icon
التغطية الحية

موجة ضغوط عربية جديدة.. هل يواجه السوريون قرار العودة إلى وطنهم؟

2024.09.17 | 06:46 دمشق

لاجئة سورية
لاجئة سورية في الأردن مع طفليها (رويترز)
 تلفزيون سوريا - خاص
+A
حجم الخط
-A

ملخص:

  •  شهدت الأشهر الأخيرة تصاعد الضغوط في الدول العربية على اللاجئين السوريين.
  •  أصدرت مصر والعراق إجراءات لتقنين أوضاع اللاجئين، مع منع منح الإقامة السياحية للسوريين.
  •  أكدت الأردن مراراً أن حل أزمة اللاجئين يتم عبر العودة الطوعية.
  • هناك مؤشرات على وجود توجه عربي غير معلن للضغط على السوريين للعودة.
  •  يخشى اللاجئون من الاعتقال والمضايقات في حال العودة، رغم نفي النظام.

شهدت الأشهر الأخيرة تزايد الضغوط وارتفاع وتيرة التصريحات في الدول العربية التي تستقبل أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين، حيث أجمعت جميعها على ضرورة العمل من أجل عودة اللاجئين إلى بلادهم "بشكل طوعي".

وترافقت تلك التصريحات مع خطوات اتخذتها الدول العربية تباعاً - باستثناء لبنان، التي لم يتوقف خطابها العنصري ضد اللاجئين - حيث بدأ الأمر في مصر، ثم العراق، وانتهى بالتصريحات الأردنية المتكررة التي أكدت أن حل مشكلة اللاجئين يكمن في العودة "الطوعية" إلى بلادهم.

ما الذي حصل؟

أعطت الحكومة المصرية في نيسان/أبريل مهلة للأجانب المقيمين على أراضيها، بما فيهم السوريون، لتقنين أوضاعهم، وانتهت في حزيران/يونيو. وتبعتها قرارات عديدة لم تكن في صالح السوريين، أبرزها إلغاء منحهم أو تجديد الإقامة السياحية، بينما بقيت بقية الجنسيات تحصل عليها.

وفتحت هذه الضغوط أبواب التساؤلات والمخاوف، حيث وصل الأمر إلى حرمان نسبة كبيرة من الطلاب السوريين من الالتحاق بالمدارس بشكل رسمي، بسبب عدم تجديد الإقامة السياحية لعائلاتهم، والمواعيد المتأخرة لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للحصول على "الكارت الأصفر" ثم "إقامة اللجوء". ما دفع العديد من العائلات السورية إلى اتخاذ قرار العودة إلى سوريا أو البحث عن بلد آخر.

وتزامن انتهاء المهلة التي أعطتها الحكومة المصرية مع مطالبة الحكومة العراقية للعمال السوريين بالتواصل مع مديرية شؤون الإقامة لتصحيح أوضاعهم خلال مهلة محددة.

وسبق ذلك إطلاق حملة استهدفت الأجانب المخالفين لقواعد الإقامة، مما أدى إلى اعتقال وترحيل العديد من السوريين بعد مداهمة منازلهم وأماكن عملهم، على الرغم من حظر مجلس القضاء العراقي في آب 2023 ترحيل أي لاجئ سوري من العراق.

وتكررت التصريحات الأردنية على لسان ولي العهد ووزارة الخارجية، مؤكدةً أن حل أزمة اللاجئين السوريين يكمن في عودتهم إلى وطنهم، وأن الأردن يراجع السياسة والاستراتيجية المتبعة بشأن اللجوء السوري.

وفي نهاية أيار/مايو الماضي، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، عن اتفاق مع مصر والعراق والأردن على خطة للتواصل مع النظام السوري بشأن قضية اللاجئين الموجودين على أراضي تلك البلدان.

هل هناك اتفاق عربي للضغط على اللاجئين؟

قال منسق مجموعة عمل اللاجئين في الائتلاف الوطني السوري، أحمد بكورة، إنه في ظل تصاعد الضغوط على اللاجئين السوريين في عدة دول عربية، يصعب الجزم بإقرار أو نفي وجود اتفاق عربي رسمي ومعلن يهدف إلى إعادتهم إلى سوريا.

وأضاف في حديث لموقع تلفزيون سوريا: "ومع ذلك، هناك مؤشرات على وجود توجه في بعض الدول لتحقيق هذا الهدف. بدأت موجات الضغط في لبنان، تلتها مصر والعراق، وصولًا إلى الأردن، حيث تصاعدت الدعوات لعودة اللاجئين".

وتابع أن إحدى تجليات هذه التطورات تمثلت في تصريحات رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، الذي أشار إلى تواصل لبنان مع مصر والأردن والعراق والنظام السوري لمناقشة قضية اللاجئين. وفي الوقت ذاته، صدرت قرارات وإجراءات خاصة بشروط الإقامة في مصر شكلت صدمة لكثير من السوريين، خاصةً أن العديد منهم لجؤوا إلى مصر باعتبارها ملاذًا آمنًا مقارنةً بالضغوط التي واجهوها في لبنان وتركيا".

وأردف: "إلا أنهم فوجئوا بتلك الإجراءات التي وضعتهم في حالة من الحيرة والقلق، خاصةً أنها لم تراعِ الظروف الخاصة بالسوريين في هذه الأوقات الصعبة، مما جعلهم يواجهون خطر خسارة إقاماتهم أو البقاء بشكل غير قانوني بسبب صعوبة، وفي بعض الحالات استحالة تجديد إقاماتهم".

ورأى "بكورة" أن الهدف من هذه التحركات له أبعاد متعددة، فمن جهة، تسعى الدول المضيفة لتخفيف الأعباء الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين، خاصةً في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعيشها. ومن جهة أخرى، قد يكون هناك ضغط إقليمي، خاصة بعد انعقاد اجتماع إقليمي في الأردن في أيار/مايو 2023 بالتنسيق مع النظام السوري، ضمن إطار "المبادرة الأردنية" التي تهدف إلى إيجاد حلول لإعادة اللاجئين ومكافحة تجارة المخدرات. ورغم التأكيد الرسمي على أن العودة ستكون طوعية، فإن التغيرات الأخيرة في السياسات أثارت مخاوف بين اللاجئين من أن هذه الضغوط قد تؤدي إلى إعادتهم قسراً. 

تركيا تضغط

وأضاف أن هذا التوجه الإقليمي يمكن ملاحظته أيضاً من خلال تصريحات وزير الخارجية التركي السابق، مولود جاويش أوغلو، الذي أكد خلال اجتماع في الأردن على أهمية التعاون الإقليمي بين تركيا ودول الجوار السوري، بما في ذلك الأردن، لحل أزمة اللاجئين، حيث أشار إلى ضرورة التعاون مع النظام لضمان استقرار دائم في سوريا، مع التركيز على عودة "آمنة وكريمة" للاجئين، وتأمين البنية التحتية اللازمة لتلبية احتياجات العائدين. وهذا يمكن أن يشير إلى تزايد التوجه نحو إعادة اللاجئين في إطار إقليمي يشمل تركيا ودول الجوار.

وأكد"بكورة" أن موجات الضغط على اللاجئين ازدادت بشكل ملحوظ قبل انعقاد مؤتمر بروكسل لدعم اللاجئين في نيسان/أبريل 2024، والذي كان مخصصاً لمناقشة تمويل احتياجات اللاجئين السوريين والدول المستضيفة لهم، بما في ذلك مصر.

وكانت هناك توقعات بأن تنخفض حدة الضغوط بعد هذا المؤتمر، لكن ما حدث لاحقاً أظهر أن هذه التوقعات كانت متفائلة بشكل مفرط. ويمكن أن تتحمل جزءاً من أسباب ذلك الانتخابات البرلمانية الأوروبية، التي قد تدفع نحو سياسات أكثر تشدداً تجاه اللاجئين، مما دفع دول الجوار ومصر إلى التريث في اتخاذ مواقف جديدة بانتظار استيضاح السياسات التي سيتبناها الاتحاد الأوروبي بشأن هذا الملف، وفقاً لـ"بكورة".

ما العوامل التي تدفع الدول للضغط؟

قال رئيس مجلس إدارة مؤسسة "سوريا الغد للإغاثة" في مصر، الدكتور ملهم الخن، في تصريحات لموقع تلفزيون سوريا، إنه لا شك أن هناك توافقاً عربياً للضغط على السوريين والتضييق عليهم للعودة إلى سوريا.

واعتبر أن ذلك يأتي نتيجة عدة أمور، أبرزها غياب أي بادرة حل للأزمة السورية في الوقت القريب، والضغوط الاقتصادية والمشكلات الداخلية التي تعاني منها بعض الدول، والتي كان من الأسهل لدى معظم المسؤولين فيها تحميل مسؤوليتها للحلقة الأضعف، وهي ملف اللاجئين السوريين.

إضافة إلى ذلك السياسة الدولية العامة للدول المانحة، التي بدأت بتخفيض المنح الخاصة بالسوريين، مما جعل بعض الدول تفكر بشكل جدي في التخلص من أعداد كبيرة منهم لضعف الدعم الخاص بهم.

ورأى أن معظم الدول العربية اليوم تسعى لإيقاف موجة اللجوء وإعادة السوريين من خلال التضييق عليهم، وفرض تعقيدات ورسوم جديدة تجعلهم يتحملون المعيشة الصعبة وغير الآمنة في بلدهم عن الاستمرار في الدول المضيفة، وتقطع الطريق أمام الراغبين الجدد بمغادرة بلادهم.

واعتبر أن السياسة الحالية تعتمد على تقديم التسهيلات لأصحاب رؤوس الأموال للاستفادة منها، والضغط على الفئة الفقيرة للعودة ومنعها من الخروج من سوريا.

وقال: "مع غياب المشروع الدولي والعربي الحالي لعملية التغيير السياسي في سوريا، وبعد التطبيع العربي مع النظام السوري بحجة مساعدة الشعب السوري، ومع عدم استجابة النظام لأي اتفاقات ومساعٍ إصلاحية داخلية، لم تجد هذه الدول أي حل سوى البدء بالضغط التدريجي على اللاجئين، أو البدء بإعادتهم فعلياً كما في بعض الدول دون وجود أدنى حلول أو مقومات تضمن للاجئ أمنه وحياته الكريمة، ودون الاكتراث بوجود حل سياسي داخل سوريا يحترم تضحيات الشعب السوري العظيمة قبل إعادة اللاجئ لبيت الطاعة ولرحمة نظام الأسد".

 العودة ومخاطرها

أكد منسق مجموعة عمل اللاجئين في الائتلاف أنه من السابق لأوانه الحديث عن نجاح هذه المساعي (إعادة السوريين)، خاصةً أن تحقيقها يعتمد على مدى قدرة الدول على تنفيذ هذه السياسات دون مواجهة معارضة داخلية أو دولية كبيرة. إلا أن هذه التحركات تنطوي على مخاطر كبيرة، خصوصًا أن الظروف في سوريا ليست آمنة لعودة اللاجئين.

وأشار إلى التحذيرات التي أطلقتها المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، من أن سوريا لا تزال غير آمنة، مما يجعل أي محاولة لإعادة اللاجئين قسرًا انتهاكاً للقوانين الدولية، وقد يؤدي إلى عواقب إنسانية وخيمة.

وأكد أن خطورة هذه السياسات تكمن في احتمال تفاقم الأزمة الإنسانية للاجئين السوريين وزيادة تعقيد الصراع في سوريا، إذ قد يجد اللاجئون أنفسهم مضطرين للعودة إلى بيئة غير مستقرة، مما قد يزيد من معاناتهم ويدفعهم إلى النزوح مرة أخرى داخل سوريا أو البحث عن ملاذات آمنة في دول أخرى.

اعتقالات وانتهاكات وعرقلة العودة

قال الدكتور ملهم الخن، إن الغالبية العظمى من اللاجئين لا تنوي العودة، بل على العكس، فإن أعدادًا كبيرة من السكان داخل سوريا ما زالت تتدفق باستمرار إلى خارج البلاد.

وتابع أن النظام يحاول عرقلة أي مشروع عودة للاجئين، وذلك بسبب عدم رغبته في تحمل مسؤوليات وأعباء إضافية حال عودتهم، بالإضافة إلى رغبته في استمرار مشروع التغيير الديمغرافي للخارطة السورية وابتزاز العالم بأزمة اللاجئين، على حد قوله.

وأضاف أن العرقلة واضحة من خلال عمليات الاعتقال لبعض العائدين وحالات الاختفاء التي يتردد صداها بشكل دائم بين اللاجئين وتسبب لهم الخوف من العودة.

وزاد: "لا شك أن سياسة تعامل النظام السوري مع ملف اللاجئين وتهربه من تحمل أي مسؤولية تجاههم من خدمات أو رعاية أو حتى إعطاء أي ضمانات أو تطمينات أو تعويضات لهم للعودة إلى بلدهم، جعلت الدول المستضيفة تتحمل العبء الأكبر من وجودهم على أراضيها ولا ترى بادرة قريبة لعودتهم. وفي المقابل، يضغط النظام السوري على السوريين داخل مناطق سيطرته من خلال غياب الأمن وانتشار الفساد والغلاء الشديد وحالات الخطف وغياب الخدمات الأساسية وضعف المردود المالي ووجود الميليشيات الإيرانية".

وفي ظل الضغوط التي يتعرض لها اللاجئون، يتخوّف الكثيرون من الاعتقالات العشوائية التي قد تطولهم في حال عودتهم إلى سوريا، الأمر الذي ينفيه النظام ولكن تؤكده الأحداث على أرض الواقع.

وأكدت شقيقة أحد الأشخاص الذين عادوا من مصر إلى سوريا قبل نحو شهر ونصف، اعتقاله في مطار دمشق الدولي، واقتياده إلى جهة مجهولة وبقاءه لمدة 45 يوماً.

ولفتت في حديثها لموقع تلفزيون سوريا إلى أن شقيقها رفض الحديث عما حصل معه في الاعتقال، ويفكر في مغادرة سوريا مجدداً إلى مكان آخر، حيث جاء توقيفه رغم إجراء ما يسمى "فيش أمني" (السؤال في الفروع الأمنية عبر أشخاص معينين لمعرفة إذا كان الشخص مطلوباً للنظام السوري) ولم يظهر اسمه. 

النظام ينفي!.. الشبكة السورية ترد

وسبق أن قال وزير الخارجية في حكومة النظام، فيصل المقداد، إن النظام يرحّب بعودة اللاجئين السوريين، وأسقط الأحكام السياسية والأمنية ضدهم، وإن الأجهزة الأمنية لم تعتقل أي لاجئ سوري عاد.

ووصف مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، تصريحات وزير الخارجية في حكومة النظام بـ"الكذب الفاضح".

وقال عبد الغني في حديث لتلفزيون سوريا: "ما يقوله المقداد هو عملية كذب واضحة ولا يمكن الاعتداد بها، والرد عليها واضح جدًا من البيانات التي وثّقتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وتقارير لجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا".

الأمم المتحدة تؤكد اعتقال العائدين إلى سوريا

أكد رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، باولو سيرجيو بينيرو، أن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا ما زالت مستمرة، وتشمل اللاجئين والنازحين العائدين إلى بلادهم.

وقال بينيرو في كلمة أمام مجلس حقوق الإنسان في 3 تموز/يوليو الفائت: "داخل سوريا، تستمر الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري والتعذيب والموت أثناء الاحتجاز، وتنتشر أعمال العنف وانعدام الأمن في أجزاء مختلفة من البلاد".

وأضاف: "وفي البلدان المجاورة، يواجه السوريون خطر الترحيل والعودة القسرية إلى سوريا، وعند عودتهم يواجهون خطر الاعتقال أو الاختفاء، أو يجدون منازلهم ومزارعهم مدمرة ولا وسيلة لديهم لكسب الرزق".

وأشار بينيرو إلى أن قوات الأمن والميليشيات التابعة للنظام تستغل المدنيين مالياً بدلًا من توفير الحماية وسيادة القانون، مع استمرار حالات الاحتجاز والاختفاء القسري، مؤكداً أن اللجنة وثّقت اعتقال قوات النظام للاجئين الذين حاولوا العودة إلى بلادهم.

يُشار إلى أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثّقت اعتقال قوات النظام ما لا يقل عن 156 شخصاً، بينهم طفلان و5 سيدات، من النازحين واللاجئين الذين تمت إعادتهم إلى سوريا قسرياً، منذ مطلع عام 2024 وحتى 15 آب/أغسطس الفائت.