زيارة رئيس المجلس الإسلامي السوري الشيخ أسامة الرفاعي إلى منطقة اعزاز في ريف حلب، تستدعي التوقف أمامها في ظل الوقائع المعقدة على الأرض من جهة، وما يمثله الزائر وعنوان الزيارة إلى الداخل السوري من جهة أخرى. ومهما يكن من أمر يجدر تسجيل عدة نقاط. الأولى هي، إن تحرك المجلس الإسلامي هو الأول من نوعه في اتجاه المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والواقعة تحت سيطرة الفصائل المدعومة من تركيا، رغم أن المجلس لا يخفي التحاقه بالمعارضة منذ بداية الثورة، وله العديد من المواقف المعارضة للنظام والمنحازة للثورة، وكان الشيخ أسامة جريئا حين تحدث في حزيران 2011 من قلب دمشق عن عنف النظام ضد المتظاهرين السلميين. والنقطة الثانية هي، إن التحرك ذو هدف سياسي صريح، ولذلك لم يترك الرفاعي جهة إلا والتقى بها، بدءا من الجبهة الشامية الفصيل الأكبر في ريف حلب، والذي تشكل من ائتلاف عدة فصائل إسلامية. وظهر أن زيارة الرفاعي جاءت من أجل تسويق مشروع سياسي وديني، وهذا هو السبب من وراء وضع حجر الأساس لبناء مقر للمجلس الذي يتخذ من إسطنبول مقرا أساسيا. ولا يمكن رؤية هذه الخطوة بعيدا عما تشهده مدينة اعزاز التي بدأت منذ مطلع العام تستقبل مقرات مؤسسات سورية معارضة تابعة للائتلاف السوري والحكومة المؤقتة.
يتعين على الائتلاف السوري الإجابة عن أسئلة وهواجس السوريين الذين يعيشون في هذه المنطقة وخارجها، وخاصة الذين ينتمون إلى مكونات وتشكيلات غير إسلامية
أما النقطة الثالثة فهي تتمثل في بدء انتقال المجلس الإسلامي السوري من الدعوة الدينية إلى العمل السياسي، وهذا أمر له محاذير كبيرة على مستوى العمل الدعوي، وحاضنة المجلس نفسها. وبحسب عضو الهيئة العامة بالمجلس وسام القسوم، فإن زيارة الرفاعي تهدف إلى تعزيز دور المجلس الإسلامي كمرجعية في الداخل السوري، وزيادة التواصل مع الفعاليات في شمالي سوريا. وقال "القسوم" لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ المجلس سيتخذ مقراً دائماً له في مدينة اعزاز، وسيعمل على زيادة التلاحم الثوري والتواصل مع أصحاب القرار للعمل على تحسين الوضع في "المناطق المحررة" وفق استطاعته من جميع الجوانب، كما سيعمل على تعزيز عمل اللجان التي تسعى للإصلاح ورد المظالم. ويتضح من هذا التصريح أن المرجعية التي يقصدها القسوم ليست دينية فحسب، بل سياسية أيضا، وهذا أمر جديد يستدعي الوقوف أمام أسبابه وأهدافه، وما هي مواقف الأطراف الموجودة على الأرض، وتركيا بصفتها الداعم الأساسي للفصائل والهيئات السورية المعارضة الموجودة في هذه المنطقة. ومن بين أكثر الأطراف المعنية بتحرك المجلس الإسلامي تبقى هيئات الثورة السورية الائتلافية في المقدمة، وموقفها من هذا التحرك هو الذي يحدد الاتجاه العام، لأن المؤشرات توحي بترتيبات جديدة للمنطقة التي تتشكل من حساسيات سورية مختلفة ليست الإسلامية إلا واحدة منها. ويتعين على الائتلاف السوري الإجابة عن أسئلة وهواجس السوريين الذين يعيشون في هذه المنطقة وخارجها، وخاصة الذين ينتمون إلى مكونات وتشكيلات غير إسلامية.
من شان الرفاعي أن يعزز من صفوف "الشامية" وإضعاف "تحرير الشام" في حال توافر الظروف الإقليمية اللازمة من أجل إنهاء وظيفة "هيئة تحرير الشام"
يبدو أن مهمة انتقال المجلس رسمياً للداخل لن تكون سهلة، فهو من أول مهامه تحمل المسؤولية الدينية بمواجهة فكر الجماعات المتطرفة، ومنها تلك التي تسيطر على مساحات واسعة من محافظة إدلب، وتقيم كيانات سياسية تحكم السوريين الذين يعيشون في هذه المنطقة، ومنها تنظيم "هيئة تحرير الشام"، التي سبق للرفاعي أن انتقد ارتباطها بتنظيم "القاعدة" الذي صنفه في خانة التنظيمات التكفيرية، ومن الواضح، إنه بالإضافة لسحب الشرعية الدينية من المشيخة التابعة للنظام في هذه المناطق، فإن حضور المجلس الإسلامي في ريف حلب من شأنه أن يقوي الفصائل الإسلامية المعتدلة في وجه مشروع "هيئة تحرير الشام"، ويحرك الموقف العام من هذا التنظيم الذي أقام نظاما أمنيا يحكم المنطقة، ولا يدافع عنها بوجه النظام والروس والميليشيات الإيرانية، بل يقدم الذرائع لهذه الأطراف للاستمرار في حرب التهجير القسري.
المواجهة العسكرية بين "الجبهة الشامية" و"هيئة تحرير الشام" لا تبدو في الأفق، ولكن التنافس بينهما قائم على الأرض بهدف كسب الشارع والسيطرة عليه، ومن شان الرفاعي أن يعزز من صفوف "الشامية" وإضعاف "تحرير الشام" في حال توافر الظروف الإقليمية اللازمة من أجل إنهاء وظيفة "هيئة تحرير الشام".
من الواضح أن هدف الزيارة هو تعزيز مواقع المجلس داخل شمال غرب سوريا، الأمر الذي يخلق وقائع جديدة على الأرض، ويخلط الأوراق.