تتسارع الأحداث في سوريا مع بداية العام الجديد 2024، ويسجل الميدان تطورات هي الأولى من نوعها، لتشمل مختلف مناطق السيطرة، سواء التابعة للنظام السوري، أو المعارضة، أو "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وتأخذ فيها القوى الأجنبية زمام المبادرة، من تركيا وإيران شمالاً، إلى الأردن وإسرائيل جنوباً.
تتبادل الدول رسائلها بالحديد والنار على رقعة جغرافية ممزقة، وتغيب مواقف الأطراف المحلية، لتقتصر في أحسن الأحوال على التنديد والاستنكار ومناشدة المجتمع الدولي للتدخل، فما الجبهات التي شهدت تسخيناً داخل سوريا منذ بداية العام الجديد؟ وما احتمالية تطور التصعيد المحدود إلى مواجهة عسكرية شاملة بين الأطراف المتداخلة في الملف السوري أو بعضها؟
عمليات اغتيال إسرائيلية في دمشق
تدخل العمليات الإسرائيلية على المصالح الإيرانية في سوريا، والمواقع التابعة للنظام السوري مرحلة جديدة، لتركز على تنفيذ عمليات اغتيال دقيقة، تطول مسؤولين في الحرس الثوري الإيراني ومستشارين إيرانيين مسؤولين عن نقل الأسلحة من إيران إلى سوريا.
تتزامن هذه الاستراتيجية الإسرائيلية، مع استمرار عمليات القصف الجوي لمواقع النظام السوري وإيران في عدة محافظات سورية، منها القنيطرة ودمشق جنوباً، وحلب شمالاً، وبحسب بيانات إسرائيلية رسمية، فإن القصف يركز على البنية التحتية للقوات الموالية لإيران في سوريا، وشحنات الأسلحة الإيرانية المستقدمة إلى البلاد.
ويوم أمس قتل 5 قياديين بالحرس الثوري الإيراني، بينهم مسؤول الاستخبارات في فيلق القدس، إثر هجوم إسرائيلي استهدف مبنىً سكنياً في حي المزة "فيلات غربية" بدمشق.
وقال مصدر أمني في تحالف إقليمي مؤيد للنظام السوري، لوكالة رويترز إن قادة من الحرس الثوري الإيراني، بينهم مسؤول كبير في وحدة المعلومات التابعة له، قُتلوا في الغارة الإسرائيلية على دمشق، مشيراً إلى أن الهجوم الذي استخدمت فيه "صواريخ محددة الهدف بدقة" أدى إلى تدمير مبنى متعدد الطوابق في حي المزة بالعاصمة السورية.
ويأتي الهجوم بعد أقل من شهر على استهداف إسرائيل القائد "الرفيع" في "فيلق القدس" الإيراني "رضي موسوي" بمنطقة السيدة زينب على أطراف دمشق، علماً أن إسرائيل اغتالت مجموعة تصل لأكثر من 19 شخصية من القيادات والكوادر الحساسة من الجنسيات الإيرانية في سوريا خلال العقد الماضي، ورغم أن مثل هذه الأحداث كانت توصف بالنادرة، إلا أن وقوعها بمثل هذه الوتيرة والكثافة (5 قيادات إيرانية في أقل من شهر) يسلط الضوء على لحظة حساسة في تاريخ الصراع، قد يميل البعض لوصفه بتغيير في قواعد الاشتباك في المنطقة.
تصعيد أردني جنوباً
في أواخر العام الماضي 2023، وبداية العام الجديد 2024، شهدت الحدود السورية الأردنية حوادث غير مسبوقة، واشتباكات عنيفة بين الجيش الأردني، والشبكات القائمة على تهريب المخدرات والأسلحة باتجاه الأردن، وكان لهذا الخيار تكاليف دفعتها عمّان، من بوادرها مقتل جنود أردنيين برصاص شبكات التهريب.
ورغم ذلك، يبدو أن السلطات الأردنية قد غيّرت آلية التعامل مع مهربي المخدرات والأسلحة باتجاه أراضيها، عبر استهداف مواقع داخل سوريا وشخصيات - تتهما عمّان بالضلوع في التهريب- عبر الطيران الحربي، بعد فشل الوسائل السلمية في كبح جماح المهربين.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، استهدف سلاح الجو الأردني مواقع في بلدتي عرمان وملح جنوب شرقي محافظة السويداء في الجنوب السوري، تحت شعار محاربة مهربي المخدرات، الأمر الذي أدى إلى مقتل 10 أشخاص بينهم أطفال ونساء.
وسبق ذلك غارات للطائرات الأردنية على مواقع قالت عمّان إنها لمهربي المخدرات داخل سوريا، كما أعلنت السلطات الأردنية قتل 5 مهربين واعتقال 15 آخرين خلال مواجهات على الحدود، وتمكنت شبكة "السويداء 24" المحلية، من كشف هويات العديد منهم، إذ تبين أنهم ينحدرون من عشائر محافظات درعا والسويداء وريف دمشق، وتحديداً من مناطق اللجاة في درعا، والمطلة في ريف دمشق، والمقوس في السويداء، ويرتبطون بمخابرات النظام السوري.
كل المؤشرات تؤكد أن النظام السوري وإيران هم القائمون على ملف تهريب المخدرات إلى الأردن، وفي حديث مع موقع تلفزيون سوريا، قال الكاتب السوري حسن النيفي، إنّ "مسألة تهريب المخدرات والأسلحة من جانب نظام الأسد إلى الأردن ومن ثم باتجاه السعودية ودول الخليج، لم تعد مسألةً خاضعة لإرادة رأس النظام في دمشق أو الكيانات التي يسيطر عليها، بل لعل المتحكّم بهذه المسألة هي الميليشيات الإيرانية التي تتحكّم بمفاصل القرار فضلاً عن سيطرتها الميدانية التي تتيح لها أن تفعل ما تشاء".
وأضاف النيفي: "لقد حاول الأردن معالجة موضوع التهريب من خلال احتواء الخطر الأسدي الإيراني عبر التطبيع القائم على مبدأ (خطوة مقابل خطوة)، كما حاول تعميم هذه الخطوة التي تبنتها الجامعة العربية، ولكن النتائج كانت مخيبة للظن، وهذا ما جعل الأردن يشعر بالخذلان الكبير، ولذلك، فإنه لم يرسل بطائراته لاستهداف تجار المخدرات في الداخل السوري، وفي درعا والسويداء تحديداً إلّا حين أدرك أن الخطر يتفاقم، من دون أي إجراء رادع من جانب نظام الأسد".
من جهتها، دعت حركة رجال الكرامة في السويداء، الأردن إلى وقف عملياته العسكرية في المحافظة، حفاظاً على أرواح المدنيين، مؤكدة استعدادها لملاحقة المتورطين في عمليات تهريب المخدرات، ومشيرة إلى دور النظام السوري في تهريب المخدرات والاتجار بها عبر الحدود، وتحويل المنطقة الجنوبية إلى معبر لتهريبها.
إدلب في مرمى صواريخ إيران والنظام
دائماً ما تكون محافظة إدلب شمال غربي سوريا إحدى المحاور الساخنة في البلاد، لكونها أشبه ببريد تتبادل الدول عبره الرسائل، كما حدث في مساء يوم الإثنين الماضي، حيث قصفت إيران بالصواريخ مركزاً طبياً متوقفاً عن العمل في قرية تلتيتا قرب مدينة كفرتخاريم على بعد نحو 30 كم شمال غربي مدينة إدلب.
وبعد القصف، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كناني إن الهجوم الصاروخي الذي شنه الحرس الثوري الإيراني على إدلب، وأربيل (قصف متزامن) "كان جزءا من العقاب العادل ضد منتهكي أمن إيران"، مدعياً أن العمل العسكري الذي شنته بلاده استهدف "مركزاً تابعاً للموساد في أربيل بالعراق، ومقراً تابعاً للإرهابيين في إدلب بعد أن حددت الجمهورية الإسلامية بذكائها العالي مقار المجرمين"، رغم أن الصواريخ الباليستية الإيرانية استهدفت مستوصفاً في بلدة تلتيتا في ريف إدلب.
اللافت أن القصف في إدلب حصل بعد أيام قليلة من التصعيد الميداني من طرف الميليشيات الإيرانية المنتشرة في محيط إدلب، والذي طال قصفها نقاط مراقبة تركية، الأمر الذي استدعى رداً عسكرياً تركياً تمثل بتدمير مواقع لتلك الميليشيات قرب سراقب، بالإضافة إلى اعتراض طائرة مسيرة من قبل سلاح الجو التركي، مما يوحي بأن وصول الصواريخ الباليستية الإيرانية إلى مقربة من الحدود التركية مرتبط برسائل سياسية.
ويبدو أن إيران تسعى لتأكيد قدرتها على الردع، بعد أن تلقت ضربات متتالية مؤخراً، أبرزها اغتيال الجنرال المهم في الحرس الثوري الإيراني رضي موسوي بغارة إسرائيلية داخل سوريا، لكنها اختارت شمال العراق وإدلب للتصعيد، نظراً لأنه خيار غير مكلف، على عكس الهجوم المباشر ضد أهداف أميركية أو إسرائيلية قد يكلفها الانزلاق إلى تصعيد غير مرغوب.
ومساء الثلاثاء، قتل مدني وأصيب 8 مدنيين بينهم طفلتان وامرأة بجروح، من جراء قصف صاروخي لقوات النظام السوري، استهدف أحياء سكنية ومحيط مسجد ومرفقا طبيا وشارع البازار في مدينة أريحا جنوبي إدلب.
ومنذ بداية العام الحالي 2024 استجابت فرق الدفاع المدني لـ 52 هجوماً للنظام وداعميه على شمال غربي سوريا، بينها 3 هجمات بصواريخ محملة بذخائر فرعية حارقة، استهدفت الهجمات 3 أسواق شعبية ومدرستين ومسجدين، ومنازل المدنيين، وأدت إلى مقتل 7 مدنيين بينهم طفل وامرأة، وإصابة 18 آخرين بينهم 9 أطفال.
موجة تصعيد تركية
من جانبها زادات القوات التركية من وتيرة استهدف منشآت ومواقع وحواجز لـ قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في شمال شرقي سوريا خلال الأيام الماضية، رداً على مقتل 9 جنود أتراك على يد "حزب العمال الكردستاني" (PKK) داخل قاعدة عسكرية في منطقة عمليات "المخلب - القفل" شمالي العراق.
واستخدمت القوات التركية خلال التصعيد، الطائرات الحربية والمسيرة والمدفعية الثقيلة، بقصف مواقع "قسد" في محافظات الحسكة والرقة وحلب.
في حين قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن بلاده تعتزم مواصلة عملياتها العسكرية ضد "حزب العمال الكردستاني" في سوريا والعراق، وذلك بعد أن ألمح إلى عملية عسكرية تركية ضد الحزب بعد الانتخابات البلدية التركية، نهاية آذار المقبل.
وذكر الباحث ومحلل السياسة الخارجية والأمن في أنقرة عمر أوزكيزيلجيك في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن ما يمنع تركيا من إطلاق عملية عسكرية برية في شمال شرقي سوريا منذ عام 2019، هو الموقف الروسي والأميركي، فضلاً عن تهديدات واشنطن بفرض عقوبات اقتصادية على أنقرة في حال بدأت هجمات على "قسد" من هذا النوع، ولذا توقع الباحث، أن تبقى الهجمات التركية محدودة عبر الجو.
وكذلك يعتقد الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية محمود علوش أن قيام تركيا بعملية عسكرية جديدة في شمال شرقي سوريا معقد في الوقت الحالي، ويستدعي توافر ظروف ليست موجودة حالياً، مضيفاً في حديث مع موقع تلفزيون سوريا أن تركيا ما تزال تولي أهمية للدبلوماسية مع الولايات المتحدة وروسيا للتوصل إلى نتائج مفيدة لها.