يتخوّف سوريون في العاصمة دمشق ومعظم مناطق سيطرة النظام السوري، من الوجود الخفي لشخصيات وقيادات إيرانية ضمن أحيائهم السكنية، وهو ما يعرّضهم لخطر القصف والموت من جرّاء الاستهداف الإسرائيلي -المستمر- لتلك القيادات، فضلاً عن تجاهل النظام السوري للضحايا السوريين مقابل الاهتمام بالقتلى الإيرانيين.
وتداعيات القصف الإسرائيلي على مبنى القنصلية الإيرانية في منطقة المزة بدمشق، مطلع نيسان الفائت، لم تقتصر على القيادات الإيرانية فقط، إنّما طالت ستة مدنيين سوريين، عُرف منهم اثنان والآخرون لم يُكشف عن هويتهم حتى الآن، ليبقوا مجرّد أرقام في مسار الحرب السورية.
ومَن يتضرّر منزله أو محله أو سيارته بسبب القصف الإسرائيلي لمناطق سكنية تؤوي قيادات إيرانية، لا يتلقّى أي تعويض من النظام السوري، الذي لا تتوفّر لديه قوانين أو تشريعات لتعويضهم.
"ضحايا وأضرار بلا تعويض"
محامٍ مقيم في دمشق يقول لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ التعويض يحتاج إلى نص قانوني أو قرار قضائي كمرجع لصرفه وفقاً لمبدأ المسؤولية التقصيرية، مضيفاً أنّ "تفسير المسؤولية التقصيرية هنا ينحصر بوزارتي (الدفاع والداخلية)، اللتين فشلتا في حماية ممتلكات المواطنين".
ويوضّح المحامي، أنّه لتعويض مَن يتضرّر من جرّاء القصف الإسرائيلي يجب على المتضرر رفع دعوى على وزارتي "الدفاع أو الداخلية"، كما يمكن اللجوء إلى رفع دعوى على منسّق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في دمشق وفقاً لمنصبه.
وسبق أن تسبّبت الغارات الإسرائيلية على سوريا بمقتل نحو 75 سوريّاً، منذ السابع من شهر تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، والتي بلغ عددها 50 غارة توزّعت وفق الآتي:
- خمس غارات على مطار حلب.
- أربع غارات على مطار النيرب العسكري.
- أربع غارات على مطار دمشق الدولي.
- غارة على مطار المزة العسكري.
ومن بين الضحايا المدنيين بقصف القنصلية الإيرانية، المهندس ناجي المريدن ووالدته كاملة بنت محمد ياسين الياسيني، حيث كانا يسكنان في الطابق الثاني من بناء القنصلية المؤلّف من أربعة طوابق، بحسب ما نشره عبد الهادي المريدن، -أحد أقرباء العائلة- على صفحته في "فيس بوك".
وأفادت مصادر لـ موقع تلفزيون سوريا بتعرّض السفارة الكندية بدمشق (تقع على بعد بنائين من مبنى القنصلية الإيرانية) والمغلقة، منذ عام 2012، لأضرار، منها تحطّم نوافذها، من جرّاء القصف الإسرائيلي.
سيدة دمشقية تقطن في شقتها على أوتوستراد المزة قالت لـ موقع تلفزيون سوريا: "في الساعة الخامسة من مساء ذاك اليوم الذي لن أنساه (الإثنين)، عشت حالة من الخوف والهلع أعادتني إلى أولى سنوات الحرب والقصف"، مضيفةً أنّ ارتدادات القصف الإسرائيلي والدخان وصلت إلى منزلها الذي تعرض زجاج نوافذه للكسر والخلع.
وتوضح السيدة الخمسينية، أنّها لم تعد آمنة في منزلها رغم أن مكان سكنها يعتبر من أكثر المناطق أمناً وهدوءاً، خلال سنوات الحرب، مردفةً: "رجع الإيراني وافتتح مبنى جديد للقنصلية قرب المبنى المدمر وكأن شيئاً لم يحدث".
وتتساءل مَن يضمن ألا يتعرض المبنى الجديد للقصف؟ "وين نروح وين نسكن، بتنا نعيش حالة من الخوف والهلع داخل منازلنا"، وأضافت السيدة: أنّ "محافظة دمشق رفضت الاعتراف بالأضرار التي لحقت بمنزلها، بعد محاولتها تقديم شكوى"، مشيرةً إلى أنّ الموظف قال لها: "لا علاقة لنا".
ويقع مقر القنصلية الجديدة لإيران على بعد بنائين فقط من المقر الرئيسي للسفارة الإيرانية، وجرى افتتاحه بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بعد 72 ساعة من قصف القنصلية.
وسبق قصف القنصلية، استهداف إسرائيل منزلاً ضمن منطقة سكنية وسط العاصمة دمشق، تحوي قيادات إيرانية في منطقة المزة (فيلات غربية) وتبعد 3 كم عن القصر الجمهوري، بتاريخ 20 كانون الثاني/يناير الماضي، راح ضحيته مواطنون سوريون، عدا عن تضرّر أبنية مجاورة للمنزل المُستهدف، إلى جانب مقتل خمسة من القيادات الإيرانية.
"استياء صامت"
وفي جولة لـ موقع تلفزيون سوريا في منطقة المزة (فيلات غربية) وقرب البناء الذي استهدفته إسرائيل، هناك أبنية عدة تعرّضت للضرر الذي تحمّله أصحابها من دون تعويض، وقال أحد قاطني المنطقة للموقع: "ما بدنا حدا يعوضنا بس ما يسكنوا إيرانيين أو عناصر حزب الله ضمن أحيائنا السكنية".
وأوضح أنّ "هناك استياء صامتا في المناطق السكنية التي تعرّضت للقصف الإسرائيلي نتيجة وجود عسكريين إيرانيين أو من ميليشيا حزب الله ضمن أحيائهم السكنية"، مشيراً إلى أنّ منطقة المزة تعتبر أمنية، نظراً لوجود قيادات الضباط والمسؤولين السوريين فيها.
ويستغرب المصدر، كيفية وجود هؤلاء القيادات العسكرية غير السورية ضمن الأحياء السكنية، إذ من غير الممكن معرفة مَن يسكن ضمن هذه الأبنية أو الفلل السكنية، نظراً لطبيعة الوجود الأمني والحراسات، عدا عن كون المنطقة مغلقة أمام حركة الاستئجار السكني، فأغلب المنازل إما يسكنها أصحابها أو مغلقة لسفرهم خارج البلاد.
وعن ذلك، قال خالد -عسكري متقاعد من أحد فروع أجهزة النظام الأمنيّة وصاحب مكتب عقاري في منطقة المزة جبل- إنّ "أمن الدولة هو المسؤول عن تأجير عسكريين أجانب في أحياء مدنيّة"، موضحاً أنّ "أمن الدولة يعرف تفاصيل كل السكّان في المزة (شرقية وغربية) ومن منهم يوجد في منزله ومَن هم خارج منازلهم (مسافرون)".
وأضاف لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ عملية التأجير تحدث من خلال أمن الدولة عبر وكلاء عن أصحاب هذه المنازل ومن خلال عقود إيجار لا يذكر ضمنها اسم أية شخصية عسكرية سواء إيرانية أو من "حزب الله"، وإنما رقم البناء والشقة وعدد مَن يسكنها ومقابل بدل إيجار مرتفع.
عدا عن ذلك، فإنّ الدافع لتنظيم عقود الإيجار -التي تؤرشف ضمن ملفات في أمن الدولة تحوي كل المعلومات عن الشخصيات الإيرانية- يكمن في تنظيم وجودهم ومراقبة تحركاتهم، بحسب خالد.
يشار إلى أنّ حركة بيع العقارات للإيرانيين وعناصر من الميليشيات الإيرانية، نشطت في عموم مناطق سيطرة النظام السوري، خاصّة في العاصمة دمشق وحلب، وغالباً "يتم ذلك باتباع أساليب الترهيب والترغيب مع أصحابها الأصليين وأحياناً أخرى بالخداع والتزوير من دون علم أصحابها".