icon
التغطية الحية

إنعاشاً لـ"تجارة الأنقاض".. النظام يدمّر مبان طابقية في دمشق وريفها

2024.07.12 | 06:03 دمشق

أبنية مدمرة في مدينة داريا بريف دمشق - تلفزيون سوريا
أبنية مدمّرة في مدينة داريا بريف دمشق (تلفزيون سوريا)
تلفزيون سوريا - محمد كساح
+A
حجم الخط
-A

دمّر النظام السوري مبان طابقية، خلال الأشهر الماضية، في عدد من مدن التسويات بريف دمشق وجنوبي العاصمة، وهي المدن التي وقّعت تسويات مع النظام، بين عامي 2016 و2018.

وبحسب مصادر أهلية من الحجر الأسود ومدينة داريا في ريف دمشق لـ موقع تلفزيون سوريا، فإنّ الهدف من الهدم، هو إنعاش ودعم "تجارة الأنقاض"، وذلك بعد الهدوء الذي ساد المنطقة نتيجة توقّف المعارك.

وتأتي عمليات الهدم استناداً إلى "القانون رقم 3" الذي يقضي بإزالة أنقاض الأبنية المتضرّرة نتيجة أسباب طبيعية أو غير طبيعية أو لخضوعها للقوانين التي تقضي بهدمها، وغاية القانون كانت توصيف المنشآت المدمّرة والمتضرّرة، وترحيل الأنقاض وتوزيع نفقاتها وأثمانها على مستحقيها.

وتؤكّد المصادر أن ممتلكات المدنيين في ريف دمشق وجنوبي العاصمة تُهدم أمام أعينهم، بينما يستغل النظام فرصة عدم وجود القسم الأكبر من أصحاب العقارات بسبب اللجوء أو التهجير، ليعمل على هدمها، ثم تُباع الأنقاض إلى شركات محدّدة لإعادة التدوير.

وقال مصدر من مدينة داريا لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ عدداً من الأبنية تعرّضت للتدمير الكلي منذ بداية العام الحالي، كما تعرضت أبنية مماثلة قرب منطقة الجمعيات وفي أطراف المدينة، إلى التدمير تحت ذريعة تصوير مشاهد لعمل درامي، في العام 2023.

أعمال التهديم تجري أيضاً في مناطق أُخرى مثل مدينة الحجر الأسود، وذلك تحت ذريعة إزالة أنقاض الحرب، لكنّ الأسباب الخفية لهذه العمليات تتعلّق بدعم "تجارة الأنقاض"، التي تقوم على استخراج المعادن والأجهزة والأثاث من المباني المهدّمة، بهدف إعادة تدويرها لاحقاً في معامل خاصة تشرف عليها "الفرقة الرابعة".

"التعفيش مستمر"

بموازة ذلك، ما تزال فرق من المدنيين المتعاونين مع "لجان التعفيش" التابعة لـ"الفرقة الرابعة"، تجري عمليات بحث عن النحاس والألمنيوم واستخراج الحديد من أنقاض المباني المهدّمة حديثاً.

ويبدو أن "تجارة الأنقاض" تتعرّض إلى نكسة قوية في ظل توقّف المعارك منذ اتفاقيات التسوية في ريف دمشق، ولهذه الأسباب يحاول النظام وضع "القانون رقم 3 للعام 2018" تحت التنفيذ، فمن خلاله يمكن له تهديم المباني الآيلة للسقوط وترحيل الأنقاض التي تحوي مئات الأطنان من الحديد المستخرج من الخرسانة المسلحة للمباني.

وفي ظل توقّف المعارك في المنطقة، تقلّصت العناصر التي تدخل ضمن نطاق "التعفيش" والتي كانت تشمل الأجهزة الإلكترونية وأثاث المنازل والأدوية والثياب والذهب، في حين ما تزال فرق "التعفيش" تستخرج المعادن كالحديد والألمنيوم والنحاس، ثم تعمل على تجميعه وإرساله إلى مصانع إعادة التدوير.

ويقول أبو محمود (52 عاماً) من مدينة داريا لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ عقاره المكوّن من بناء بأربعة طوابق وسط المدينة، تعرّض للتدمير الكامل، منذ عدة أشهر، رغم وجود أقاربه في المدينة، لكن الخوف من أي مساءلة أمنية كون صاحب العقار معارض للنظام ومهجّر في إدلب، جعلهم يؤثرون عدم التدخل.

ويرى عدد من ملّاك العقارات المهجرين في إدلب خلال حديثهم لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ القوانين التي أصدرها النظام وخصوصاً "القانون رقم 10"، يمكن أن يؤدّي إلى الاستحواذ على عقاراتهم، خاصّة في ظل تأكيد القسم الأكبر منهم على تدمير منازلهم وترحيل أنقاضها بعد استخلاص الحديد منها.

"اقتصاد موازي"

تدخل عملية البحث عن المخلّفات وإعادة تدويرها ضمن الاقتصاد الموازي الذي تشرف عليه "الفرقة الرابعة"، والذي يعني "لجوء الدولة إلى استعمال قطعات شبه عسكرية لتحقيق أهداف اقتصادية"، وجرت مأسسة هذا الاقتصاد، منذ العام 2017، حيث أنشأت الفرقة "مكتباً اقتصادياً"، وظيفته إدارة استثماراتها من خلال الاعتماد على مجموعات شبه عسكرية.

ومعظم المهام الخاصة بجمع المعادن من حديد وألمنيوم ونحاس تعمل عليها ما اصطلح على تسميته بـ"لجان التعدين" المنبثقة عن "لجان التعفيش"، وهي لجان مسؤولة عن النهب الممنهج للنحاس والخردة المعدنية.

ويُشرف الممثلون المدنيون لـ"الفرقة الرابعة" في "لجان التعفيش" على نهب الخردة المعدنية، بحيث يُشحن معظمها في نهاية المطاف إلى مصانع التعدين المملوكة لرجال أعمال مثل (محمد حمشو)، الذي عُرف على الدوام بأنّه وسيط تجاري يُمثّل ماهر الأسد شخصياً، وذلك بحسب دراسة "الدويلة السورية الموازية: الفرقة المدرعة الرابعة"، التي أعدها الباحثان أنصار شحود ومهند أبو الحسن.

"تجارة الأنقاض والمعادن"

ظهرت فكرة "تجارة الأنقاض والمعادن" لدى محمد ربيع عفر وشقيقه أحمد في محافظة حلب، حيث أنشأ الأخوان مستودعات ومعامل صغيرة لتدوير البلاستيك والمعادن والخردوات، ثم توسّعت أكثر في معظم المناطق السورية وبصورة أكبر بإدارة (خضر علي طاهر) والملقب بـ"أبو علي خضر" المقرّب من "الفرقة الرابعة".

وبوصول "أبو علي خضر" إلى أعلى هرم "تجارة الأنقاض"، عمل وداعموه من المسؤولين والمتنفذين على إعطاء هذه التجارة صورة شرعية توفّر لهم الحماية القانونية بعيداً عن بقائها في الظل، وأسّس "الشركة السورية للمعادن والاستثمار" بشراكة مع (ناصر ديب) مدير الأمن الجنائي الذي كان شريكاً في شركة "سند" للحراسات، وشركة "ايلا" للإعلانات، وشركات تجارية أُخرى مع (يسار إبراهيم)، مسؤول المكتب الاقتصادي في القصر الجمهوري.

وتتقاضى "الفرقة الرابعة" ومكتب أمنها، الذي يديره غسان بلال، مبالغ مالية شهرية بالإضافة إلى نسبة من المعادن التي تصل للميزان أو مبالغ مالية بدلاً عن النسبة، مقابل تسهيل عبور شاحنات الخردوات من حواجزها وتسهيل عمليات التعدين والتنحيس وجمع الخردوات، وفق تقرير لـ موقع "صوت العاصمة".

"أرباح خيالية"

بعد أن هدأت وتيرة المعارك في غالبية المناطق السورية، بدأت عمليات جمع الأنقاض واستخراج ما بداخلها من معادن وخردوات وبيعها، وكانت هذه الأنشطة بسيطة في البداية، وتتم بشكل فردي، لكن في السنوات الأخيرة بدأت تأخذ شكلاً منظماً، خاصة في ظل الحجم الهائل من الدمار.

ويرى الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر، أنّ "أرباح تجارة مخلفات الحرب كبيرة جداً، ما دفع كبار المستثمرين وأمراء الحرب إلى محاولة السيطرة عليها، وهذا ما تم بالفعل، فقد سيطر (القاطرجي، وأبو علي خضر، والفرقة الرابعة) على هذه التجارة، وتم إنشاء مكب كبير في معضمية الشام لهذا الغرض".

وأضاف "السيد عمر" لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ "الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، ففي ظل الأرباح الكبيرة التي تحققها هذه التجارة، بدأ المستفيدون بهدم الأبنية لاستخراج المعادن، وتشير بعض التقارير إلى أن أرباح هذه التجارة تقدر بملايين الدولارات، لكن التوسع فيها يتسبب بهدم منازل العديد من السكان، خاصة الغائبين عن بيوتهم".

وأردف: "لمزيد من السيطرة على هذه التجارة، ولإعطائها بعداً شرعياً، استغل أمراء الحرب ضعف حكومة النظام، من خلال التغلغل في بعض مؤسسات الدولة، مثل الشركة السورية للمعادن، وتم السيطرة عليها بشكل غير مباشر، واستخدامها هي وعمّالها في هذه التجارة، والخطير أن تتسع رقعة الهدم، وتشمل منازل غير متضررة، ما يعني تدمير ما لم تدمّره الحرب".

ورغم أن "إزالة الأنقاض وإعادة تدويرها قضية إيجابية ومهمة"، إلا أنه من "المفترض أن تتكفل بها مؤسسات الدولة، وليس أمراء الحرب، وهذا ما جعل من تجارة الأنقاض وإعادة تدويرها ركناً مهماً من أركان اقتصاد الظل، الذي ترعاه بعض الجهات الخاصة، وعلى رأسها الفرقة الرابعة وغيرها من أمراء الحرب".

يشار إلى أنّ "محافظة ريف دمشق" التابعة للنظام السوري، أشارت في تقرير سابق، إلى أنّ عدد المنازل المدمّرة في ريف دمشق بشكل كامل، يبلغ 500 ألف منزل، و400 ألف منزل بشكل جزئي، فضلاً عن تضرّر البنية الأساسية لـ350 ألف منزل.