icon
التغطية الحية

اللاجئون في مرمى السياسة.. تداعيات هجوم زولينغن على مستقبل اللجوء في ألمانيا

2024.09.01 | 11:07 دمشق

55
لاجئون في محطة القطارات الرئيسية في بلدة باساو بولاية بافاريا جنوبي ألمانيا (د ب أ)
ألمانيا - محمد حسن
+A
حجم الخط
-A

تشهد الساحة السياسية والقوانين في ألمانيا تحولات عديدة فيما يتعلق بملف الهجرة واللجوء، إثر الجدل الذي أشعله هجوم الطعن بالسكين في مدينة زولينغن، حول تشديد إجراءات اللجوء وضرورة الإسراع بتنفيذ عمليات الترحيل، إذ دفعت هذه التطورات الحكومة إلى اتخاذ خطوات لتعزيز هذه السياسات، في ظل سباق سياسي محتدم قبل أيام من الانتخابات البرلمانية الحاسمة في ولايتي تورينغن وساكسونيا شرقي ألمانيا.

تواجه الحكومة الألمانية دعوات متزايدة لتشديد سياسة الهجرة واللجوء واتخاذ إجراءات أكثر صرامة بحق اللاجئين الخطرين والمدانين، عقب سلسلة من الجرائم التي ارتكبها لاجئون مشتبه بهم، كان آخرها هجوم الطعن الذي أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص في مدينة زولينغن غربي ألمانيا نفذه لاجئ سوري وأعلن تنظيم "الدولة" مسؤوليته عنه.

وعقب مقتل شرطي طعناً بالسكين خلال هجوم نفذه لاجئ أفغاني مطلع حزيران الفائت في مدينة مانهايم بولاية بادن فورتمبيرغ جنوب غربي ألمانيا، اتفقت الحكومة الاتحادية مع حكومات الولايات على "ضرورة ترحيل المجرمين الخطرين والمتعاطفين مع الإرهاب إلى أفغانستان وسوريا مرة أخرى في المستقبل"، وقد رحبت الولايات الاتحادية بإعلان المستشار الاتحادي أولاف شولتس بهذا الشأن.

الحكومة تُنفذ أول عملية ترحيل

يأتي احتدام النقاش في ألمانيا حول سياسات الهجرة واللجوء بعد هجوم زولينغن، لأن الحادثة وقعت قبل أيام من الانتخابات البرلمانية في ولايتي تورينغن وساكسونيا شرقي البلاد. ما جعل الائتلاف الحكومي، الذي يقوده الحزب الديمقراطي الاشتراكي إلى جانب حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، تحت ضغط مكثف للتحرك سريعاً وتشديد إجراءات اللجوء.

مع تصاعد التوترات السياسية، من المتوقع أن تؤثر هذه المستجدات بشكل كبير على نتائج الانتخابات المقبلة، مما قد يمنح الأحزاب اليمينية المتطرفة فرصة لتعزيز نفوذها من خلال استغلال المخاوف الشعبية المتزايدة بشأن قضايا الأمن واللاجئين.

ويوم الجمعة، أعلنت الحكومة الألمانية أنها رحلت 28 لاجئاً أفغانياً إلى بلادهم، وهي أول عملية ترحيل إلى أفغانستان منذ أن سيطرت حركة "طالبان" على الحكم في آب 2021، وأوضح الناطق باسم الحكومة شتيفن هيبيشترايت في بيان أن "هؤلاء مواطنون أفغان، وجميعهم مدانون بارتكاب جرائم ولا يحق لهم البقاء في ألمانيا وقد صدرت بحقهم أوامر ترحيل".

وخلال إحدى فعاليات حملة انتخابية لحزبه (الاشتراكي الديمقراطي)، قرب مدينة لايبتزيغ شرقي البلاد، اعتبر المستشار الألماني أولاف شولتس عملية الترحيل بأنها "إشارة واضحة للمجرمين بأن برلين تطبق القانون بصرامة". وقالت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر إن "ذلك كان ضرورياً لتستمر الثقة بدولة القانون لدينا".

اتفاق حكومي على تشديد سياسة الأمن واللجوء

في سعيها لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة في مجال الأمن وسياسة اللجوء، وافقت أحزاب الائتلاف الحاكم يوم الخميس على حزمة جديدة من الإجراءات، تتضمن تشديد قوانين حمل السلاح وإلغاء الإعانات المقدمة لبعض طالبي اللجوء، وتوسيع صلاحيات السلطات الأمنية، ومكافحة التطرف.

وأعلنت وزيرة الداخلية نانسي فيزر أن الائتلاف الحاكم اتفق على إلغاء المساعدات الاجتماعية التي تُقدم لبعض طالبي اللجوء. وأوضحت أن "هذا يتعلق بطالبي اللجوء الذين تتحمل دولة أوروبية أخرى المسؤولية عنهم بموجب اتفاقية دبلن ووافقت على إعادة قبولهم". (أي الأشخاص الذين لديهم بصمة أو تقدموا بطلب لجوء في دولة أوروبية أخرى قبل وصولهم إلى ألمانيا).

تشمل الإجراءات من بين أمور أخرى أيضاً فرض حظر مطلق على استخدام السكاكين في المهرجانات العامة، أو الفعاليات الرياضية، أو المعارض التجارية، أو الأسواق أو الفعاليات العامة المماثلة". كما سيُسمح للولايات الاتحادية بفرض حظر على استخدام السكاكين في الأماكن التي تنتشر فيها الجرائم، مثل محطات القطارات. بالإضافة إلى توسيع نطاق صلاحيات الأجهزة الأمنية في مكافحة "التطرف الإسلاموي".

وفقاً لما ورد في وثيقة حكومية تحدد طبيعة التدابير، فإن "أولئك الذين يسافرون إلى بلدهم الأصلي من دون أسباب قاهرة، سيفقدون حقهم بالحماية في ألمانيا، ويُستثنى من ذلك اللاجئون الأوكرانيون"، ومن المقرر أن يصوت على حزمة الإجراءات المجلسان الأعلى والأدنى في البرلمان الألماني.

هل تُطبق حزمة الإجراءات في المستقبل القريب؟

في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أوضح السياسي الألماني من أصول سورية، والعضو في حزب "فولت" (Volt) أسامة كزو أن الاتفاق الحكومي على "الحزمة الأمنية" هو خطوة أولية مهمة، ولكنه ليس قراراً نهائياً قابلاً للتنفيذ فوراً، وهو مجرد موافقة سياسية على المبادئ العامة للإجراءات المقترحة، وبعد هذا التوافق، يجب أن تمر الإجراءات بعدة خطوات تشريعية لإقرارها وتطبيقها كقانون أو سياسة.

من الناحية النظرية، يشرح كزو الذي يعمل في مجال الهجرة والاندماج أن هذا التوافق يجب أن يمر عبر إجراءات تشريعية ليصبح قابلاً للتنفيذ في المستقبل القريب، ويعتمد ذلك على عدة عوامل. فأولاً، يُعرض المشروع على البرلمان الألماني (البوندستاغ) للمناقشة والتعديل، وبعد ذلك يُحال إلى اللجان المختصة لدراسته ومناقشة تفاصيله وإجراء تعديلات عليه، بالإضافة إلى إجراء مراجعة قانونية للتأكد من توافقه مع الدستور الألماني والقوانين الأوروبية.

بعد انتهاء اللجان من دراستها، يُعرض مشروع القانون بصيغته المعدلة على البوندستاغ مرة أخرى، حيث يُجرى نقاش أخير حوله، ثم يتم التصويت عليه، وإذا حصل على الأغلبية، يُحال إلى البوندسرات (المجلس الاتحادي الممثل للولايات الألمانية). في بعض الحالات، خاصةً القوانين التي تؤثر على الولايات، تتطلب موافقة البوندسرات. وإذا سارت هذه الخطوات بسرعة وبدون خلافات كبيرة، يُرسل مشروع القانون إلى المستشار الاتحادي للتوقيع عليه. وبعد التصديق، يُنشر القانون في الجريدة الرسمية ليصبح ساري المفعول.

"ضغط سياسي على اللاجئين"

من الناحية القانونية، يرى كزو أن تطبيق مثل هذه الحزمة سوف يواجه صعوبات كثيرة. فمثلاً، قطع المساعدات الاجتماعية عن طالبي اللجوء هو أمر غير قانوني، إذ يضمن الدستور الألماني الحد الأدنى من مستوى المعيشة لكل فرد. فإذا كانت هذه التدابير ستعرض حياة الإنسان للخطر، فإن هذا يعارض بالتأكيد الدستور، ناهيك أن ذلك يعد انتهاكاً للقوانين الأوروبية.

من وجهة نظره، فإن "إلغاء المساعدات التي تضمن حياة كريمة وتؤمن الحد الأدنى من المعيشة لا ينبغي أن يكون وسيلة لممارسة الضغط السياسي على اللاجئين. وفي حال استمرار هذا التصعيد، ستتدخل المحكمة الدستورية الألمانية، كما ستتعرض ألمانيا إلى مساءلات من محكمة العدل الأوروبية، هذا عدا تدخُّل منظمات حقوق الإنسان التي ترى أن مثل هذه الإجراءات تنتهك حقوق وكرامة الإنسان".

بحسب كزو، فإن "هذه الإجراءات لن تعزز الاندماج بل ستزيد من المشكلات في المستقبل، وهي عبارة عن طروحات سياسية شعبوية باتت تستخدمها الأحزاب لكسب أصوات الناخبين، ولكن بالطبع الهدف منها هو الضغط على اللاجئين".

يتعرض طالبو اللجوء الذين يخضعون لإجراءات دبلن في ألمانيا لخطر الترحيل إلى بلد ثالث مسؤول عن طلبهم، ومع ذلك، لا يوجد في كثير من الأحيان أي دعم اجتماعي على الإطلاق في هذه البلدان الثالثة. وأكد المدير الإداري لمجلس اللاجئين في ولاية شليسفيغ هولشتاين، مارتن لينك، لشبكة (NDR) أن "المحكمة الدستورية الألمانية قد حظرت ذلك منذ عام 2012، لكن السياسيين لا يكترثون بذلك". وأشار إلى أن أحكام القانون الدولي، التي وقعت عليها ألمانيا أيضاً، تحظر مثل هذه الممارسات.

قال لينك، "كنت أود ألا أرى أي صلة بين سياسة تسعى لحماية الأشخاص الذين يطلبون الحماية على أساس الدستور وحالة عنف فردية". مضيفاً "لقد أسيء استخدام الحادث، وكان من الخطأ أن يُفهم من هذه الحالة أن جميع اللاجئين القادمين من بلدان تسود فيها الحروب والعنف يشكلون خطراً محتملاً على المجتمع". وتحدث عن عدم اليقين الكبير الذي يسود الآن في مجتمع اللاجئين السوريين والأفغان على وجه الخصوص.

من جهتها، اعتبرت المتحدثة باسم الحزب الاشتراكي الديمقراطي بشأن سياسة الهجرة في البرلمان الألماني، رشا نصر، أن "تشديد سياسة اللجوء، وإلغاء المساعدات والتوسع في الإجراءات العقابية ضد اللاجئين الشباب، يؤدي إلى التهميش والانقسام". مضيفةً "إلى جانب الإخفاقات في الاندماج في ألمانيا، فإنها تشكل أرضية خصبة لمزيد من التطرف".

"عمليات الترحيل غير دستورية"

فيما يتعلق بترحيل اللاجئين المدانين بارتكاب جرائم، أوضح كزو لموقع تلفزيون سوريا أن "هذا يتعارض مع الدستور الألماني. فحق اللجوء منفصل عن القوانين الأخرى، فعلى سبيل المثال، من الممكن لشخص هارب من بلده بسبب جريمة ارتكبها وهناك احتمال بأن يُعاقب عليها بالإعدام، أن يحصل على اللجوء في ألمانيا، لأن القانون الألماني يمنع عقوبة الإعدام. وبالتالي، فإن المجرم اللاجئ لا يُسلب حق اللجوء، وإنما يجب أن يُحاسب على أساس دستوري ويُعاقب على جريمته".

قال عضو حزب الخضر في البرلمان الألماني، جوليان بالكه، حول عملية الترحيل إلى أفغانستان يوم الجمعة "لا يمكن للمجرمين الخطرين أن يتوقعوا أي حماية. ومع ذلك، أثيرت أسئلة قانونية حول ما إذا كان ينبغي تنفيذ الترحيل بهذه الطريقة". مضيفاً أن "الدستور يقضي بإدانة المجرمين وتقديمهم للعدالة وقضاء مدة عقوبتهم بالكامل".

بدورها، ردت منظمة العفو الدولية على عملية الترحيل بانتقادات لاذعة. ودعت الأمينة العامة للمنظمة في ألمانيا، جوليا دوتشرو، إلى "عدم ترحيل أي شخص إلى بلد يتعرض فيه لخطر التعذيب". وقالت إن "من المثير للقلق أن الحكومة الألمانية تجاهلت هذه الالتزامات وقامت بترحيل أشخاص إلى أفغانستان"، محذرة من أن تصبح برلين بذلك "متواطئة مع طالبان".

كما حذرت منظمة "برو أزول" الحقوقية من أن الترحيل قد يعني خطوة نحو "التطبيع مع حكومة طالبان".

اجتماع مقبل بين الحكومة والمعارضة لمناقشة سياسة اللجوء

في حين أن السياسيين من أحزاب ائتلاف "إشارة المرور" الحاكم، رحبوا بحزمة الإجراءات المتعلقة بتشديد سياسة الأمن واللجوء التي أعلنت عنها الحكومة الاتحادية يوم الخميس، إلا أن "الاتحاد المسيحي"، وهو أكبر كتلة معارضة، يرى أنها غير كافية. أما حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، فاعتبرها إجراءات "وهمية"، ودعا إلى "ضرورة إنهاء الهجرة غير الشرعية".

بدأ العمل على إعداد حزمة الإجراءات بالفعل في عطلة نهاية الأسبوع التي تلت وقوع الهجوم في زولينغن، وكان المستشار شولتس قد أعلن الأربعاء عن عزمه إجراء محادثات مع "الاتحاد المسيحي" وحكومات الولايات لمناقشة سياسة اللجوء وبحث النتائج المترتبة على الهجوم. ومن المنتظر أن تنعقد في الأسبوع المقبل أول جلسة لمجموعة العمل التي تضم ممثلين عن الأحزاب الثلاثة المشاركة في الائتلاف الحاكم، وهي الحزب الاشتراكي، وحزب الخضر، والحزب الديمقراطي الحر.

يدفع زعيم حزب "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، فريدريش ميرتس، الذي يطمح للترشح لمنصب المستشار في الانتخابات الاتحادية للعام 2025، إلى مزيد من الضغوط على الائتلاف الحاكم بشأن سياسة الهجرة واللجوء، حيث دعا أمس السبت في نشرته الإخبارية الأسبوعية التي نشرتها مجموعة "فونكه" الإعلامية، إلى تطبيق "حالة الطوارئ الوطنية" لتجاوز قوانين الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة وتسريع عمليات الترحيل.

وقال إن "البلاد وصلت بالفعل إلى أقصى حد لا يمكنها تحمله فيما يتعلق بمسألة اللجوء، وأن طالبي اللجوء باتوا يشكلون الآن تهديداً للأمن القومي والنظام العام". وأضاف أن "سياسة اللجوء في ألمانيا شهدت تحركاً بصورة ما في الأيام الأخيرة، لكن ذلك لم يكن كافياً"، معتبراً أن حزمة الإجراءات التي أعلنتها حكومة المستشار الألماني أولاف شولتس "لن تغير من الوضع، لأنها مرة أخرى لا تعالج المشكلة الحقيقية".

كان ميرتس قد طالب بعد وقت قصير من وقوع الهجوم بالسكين في زولينغن، بترحيل اللاجئين إلى سوريا وأفغانستان، وعدم قبول مزيد من اللاجئين من هذه الدول. لكن الأمين العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي، كيفين كونيرت، رفض هذه المطالب فوراً، وأوضح في لقاء مع القناة الأولى الألمانية أن "العديد من المقترحات التي قدمها ميرتس غير قابلة للتنفيذ لأن الدستور الألماني يقف عائقاً أمامها، وهذا ينطبق على سبيل المثال على الحق الفردي في اللجوء".

من جهتها، أكدت منظمة "برو أزول" الحقوقية أن "اقتراح ميرتس غير دستوري وغير متوافق مع قانون الاتحاد الأوروبي. كما أنه ينتهك اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وهو غير إنساني على الإطلاق ويؤدي إلى انقسام المجتمع".

ودعت المنظمة القادة السياسيين في الوسط الديمقراطي إلى "عدم الدخول في منافسة للتفوق على اليمين المتطرف". وفيما يتعلق بعمليات الترحيل إلى أفغانستان وسوريا، قالت إن "القانون الدولي يحظر بوضوح أي عمليات ترحيل إلى هذين البلدين الأصليين، حيث يشكل التعذيب والعقوبات اللاإنسانية تهديداً في كلا البلدين".