icon
التغطية الحية

معركة حلب المرتقبة.. ما مدى جديتها وهل من الممكن أن تخدم النظام السوري؟

2024.10.06 | 08:52 دمشق

مقاتل من الجيش الوطني السوري - رويترز
مقاتل من الجيش الوطني السوري - رويترز
 تلفزيون سوريا ـ خاص
+A
حجم الخط
-A

يعتبر الحديث عن معركة مرتقبة ضد مواقع قوات النظام سيد الموقف في الشمال السوري، لكن ضبابية كبيرة تدور حول أسبابها، والمعطيات السياسية والميدانية التي تدفع بها للأمام أو تمنع اندلاعها.

ومنذ أيام عدة يعيش سكّان الشمال السوري على وقع أخبار متتالية ضخها الإعلام الرديف التابع لـ"هيئة تحرير الشام" تفيد بعزم الهيئة وفصائل أُخرى شن عملية عسكرية ضد مواقع قوات نظام السوري على جبهات حلب تحديداً، يرافقها أمل كبير من المهجرين المبعدين عن بيوتهم.

تعززت "صدقيّة" تلك الأخبار بعد نزوح سكّان عدة مناطق قريبة من خطوط التماس شرقي إدلب وغربي حلب، أبرزها مدينة سرمين التي نزح عنها قرابة الـ70% من سكّانها، بحسب تقديرات محلية، فضلاً عن بلدات أخرى من أبرزها النيرب وكفرنوران.

حركة النزوح عن تلك المناطق جاءت بعد تحذيرات أطلقها عسكريون في "هيئة تحرير الشام" لسكان تلك القرى، وفق عدة مصادر محلية، فضلاً عن نقل عتاد عسكري ثقيل إلى محاور القتال، ورفع الهيئة جاهزية الجناح العسكري فيها بالكامل، وهو ما دلّ على الاستعداد لمعركة مرتقبة. 

الهيئة لا ترد ومصادر خاصة "تم إلغاء العملية"

حاول موقع تلفزيون سوريا التواصل مع "غرفة عمليات الفتح المبين" العسكرية، التي تديرها "هيئة تحرير الشام" وتشارك فيها عدة فصائل من أبرزها "الجبهة الوطنية للتحرير" المقرّبة من تركيا و"جيش العزة" وفصيل "أنصار التوحيد"، وسؤالها عن حقيقة تلك الأخبار لكن دون تلقي أي رد، منذ ثلاثة أيام.

من جانب آخر تواصل الموقع مع ثلاثة مصادر مختلفة، اثنان منها في الجناح العسكري للهيئة والثالث في "الجبهة الوطنية للتحرير"، وأكّدت "ألا معركة مرتقبة ضد مواقع قوات النظام ضمن المدى المنظور".

وأضافت المصادر أن "تحرير الشام تلقت وعوداً من دول غربية بدعمها في حال مهاجمة مواقع قوات النظام السوري، وضرب القواعد الروسية في ظل المتغيرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط برمتها".

وبحسب المصادر فإنّ "تحرير الشام رفعت مقترحاً للجانب التركي الذي لم يبدِ أي معارضة أو موافقة على الفكرة، لكنّه أبلغها بعدم تقديم أي نوع من أنواع الدعم العسكري أو اللوجستي وأن قواعده المنتشرة في المنطقة لن تقدم أي إسناد عسكري للفصائل، كما أنّها لن تشارك في أي عملية حظر للطيران السوري أو الروسي في المنطقة، وأن دورها سيقتصر على الجانب الإنساني الذي يتمثل في استقبال الجرحى في مستشفياتها".

وأفاد أحد المصادر بأنّ "الجانب التركي عاود التواصل مع هيئة تحرير الشام، وطلب منها العزوف عن فكرتها في الوقت الراهن"، وهو ما لم تؤكده بقية المصادر. 

لماذا المعركة الآن؟

منذ تنفيذ إسرائيل عملية الاغتيال الجماعي لعناصر من "حزب الله" عبر ما بات يعرف بعملية "البيجر"، وما تلاها، من قتل لزعيم الحزب وكبار القادة فيه، ثم بدء التوغّل في الأراضي اللبنانية، تعالت الأصوات في الشمال السوري مطالبة الفصائل بشن عمليات عسكرية باتجاه مواقع سيطرة قوات النظام السوري، معتبرةً أن "هذا التوقيت هو الأنسب، لانشغال الحزب وسائر الميليشيات الإيرانية في المواجهة الحالية بلبنان، خاصة أن تلك الميليشيات تعتبر رأس حربة في الصراع السوري وفي أي عملية عسكرية للنظام".

رشيد حوراني -الباحث في مركز "جسور" للدراسات- يرى أنّ "فصائل المعارضة تحاول اقتناص فرصة انكشاف حزب الله على ضربات الجيش الإسرائيلي، لأنّ ذلك يستدعي انسحاب مقاتليه من سوريا بشكل عام ومن جبهات الشمال بشكل خاص، وهو ما لا تريده روسيا، وتحاول التشويش عليه بادعائها تدريب أوكرانيا مقاتلين من هيئة تحرير الشام".

وقال حوراني إنّ "شن المعارضة عملية عسكرية في الوقت الحالي هو لضمان أقل الخسائر التي قد تنجم من تدخل سلاح الجو الروسي، مستنداً في رؤيته إلى دخول قادة الجيش التركي إلى إدلب أول أمس".

وتابع حوراني: "فصائل المعارضة قادرة على تحقيق ذلك في ضوء تطور قدراتها العسكرية والقتالية، منذ اتفاق آذار 2020 بين روسيا وتركيا، وأبرز مظاهر هذا التطور هو تصدي الفصائل وإفشال معظم عمليات التسلل التي نفّذتها قوات النظام على خطوط التماس، وتنفيذها عمليات خلف الخطوط ضد نقاط النظام في حماة وحلب واللاذقية".

"المعركة تنقذ الأسد وهو يطلبها"

في شهر أيلول الفائت، علم موقع تلفزيون سوريا من مصادر خاصة أن ضباطاً في النظام نقلوا رسالة من اللواء كفاح ملحم -رئيس "مكتب الأمن الوطني"- إلى "الحاج أبو علي ياسر" القيادي في "حزب الله"، تفيد بوجود مؤشرات استخبارية تدّل على نية الفصائل والتنظيمات استغلال الأوضاع في المنطقة وشن هجمات باتجاه مواقع النظام.

وجرى إيصال هذه الرسالة في إطار اجتماع جرى بين ضباط "الأمن الوطني" والقيادي في "حزب الله" لمطالبته بإغلاق مكتب تجنيد افتتحه "الحزب" في منطقة السيدة زينب بريف دمشق، بهدف استقطاب متطوعين سوريين للقتال إلى جانبه في لبنان.

أمّا محمد الحسن -الباحث في شؤون الميليشيات الإيرانية بسوريا- فيرى أن "شمال غربي سوريا قد لا يبقى هادئاً لفترة أطول، إذ تحاول فصائل المعارضة التي تدرك ذلك، استغلال الأوضاع الراهنة في المنطقة وانشغال الميليشيات المدعومة من طهران بالحرب بين حزب الله وإسرائيل لخلق واقع جديد، عبر مواجهة تنفرد فيها بمقارعة قوات النظام وبعض الميليشيات المحلية أو المدعومة من روسيا كـ(الفرقة 25 مهام خاصة) فقط، في حين يسعى النظام إلى إشعال هذه الجبهة للبقاء بعيداً عن أي معركة ضد إسرائيل قد يدفعه إليها حلفاؤه المدعومون من إيران".

وبحسب الحسن، فإنّ "النظام السوري وصل مؤخراً إلى نقطة حرجة في العلاقة مع إيران وميليشياتها الموجودة على امتداد مناطق نفوذه، كونه يمنع تنفيذ أي عمليات انتقامية ضد إسرائيل من الأراضي السورية، لا سيما أنّ موقفه في (النأي بالنفس) عن تلك الحرب إعلامياً وميدانياً بات واقعاً يزعج المحور الإيراني ويشير إليه بإصبع التخوين".

ويذهب الحسن إلى أبعد من ذلك بالقول: إنّ "تلك العملية قد تبرر للنظام تخلّيه عن جزءٍ من الأراضي السورية لإسرائيل، فالأخيرة تعتزم تأمين بعض الخواصر الرخوة في حدودها بالجولان ومنطقة جبل الشيخ، والأسد لن يواجه إسرائيل كي لا يلاقي مصير حليفه نصر الله، لكنه محرج للغاية، وستخدمه المعارضة في حال شنت أي هجوم فهو سينقل كامل جيشه نحو الشمال ليبرر تخليه عن جزء من الأراضي السورية مقابل البقاء في الحكم".

بالعودة إلى الموقف العسكري في شمال غربي سوريا، فإنّ الميليشيات الإيرانية لم تخلِ أياً من قواعدها أو مواقع انتشارها في الجبهة المقابلة للمنطقة الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، كما أنّ سحب ميليشيا "حزب الله" لجزء من قواتها لن ينعكس بشكل إيجابي لصالح المعارضة، وفق الحسن.

واعتبر أنّ "القدرات العسكرية لفصائل المعارضة الطامحة بتوسعة رقعة سيطرتها لم تتطور خلال السنوات السابقة للمستوى الذي يؤهلها التفوق على قوات النظام السوري المدعومة من القوات الجوية الروسية، إضافة إلى مسألة التسليح التي تعتمد بشكل أساسي على الجانب التركي في إمداد الفصائل بالذخائر الثقيلة والمتوسطة الكفيلة باستمرارية المعركة لأسابيع أو شهور".

ولفت إلى أنّ "الفصائل تتفوق بشكل ملحوظ على قوات النظام والميليشيات المساندة له في حرب المدن والشوارع والمواجهات القريبة، الأمر الذي قد يعطيها أفضلية في بعض الساحات، إلا أنها ستكون في موقف أقل ثباتاً في ساحات المواجهة المفتوحة كالمناطق الريفية، التي تمثل أكثر من 80 بالمئة من امتداد خطوط التماس".

أما أحمد خطاب (اسم مستعار) وهو صحفي يعمل في إدلب، يعتبر أن كل ما تفعله "هيئة تحرير الشام" لا يتعدى الدعاية الإعلامية، فهي "تريد التخلّص من الضغط الشعبي المطالب بفتح الجبهات وشن عمليات عسكرية لاستراجع المناطق التي خسرتها المعارضة، أواخر 2019 ومطلع 2020، ذلك الضغط الذي ازداد مع اندلاع المواجهة بين حزب الله وإسرائيل".

ويرى أن "أقصى ما يمكن للهيئة فعله هو مسرحية لحفظ ماء الوجه لا تتعدى التقدم إلى قرية أو نقطة صغيرة والسيطرة عليها ثم الانسحاب منها، فهي تدرك تماماً فشل أي عمل عسكري غير مدعوم دولياً، ولن تُعرّض إدلب التي تستعرض فيها تطور المؤسسات ومناطق استثماراتها ونقاط جذب المستثمرين إلى ساحة حرب تغير عليها الطائرات الروسية فتهدم ما بنته الهيئة خلال سنوات".

واختيار حلب تحديداً كوجهة للعملية العسكرية له أسباب خاصة، وفق خطاب، تتمثل بـ"محاولة هيئة تحرير الشام ابتزاز تركيا من أجل الحصول على حصة من عائدات (معبر أبو الزندين)، الذي يربط مناطق سيطرة النظام بمناطق سيطرة الجيش الوطني، ويؤثر سلباً بشكل كبير على (معبر سراقب) الذي تحاول الهيئة افتتاحه منذ مدة، كما أنها أرسلت أذرعاً تابعة لها إلى منطقة الباب لتعطيل افتتاح المعبر ونجحت في ذلك حتى الآن".

أمّا النقيب جمال (اسم مستعار) وهو قيادي في الجيش الوطني، يرى أن "هناك ارتباطاً وثيقاً بين دعاية هيئة تحرير الشام حول نية شن عملية عسكرية باتجاه حلب وبين العلاقة المتدهورة بين الجبهة الشامية وتركيا، التي تصرّ على حل فصيل صقور الشمال الذي انضم إلى صفوف الجبهة.

ويقول: إنّ "ضغط الجانب التركي على الشامية، دفع الأخيرة إلى التلويح بالخروج من مظلة الجيش الوطني والانضمام إلى هيئة تحرير الشام، التي تمنع وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة ومن خلفها أطراف تركية وجودها شمالي حلب".

وتابع: "لذلك، تكون دعاية المعركة المرتقبة بوابة شرعية لدخول الجبهة الشامية تحت عباءة الهيئة بصورة مبررة أمام حاضنة الشامية وأمام المجتمع المحلي في مناطق نفوذها، وذلك عبر ما يمكن تسميته (تنسيق الجهود العسكرية للمعركة المرتقبة)، فتدخل الشامية بصورة شرعية إلى (غرفة عمليات الفتح المبين)، التي تديرها الهيئة"، مشيراً إلى أنّه جرى في بعض الجلسات تداول "إمكانية مشاركة الشامية في تلك العملية إلى جانب الهيئة من شمالي حلب، وهو ما يتطلب تنسيقاً للجهود العسكرية بطبيعة الحال".

جميع المعطيات السياسية والميدانية تشير إلى أنّه لا يوجد تغيّر في خريطة توزّع النفوذ والسيطرة في شمال غربي سوريا على المستوى المنظور، إلا أن تحركات "هيئة تحرير الشام" الحالية ما زالت غير معلومة الأهداف.