التزم عدد كبير من السوريين في مناطق النظام بيوتهم في هذا العيد مقارنةً مع العيد الفائت عيد الفطر، وبسؤال بعض الأهالي في وسائط النقل العامة في دمشق، تبيّن أن مردّ ذلك بشكل رئيسي إلى ضيق الحال والغلاء المعيشي "كل شي غالي.. بس الإنسان رخيص هون" حسب وصفهم، فضلاً عن موجة الحر التي تتعرض لها البلاد.
وبينما ارتدى بعض الأطفال ملابسهم الجديدة وخرجوا إلى الشوارع والحدائق لملاقاة بقية الأولاد، غاب معنى العيد ومظاهره عن أطفال آخرين، ومرّ عليهم مرور الكرام من دون ثياب جديدة أو حتى "عيديات" ضئيلة يشترون بها "الأكلات الطيبة".
يقول أحد الأطفال (عدنان) الذي يبيع الورد في القصاع على مقربة من المستشفى الفرنسي وبسؤاله عن العيد، وعلامات الإنكار بادية على وجهه: "أيَّ عيد؟". عدنان كغيره من الأطفال الذين لا يعرفون شيئاً عن فرحة العيد بل يصرفون طفولتهم على هموم تفوق أعمارهم.
"الدورة" بخمسة آلاف ليرة سورية
انتشر في هذا العيد تأجير الدراجات النارية "الموتورات" من نوعية "سنفور" والسيارات ذات الأربع عجلات للأطفال في الساحات العامة.
وبسؤال أحد أصحاب هذه "الموتورات" في منطقة دف الشوك، تبين أنّه قادم من منطقة يلدا مع أخيه وابن أخيه بثلاثة "موتورات" يقومون بتأجيرها للأطفال والمراهقين في ساحة العيد بمبلغ 5 آلاف ليرة سورية للدورة الواحدة.
وبسؤال الأطفال عن كيفية تعلمه قيادتها، قال (غيث) بحماس واضح أنه تعلّم بنفسه وأنّه يأتي منذ اليوم الأول للعيد لاستئجار الموتور مرتين؛ مرة صباحاً ومرة مساءً.
ويقول الطفل (غيث) لموقع "تلفزيون سوريا": "ما بخاف أطلع على الموتور، أنا لحالي تعلمت سواقته، حصلت على عيدية من أهلي وأقاربي 25 ألف ليرة سورية، لم أشتر بها شيئاً بل خصصتها للموتور".
ولا تقتصر خطورة قيادة هذه الدراجات النارية للأطفال على الأذية التي قد تلحق بهم من جراء السقوط او الاصطدام، بل هناك إمكانية لتعرّضهم لـ "ضربة شمس" ووعكة صحية ليست في الحسبان.
أما قيادة السيارات ذات الأربع عجلات فهي بعشرة آلاف ليرة سورية للدورة الواحدة. ويتحدث صاحبها (ابو ياسين) بكونه يقوم بالصعود خلف الطفل الذي يستأجرها ويتركه يقودها بنفسه بينما هو خلفه.
ويقول (أبو ياسين) لموقع "تلفزيون سوريا": "بعض الأطفال يستطيعون قيادة السيارة وحدهم، فأحفظ وجوههم وأقبل بتأجيرهم إياها دون أن أكون مضطراً للصعود خلفهم".
ويستغل أصحاب هذه الدراجات قدرتهم على رشوة أي لجنة من لجان المحافظة حينما تأتي إحدى دورياتها، يقول (أبو ياسين): "إذا جاؤوا الشباب الطيبة، نعطيهم العيدية وبيمشي الحال!".
انحسار ساحات الأعياد
وقللت "محافظة دمشق" من ساحات الأعياد في هذا العيد بالمقارنة مع العيد الفائت، ما أدى إلى قلّة الأماكن التي يستطيع الأطفال اللجوء إليها للتسلية مع الأصدقاء. فبدلاً من أن تحتوي المنطقة على ثلاث أو أربع ساحات صغيرة موزعة في الشوارع الكبيرة أو الحارات الضيقة، اقتصر الأمر هذا العيد على ساحة واحدة أو ساحتين بأفضل الحالات في الشوارع الكبيرة ضمن المنطقة.
وفي منطقة التضامن جنوبي دمشق، استطلع موقع "تلفزيون سوريا" سبب غياب "ساحات العيد" هذا العيد، وقد أوضح أحد أصحاب الأراجيح، أن دوريات تابعة المحافظة أزالت ساحة كاملة على مقربة من محال"عمو حسن" قرب شارع الجمعية، بحجة أنها أقيمت في مكان ضيق من دون موافقة، وتمت مصادرة الأراجيح والألعاب من أصحابها.
ويقول (أبو حسان) لموقع "تلفزيون سوريا": "المحافظة صادرت المراجيح من الساحة القريبة من شارع الجمعية، وكان من المفترض أن يسترجعها أصحابها من المحافظة بدفع "البراطيل" ويعيدوا تركيبها في ساحة جامع الزبير، لكننا صرنا في اليوم الثاني من العيد والساحة لا تزال فارغة".
وكان المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق قد أصدر تعميماً بمنع تركيب الألعاب داخل الحدائق العامة، كما حدد قيمة الإشغال بـ 1500 ليرة سورية للمتر المربع الواحد من الساحة وبتأمين 100 ألف ليرة سورية. كما قامت بتحديد الساحات المسموح فيها تركيب الألعاب في كل منطقة وخصصت دوريات لتفتيش التراخيص وملاحقة المخالفين.
الحدائق ملجأ الفقراء
وفي الوقت الذي تزدحم فيه المولات بالأهالي الهاربين إليها سواء لتناول الوجبات الجاهزة أو فقط لملاقاة الأصدقاء ومشاهدة أجواء العيد العامة من دون الانخراط فيها بالشراء أو الترفيه، فإن عدداً كبيراً من الناس بقوا في بيوتهم من دون أن تطولهم فرحة العيد.
كما لجأ بعض الأهالي إلى ترفيه أطفالهم بأقل التكاليف وبالحلول المتاحة مجاناً، كأخذهم إلى الحدائق العامة التي تحتوي ساحات لعب، على الرغم من كون معظم أراجيحها تحتاج إلى الصيانة، فضلاً عن انتشار القمامة في كل مكان فيها.
وفي حديقة ساحة جورج خوري الملاصقة لسوق القصاع، التقى موقع "تلفزيون سوريا" ببعض الأهالي، الذين جاؤوا مع أطفالهم بحثاً عن فرحة العيد المفقودة.
تتحدث (أم زين) لموقع "تلفزيون سوريا" عن كونها جاءت مع زوجها وطفليها زين (11 سنة) وهشام (8 سنوات) لكي يلعبوا في الحديقة نظراً لعدم قدرتها وزوجها على أخذهم إلى المولات أو ساحات اللعب.
وتقول (أم زين): "أقل لعبة في ساحة الألعاب المجاورة لمنزلي بخمسة آلاف ليرة سورية للطفل الواحد، أي إنني سأحتاج على الأقل إلى مئة ألف ليرة سورية حتى يأخذ الأطفال كفايتهم من اللعب، أو سأضطر إلى إجبارهم على العودة إلى المنزل وهكذا سيُكسر خاطرهم".
(أبو علاء) الذي يعمل موظفاً حكومياً في وزارة المالية والذي لا يتجاوز مرتّبه الشهري 460 ألف ليرة سورية، قد استطاع شراء ملابس العيد لأطفاله الثلاثة بفضل الحوالة التي أرسلتها أخته المتزوجة في الكويت، واشترى بعض الحلويات التي تباع "على البسطات" وهي من الأنواع الرخيصة التي تُصنَّع في معامل على أطراف دمشق بكميات كبيرة من دون التركيز على جودة المواد الأولية أو شروط التصنيع والحفظ الجيدة، ومن دون أن تحتوي على المكسرات والمشتقات الحيوانية.
يقول (أبو علاء) الذي يجلس مع زوجته على أحد المقاعد بانتظار أبنائه حتى ينتهوا من اللعب: "اللحمة خارج حساباتنا هذا العيد، في عيد الأضحى من السنة الفائتة، حصلنا على حصّة من أضحية أحد المقتدرين في منطقتنا، لكن هذا العام "ناشفة". حاولنا جعل الأطفال يعيشون جو العيد باللعب مع الأطفال في الحديقة العامة، الحمد لله تمكنا من شراء ملابس جديدة لهم".
أما الأهالي الذين جاؤوا بهدف تغيير جو في الحديقة وليس لديهم أطفال فقد افترشوا العشب ووضعوا أطعمتهم لتناولها "على برود" في ساعات المساء، هرباً من المنازل الضيقة ولا سيما مع عدم قدرتهم على تشغيل المراوح نتيجة انقطاع الكهرباء لـ 5 أو 6 ساعات مقابل نصف ساعة وصل كهربائي أو ساعة في أفضل الحالات.
المولات: ازدحام المقتدرين مادياً
بعض الأطفال حظوظهم أفضل من غيرهم، ولا سيما إذا كانوا ينتمون لعائلات مقتدرة مادياً، فهم قادرون على اللعب في صالات اللعب المُكيَّفة في المولات الضخمة بألعاب إلكترونية ومتنوعة على عكس الحدائق العامة التي تقتصر الألعاب فيها على الأراجيح المملة تحت أشعة الشمس وفي حرارة الجو المرتفعة.
وينقسم رواد المولات من القادرين على دفع المبالغ الكبيرة وعيش أجواء الرفاهية، بين عائلات التجار في دمشق، وعائلات "أمراء الحرب"، وعائلات الضباط ذوي الرتب العالية في قوات النظام، وأخيراً، أصحاب الحوالات الخارجية.
بينما بقية روادها فهم من المتفرجين الذين يأتون لعيش الأجواء العامة وفق مبدأ "شمّ ولا تذوق"، فيقتصر دخولهم إلى المول على التنقل بين صالاته وطوابقه ومشاهدة ما هو جديد، وفي أفضل الحالات شراء منتجات رخيصة من الماركت فيه.
وقد ارتفعت أسعار الألعاب في المولات مع قدوم العيد، فضلاً عن فرض صالات الألعاب في بعض المولات ضريبة دخول "دخولية".
وفي جولة لموقع "تلفزيون سوريا" داخل مول "الأب تاون" الشهير في منطقة مشروع دمر، تبين أن هناك ارتفاعاً كبيراً في الأسعار عموماً، فضلاً عن الازدحام الكبير في صالات الألعاب.
كما تمّ فرض "دخولية" بقيمة 10 آلاف ليرة سورية للشخص الواحد، بينما تراوحت أسعار اللعب بين 15 ألف ليرة سورية و50 ألف ليرة سورية للعبة الواحدة ولكل شخص.
وكانت أسعار الألعاب قبل شهرين فقط؛ أي في خلال فترة عيد الفطر، تتراوح بين 10 آلاف ليرة سورية و30 ألف ليرة سورية للعبة الواحدة، بالمقابل "الدخولية" بخمسة آلاف ليرة سورية لكل شخص.
وبلقاء لموقع "تلفزيون سوريا" مع أحد الأطفال، تبين أن والده يمتلك محلاً للألبسة في منطقة الجسر الأبيض، وقد جاء مع عائلته لقضاء ثاني أيام العيد في المول، يقول (حسان) البالغ من العمر 13 عاماً: "أبي أعطاني 150 ألف ليرة سورية من أجل الألعاب وقد تناولت سندويشة "كريسبي" قبل قليل مع عائلتي وجئت لألعب هنا".
ولجأ البعض إلى ملاهي الأرض السعيدة "هابي لاند" الواقعة على طريق المطار لكون أسعارها أرخص، فضلاً عن تنوّع الألعاب فيها. إذ إنّ "الدخولية" بخمسة آلاف ليرة سورية للشخص الواحد، ويمكن اللعب بمعظم الألعاب بما لا يتجاوز الـ 12 ألف ليرة سورية.
ويتهكّم الشاب (أحمد) الذي التقيناه عند بوابة المول، على الأسعار في المول بقوله: "يلي بدو يفوت لهون ما بدو يسأل على الأسعار، لازم يجيب معه كم مليون ليرة".