بات مألوفاً عند تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، أن تجد أبياتاً من الشعر نشرها شابٌ سوري يعبّر فيها عن ضياعه وتلاشي أحلامه، يشكو فيها واقعاً مظلماً وطريقاً معبّداً بالأشواك محفوفاً بالمخاطر، لا يُرى في نهايته أي بصيص من الأمل أو النور.
التفكير المتكرر بالمستقبل من قبل الشباب داخل البلد الذي يتقلب بالمواجع منذ سنوات، دفعني إلى كتابة هذه الكلمات والبحث المعمّق عن جذور المشكلات التي تواجه الشبان السوريين بالعموم، هل اليأس والخوف من القادم حالة صحية تلازم الجميع؟ أم أنه مرض ووسواس يلازم البعض فقط؟
نقرت على موضع البحث في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وكتبت العبارة الآتية "زهرة الشباب السوري"، لأجد منشوراً بصيغة سؤال، جاء فيه: "احكيلي عن زهرة شبابك شو صار فيها؟"، دفعني ذلك لقراءة التعليقات، فوقعت عيني على كلمات ظاهرها الدعابة، وباطنها حزن على ما فات، وتوجس مما هو قادم.
يقول أحدهم "زهرة شبابي أكلها...."، وآخر يقول "زهرة شبابي سُقيت بماء ملوّث وماتت"، وآخر يكتفي بالتعبير عن حالته بجملة "خليها بالقلب تجرح ولا تطلع لبرا وتفضح"، لم ألحظ تعليقاً واحداً يدعو للتفاؤل أو يعطي جرعة من الأمل، أو انطباعاً بوجود تجارب محفزة للعمل والتخطيط والتطلع للمستقبل بعين الواثق.
إذا ما نظرنا للواقع، سيبدو أن تأفف الشبان السوريين من الحال في بلدهم، قد يكون مبالغاً فيه، فهناك كثير من الشبان بذلوا جهداً لسنوات لبناء أساس يرتكزون عليه في مستقبلهم، وكثير منهم حجز معقداً بين الكبار، سواء في ميادين العمل أو العلم وغير ذلك.
لذا، لا بد من التعاطي مع هذه المسألة بتوازن، والنظر إلى تفاصيلها من كافة الجوانب قبل إطلاق الحكم، فعند الحديث عن واقع الشباب، يتوجب أخذ عدة معطيات بعين الاعتبار، منها نشأة الشباب، تنوع مناطق السيطرة واختلاف بيئة العيش فيها، تعدد الطموحات، تباين الأحلام، تفاوت الصعوبات والتحديات بين منطقة وأُخرى، لنستخلص على إثر ذلك نقاطاً رئيسية عن حال الشباب السوري في كافة مناطق النفوذ.
واقع الشباب في سوريا
قبل أشهر من الآن، قال رئيس لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا، باولو بينيرو، إنّ الجمود الحالي في البلاد لا يمكن التسامح معه.. الشباب السوري يفر من البلاد بأعداد كبيرة، والسوريون يرون ألا مستقبل لديهم في بلدهم، وسوريا ما تزال غير آمنة لعودة اللاجئين".
معظم الشبان في سوريا ممن يبلغون العشرينيات من عمرهم الآن، كانوا أطفالاً أو في سنّ المراهقة عندما اندلعت الثورة السورية في عام 2011، وكغيرهم من فئات المجتمع، منهم من فضّل الالتحاق بالمظاهرات السلمية، ومنهم من آثر السكوت والحياد بضغط من ذويهم.
قبل عام 2011، كان مسار المواطن السوري شبه موّحد منذ طفولته، فعند سنّ السابعة يبدأ الطفل مرحلة التعليم الأساسي في المدرسة، وعند بلوغ المرحلة الإعدادية، تبدأ ملامح مستقبل الفتى بالتوضح، فغالباً ما تكون هذه المحطة هي مرحلة الفرز، هل سيكمل الطالب مساره التعليمي؟ أم أن فقد الأمل وقرر خوض تجربة جديدة بعيدة عن الدراسة والمدارس؟
بعض الشبان يقررون إكمال تعليمهم، واضعين عدة أحلام وطموحات في مخيلتهم، فمنهم من يحلم بأن يكون طبيباً أو مهندساً أو محامياً أو معلماً وغير ذلك، بينما يقرر آخرون الانقطاع عن التعليم والعمل في المجالات المختلفة التي لا تتطلب ذاك الكمّ من العلم والمعرفة.
كانت المهن متنوعة أمام هؤلاء الشباب المنقطين عن التعليم، ومنها الزراعة أو رعاية وتربية المواشي، فضلاً عن التجارة والصناعة والحدادة والنجارة والتبليط والدهان، وكذلك يمكن للشخص أن يكون سائقاً أو سماناً أو عاملاً حراً.
عند سن الـ 18 وعلى أبواب العشرينيات، تبدأ مرحلة جديدة أمام الشبان، فهناك من ينهمك بدراسته الجامعية، وآخرون يتحضرون للالتحاق بـ"الخدمة الإلزامية" في الجيش، وكانت هذه أقسى المراحل على الشبان، لما فيها من مصاعب ومشاعر متناقضة بسبب طبيعة الجيش التي يغلب عليها الفساد والطائفية والمحسوبيات.
وفي منتصف العشرينيات، تتوضح معالم المسار العام لكل شاب، وغالباً ما يكون الشاب يخطط للزواج في هذه المرحلة، ثم إكمال حياته على النسق الذي اختاره، سواء أتمّ دراسته أو لا، سواء أكان طبيباً أو عاملاً، مع الإشارة إلى أن مستقبل الشباب لم يكن مقتصراً على العيش داخل البلاد، فكثير منهم قصد دول الجوار والخليج بهدف العمل وصقل المهارات أملاً بتأمين أساس صلب تُبنى عليه بقية الخطوات.
مرحلة ما بعد الثورة
لم يكن واقع الشباب في سوريا بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011، مختلفاً عما هو الحال بالنسبة لبقية الفئات العمرية في المجتمع، لتتنوع مواقفهم وتختلف طموحاتهم وتقديراتهم للمستقبل.
بعد انطلاق الثورة، لوحظ وجود عدة فئات للشباب في سوريا، ومنها:
- فئة من الشباب انخرطوا في الحراك السلمي ضد النظام السوري، رغم المخاطر الجسيمة، بما فيها الاعتقال أو القتل.
- فئة من الشباب اتخذوا موقف الحياد ولم ينخرطوا في أي حراك، سواء كان مناهضاً للنظام أو مؤيداً له.
- فئة من الشباب اختاروا التركيز على أعمالهم ذاتها التي كانوا منخرطين فيها قبل اندلاع الثورة، سواء أكانوا من العمّال أو الطلاب وما إلى ذلك.
- فئة من الشباب اختاروا حمل السلاح والدفاع عن السوريين من بطش النظام السوري، وهذه الفئة تضم خليطاً من المنشقين عن جيش النظام، وشباناً مدنيين أجبرهم لجوء النظام إلى الخيار العسكري لحمل السلاح، وكانت هذه الفئة تعمل تحت مظلة الكتائب المحلية، ثم الجيش السوري الحر، ثم الفصائل بمختلف مسمياتها.
- فئة من الشباب اختاروا الانحياز إلى النظام السوري، والمشاركة في ارتكاب الجرائم بحق السوريين، عبر الالتحاق بالقطع العسكرية والأفرع الأمنية التابعة للنظام.
- فئة من الشباب اختاروا الهجرة والسفر خارج البلاد، بعد أشهر قليلة من بدء الثورة.
يطول الحديث عن التقلبات التي عاشها الشباب في سوريا خلال 13 عاماً الماضية، فقد عاصروا كثيرا من الأزمات والتبدلات العسكرية والاقتصادية والسياسية، لكن يمكن تلخيص حالة الشباب في الوقت الحالي كالآتي:
- شبان عسكريون انخرطوا ضمن الفصائل العسكرية، ومنهم من قرر الالتحاق بجيش النظام السوري، سواء ترغيباً أو ترهيباً، أو ضمن صفوف "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، أو حتى "تنظيم الدولة" (داعش)، وغير ذلك من التشكيلات.
- شبان موظفون، سواء ضمن الدوائر الرسمية، أو المنظمات غير الحكومية، أو في المدارس أو النقاط الطبية.
- شبان أكاديميون
- شبان تجار من أصحاب رؤوس الأموال
- شبان يعملون ضمن سلك الشرطة، أو القوى الأمنية.
- طلاب ضمن المدارس والجامعات.
- عمّال يكافحون للعيش، كل يومٍ بيومه.
- مصابون من جراء المعارك وعاجزون عن التأثير في المجتمع.
- مُلاحقون من جيش النظام السوري، أو "قسد" للتجنيد الإجباري قسراً.
- شبان يفكرون بالهجرة والسفر خارج سوريا.
- شبان معتقلون، معظمهم في سجون النظام السوري.
- شبان استطاعت بعض القوى الدولية المسيطرة في سوريا التأثير على قراراتهم عبر إشراكهم في معارك خارج سوريا، لمصالح هذه الدول الخاصة، لقاء المال.
- شبان مهجرون يقطنون الخيام.
شبان ضمن ثلاث مناطق سيطرة مختلفة
يتوزع السكان في سوريا بشكل رئيسي ضمن ثلاث مناطق سيطرة (النظام السوري - المعارضة السورية - قوات سوريا الديمقراطية)، فضلاً عن وجود مناطق محدودة في البادية السورية تحت سيطرة تنظيم "داعش"، مع الإشارة إلى أن بعض المناطق تبدو ظاهرياً ضمن نفوذ النظام، لكنه يفتقد للتأثير الفعلي فيها، لا سيما في محافظتي درعا والسويداء.
بالحديث عن فئة الشباب، يمكن القول إنّ المشكلة المشتركة التي يعانون منها، في مختلف مناطق السيطرة، هي الواقع الاقتصادي المتردي، والذي يتفاوت في السوء بين منطقة وأخرى.
في مناطق سيطرة النظام السوري، يعاني الشبان من قلة فرص العمل، وسوء الواقع التعليمي، واحتكار الوظائف من قبل المحسوبين على النظام، علماً أن مدخول هذه الوظائف لا تسد رمق العائلة سوى لأيام قليلة.
يضاف لذلك، فرض التجنيد الإجباري على الشباب، وإلحاقهم بالقطع العسكرية لسنوات، من دون تحديد مدة معيّنة لـ"الخدمة الإلزامية" في جيش النظام، والتي يتبعها بطبيعة الحال "الخدمة الاحتياطية".
يفتقد الشبان في مختلف مناطق السيطرة للتأثير في المجتمع، لكون السلطات بمختلف مسمياتها تعمل بعقلية أمنية بحتة، قائمة على إقصاء الآخرين، ونبذ الشباب الأكاديميين، لصعوبة أدلجتهم تحت فكر محدد، مقارنة بغيرهم من الشبان غير المتعلّمين، ممن يسهل تسيّيرهم وفق رؤى السلطة.
يقتصر تجنيد الشبان قسراً، على مناطق سيطرة النظام السوري و"قسد"، مع الإشارة إلى أن الشبان في كافة مناطق السيطرة معرّضون لخطر الاعتقال لمجرد الانتقاد أو الاحتجاج، لكن بالطبع، تختلف النسبة بين منطقة وأخرى، إذ تتميز مناطق سيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا بهامش جيد من الحرية يخوّل السكان من التظاهر وانتقاد السلطات.
وبطبيعة الحال، فإن التضييق الأمني، وسوء الواقع الاقتصادي، وقلة فرص العمل، وغياب أفق الحل السياسي، وفقدان الأمل بأي انفراجة على مستوى سوريا، كلها عوامل دفعت الشباب إلى اعتزال أي عمل سياسي أو عسكري، والتفكير بالهجرة، أو الالتزام بعمل مدني محدد إن وجِد، من دون أي نشاط آخر، وهذا ما يجرّد الشبان من أي قوة أو تأثير في المستقبل.
ويمكن القول إن فئة الشباب تعاني من استبعاد متعمّد من العمل داخل المؤسسات العامة في مختلف المناطق، إذ يلحظ أن نسبة الشباب ضئيلة جداً، سواء في حكومة النظام السوري، ودوائره، أو ضمن المؤسسات التابعة لـ "قسد"، أو داخل الحكومة السورية المؤقتة وحكومة الإنقاذ شمال غربي سوريا، وكذلك ضمن الائتلاف الوطني السوري، وهيئة التفاوض.
وعلى اعتبار أن محافظة السويداء جنوبي سوريا تشهد منذ أشهر حراكاً مناهضاً للنظام، يشارك فيه الشباب بشكل واضح، تواصل موقع تلفزيون سوريا مع أحد شبان المحافظة للحديث بشكل أوسع بهذا الخصوص، إذ قال إنّ الشباب في محافظة السويداء يعانون من تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي وانعدام الأمل بالمستقبل ونقص فرص العمل وانتشار المخدرات والسلاح العشوائي.
وأضاف أن أبرز الصعوبات التي تواجه الشباب، تتمثل في التحدي الأمني وعدم القدرة على التحرك بحرية بسبب عدم التحاقهم بالخدمة العسكرية، بالإضافة لعدم قدرتهم على السفر للخارج بسبب ضعف الوضع الاقتصادي.
يعمل غالبية الشباب في محافظة السويداء في أعمال البناء والزراعة وتربية المواشي والتجارة، والغالبية الكبرى يفكّرون في السفر للخارج أو البدء بمشروع اقتصادي، مع وجود نسبة ضئيلة ممن يفكرون بالالتحاق بـ"الخدمة الإلزامية" في جيش النظام.
يتوقع الشاب أن تكون الفترة القادمة أصعب على فئة الشباب، نظراً لأن الوضع الاقتصادي في تدهور مستمر، بالإضافة لصعوبة الهجرة والسفر، ما يمكن أن يتسبب بزيادة نسبة تعاطي المخدرات وتفشي الجريمة وانتشار السرقات.
أرقام وتصريحات تشرح معاناة الشباب
خلال العامين الماضيين، ومع تزايد معاناة الشباب في سوريا بشكل عام، ظهرت كثير من الأرقام والتصريحات التي تشرح معاناة هذه الفئة، ومن أبرزها:
- كشف أستاذ كلية الآداب - قسم علم الاجتماع د. أحمد الأصفري أن نسبة الشباب العازفين عن الزواج في سوريا قد تصل إلى أكثر من 60 في المئة بسبب المستقبل المجهول.
- قال الدكتور هيثم عباسي اختصاصي الجراحة النسائية في جامعة دمشق إن نسبة الإناث مقابل الذكور في سوريا أصبحت متفاوتة بشدة وبات هناك 25 امرأة صالحة للزواج مقابل كل رجل صالح للزواج.
- كشف رئيس الأطباء في مستشفى حماة الوطني، محمد الحامد، عن ازدياد تواتر حالات الوفيات بالأزمات القلبية لدى الشبان مؤخراً، وتكرار الحالات الناتجة عن الضغط النفسي والذي يؤثر بشكل مباشر على الشرايين الإكليلية، ويؤدي للأزمات القلبية.
- قال المدير العام لمستشفى جراحة القلب الجامعي بدمشق، حسام خضر إن أعداد العمليات القلبية تزايد خلال السنوات الأخيرة، مع ملاحظة أن نصف العمليات أو الحالات المصابة بأمراض قلبية هي من الفئات العمرية الصغيرة (الباكرة)، ومنها حالات مرضية بعمر 30 عاماً وأقل.
- أكد الدكتور صفوح سباعي، وهو المستشار الوزاري في الشؤون الصحية والمنشطات وعضو الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات، انتشار تعاطي المنشطات وحبوب الكبتاغون والترامادول، بين الشباب السوري بشكل كبير جداً.
- ارتفعت معدلات هجرة الأطباء من مناطق سيطرة النظام السوري أخيراً، وخاصة بين الخريجين الجدد، إلى حد اضطر به كثيرون لبيع ممتلكاتهم بداعي السفر.
- كشف رئيس فرع "نقابة الأطباء" في دمشق، عماد سعاده، أن النقابة يردها يومياً نحو 10 طلبات من أطباء يرغبون في الحصول على وثيقة السفر، لعدم وجود أفق واضح لهم في المستقبل.
- كشف مصدر في "نقابة الأطباء" أن غالبية خريجي كليات الطب البشري الجدد في الجامعات السورية، يسعون للسفر إلى خارج البلاد بهدف تحسين أوضاعهم المادية بالدرجة الأولى، في ظل تراجع الأوضاع المعيشية والاقتصادية في مناطق سيطرة النظام السوري.
- قالت "نقابة أطباء الأسنان - فرع دمشق"، إنّ 800 طبيب (معظمهم من الخريجين الجدد) غادروا العاصمة دمشق والبلاد بشكل عام، من أصل 4 آلاف طبيب مسجلين في الفرع.
حالة استقطاب
قال الباحث المهتم بشؤون الشباب، محمد السكري، إنّ أجهزة الدولة - المعني الأساسي بتنمية قدرات الشباب وتقديم فرص العمل وتقديم التسهيلات الخاصة بالبنية التعليمية - تغيب عن مناطق شاسعة في سوريا، بينما تحاول منظمات المجتمع المدني ما دون الدولة العمل على سد هذا العجز الاستراتيجي في بنية المجتمع السوري.
مع ذلك، تعتبر هذه المحاولات خجولة بالتوازي مع الحاجة الشديدة لها في مناطق النزاع السورية، فمناطق المعارضة السورية وحدها تعاني من إشكاليات عميقة منها ضعف رأس المال الاجتماعي الذي يشكّل بنيته الشباب بدرجة أساسية لغياب الحلقة الطبيعية للإنتاج، من جراء ضعف مقومات الحياة الطبيعية مما يدفع للهجرة المستمرة.
وأضاف السكري في حديث مع موقع تلفزيون سوريا أن "غياب أبسط مقومات العملية التعليمية منها المدارس والجامعات، ما عدا الصراع المستمر فيما يتعلق بالمناهج التعليمية وتعدد السرديات السياسية وتأثيرها على أفكار الشباب يسبب لاحقاً غياب الهوية الوطنية، وغالباً يشعر الشباب بالتغريب الهوياتي في ظل الاستقطاب العالي، مع محاولات بسيطة لتحسين البيئة التعليمية في شمالي وشرقي سوريا باستحداث الجامعات".
ويبقى تساؤل فرص العمل حاضراً، ويدفع هذا لإعادة النظر بمشاكل الشباب المباشرة التي من الصعب تقديم حلول موضوعية لها قبل إيجاد حل سياسي للقضية السورية وعودة الدولة لممارسة دورها، بما أنّ الاستقطاب من قبل سلطات الأمر الواقع سيبقى مستمراً، وربما الحلول الإجرائية الإسعافية الخاصة بالتعافي المبكر ستساهم بتقديم حلول جزئية ويمكن اعتبارها مدخلا موازيا للحل السياسي لا منفصلا عنه؛ عبر بعض المشاريع التي تعمل عليها منظمات مجتمع مدني، لكنها تبقى غير كافية، وبذات التوقيت ستكون مؤثرة ومدخلاً لبناء واقع شبابي جديد، خاصة إن استطاعت تجاوز العقليات الأمنية التي تفرضها السلطات في مناطق النزاع المختلفة".
خيارات محدودة وتحديات كبيرة
أدت حرب النظام وحلفائه على الشعب السوري، وما سببته من دمار هائل في البنية التحتية والاقتصاد، وتشريد الملايين من السكان، إلى انعدام فرص العمل وتراجع الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، مما أثر سلباً على فرص الشباب وتحقيق طموحاتهم.
ونتيجة لذلك، تضررت القطاعات الاقتصادية المختلفة في سوريا، مما أدى إلى زيادة معدلات البطالة وتقلص فرص العمل المتاحة للشباب، وهذا ما جعل من جهود تحقيق استقلالية مالية لدى الشباب حلما شبه مستحيل.
كذلك اضطر العديد من الشباب السوريين إلى الهجرة الداخلية أو الخارجية بحثاً عن أمان وفرص أفضل، ما أفقدهم مناخ الاستقرار، وحرمهم من بناء حياة مستقرة ومستدامة، ذلك فضلاً عن المعاناة من الضغوط النفسية والاجتماعية الكبيرة نتيجة حرب النظام، وهذا ما أثّر على صحة الشباب العقلية والعاطفية.
ويشير رئيس "رابطة نشطاء الثورة في حمص"، طارق بدرخان خلال حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إلى عدة نقاط حول واقع الشباب في شمال غربي سوريا، ومنها:
- هناك شبان فقدوا الأمل بالهجرة، بسبب زيادة التكاليف، مع وجود خطر الترحيل من تركيا.
- نسبة البطالة مرتفقة، وهناك قسم من الشباب يحاولون افتتاح مشاريع خاصة.
- الشباب المتعلمون يسعون للعمل ضمن المنظمات، أو ضمن سلك التعليم، كما يوجد توجه عند بعض الشبان للعمل الحر.
- هناك فئة من الشبان عاطلون عن العمل.
- يسعى قسم إلى العمل ضمن الجيش الوطني السوري، أو الفصائل بشكل عام، والشرطة.
- هناك مشاريع لمنظمات تهدف إلى تدريب الشباب استعداداً لدخول سوق العمل.
- الاستقرار النسبي دفع الشباب إلى استكمال تعليمهم، علماً أن البعض يُصدم بعد التخرّج بعدم وجود فرص عمل.
من المهم التذكير في الختام، بأهمية متابعة أحوال الشباب في سوريا، لكونهم أمل المستقبل ويشكلون قاعدة المجتمع والدافع الرئيسي للتغيير والتطور، ولهذا يجب العمل على ضمان مستقبل مشرق لهم، والاستفادة من إمكاناتهم الهائلة في بناء مجتمع مثالي، فالاستثمار في الشباب هو استثمار في المستقبل.