icon
التغطية الحية

تشكيل "نقابة العلماء السوريين".. خطوة نحو التنظيم أم بداية للانقسام والصراع؟

2024.09.03 | 06:02 دمشق

00
اعتبرها البعض خطوة لتأسيس كيان موازٍ للمجلس الإسلامي السوري
تلفزيون سوريا - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

بدأت بوادر نزاع تظهر بين عدد من الدعاة وطلاب العلم في ريف حلب الشمالي والشرقي، وذلك بعد إنشاء نقابة جديدة باسم "نقابة العلماء السوريين الأحرار"، والتي أثارت شيئاً من الجدل بين الأوساط الدينية، حيث اعتبرها البعض خطوة لتأسيس كيان موازٍ للمجلس الإسلامي السوري، مما دفع عدداً من الدعاة إلى التعبير عن مخاوفهم من تأثير النقابة الجديدة على عمل المجلس مستقبلاً.

القائمون على النقابة يؤكدون أن هدفها الأساسي هو حماية طلاب العلم والدفاع عن حقوقهم، مشيرين إلى أن هناك حاجة ماسة لوجود كيان يُعنى بشؤون الدعاة والعلماء على غرار بقية النقابات المهنية الموجودة في المجتمع، كما يقولون إن إنشاء نقابة للعاملين في المجال الديني مجرد خطوة تنظيمية تأتي في هذا السياق.

من جهة أخرى، يعارض دعاة آخرون هذه النقابة، مشيرين إلى أنها مدعومة من هيئة تحرير الشام في إدلب، ويعتبرونها أداة تُستخدم لتقويض المجلس الإسلامي السوري، مستدلين في ذلك بأن المجلس الإسلامي له تاريخ طويل في الصراع مع هيئة تحرير الشام، حيث أصدر في السنوات الماضية العديد من الفتاوى والبيانات التي كانت تستهدف مشاريع الهيئة التوسعية.

اسم "نقابة العلماء" بحد ذاته أثار أيضاً انتقادات، حيث يشير الكثيرون إلى أن بعض المشاركين في المؤتمر التأسيسي للنقابة هم من الشباب الذين ما يزالون في مراحلهم التعليمية الأولى، وبالتالي لا يمكن اعتبارهم "علماء" بالمعنى الكامل للكلمة، بالتالي فإن استخدام هذا المسمى يعد تضليلاً ويفتقر إلى الدقة.

في غضون ذلك، تواصل موقع تلفزيون سوريا مع القائمين على "نقابة العلماء السوريين الأحرار"، إضافة للمجلس الإسلامي السوري لمحاولة معرفة أسباب الإشكاليات المثارة حول النقابة الجديدة، والدوافع من وراء تشكيلها وأهدافها والمهام الموكلة لها.

تشكيل "نقابة العلماء"

عقد عدد من الدعاة في ريف حلب الشمالي يوم السبت 31 آب الماضي المؤتمر التأسيسي لـ "نقابة العلماء السوريين الأحرار"، وذلك في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي.

ونشر "مكتب اعزاز الإعلامي" فيديو يظهر فعاليات المؤتمر، قال فيه المشاركون إنّ "النقابة هي هيئة ومظلة قانونية جامعة لكل طلاب العلم، مهمتها الدفاع عن حقوق ومكتسبات طلاب العلم الشرعي".

وقال أحد المشاركين: "أتت فكرة تشكيل نقابة العلماء السوريين الأحرار نتيجة للضرورة التي نعيشها، وتم العمل على إنشائها أسوة ببقية شرائح المجتمع التي شُكّل لها نقابات، وأسوة بالعديد من الدول التي شُكّلت فيها نقابات علمائية، كمصر وتونس والمغرب والجزائر، لترعى شؤون العلماء وطلاب العلم، وتُنظمها قانونياً، وتحمي حقوقهم وحرياتهم من التعدي عليها وانتهاكها، وتسعى لتحسين ظروفهم بالطرق المعلومة".

وناقش الحضور النظام الداخلي للنقابة وطرحوا ملاحظات على بعض النقاط، وبحسب القائمين على النقابة، فإن عدداً من المحامين والحقوقيين شاركوا في إعداد النظام الداخلي.

بدوره، قال عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر، أحمد ياسين، إنّ النقابة انطلقت بعد التواصل مع العديد من الجهات، ليكون العمل بالتكامل لا على أساس الخلاف والتناحر، مضيفاً: "نحن في الميدان النقابي وهناك جهات في ميدان المرجعية، وأخرى في ميدان الدعوة، لا ننازع مديرية ولا مجالس ولا روابط".

اتهامات تربط النقابة بـ "الجولاني"

فور إعلان تشكيل "نقابة العلماء"، تعرضت لاتهامات متعددة تربط النقابة الجديدة بـ"هيئة تحرير الشام"، حيث استعرض الداعية المعروف بنشاطه في المجلس الإسلامي السوري، عبد المعز هلال، في منشورين منفصلين على فيسبوك، رؤيته حول التأثير المحتمل للجولاني على الهيكل الجديد، إذ كتب في بداية منشوره الأول "الجولاني يتسلل بلفّة شاش ودقن بلاش".

هلال خاطب في منشوراته القائمين على النقابة، متسائلاً أولاً عن إمكانية المجتمعين في النقابة إعلان موقف صريح وواضح من الجولاني ومدى استعدادهم لإعلان دعمهم للحراك الثوري ضده في إدلب، ثم استفسر عن قدرتهم على الإفصاح عن تمويل وجبات الغداء لما يقارب 150 شيخاً، مشيراً إلى أن الإجابات المتوقعة قد تشير إلى عدم الارتباط بالجولاني، وأن تكون العزيمة من "أهل الخير".

6

وقال هلال في منشور آخر: "زعم جماعة ممن يتصدرون باسم بعض طلاب العلم ويسمون أنفسهم تجمع الشرعيين الأحرار، أنهم ينسقون نشاطهم مع المجلس الإسلامي السوري، وأن المجلس لا يعارض تشكيلهم للنقابة لأن المجلس ليس الجهة صاحبة الولاية بالتوجيه لإنشاء النقابة".

وأضاف: تواصلت مع اثنين من مشايخ المجلس الإسلامي ممن حضر اللقاء وأكدوا ما يلي:

أولاً: لم يذكروا أننا قلنا لهم إن التجمع تفريق للمفرق وننصحكم بعدم المضي به.

ثانياً: نصحناهم بأن هناك أجساماً شرعية بإمكانهم الانضمام إلى بعضها كالمجلس الشرعي في حلب ورابطة علماء إدلب ..إلخ.

ثالثاً: لم نقل لهم إن المجلس ليس الجهة المخولة لتشكيل النقابة.

رابعاً: بيّنا لهم أن لدينا تحفظاً على ذكرهم أن مرجعيتهم المجلس الإسلامي، وبيّنا لهم خطأهم في توصيف العلاقة مع المجلس الإسلامي السوري بأنه ينسق مع النقابة.

وتواصل موقع تلفزيون سوريا مع الشيخ عبد المعز هلال لمعرفة تفاصيل تشكيل النقابة والتوسع فيما ذكره عن طبيعة العلاقة مع المجلس الإسلامي، وسبب ربطها بـ "تحرير الشام"، إلا أنه اعتذر عن المشاركة، في حين لم يجب المتحدث باسم المجلس الإسلامي السوري الشيخ مطيع البطين على الاستفسارات بهذا الخصوص أيضاً.

جلسة سبقت إطلاق النقابة

قال أحد الدعاة المقربين من المجلس الإسلامي السوري - فضّل عدم ذكر اسمه - إنّ عدداً من القائمين على تشكيل النقابة مقربون من "تجمع الشهباء" والذي ينسق بدوره على مستوى عالٍ مع "هيئة تحرير الشام".

ورأى الداعية في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن تشكيل النقابة بمثابة عامل ضغط على المجلس الإسلامي، ونجحت النقابة باستقطاب عدة مشايخ، منهم نتيجة عدم المعرفة بطبيعة النقابة، ومنهم بسبب إغرائهم بأمور معينة - لم يذكرها - ورغم ذلك، أشار إلى أن العدد ما زال محدوداً.

وأضاف: "اجتمع المجلس الإسلامي معهم قبل الإعلان عن تشكيل النقابة، وبيّن لهم أنه لا يدعم النقابة ويرى فيها تفريقاً للمفرق وإضعافاً للمرجعية، لكن القائمين على النقابة لم يعلنوا إلا الشيء الذي يتوافق مع توجهاتهم".

أهداف النقابة وآلية العمل

قال عضو اللجنة التأسيسية ولجنة إعداد النظام الداخلي للنقابة، محمود بكار، إنّ "نقابة العلماء السوريين الأحرار" هيئة قانونية مكونة من العاملين في مجال العلوم الشرعية (علماء وطلاب علم) من كل الاختصاصات، وتتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية.

وعن آلية تأسيس النقابة، قال بكار في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: "بعد التواصل مع أغلب الفعاليات والمكونات والروابط والتجمعات الشرعية ومديريات الأوقاف في الشمال المحرر وطرح فكرة إنشاء نقابة للعلماء وطلاب العلم الشرعي في الشمال السوري المحرر، تم نشر دعوة عامة للعلماء وطلاب العلم وتحديد الزمان والمكان للمؤتمر التأسيسي لهذه النقابة".

وأضاف: "توافق الحضور على إنشاء نقابة العلماء السوريين الأحرار، ثم طرح النظام الداخلي للمداولة وتم اعتماده بعد إجراء التعديلات التي تم التصويت عليها".

وبحسب بكار، تضم النقابة من تنطبق عليه الشروط المقررة في النظام الداخلي ومنها أن يكون من حملة الثانوية الشرعية أو ما يوازيها من المعاهد الشرعية.

ومن المقرر أن تعمل النقابة في مختلف مناطق "الشمال السوري المحرر" كاملاً بعد افتتاح فروعها.

ما آلية الانتساب؟

وبحسب المتحدث، يُقبل انتساب الأعضاء الذين تتحقق فيهم شروط العضوية بحسب النظام الداخلي وهي:

  1. أن يكون من حملة شهادة العلوم الشرعية (الثانوية الشرعية أو ما يعادلها من معاهد العلوم الشرعية) أو الإجازة الجامعية في العلوم الشرعية.
  2. أن يكون سوري الجنسية.
  3. أن يكون من أصحاب السيرة الحسنة.
  4. التزكية من اثنين من أعضاء الهيئة العامة.
  5. ألا يكون قد ثبت في حقه حكم قضائي يتعلق بجرائم الفساد وسوء الأمانة.
  6. أن يكون ثورياً مؤمناً بمبادئ الثورة.
  7. أن يوافق على ما جاء في النظام الداخلي، وأن يلتزم بالقرارات الصادرة عن مجلس الإدارة.
  8. أن يتقدم بطلب انتساب للنقابة مرفقاً برسم الانتساب.

طبيعة العلاقة مع المجلس الإسلامي

بهذا الخصوص، ذكر "بكار" أن "المرجعية الشرعية الوحيدة للمحرر هي المجلس الإسلامي السوري ونحن في نقابة العلماء السوريين الأحرار قلناها صريحة وواضحة أن المرجعية الدينية والشرعية لنا هي المجلس الإسلامي السوري".

وأردف: "أما من حيث التنسيق مع المجلس الإسلامي السوري، فقد تم التواصل مع مكتبه في الداخل وتم الاجتماع معهم ونوقش أمر تشكيل النقابة، وقالوا إنّ مجلس الأمناء في المجلس الإسلامي السوري توصل إلى نتيجة مفادها أن المجلس لا يعارض تشكيل النقابة وكذلك ليس مع التشكيل، أي إن المجلس اتخذ موقف الحياد من النقابة".

هدف النقابة والجدل حول اسمها

ووفق بكار، فإن أهداف النقابة هي:

  1. المطالبة بحقوق العلماء المنتسبين للنقابة والمحافظة عليها.
  2. إبراز دور العلماء بالتعاون مع المؤسسات العاملة على الأرض.
  3. إنشاء صندوق تعاوني للنقابة بما يحقق شيئاً من التكافل والتضامن.
  4. العمل على تحسين الوضع المعيشي لأعضاء النقابة.
  5. العمل على تأمين الدعم الصحي لأعضاء النقابة.

وانتقد البعض تضخيم اسم النقابة ليشمل "العلماء" خاصة أن الصور أظهرت بعض طلاب العلم من الشباب، ليرد بكار على ذلك قائلاً: "نعم نحن نقر بأن الاسم ضخم جداً ولكن ينطبق مسمى العالم على كل من أتقن باباً من أبواب العلم وكذلك هو أعم وأشمل من كلمة طلاب العلم، فأردنا أن يكون الاسم عاماً وشاملاً لكل أصحاب الاختصاص الشرعي من أكاديميين وحملة إجازات شرعية وكذلك خريجي الثانوية الشرعية أو ما يوازيها من المعاهد الشرعية".

لا تنسيق مع "تحرير الشام"

ونفى بكار الارتباط أو التنسيق مع هيئة تحرير الشام من أجل إطلاق النقابة، حيث قال: "في الحقيقة، من المؤسف أن يكيل بعض المشايخ الاتهامات والذم والقدح بكل من لا يتوافق معهم أو يكون تبعاً لهم، ونحن قد بينا موقفنا من المجلس الإسلامي السوري وقلنا وما زلنا نقول إنه المرجعية الشرعية الوحيدة للمحرر".

وتابع: "خلال اجتماعنا مع المجلس الإسلامي السوري (مكتب الداخل) طُلب منهم أن يبينوا موقفهم من الذي تكلم باسم المجلس الإسلامي، فقالوا إنه لا يمثل المجلس الإسلامي وإنما يتكلم بصفته الشخصية".

ويُعتقد أن "الصراع الديني" في شمالي وشرقي حلب هو جزء من مشهد أوسع من التنافس يتشكل نتيجة للتداخل المعقد بين الدين والسياسة والنفوذ العسكري في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل بشكل عام، إذ أصبحت هذه المناطق مسرحاً لتنافس كبير بين مختلف القوى على كل المستويات، ما يجعل من الصعب التنبؤ بمآلات هذا الصراع.