تعيش الأُسر في العالم تحديات كبيرة جداً على المستويات الثقافية والجغرافية والاجتماعية والتقنية والمناخية والاقتصادية والسياسية، بما في ذلك الأُسر السورية التي تواجه إضافة إلى كل ما سبق، ظروفاً قاسية متعلقة بالتهجير القسري بما يتضمنه من لجوء خارجي ونزوح داخلي وأزمات معيشية خانقة.
وفي سياق ذلك نظّمت مؤسسة قطر، قمة لأكثر من 400 شاب من مختلف أرجاء العالم لمناقشة واقع "الأسرة"، على هامش مؤتمر الذكرى الثلاثين للسنة الدولية للأسرة تحت عنوان: "الأسرة والاتجاهات الكبرى المعاصرة"، الذي تستضيفه الدوحة في 30 و31 تشرين الأول 2024.
وفي القمة الشبابية التي سبقت المؤتمر الأممي بيوم، ناقش المشاركون أربعة اتجاهات كبرى تواجه الأسرة في العالم وهي: "الاتجاهات الديمغرافية، الهجرة والتمدّن، التغيّر التكنولوجي، تغيّر المناخ".
وقدّمت القمة الشبابية في ختامها توصيات لمؤتمر الأسرة الدولي عبر ورشات عمل مطولة يديرها الشباب أنفسهم ويتناقشون عبر طرح المشاكل والحلول التي تواجه الأسرة في العالم ضمن الخطوط العريضة التي يناقشها المؤتمر.
في العام 1994، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن السنة الدولية للأسرة، معترفة بالأسرة باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع، وبالتالي ينبغي أن تحظى بأكبر قدر ممكن من الحماية والمساعدة وفقاً للمواثيق المُصادق عليها دولياً.
ويضطلع مؤتمر السنة الدولية للأسرة، الذي يُعقد مرة كل عقد من الزمان بدور محوري في تطوير السياسات والبرامج التي يمكنها دعم وتمكين الأسر على نطاق عالمي.
وفي المؤتمر العام الذي يستمر ليومين، يجتمع أكثر من 2000 مشارك، من صنّاع السياسات والباحثين والخبراء وأولياء الأمور والمؤثرين والشباب، لاستكشاف تأثير الاتجاهات الكبرى المعاصرة على الأسرة.
ورغم أن قمة الشباب أو مؤتمر الأسرة لا يركزان على واقع الأُسر في دولة محدّدة، إنما تناقش الشكل العام للأُسر عالمياً وإمكانية دعمها وتمكينها في أرجاء العالم، بما في ذلك الأسر في مناطق الحروب، إذ يشارك عدد من الشباب السوريين الذين نقلوا تجاربهم وطرحوا مشاكل الأسرة السورية أيضاً.
أربعة تحديات تواجه معظم الأسر
في النقاشات التي دارت في قمة الشباب وتابعها موقع تلفزيون سوريا، بحث المشاركون بشكل مفصل عبر ورشات تفاعلية باللغتين العربية والإنكليزية كل ما يمكن أن يتصل بالقضايا الأربع، إذ طرحوا مشاكل التغيّر الديمغرافي الحاصل في المناطق التي تشهد صراعات وحروب ونزاعات، ما أجبر الملايين من الأسر على الخروج الإجباري من مناطقهم وبيوتهم ليكونوا نازحين في مخيمات محلية أو اللجوء إلى دول الجوار وإعادة اللجوء مرة أخرى عبر طرق غير آمنة لا تقتصر على ركوب البحر أو السير مشياً إلى دول أكثر استقراراً، ما أدّى إلى تعرّض أسرهم إلى التشظي والتفكك وانعدام الاستقرار وأثر ذلك على الأطفال وتماسك هذه الأسر.
كذلك، بحثوا بشكل موسع أيضاً أزمتي الهجرة والتمدن التي تواجه العالم اليوم محلياً وخارجياً وتأثير ذلك على الأسرة، مما يخلق تحديات تتعلق بتراجع نسب الزواج وزيادة نسب الطلاق والفقر بحثاً عن حياة أفضل ويؤثر كذلك على بنية الأسرة وابتعادها عن مجتمعاتها المحلية إلى مجتمعات أخرى، وصعوبات اللغة الجديدة وإيجاد فرص العمل وتحديات الاندماج في تلك المجتمعات.
وتناقشَ المشاركون في تحديات التغير التكنولوجي المتسارع وأثر ذلك على الأسر في العالم، فعددوا أبرز السلبيات والإيجابيات المتعلقة بالتطور التقني بما في ذلك الإدمان التقني في صفوف الأبوين والأطفال وزيادة ذلك بعد جائحة كورونا، التي زادت من الاعتماد على التكنولوجيا في التعليم والتسوق والصحة والتواصل الأمر الذي خلق عالماً افتراضياً دائماً بين أبناء العائلة الواحدة جعلهم أبعد عن بعضهم.
وعرّج المشاركون على أهمية تقديم توصيات لمعالجة سلبيات رقمنة الأسرة بما فيها من سلوكيات لا تراعي عمر الأطفال ولا طبيعتهم وأسلوب تشكلهم النفسي الاعتيادي والذي يضعهم أمام مشاكل تتجاوز أعمارهم والذي ينعكس على مؤسسة الأسرة الصغيرة وبالتالي على المجتمع نفسه ويشمل تشكل العنف والتنمر والمراهقة المبكرة.
وجاءت القضية الرابعة لتناقش ملف التغيّر المناخي على الأسرة ودورها في تحقيق أثر مجتمعي، والسلوكيات التي تعيشها الأسر في نمط الاستهلاك المتزايد وزيادة التلوث وأهمية الممارسات الصديقة للبيئة على السلوك الفردي، بما في ذلك من حلول ومقترحات وتوصيات تدعم سلوكيات الأسرة.
الأسر السورية تواجه تحديات مضاعفة
تعاني الأسر السورية من كوارث إنسانية بسبب الحرب التي خاضها النظام السوري وحلفاؤه على مدى أكثر من 13 عاماً تقريباً، وإلى جانب صعوبة الحياة في المخيمات في أجواء غير طبيعية أو إنسانية مع كل التقدم الذي يعيشه العالم، أو وجود 90% من الأسر السورية تحت خط الفقر، وانعدام وجود أفق قريب للحل السياسي، وخضوع البلاد لما يشبه التقسيم الجغرافي، كما تواجه الأسر السورية القضايا الكبرى التي تواجه الأسرة في العالم.
وبما أنّ الأسر السورية هي جزء من الأسر في العالم فهي تعاني اليوم من معظم ما تعاني منه العائلات في أي مكان يضاف إليه معاناتهم اليومية السابقة، فمعظم الأسر السورية تواجه صعوبات حقيقية تتعلق بالتغيير الديمغرافي والتهجير وانعدام حيثيات التمدن وتفشي ظاهرة الطلاق المبكر وزيادة نسب الطلاق الاعتيادية والعزوف عن الزواج وتراجع نسب الولادات وعدم تأمين الاحتياجات الأساسية وغياب قوانين العمل العادلة في العديد من بيئات اللجوء الجديدة.
كذلك، فإنّ غياب الرقابة الحكومية الرشيدة في مختلف مناطق النفوذ بسوريا، زادت من الاستخدام التقني الإدماني غير الإيجابي لوسائل التواصل الاجتماعي بما في ذلك التباعد الأسري والعزوف عن الدراسة ورواج العنف والإدمان على ألعاب الفيديو ومواقع البث المباشر وتعرض الأطفال لكم هائل من المعلومات والصور والمقاطع المؤذية، إضافة إلى استغلال الأطفال من خلال تصويرهم من قبل أهاليهم بهدف جذب المتابعين من دون مراعاة لحقوقهم.
ولا يعد التغير المناخي بعيداً عن الحالة السورية، إذ تشهد سوريا كل أنواع التعامل السيء مع البيئة من تكرار النفط البدائي وانتشار النفايات في كل مكان، وغياب الرقابة على المصانع ومخالفاتها، وتلوث مصادر الماء وغير ذلك.
ما رأي المشاركين السوريين؟
في سياق ذلك، قال المعالج الأسري نور الدين الحنبلي، الذي يقيم في ألمانيا، لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ "الأسرة السورية تواجه ضغوطاً هائلة؛ من تمزق بسبب الهجرات المتتالية، وفقدان أفراد وضياع ممتلكاتها، إلى انخفاض الأمان المادي والنفسي، مما يجعل سعيها للأمان والاستقرار مهمة شاقة".
وأضاف الحنبلي أن المشاركة في هذه القمة كانت مفيدة لطرح مشاكل الأسرة، والأسرة السورية بشكل خاص في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها في بلدان اللجوء أو داخل سوريا.
وأوضح أنه "بعد اللجوء والتهجير، تواجه الأسر السورية صعوبات التأقلم مع ثقافات جديدة والشعور بفقدان الهوية، مع تحديات تعليمية للأطفال وشعور الآباء بالذنب تجاه من بقي، تتبدل الأدوار؛ النساء يصبحن المعيلات والأبناء يتحملون مسؤوليات مبكرة، بينما يضيع دور المرشد في البيئة الجديدة، مما يفاقم الضغط على استقرار الأسرة".
كذلك، أشار المعالج الأسري السوري إلى أن "التكنولوجيا اليوم جزء أساسي من حياتنا، تربط الأسر السورية بأقاربهم وتخفف من العزلة، لكنها قد تشكل ضغوطاً بسبب التنمر أو اختراق الخصوصية"، مردفاً: "الاستخدام المسؤول والتواصل المفتوح بين الأهل والأبناء حول التكنولوجيا يعزز الروابط الأسرية، ويخلق فرصاً للتعلم والازدهار".