الاحتفالات الشعبية بالذكرى الحادية عشرة لانطلاق الثورة السورية وجهت رسالة واحدة إلى كل السوريين والعالم، وهي أنها على قدر كبير من الحيوية، وهذا يعني أنها يمكن أن تولد من جديد، كما في أول مرة نزل فيها السوريون إلى الشارع يهتفون من أجل الحرية والكرامة. وفي حقيقة الأمر لم يصمت السوريون طوال الأعوام الماضية، بل ظلوا يرفعون الشعارات ذاتها، وينشدون الأهداف نفسها، ولكنهم تدريجيا وجدوا أنفسهم وحدهم، وكادت ثورتهم تصبح قضية لاجئين، يناضلون من أجل تحسين شروط اللجوء، سواء في دول الجوار أو العالم، من خيام وأدوية ومساعدات إنسانية، باتت تخضع لمساومات سياسية دولية، بسبب تدخلات روسيا غير المحدودة في الشأن السوري.
الوضع يختلف اليوم عنه في الأعوام السابقة بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، ورغم أن الصورة النهائية للميدان لم تتضح هناك، فإن ذلك لا يمنع من رسم بعض الخطوط العريضة. ويأتي في المقدمة أن موسكو لن تخرج من هذه الحرب كما دخلتها، بل ستفقد الكثير من أوراق قوتها سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وهذا أمر من شأنه أن ينعكس على الوجود الروسي في سوريا على هذه المستويات. والأمر الثاني هو أن روسيا سواء ربحت الحرب أم خسرتها، فإنها ستخرج منها ضعيفة عسكريا واقتصاديا، فهي تتعرض لخسائر بشرية ومادية كبيرة على الأرض الأوكرانية، وستنال منها سياسة العقوبات التي ستدوم سنوات، ويكون تأثيرها أشد قسوة من النتائج العسكرية.
والنقطة الثالثة الجديرة بالاهتمام هي إن التعامل مع الثورة السورية ضد النظام سوف يختلف، وقد تردد كثيرا خلال الأسابيع الأربعة من غزو أوكرانيا مقارنة على ألسنة المسؤولين الغربيين، وخاصة الأميركيين، بين سلوك روسيا في أوكرانيا وسوريا، لجهة التدمير واستخدم السلاح الكيماوي، وهذا يفتح نافذة مهمة على صعيد دعم الملفات القانونية السورية التي تهدف إلى محاسبة مجرمي الحرب في سوريا من النظام والروس والإيرانيين.
أتى في مقدمة هذه الدروس الوحدة الوطنية من أجل تحقيق الأهداف المشتركة. ولاحظ العالم أن قوة الشعب الأوكراني الأساسية تكمن في وضع خلافاته السياسية والثقافية والعرقية جانبا
والأمر الرابع هو أن السوريين تفاعلوا مع هذا الحدث ووجدوا أنفسهم في داخله، وهذا يعني أن هناك استعدادا للمضي في هذا الطريق، بما يمكنهم من الاستفادة من دروس أوكرانيا، ويأتي في مقدمة هذه الدروس الوحدة الوطنية من أجل تحقيق الأهداف المشتركة. ولاحظ العالم أن قوة الشعب الأوكراني الأساسية تكمن في وضع خلافاته السياسية والثقافية والعرقية جانبا، وتوحده من حول هدف وهو مواجهة الغزو، وهذا الموقف جمع الكنيسة والمسلمين واليهود بالقوى السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار من عسكر ومدنيين، نساءً ورجالاً، ومن كل الحساسيات العرقية تحت راية واحدة، ما فرض احترامهم على العالم، وألقى عليه مسؤولية الوقوف إلى جانبهم، وهذا ما يجب الاقتداء به من قبل السوريين الذين يجب أن يضعوا نصب أعينهم طرد الاحتلالين الروسي والإيراني، وإسقاط النظام العميل لموسكو وطهران، والذي تحول إلى وكيل لإدارة مصالحهما، ويجب أن تبدأ الوحدة الوطنية السورية من إعادة هيكلة الوضع السوري العام، ويتطلب ذلك الاتفاق على تشكيل حركة سياسية سورية واحدة تضم كل السوريين بكل حساسياتهم ومكوناتهم تتفق على هدفين مرحلي هو التحرير والتخلص من الاحتلالين، وبعيد المدى هو إعادة بناء سوريا المستقبل، الدولة التي يجب أن يجد السوريون كافة تمثيلهم فيها سياسيا وثقافيا.
لا يعني هذا هدم ما هو قائم، بل إن ما هو موجود من هيئات ومؤسسات سياسية وتشكيلات عسكرية، يمكن له أن يكون الحامل لهذا المشروع شريطة أن يتم إعادة الهيكلة، وفق نظرة جديدة تضع هدف طرد الاحتلالين في الصدارة، وهذا يتطلب من الجميع أن يتنازلوا عن أهدافهم المرحلية وحساباتهم ومكاسبهم الراهنة من أجل تحقيق الهدف الرئيسي. ومهما كانت أهمية العوامل الخارجية فإن هذه مهمة سورية مئة في المئة، وما لم تنهض بها الأطراف السورية، فإنه لا أحد يمكن أن ينجزها، بل من المتوقع أنها ستجد معارضة من عدة أطراف إقليمية ودولية، تجد نفسها مستفيدة من تشرذم الوضع السوري، وبعضها يجد مصلحته في تفكيك سوريا.
لو لم يتوحد الأوكرانيون في الميدان ويقاتلوا الغزو الروسي بعزيمة وشجاعة عالية، لما وجدوا الدعم الدولي السياسي والعسكري والمادي، ولو أن قيادتهم تركت الميدان، وانتقلت إلى الخارج لكان اختلف اتجاه المعركة، وهذان درسان يجدر بالسوريين أن يستفيدوا منهما، كي لا تأتي الذكرى الثانية عشرة للثورة، وتجدهم على ما هم عليه اليوم.