تسير أذرع هيئة تحرير الشام بنشاط متصاعد وبلا ضوضاء لإحكام السيطرة على كامل شمال غربي سوريا، عبر ضم مزيد من التشكيلات العسكرية أو حصار وتفكيك تشيكلات أخرى رفضت التبعية تحت أي مسمى علنية كانت أم سرية.
تتقاطع مصادر متطابقة بأن نشاطاً محموماً يقوم به مندوبو أبو محمد الجولاني لإحكام السيطرة على كامل التراب والقرار بعد أن دانت لهيئة تحرير الشام، والسيطرة المطلقة في إدلب وريف حلب الغربي، واللعب بشكل خفي لكنه حقيقي في عفرين، مع الإمساك بشريان شمال شرقي حلب المتمثل بمعبر الحمران بين منبج وجرابلس، لضمان تمدد هذه القبضة داخل الحدود الضيقة للمدن الكبرى شمالي حلب كمارع واعزاز والباب والراعي.
تقول المصادر إن الهيئة نجحت عبر أبي ماريا القحطاني القيادي البارز في الهيئة على مختلف المراحل التي شهدت تغيرات بنيوية وإيديولوجية التي شهدتها منذ تأسيسها عام 2012، في استمالة عدة تشكيلات أساسية في الفيلق الثالث - الذي تشكل الجبهة الشامية عموده الفقري مع دور أقل لجيش الإسلام - من أبرزها وأكبرها مجموعات تل رفعت ومنغ، بمساعدة عضوين من مجلس شورى الفيلق الثالث توفيق عساف "أبو توفيق" ورضوان قرندل" أبويحيى" قائد لواء الفتح المندمج ضمن الجبهة الشامية، وذلك تحت وعودٍ لهما بالسلطة وبسداد رواتب شهرية للمقاتلين مع زيادة تصل إلى حدود مئة دولار، في حين رواتب عناصر الجيش الوطني 1000 ليرة تركية أي ما يقارب 60 دولاراً، إلى جانب معدات لوجستية وعسكرية من عربات وتسليح ببعض الأسلحة المتوسطة، وهي خطوة تشهد محاولات لاستنساخها في مناطق أخرى، مع توقعات بنجاح هذه العمليات مع اعتماد القحطاني على طريقة الترهيب والترغيب، والأهم كما تقول المصادر عدم المطالبة بالإعلان رسمياً عن التبعية لهيئة تحرير الشام، مما يضمن حماية للتشكيلات التي ستغير ولاءها وإيدلوجيته بمعنى أدقّ، ويعطي هيئة تحرير الشام العنب من دون حاجة إلى مقارعة الناطور.
وللمفارقة تستعين هيئة تحرير الشام بأحد أشرس الخصوم الذين واجهوها في الماضي في ريف حلب الغربي وهو "أحمد رزق" القائد العسكري لحركة نور الدين الزنكي سابقاً، والعامل حالياً ضمن صفوف الهيئة، تستعين به كرسالة طمأنينة لمستقبل قادة الشمال مع الهيئة في حال التبعية، وقد ظهر في صورة لاجتماع ضمَّ قادة منطقة تل رفعت مع حركة أحرار الشام - القاطع الشرقي (أحرار عولان).
واستطاع أحمد رزق أيضاً استمالة عدة مجموعات تتبع للجبهة الوطنية للتحرير، وإغراء مجموعات أخرى من أجل الانضمام لأحرار عولان لتمكين سيطرتهم على معبر وطريق المحروقات، في إشارة إلى منطقة عولان بريف الباب التي اتخذتها الحركة مركزاً لها وسمّيت تبعاً لذلك، ولتميّزها عن جناح الحركة المعارض للهيئة والأقرب إلى الجيش الوطني.
أما عن الفيلق الثاني أو هيئة ثائرون للتحرير؛ فيبدو أنها غير مهتمة لهذه التحركات، التي تجري أمام أعينهم وبمساعدة عدة فصائل لهم، فسارع العديد من قاداتهم لمغازلة قياديين في الهيئة واضعين مقارَّهم وإمكاناتهم العسكرية تحت تصرف الهيئة في منطقة عمليات غصن الزيتون، المنطقة التي تشهد الآن عملية تفكيك لفصيلي الحمزات والعمشات على يد الهيئة، بعد وضع كل عناصرهم ومعسكراتهم وأسلحتهم تحت تصرف تحرير الشام، التي تعيد تأهيل العناصر عقائدياً وعسكرياً بمعسكرات إلزامية ومغلقة.
وباتت أحلام تمدد هيئة تحرير الشام نحو شمالي حلب، أشبه بواقع معاش، ولكنه غير معلن، مع غياب رؤية واضحة من القوى التركية ولا سيما الجيش والاستخبارات عن هذه التحركات، بل إن بعض الجهات التركية تحاول في بعض الأحيان التقليلَ من شأن هذه التحركات، وفي أحيان كثيرة يكون الجواب للمشتكين بأن الوقت غير مناسب لفتح مواجهة غير محمودة مع التوغل الذي وصل إلى مبتغاه من قبل الهيئة.
من المفاتيح التي باتت هيئة تحرير الشام تملكها وحدها، هو البوابة النفطية بين مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية والجيش الوطني، وبالتحديد معبر الحمران، وهو معبر شبه رسمي يمثل شريان الطاقة من شمال شرقي سوريا إلى شمالها الغربي، الخاضع اليوم لسيطرة فرع أحرار الشام الموالي للهيئة أو ما يُعرف على الأرض باسم "أحرار عولان"، إذ يجني معبر الحمران ما بين 5-7 ملايين دولار شهريا، وفق ما يقول مسؤولون سابقون عن المعبر، وكانت في الماضي تصبّ في خزينة الجبهة الشامية وانتقلت اليوم إلى الهيئة بعد سيطرة أحرار عولان عليها.
إنَّ سحب سلطةِ جزءٍ كبير من المعابر من يد فصائل الجيش الوطني، لصالح هيئة تحرير الشام، حوَّلَ خططَ وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، لجهةِ تأسيسِ مكتب اقتصادي موحَّد للمناطق التي تنشط فيها، بحيث تُوزَّع الوارداتُ بين فصائل الجيش الوطني، لسحب أيّ مسبّب لمواجهة مستقبلية بين الفصائل قد تحدث بسبب عدم تساوي الواردات، لكن مع خروج معبر الحمران من قائمة المورّدين الماليين أصبحَ مستوى التدفق المالي للفصائل محدوداً، ما يعني نشاطاً مكثفاً للهيئة لاستقطاب الفصائل واستمالتها إلى جانبها تحسّباً لأية مواجهة مستقبلية.