أبو غنوم" - لاستقبال المعزّين وللاعتصام، احتجاجاً على جريمة الاغتيال بشكل خاص، وعلى الأوضاع الأمنية المتردية في المنطقة بشكل عام.
وقدّم الناشطون - عبر بيان حمل الرقم 9 - مجموعة مطالب لـ ضبط الأمن في مدينة الباب، الواقعة ضمن منطقة يُقال عنها "آمنة" وتحت حماية الدولة التركية.
وأكّد بيان الناشطين على ضرورة تحقيق المطالب المذكورة آنفاً، منعاً لمزيد من الخطوات التصعيدية التي من شأنها أن تؤجج الموقف بشكل لا يحمد عقباه، وفقاً لما جاء في البيان.
بعد يومين من الاغتيال وامتداداً للعصيان المدني، خرج عشرات المعتصمين في خيمة عزاء "أبو غنوم"، ظهر يوم الإثنين (10 تشرين الأول 2022)، بمظاهرات قطعوا خلالها الطريق الواصل بين مدينة الباب وبلدة الراعي التابعة لها شمالاً.
كشف خلية اغتيال "أبو غنوم" واعتقال أفرادها
مساء يوم الإثنين - بعد ساعات من المظاهرات - شهدت قضية مقتل الناشط "أبو غنوم" وزوجتهِ الحامل، تطورات جديدة، بعد أن أشارت كاميرات المراقبة إلى المشتبهين بجريمة القتل.
— تلفزيون سوريا (@syr_television) October 10, 2022
وبحسب مصادر محلية لـ موقع تلفزيون سوريا فإنّ كاميرات المراقبة أظهرت ثلاثة أشخاص كانوا يراقبون "أبو غنوم" في اليوم ذاته الذي قتل فيه، من مساء يوم الجمعة (7 تشرين الأول 2022).
وبعد عمل متواصل استمر فيه "الفيلق الثالث"، ثلاثة أيام، تابع خلاله تسجيلات أكثر من 200 كاميرا مراقبة في مدينة الباب ومحيطها، توصّل إلى هوية الأشخاص الثلاثة وهم: "محمد.ع - محمد، ج" ينحدران من دير الزور، و"مراد.خ" من أبناء مدينة الباب، وتمكّن الفيلق بالتعاون مع "حركة التحرير والبناء" من اعتقالهم.
اعترافات الفاعلين والسيطرة على مقار "الحمزات"
بعد ساعات من اعتقال الأشخاص الثلاثة، بثّ "الفيلق" اعترافات لبعض أفراد "خلية الاغتيال"، أكّدوا فيها تبعيتهم للمفرزة الأمنية التابعة لـ"فرقة الحمزة"، ومقرّها مبنى مدرسة الزراعة في مدينة الباب، وأنّهم وراء اغتيال "أبو غنّوم" بأمر من قيادي يدعى "أبو سلطان الديري" التابع لـ"أمنية الحمزات".
بعد بثّ الاعترافات، خرجت مظاهرات ليلية في مدينة الباب تُطالب بمحاسبة جميع المسؤولين عن مقتل "أبو غنوم"، قبل أن يتوجّه - بعد ساعات - رتل عسكري من "الفيلق الثالث" ويتمكّن، فجر اليوم الثلاثاء، من السيطرة على جميع مقار "فرقة الحمزة" في مدينة الباب، أبرزها مدرسة الزراعة (أمنية الحمزات)، التي ينتمي إليها أفراد خلية الاغتيال.
وبعد السيطرة على مقار "فرقة الحمزة"، حاولت الأخيرة اقتحام مدينة الباب من جهة بلدة بزاعة (المقرّ الرئيسي للفرقة)، وسط اشتباكات متقطعة، أقدم خلالها عناصر "الفرقة" على استهداف حي الصناعة في الباب بثلاث قذائف "هاون".
اتساع دائرة الاقتتال في ريف حلب
صباح الأربعاء (12 تشرين الأول 2022)، وصلت الاشتباكات التي بدأت في مدينة الباب، إلى منطقة عفرين شمال غربي حلب، بعد دخول "هيئة تحرير الشام" على خط المواجهة ضد الفيلق الثالث.
جاء ذلك بعد اتخاذ الفيلق الثالث قرار مواجهة "فرقة الحمزة" في جميع مناطق سيطرته، هذا القرار أفرز عمليات اصطفاف جديدة في مناطق سيطرة الجيش الوطني بالشمال السوري، حيث دخل فصيل "فرقة السلطان سليمان شاه (العمشات) إلى جانب "الحمزات".
من جانبها، أخذت "هيئة تحرير الشام" قراراً باقتحام مناطق سيطرة الفيلق الثالث في ريف عفرين المجاور لـ مناطق سيطرتها في ريف حلب الغربي وإدلب، وسط محاولاتها كسر "الفيلق" في المنطقة، التي حاولت دخولها سابقاً إلى جانب "حركة أحرار الشام/ القطاع الشرقي" عقب انشقاقها عن الفيلق الثالث.
أمام هذه التطورات، دخلت "حركة التحرير والبناء" (فصائل المناطق الشرقية) على خط المواجهة هي أيضاً، بالوقوف إلى جانب الفيلق الثالث ضد تقدّم "هيئة تحرير الشام" في ريف عفرين، في حين دخلت "حركة أحرار الشام/ القطاع الشرقي" لمساندة "الهيئة والحمزات".
وإلى الآن، تتواصل عمليات الاصطفاف في معسكرين رئيسيين الأوّل يتمثل بـ"الفيلق الثالث وحركة التحرير والبناء"، والثاني يتمثّل بـ"فرقة الحمزة، وفرقة السلطان سليمان شاه، وهيئة تحرير الشام"، مع محاولات لـ فصائل أُخرى بالتقدّم في مناطق الطرفين بشكل منفرد، ويبدو أنّه يصب في صالح "الهيئة"، كـ تقدّم فصيل "حركة نور الدين زنكي" في مناطق سيطرة "الحمزات"، إذ ما تزال الحركة تنتشر في ريف حلب الغربي، الذي تسيطر عليه "تحرير الشام"، التي سبق وطردت "الزنكي" إلى ريف عفرين المجاور.
اغتيال "أبو غنوم" شرارةً أشعلت ريف حلب
بحسب ناشطي مدينة الباب، فإنّ روح "أبو غنوم" وزوجته وجنينها الذي لم يرَ النور، قد تكون شرارةً لن تنتهي إلّا بتفكيك "فرقة الحمزة" التي وصلت الاشتباكات ضدّها إلى مقارها في منطقة عفرين شمال غربي حلب، والعمل على محاسبة قادتها وعناصرها عن جميع الجرائم المتهمين بارتكابها، وأن تكون أيضاً نقطة انطلاق لمحاسبة فصائل أُخرى ما تزال تمارس الانتهاكات بحق المدنيين في مناطق سيطرتها.
يشار إلى أن مدينة (الباب) تعد أكبر مدن ريف حلب التي سيطرت عليها فصائل الجيش السوري الحر إلى جانب القوات التركية، يوم 23 شباط 2017، ضمن عملية "درع الفرات"، وما تزال المدينة منذ ذلك الوقت تعاني مِن خلل أمني أدّى إلى تفجيرات عدّة استهدفت المدنيين، إضافةً إلى ظهور تجارة وترويج "المخدرات"، فضلاً عن سرقات واعتداءات على المدنيين وممتلكاتهم، في ظل تعدّد للقوى العسكرية التي تتوزع السيطرة على قطاعات المنطقة، وتتقاسم النفوذ على المؤسسات المدنية والعسكرية.