انتهت مجموعة "آرمان" للإدارة الفندقية والسياحية التابعة لمجموعة "قاطرجي"، من أعمال بناء فندقها الثالث في مدينة حلب، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول التمدّد المتسارع للمجموعة في قطاع السياحة، الذي ما يزال منهاراً في عموم سوريا، وحلب خاصة، وذلك بسبب الحرب وقلة أعداد السياح وتضرّر العدد الأكبر من المواقع الأثرية والتاريخية.
بالإضافة إلى غياب عاملي الأمان والجذب، في ظل سيطرة الميليشيات وهيمنتها على مختلف قطاعات العمل، فضلاً عن المستوى المتدني للخدمات الأساسية في حلب، من مياه وكهرباء وطرق.
ويتألف الفندق الجديد من 6 طوابق، تضم 53 غرفة وعدداً من الأجنحة والأقسام المجهزة بمطاعم ومقاه ومسابح وصالات ضخمة للمناسبات وقاعات اجتماعات وغيرها من المرافق الفندقية "الفخمة".
ويقع الفندق الذي حمل اسم "كواترو" في حي المارتيني، أحد الأحياء التي يقطنها أثرياء المدينة، ومن المفترض أن تفتتح المجموعة فندقها رسمياً، قبيل نهاية العام الحالي 2024، بعدما أعلنت عن حاجتها لتوظيف مئات العاملين في الفندق.
"دعاية مستفزة"
"بمواصفات تنافس فنادق الخليج"، هكذا عنونت الكثير من صفحات مواقع التواصل المقربة من المجموعة، أخبارها حول الفندق "الفخم"، واستفزت الدعاية الأوساط الشعبية في مدينة حلب، والتي سخرت من جدوى المشروع "الفاخر" في قلب المدينة المدمّرة والتي تعاني أصلاً من واقع اقتصادي مترد، وغياب شبه كامل للحركة السياحية في مدينة تعاني من تدنّي مستوى الخدمات العامة.
وجاء في بعض التعليقات: "كيف سيصل السائح إلى الفندق والطرق كلها حفر ومطبات، لا كهرباء تنير الشوارع، ولا مواصلات، ومن سيؤمن على نفسه من السياح ليقيم في حلب لفترة زمنية وسط أجواء من الجريمة وانعدام الأمان".
ويقول الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر لـ موقع تلفزيون سوريا: إنّ "هذه الدعاية تخدم النظام السوري من وجهة نظر (مجموعة قاطرجي)، التي تحاول بشكل مستمر تقديم صورة عن مناطق سيطرة النظام بأنها آمنة ومستقرة وتجذب الاستثمارات، فبناء الفنادق يعزز من الدعاية التي يتبناها النظام".
وأضاف "السيد عمر"، أنّه "من جهة أخرى من الممكن أن تكون هذه الفنادق نواة لاستثمارات مستقبلية في حال التوصل لحل للقضية السورية، وذلك في حال بالفعل بات هناك وفود خارجية تزور مناطق النظام وإن كان هذا الأمر مستبعداً".
النمو المتسارع لإمبراطورية "قاطرجي" في حلب، بات مزعجاً بالنسبة لعموم الناس وخصوصاً أًصحاب المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة الذين تضرروا بشكل هائل، ليس فقط في قطاع السياحة والفنادق الفخمة وحسب، بل في مختلف قطاعات العمل.
يقول رئيس "نقابة الاقتصاديين الأحرار" في حلب، فيصل صخر العلي: إنّ "أنشطة قاطرجي أثّرت بشكل سلبي على الاقتصاد المحلي، حيث تحتكر المجموعة عدة قطاعات اقتصادية، ما يضيق على الشركات والمنشآت الصغيرة ويمنعها من المنافسة في الأسواق المحلية، ومن بينها قطاع الفنادق، هذا الاحتكار يعيق أيضاً أي جهود مستقبلية لإعادة هيكلة الاقتصاد السوري، إذ تبقى القطاعات الحيوية تحت سيطرة قلة من المتنفذين الذين يعززون مكانتهم باستغلال الوضع العام".
ويضيف "العلي" خلال حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّه "على الرغم من الآثار الطويلة الأمد على المجتمع والبنية التحتية، ورغم ضخامة استثمارات قاطرجي، إلا أنها لم تحسن من الواقع الاقتصادي المتردي الذي يعانيه معظم أهالي حلب، لا بل تضررت الكثير من القطاعات بسبب الدور الذي تلعبه المجموعة وهيمنتها على الاقتصاد".
وأشار إلى أنّ "هذه المشاريع الضخمة تعود بالنفع فقط على أفراد المجموعة وشركائهم في نظام الأسد، من دون تحسين فعلي في مستوى المعيشة، أو تعزيز الاقتصاد المحلي بشكل حقيقي، وهو ما يثير سخط الناس وتتزايد نقمتهم يوماً بعد يوم على أمراء الحرب التابعين للنظام وعلى رأسهم قاطرجي".
"إعادة الألق للسياحة!"
سبق لمجموعة "قاطرجي" أن افتتحت فندق "آرمان" في حي الحمدانية، عام 2022، وبمواصفات لا تقل عن فندقها الجديد في حي المارتيني، وتملك المجموعة أيضاَ فندق "لوروس" في حي المحافظة، الذي يستقبل معظم الاجتماعات الوزارية للوزراء القادمين من دمشق، بالإضافة إلى اجتماعات مجلس المحافظة، كما يستقبل فيه "قاطرجي" زوّاره من قادة ميليشيات وأمراء حرب آخرين.
وبالنسبة لفندق "آرمان" الذي جمع "قاطرجي" في احتفالية افتتاحه الكثير من الفنانين السوريين، لم يدم العمل فيه طويلاً قبيل تحويله إلى مضافة، عام 2023، تُقام فيها مناسبات عائلة "قاطرجي" الخاصة، ويقيم فيه قادة من الميليشيات الإيرانية و"حزب الله"، حيث تحويل الفندق لمضافة يشرح بوضوح واقع السياحة في حلب.
يقول الباحث الاقتصادي، يحيى السيد عمر، إنّ "قطاع السياحة في سوريا عموماً وفي مناطق سيطرة النظام خصوصاً، قطاع متهالك، والأرقام التي يفصح عنها النظام، لا تندرج ضمن السياحة التقليدية، ففي غالبيتها سياحة دينية من إيران والعراق، والتي تخص الشيعة الذين يزورون المراقد الشيعية، تحديداً في العاصمة دمشق، وحصة حلب منها تكاد تكون معدومة".
- شاهد أيضاً.. القاطرجي يسيطر على فنادق حلب
توسّع "قاطرجي" في بناء الفنادق والترويج للتعافي، يشبه الى حد كبير مشاريع "الأمانة السورية للتنمية" التابعة لأسماء الأسد، في المدينة القديمة، فـ"الأمانة" باشرت مؤخراً أعمال الترميم في سوق العبي، بعد الانتهاء من عمليات ترميم ثلاثة أسواق بتمويل من منظمات دولية.
وتزعم "الأمانة السورية" أنّها "أعادت الألق لقطاع السياحة الذي بات يخطو بخطاً واثقة نحو التعافي"، والواقع بعكس تلك المزاعم طبعاً، فالأسواق المرمّمة تعاني الركود، والقسم الأكبر من دكاكينها لم يفتتح بعد.
ويرى صخر العلي أنّ "مجموعة قاطرجي تعمل بشكل وثيق مع المجلس الاقتصادي السرّي الذي تتولى إدارته أسماء الأسد، ما يجعل المجموعة جزءاً رئيسياً من شبكة النظام الاقتصادية".
وهذا المجلس "يُعدّ من أبرز أدوات النظام السوري لتعزيز سيطرته على الاقتصاد في خضم الأزمات، حيث يُطلب من رجال الأعمال المقربين، مثل عائلة قاطرجي، دفع نسبٍ من أرباحهم تصل إلى 50% من الإيرادات، هذا الدعم المالي لا يُستخدم فقط لدعم عمليات النظام، ولكنه أيضاً يعزز شبكة واسعة من المصالح التي تدعم استمرارية النظام السوري على المدى البعيد".
"غسيل أموال"
توسع مجموعة "قاطرجي" في المشاريع العقارية الضخمة، مثل الفنادق الفاخرة والأبراج، يثير تساؤلات في الشارع السوري وخاصة في مدينة حلب حول أهدافها الحقيقية، في ظل التدهور الاقتصادي وركود قطاع السياحة.
ويرى البعض أن هذه المشاريع تُستخدم كوسيلة لـ"غسيل وتبييض الأموال، وتحويل رأس المال إلى أصول عقارية ثابتة بعيداً عن التذبذبات الاقتصادية والسياسية"، كما أنّ الاستثمار في العقارات في بيئة مثل حلب، التي تعاني من ضعف في الخدمات الأساسية والسياحة، يزيد المخاوف حول نية هذه الاستثمارات.
يقول "العلي": إنّ "التوسّع في بناء الفنادق الفخمة بحلب، والمشاريع الكبير من هذا النوع بشكل لا يتماشى مع احتياجات الاقتصاد المحلي المتدهور"، مؤكّداً أن هدف المجموعة هو "غسيل وتبييض أموالها"، وهو الأكثر أمناً بالنسبة لها.
وتعد "مجموعة قاطرجي" من كبرى الشركات الاقتصادية في مناطق سيطرة النظام السوري، ونتيجة لاحتكارها قطاع النفط والمحروقات، باتت تستحوذ على كتلة مالية هائلة، وفي ظل صعوبة الاستثمار في الخارج، ومخاطر إيداع الأموال في أي بنك خارجي، خشية العقوبات الغربية، فهي تسعى للاستثمار في مناطق سيطرة النظام.
وهنا قد لا تكون الاستثمارات ذات عوائد اقتصادية مجزية، وقد تكون خاسرة أيضاً، ويمكن النظر لهذه المشاريع على أنها نوع من "تحويل المال السائل إلى عقارات".
في الوقت الحالي لا تحتاج "مجموعة قاطرجي" إلى "غسيل أموال"، كونها لا تواجه خطر التفتيش المالي، فهي محمية من قبل حكومة النظام، لكن في حال سقوط هذا النظام قد تكون المجموعة مضطرة لتبرير مصادر الكسب، وهنا من الممكن أن تكون هذه الفنادق أداة لـ"غسيل الأموال"، بمعنى أن هدف "تبييض الأموال" هو خطوة متقدمة لواقع قد يحدث مستقبلاً وليس لواقع حالي.