icon
التغطية الحية

إشارات متصاعدة وتحركات ميدانية.. هل الشمال السوري على مشارف معركة جديدة؟

2024.10.31 | 15:25 دمشق

آخر تحديث: 31.10.2024 | 15:41 دمشق

64
صورة أرشيفية - AFP
إدلب - خاص
+A
حجم الخط
-A

يدور الحديث في الشمال السوري منذ أسابيع عن تكثيف فصائل المعارضة في إدلب وما حولها تجهيزاتها العسكرية استعداداً لبدء معركة غير واضحة المعالم ضد قوات النظام السوري.

هذه التجهيزات تعكس استعداداً قد يكون جدياً لخوض مواجهة معقدة في مناطق تتسم بتواجد كثيف لقوى مختلفة، أبرزها روسيا وإيران والميليشيات التابعة لها، مع حضور للطيران الحربي الروسي، ما يترك إشارات استفهام حول قدرة الفصائل على كسر خطوط التماس وتغيير خارطة السيطرة الثابتة منذ عام 2020، من دون غطاء سياسي دولي يوازيه دعم عسكري.

وفق مصادر مطلعة لتلفزيون سوريا، استأنفت هيئة تحرير الشام تحركاتها العسكرية بمشاركة فصائل أخرى، مستهدفة عبر إعلامها البديل العاصمة الاقتصادية لسوريا (حلب)، في حين تشير التحليلات إلى احتمالية وجود أهداف أخرى غير معلنة.

أمام هذه المعطيات والإشارات النشطة المترافقة مع تحركات ميدانية، تتزايد التساؤلات حول فرص فصائل المعارضة في استعادة السيطرة على المناطق التي خسرتها في السنوات الماضية، ومدى قدرتها على كسر اتفاقيات التهدئة الموقعة عام 2020.

تحركات ميدانية

قالت مصادر عسكرية لموقع تلفزيون سوريا، إن "هيئة تحرير الشام" في حالة استنفار منذ عدة أسابيع، إذ تجري تقييمات لعتادها العسكري، مع تكثيف التدريبات لعناصرها الذين يخضعون لمعسكرات تحاكي المعارك البرية.

ويتزامن ذلك مع نزوح عدد كبير من المدنيين من البلدات والقرى المحاذية لخطوط التماس مع مناطق سيطرة النظام السوري في ريف حلب الغربي، وريف إدلب الشرقي والجنوبي. ورغم أن التصعيد العسكري لروسيا والنظام يعد أحد أسباب النزوح، تشير المصادر إلى سبب آخر، وهو تلميحات من غرفة عمليات "الفتح المبين" لسكان هذه البلدات بضرورة إخلائها لتجنب رد فعل النظام وقصفه في حال أطلقت فصائل المعارضة هجومها المحتمل.

ووفقاً للمصادر، رُصدت حشود عسكرية خلال الآونة الأخيرة لفصائل "الفتح المبين" في إدلب، ومنها "هيئة تحرير الشام" و"أحرار الشام". كما أرسلت عدة فصائل من الجيش الوطني السوري تعزيزات إلى منطقة إدلب وريف حلب الغربي، مثل "حركة التحرير والبناء"، و"الجبهة الشامية"، و"حركة نور الدين الزنكي".

كذلك، أرسلت عدة فصائل فرقاً خاصة للاستطلاع ومعاينة المحاور المخصصة لها، مع توزيع مفترض للسلاح الثقيل المتوقع مشاركته في المعركة في حال انطلقت.

هل الحشود توحي ببدء عمل عسكري؟

أفادت المصادر بأن الحشود العسكرية للفصائل كبيرة وغير مسبوقة منذ سنوات، لكنها لا توحي بالضرورة ببدء عمل عسكري، خاصة أن أي معركة تحتاج إلى غطاء سياسي ودعم دولي يجابه - على الأقل - الطائرات الروسية ويحيّدها عن المعركة، والتي يُتوقع أن تستمر لأسابيع وربما أشهر.

وأضافت: "الجولاني لديه الرغبة في بدء معركة، لكنه لا يريدها بدون تغطية سياسية، وحتى الآن تشير المعطيات إلى أن الغطاء السياسي غير متوفر، كما أن الظروف الإقليمية لم تتوتر بالشكل الكافي، خاصة في ظل الحديث عن مفاوضات بين إسرائيل ولبنان لوقف التصعيد".

وأردفت: "لا يمكن لأحد أن يجزم بنسبة 100% أن المعركة ستنطلق، لكن المؤكد أن التحركات الميدانية موجودة وتشمل معظم الفصائل. ربما لا تكون المعركة في بدايتها واسعة وفق المفهوم العسكري، حيث يمكن للفصائل وخاصة هيئة تحرير الشام أن تتقدم باتجاه محاور محددة وتسيطر على مساحات صغيرة أو تلال حاكمة، لرصد ردود الفعل الدولية، سواء التركية أو الأميركية أو الروسية، وبناءً عليها تجري تقييمات لسير المعركة وإمكانية الانخراط في هجوم واسع".

ووفق المصادر، لا يوجد حتى الآن غطاء سياسي أو دعم دولي حقيقي لبدء أي معركة، مضيفة أن "هيئة تحرير الشام" تخشى من بدء معركة خاسرة تنعكس عليها سلباً، خاصة مع مراجعة تجارب مشابهة والاستفادة من الدروس في مناطق أخرى، مثل "طوفان الأقصى" في غزة.

مصادر تستبعد العمل العسكري.. لماذا الاستنفار؟

من جهتها، استبعدت مصادر مطلعة على تفاصيل التجهيزات العسكرية داخل "هيئة تحرير الشام" انطلاق معركة على المدى المنظور، خاصة أن القوات العسكرية التابعة للهيئة غير مستعدة لذلك حالياً.

وتعتقد المصادر أن الجولاني رصد إشارات دولية بضوء أخضر لبدء عمل عسكري، فطلب من قيادة غرفة عمليات "الفتح المبين" استنفار مختلف القوات ورفع الجاهزية، وذلك بعد أن قدّرت القيادة العسكرية أن الاستعداد للمعركة يحتاج عاماً على أقل تقدير للاكتمال.

ووفق رؤية المصادر، طلب الجولاني الاستنفار لإرسال رسائل لبعض الأطراف الدولية توحي بأنه مستعد لبدء عمل عسكري، علماً بأن القوات التابعة للهيئة والمرتبطة بها تحتاج لفترة أطول للتجهيز.

وتساءلت المصادر عن قدرة الهيئة على خوض معركة طويلة الأمد من دون إسناد من أطراف دولية، خاصة أنها خفّضت رواتب الموظفين في "حكومة الإنقاذ" بنسبة 50% لشهر على الأقل بدعوى التجهيز للمعركة، مضيفة: "كيف ستموّل الهيئة المعركة في حال استمرت لأشهر وهي من الآن تخفّض رواتب الموظفين؟".

ما الذي يؤخر المعركة؟

قال الباحث في الشؤون العسكرية، رشيد حوراني، إن انطلاق المعركة يعتمد على التغير الجذري الذي حصل للفصائل في المنطقة من الناحية التنظيمية والتدريبية، إذ أتاح لها توقف المعارك منذ الاتفاق التركي الروسي في آذار 2020 مجالاً لرفع مستوى جاهزيتها القتالية، وبات المراقب للمنطقة يلمس تغير ميزان القوى لصالح الفصائل منذ بداية العام الماضي وحتى الوقت الحالي من خلال العمليات التي نفذتها على محاور التماس مع النظام.

وذكر حوراني في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن هذه العمليات "تميزت بالكفاءة القتالية للعناصر، واعتماد أساليب قتال تحتاج لحجم كبير من التدريب كالقتال الليلي، وتنفيذ العمليات بأقل الخسائر البشرية والمادية، والمهارة العالية في تنفيذ الخطط التكتيكية الخاصة بالمعركة من خلال مجموعات الاقتحام والإسناد والحماية والتأمين".

من جانب آخر، يعتمد بدء المعركة على ترهل بقايا قوات النظام وحلفائها، التي لجأت إلى الطيران المسيّر لإلحاق الضرر والضغط على الفصائل باستهداف المدنيين، إضافة إلى حالة التشتت التي يمر بها النظام وحلفاؤه، فروسيا مشغولة بحربها في أوكرانيا، وإيران وحزب الله أدت الضربات الإسرائيلية لقادتهم في سوريا ولبنان وتقطيع أوصال الإمدادات اللوجستية لتلك الميليشيات عبر قصف المعابر إلى وصولهم لحالة ضعف شديدة، فباتوا يسعون إلى التوقف عند هذا الحد لترتيب أوضاعهم.

وباعتقاد الباحث، فإن أمرين يؤخران انطلاق المعركة، وهما محاولة الفصائل الحصول على ضوء أخضر أو التنسيق مع تركيا بحكم علاقاتها مع بقية الأطراف المتدخلة في سوريا، وتأمين موقف تركي يعمل على احتواء نتائج المعركة في حال تدخل الطيران الروسي ومنع الفصائل من التقدم والسيطرة على مناطق جديدة على حساب النظام.

أما العامل الآخر فهو ترقب حالة حزب الله والميليشيات الإيرانية وإضعافها أكثر بفعل الضربات الإسرائيلية، وتوقع انسحابها باتجاه لبنان.

ما المتوقع لمسار المعركة في حال انطلقت؟

قال حوراني: "قد تكون وفق مرحلتين، الأولى لإعادة المناطق التي سيطر عليها النظام قبل اتفاق آذار 2020 بين تركيا وروسيا، ولهذه المناطق أهميتها لأنها تفسح المجال لاحقاً لعودة أهلها النازحين منها. وفي المرحلة الثانية قد تكون باتجاه مدينة حلب، التي تعتبر الهدف الرئيس للمعركة، وقد تكون على دفعة واحدة لتحقيق الهدف العام بالسيطرة على المدينة".

وأضاف: "في ضوء القدرة القتالية للفصائل في عملياتها ضد النظام، من الممكن تحقيق نتائج أكبر من نتائج معاركها السابقة بسبب الفارق بين الطرفين، خاصة أن النظام السوري يعاني من عجز في القدرة البشرية وما المراسيم والقرارات التي أصدرها وإعلانات التطوع التحفيزية إلا لترميم بعض مما يعانيه".

يشار إلى أن زعيم هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، يعد منذ نحو عامين بأن "معركة حلب" مسألة وقت، إذ قال في أحد اللقاءات مع المهجرين من المدينة، خلال شهر أيار 2023، إن الثورة السورية في "العصر الذهبي"، مضيفاً: "بقي القليل لنصل إلى حلب، وأشاهدكم تجلسون فيها كما أراكم أمامي الآن". لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل الجولاني قادر بالفعل على تطبيق ما يطلقه من وعود؟ أم أن الاتفاقيات الدولية وغياب الدعم العسكري والغطاء السياسي لأي معركة ستكون العامل الأبرز في تحديد إمكانية إطلاق معركة من عدمها، بعيداً عن الشعارات وما يصفها بعضهم بـ"الأحلام الوردية"، وإن كانت تلك الأحلام مشروعة؟