أطلقت تركيا موجة جديدة من الهجمات الجوية استهدف منشآت ومواقع وحواجز لـ قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في شمال شرقي سوريا، رداً على مقتل 9 جنود أتراك على يد "حزب العمال الكردستاني" (PKK) داخل قاعدة عسكرية في منطقة عمليات "المخلب - القفل" شمالي العراق.
وعند الحديث عن تعامل تركيا عسكرياً مع ملف "PKK" شمالي العراق، لا يمكن إغفال ساحة الصراع بين تركيا و"قسد" شمال شرقي سوريا، إذ تعتبر أنقرة أن "قسد" هي امتداد لـ "PKK" في العراق، وأن كوادر الحزب هم "رأس حربة" في قيادة العمليات العسكرية والميدانية لقسد ضد القوات التركية في سوريا.
وبناء على ذلك، يشن الجيش التركي قصفاً متزامناً على مواقع الطرفين في شمالي سوريا والعراق، سواء في سياق العمليات المستمرة منذ سنوات تحت عنوان "منع إنشاء دويلة إرهابية على الحدود الجنوبية"، أو في إطار الرد على مقتل جنود أتراك، كما هو الحال في التصعيد الحالي.
واستهدفت طائرات مسيرة وحربية تركية أكثر من 30 موقعاً عسكرياً وبنية تحتية في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية-قسد" شمالي سوريا، وذلك خلال الـ 24 ساعة الأخيرة، من بينها مستودعات أسلحة ومحطات كهرباء ومعمل غاز ومحطة تكرير نفط وحواجز لقوات "الأسايش"
واستخدمت القوات التركية خلال التصعيد الحالي، المتواصل منذ يوم الجمعة، الطائرات الحربية والمسيرة والمدفعية الثقيلة، بقصف مواقع "قسد" في محافظات الحسكة والرقة وحلب، مع تسارع في وتيرة الأحداث، والتي كان من أبرزها عقد اجتماع في إسطنبول برئاسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومشاركة كبار المسؤولين لتقييم استراتيجيات "مكافحة الإرهاب" بصورة شاملة، وهذا ما يقودنا إلى سؤال، عما إذا كان التقييم المذكور سيُنتج قراراً ببدء عملية برية محدودة تجاه مواقع لـ"قسد" لإبعاد خطرها عن الحدود الجنوبية لتركيا.
قصف تركي جوي وبري في سوريا
بعد مقتل 9 جنود أتراك، إثر تسلل لعناصر من "PKK" إلى قاعدة تركية في شمالي العراق مساء الجمعة، بدأت القوات التركية فجر يوم السبت، حملة قصف شملت مواقع التنظيم في سوريا والعراق.
وفي آخر إحصائية لوزارة الدفاع التركية عن نتائج التصعيد، أشارت إلى تدمير 25 موقعاً لـ "PKK" و"قسد" في شمالي سوريا والعراق، وقتل 57 عنصراً، مؤكدة أن الغارات الجوية التي شنتها، جاءت تماشياً مع حق الدفاع عن النفس وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
وأضافت أن الغارات الجوية "جاءت بهدف القضاء على التهديدات الإرهابية وخطرها على السكان (في تركيا) وعلى قوات الأمن انطلاقا من شمالي العراق وسوريا عبر تحييد إرهابيي تنظيم "PKK" والعناصر الإرهابية الأخرى".
تركيا: لن نسمح قطعا بإنشاء "إرهابستان"
وأكد بيان صادر عن دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، عقب الاجتماع الأمني الذي عقد في إسطنبول أمس السبت، برئاسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبمشاركة كبار المسؤولين، أن تركيا لن تسمح قطعا بإنشاء "إرهابستان" (دويلة إرهابية) على حدودها الجنوبية مهما كانت الأسباب والحجج.
ولفت البيان إلى أن الاجتماع الأمني برئاسة الرئيس أردوغان شهد تقييماً لاستراتيجيات مكافحة الإرهاب بصورة شاملة، وتناول الهجوم على القوات التركية شمالي العراق والذي أسفر عن مقتل 9 جنود أتراك، والخطوات المتخذة والتي ستتخذ في إطار مكافحة الإرهاب.
وإضافة إلى الرئيس التركي، فقد شارك في الاجتماع وزراء الخارجية هاكان فيدان، والداخلية علي يرلي كايا، والدفاع يشار غولر، كما شارك فيه رئيس هيئة أركان الجيش متين غوراك، ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن، ورئيس دائرة الاتصال في الرئاسة فخر الدين ألطون، وكبير مستشاري الرئيس للسياسات الخارجية والأمن، عاكف تشاغطاي قليج.
ما شكل الرد التركي؟
وقال الباحث ومحلل السياسة الخارجية والأمن في أنقرة عمر أوزكيزيلجيك، إنّ الاستراتيجية التركية كانت تقوم على أن العمليات العسكرية تكون عادة رداً على هجمات قد تتعرض لها قواتها، لكن ذلك تغير في الأشهر الماضية، حيث أصبح النهج التركي قائماً على عقاب "PKK" وأذرعه عبر قصف المواقع التابعة لهم.
وأضاف أوزكيزيلجيك في حديث مع تلفزيون سوريا أن العمليات الجوية التركية كانت حاضرة، إذ جرى قصف مواقع "PKK" و"قسد" عبر الطائرات الحربية، والطائرات بدون طيار في شمالي سوريا والعراق، وهذا يظهر الحزم التركي تجاه الملف.
ورجح أوزكيزيلجيك زيادة وتيرة القصف التركي لمواقع قسد في سوريا، كما حدث في الشهر الماضي، حيث أشار إلى أن حصيلة القصف الجوي التركي في شمال شرقي سوريا عبر الطائرات المسيرة، وصلت إلى 13 ضربة في شهر كانون الأول الماضي، بعدما كان الحصيلة المعتادة تصل إلى 4 ضربات في الشهر.
في الوقت ذاته، يعتقد الباحث التركي، أن هذه الضربات لن تكون حلاً لإنهاء التهديدات القادمة من "المجمعات الإرهابية"، سواء في شمالي سوريا أو العراق، مضيفاً أن إنهاء الخطر يتم عبر عملية عسكرية للجيش التركي، والجيش الوطني السوري، بالتنسيق مع قوات البيشمركا وحكومة كردستان العراق.
هل ينبئ التصعيد بعملية برية في سوريا؟
وعندما يتعلق الأمر بسوريا، أوضح أوزكيزيلجيك أن ما يمنع تركيا من إطلاق عملية عسكرية برية في شمال شرقي سوريا منذ عام 2019، هو الموقف الروسي والأميركي، فضلاً عن تهديدات واشنطن بفرض عقوبات اقتصادية على أنقرة في حال بدأت هجمات على "قسد" من هذا النوع، ولذا توقع الباحث، أن تبقى الهجمات التركية محدودة عبر الجو.
ويتفق الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية محمود علوش مع ما ورد، حيث ذكر أن قيام تركيا بعملية عسكرية جديدة في شمال شرقي سوريا معقد في الوقت الحالي، ويستدعي توافر ظروف ليست موجودة حالياً، مضيفاً أن تركيا ما تزال تولي أهمية للدبلوماسية مع الولايات المتحدة وروسيا للتوصل إلى نتائج مفيدة لها.
إنشاء منطقة عازلة
وأفاد علوش، في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، بأنه ورغم التقدم الذي حققته تركيا لجهة تقويض القدرة العسكرية لـ"حزب العمال الكردستاني" في العراق وسوريا، إلا أن القضاء الكامل على خطر التنظيم يستدعي أولاً إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود الجنوبية التركية، والتعاون بشكل أوثق مع دول الجوار في مكافحة "الإرهاب الانفصالي".
ولفت إلى أن تركيا تصعد بشكل متزايد من وتيرة عملياتها ضد "الوحدات الكردية"، سواء على صعيد تزايد حجم القوة النارية أو على مستوى توسيع نطاق الأهداف، مرجحاً أن تستمر تركيا على هذا النهج في المستقبل المنظور.
ووفق الباحث، فإن فكرة تقويض قدرة "الوحدات الكردية" على تشكيل تهديد لتركيا تتطلب إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود مع سوريا، وهذا يستدعي إخراج الوحدات من المناطق التي ما تزال تسيطر عليها، إما بعمل عسكري أو عبر الضغط على الفاعلين الأساسيين في الملف للتعاون مع أنقرة لتحقيق هذا الهدف، لا سيما موسكو وواشنطن.