يشهد ريف حلب الشرقي حشودات عسكرية متبادلة لعدة فصائل، بعضها محسوب على الجيش الوطني السوري وأخرى على "هيئة تحرير الشام"، ما ينذر بصدام عسكري جديد، في ظل سعي الهيئة لتمكين نفوذها في المنطقة بعد الانقسام الأخير داخل "أحرار الشام-القطاع الشرقي" وخسارتها لنقاط قوة اقتصادية لصالح الفيلق الثاني التابع للجيش الوطني.
ويحتدم الصراع بين طرفين داخل "أحرار الشام-القطاع الشرقي" أحدهما يرأسه محمد رمي (أبو حيدر مسكنة) الذي قرّر الانخراط ضمن الفيلق الثاني وقطع التواصل مع الهيئة، بينما يرأس الطرف الآخر حسين الطالب (أبو الدحداح منبج)، الذي ينسّق بشكل مباشر مع الهيئة، وقيادة "حركة أحرار الشام" في إدلب ويمثلها "عامر الشيخ"، بمعزل عن الجيش الوطني.
قرارات عزل وتعيين متضاربة
بدأ اسم "أحرار الشام-القطاع الشرقي" يتردد كثيراً منذ نحو عام ونصف تقريباً، عندما انشق في شهر نيسان 2022 عن الفيلق الثالث في الجيش الوطني، وعاد إلى الهيكلية العامة لـ"حركة أحرار الشام"، بتنسيق مباشر مع حسن صوفان الذي يتمتع بعلاقة وثيقة مع قائد "هيئة تحرير الشام" أبي محمد الجولاني.
وبذلك، أصبح القطاع ذراعاً للهيئة في مناطق سيطرة الجيش الوطني، استخدمته في ضرب الخصوم والتمدد تحت كنفه وتحقيق الهدف المنشود لـ"الجولاني" في بسط النفوذ على معبر الحمران شرقي حلب ذي المردود المالي الكبير.
الجديد في الأمر، أنّ القطاع ذاته شهد انقساماً، حيث قرّر قائد القطاع "أبو حيدر" العمل ضمن هيكلية الفيلق الثاني في الجيش الوطني، الأمر الذي أغضب قيادة "أحرار الشام" في إدلب و"هيئة تحرير الشام"، ودفعها إلى نشر قرار يقضي بعزل "أبي حيدر" وتعيين "أبي الدحداح" قائداً للقطاع.
وسبق هذا القرار، صدور قرارات من جانب "أبي حيدر" بصفته قائداً للقطاع، تنص على إعفاء نائبه "أبي الدحداح" من منصبه، وإعفاء زكريا الشريدة (أبي عمر) من مهامه كقائد عسكري للقطاع، بسبب تجاوز الشخصين للصلاحيات الممنوحة لهما، وفُهم ذلك بأنه إضعاف لأذرع الهيئة داخل القطاع.
اقرأ أيضاً.. فصيل "أحرار عولان" يحاصر قرية عبلة شرقي حلب.. ما القصة؟
وصدر قرار عن وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، بإعفاء "أبي الدحداح" و"الشريدة" من جميع مهامهما الموكلة إليهما في الجيش الوطني، بسبب مخالفة التعليمات العسكرية وتجاوزهم الصلاحيات الممنوحة لهما.
حشودات عسكرية متبادلة:
نظرياً يعتبر الخلاف بين طرفين داخل "أحرار الشام - القطاع الشرقي"، إلا أنه في الواقع يعكس صراعاً بين قطبين شمالي سوريا، الأول هو هيئة تحرير الشام، والآخر الفيلق الثاني وتحديداً "فرقة السلطان مراد"، التي ضمّت القطاع بقيادة "أبي حيدر" إلى صفوها.
وفي ظل التحالفات الجديدة، رأت الهيئة أن مكاسبها الاقتصادية قد تقلّصت في المنطقة بعد أشهر من العمل على التمدد فيها، خاصة أن معبر الحمران بقي بحوزة "أبي حيدر"، بالتالي سيطرة الفيلق الثاني عليه.
على إثر ذلك حشدت "تحرير الشام" قواتها بالتعاون مع الطرف الآخر من أحرار الشام بقيادة "أبي الدحداح"، لبدء هجوم على مواقع القوات التابعة لـ"أبي حيدر" بهدف السيطرة على معبر الحمران وعدة قطاعات عسكرية أخرى تقع على تماس مع مناطق "سيطرة قوات سوريا الديمقراطية-قسد".
في المقابل، استنفرت القوات التابعة لـ"أبي حيدر" في مناطق وجودها، ونشرت أسلحة مضادة تحسباً لأي هجوم، كما صدرت توجيهات من وزارة الدفاع لفيالق الجيش الوطني بالوقوف في وجه أي هجوم قد تبدؤه الهيئة.
مراحل الخلاف وأسبابه
سرد قيادي يعمل داخل الكتلة المحسوبة على "أبي حيدر"، تفاصيل الخلاف وأسبابه، حيث قال في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: "هناك تيار داخل القطاع قوامه 4 كتائب من أصل 14 كتيبة، يمثّله أبو الدحداح وزكريا الشريدة وأبو الفاروق الباب، ويتبع مباشرة لهيئة تحرير الشام، وقد حاول التمرد على قرارات الجيش الوطني والعمل عكس توجهاته".
وأضاف القيادي أنّ "التيار المذكور عزم على الاندماج الكامل مع هيئة تحرير الشام، بتشجيع وتخطيط من نائب قائد حركة أحرار الشام أحمد الدالاتي، في حين رفض تيار أبي حيدر الخروج عن التوجه العام للجيش الوطني".
اقرأ أيضاً.. كيف شاركت "أحرار الشام" إلى جانب "تحرير الشام" ضد الفيلق الثالث؟
على خلفية الانقسام، ظهرت محاولات لعزل "أبي حيدر"، حيث قال القيادي: "بدأت محاولات الانقلاب على أبي حيدر، من خلال اقتراح إدارة القطاع من قبل قائد الأحرار في إدلب عامر الشيخ بشكل مباشر، لضمان انسياق القطاع ضمن توجهات الهيئة، وبعد رفض المقترح، انتشر بيان نُسب لمجلس شورى القطاع، بعزل أبا حيدر عن قيادة القطاع وتعيين أبي الدحداح بدلاً عنه".
وبحسب القيادي، فإن "أبا الدحداح عبارة عن واجهة، إذ يُدار القطاع من قبل عامر الشيخ - قائد أحرار الشام الموالي للهيئة - بشكل مباشر، ونائبه أحمد الدالاتي"، مشيراً إلى أنه سيصدر بيانات أخرى خلال اليومين القادمين بفصل المزيد من الكتائب الموالية للطرف الآخر.
وأكّد أن "النقاط الاستراتيجية" ما تزال بيد "كتلة أبي حيدر"، مثل معبر الحمران وقطاع عبلة، لذلك أدخلت الهيئة قوات إلى المنطقة تحت غطاء العشائر قادمة من إدلب، مستغلة المواجهات الأخيرة على محور منبج، في محاولة منها لبدء هجوم بهدف السيطرة على هذه المواقع.
ونفى المتحدث أن يكون هناك توجه سابق من قبل القطاع للانخراط رسمياً ضمن صفوف الهيئة، علماً أن التنسيق كان على مستوى عال بين الطرفين، خاصة خلال المواجهات ضد الفيلق الثالث، مضيفاً: "الجزء الأكبر من القطاع توجهه ينسجم مع الجيش الوطني، ولا نرغب بالتقارب مع الهيئة أو أحرار الشام في إدلب، عكس ما كان يريد بعض الأشخاص من خلال فرض رؤيتهم على الجميع في القطاع، ما خلق إشكاليات مدتها ستة أشهر، وتأزمت في آخر ثلاثة أسابيع".
غايات أخرى
ألمح مناهضون لـ هيئة تحرير الشام، إلى احتمالية وجود غايات أخرى لدى الهيئة من الحشودات العسكرية الأخيرة، كبدء هجمات على من يقف بشكل أو بآخر في طريق تمددها وبسط سيطرتها الكاملة على المنطقة، مثل فرقة السلطان مراد، وجيش الإسلام، وفصائل من حركة التحرير والبناء (فصائل المنطقة الشرقية).
ويستدل هؤلاء على ذلك، بحجم الحشود العسكرية التي أدخلتها هيئة تحرير الشام إلى منطقة ريف حلب الشرقي خلال الأيام الماضية تحت غطاء العشائر، والتي تؤكد نواياها بالسيطرة على المنطقة الممتدة من مدينة الباب إلى مدينة جرابلس.
وكانت مصادر محلية أكدت إرسال "تحرير الشام" تعزيزات عسكرية إلى مناطق نفوذ الجيش الوطني السوري شمال وشرقي حلب، وتحديداً إلى أطراف الباب وجرابلس، تحت غطاء قوات العشائر التي خاضت مواجهات مع "قسد" والنظام السوري في محيط مدينة منبج.
اقرأ أيضاً.. تحت غطاء العشائر.. هدفان وراء إرسال "تحرير الشام" تعزيزات إلى شمالي حلب
وحينذاك أشارت المصادر إلى أن حراك العشائر كان بمنزلة "فرصة ذهبية" للهيئة للتغلغل بشكل أكبر في ريف حلب، بالتالي وجود قوة كبيرة لها يمكن استخدامها مستقبلاً في الأعمال العسكرية ضد بعض فصائل الجيش الوطني التي ما زالت تراها الهيئة حجر عثرة أمام تمددها.
وتواجه الهيئة هذه المرة تحدياً يتمثل بالدعم التركي الكبير الذي تحظى به "فرقة السلطان مراد"، ما يعني أن أي هجوم غير مدروس قد يكلفها الكثير، خاصة أنها صعّدت في وقت سابق من لهجتها تجاه تركيا، حيث اتهم القيادي البارز فيها جهاد عيسى الشيخ (أبو أحمد زكور)، أطرافاً في جهاز الاستخبارات التركي بالوقوف خلف عملية اغتيال القيادي في القطاع الشرقي لـ"أحرار الشام" صدام الموسى (أبو عدي)، الذي قتل مطلع العام الحالي بغارة شنّتها طائرة مسيرة استهدفته قرب منزله في بلدة الحدث غربي مدينة الباب.