تشهد أسواق الألبسة في سوريا ركوداً هو الأكبر خلال سنوات الحرب، وفقاً لأصحاب محال ألبسة في الأسواق الشهيرة بدمشق مثل "الصالحية والشعلان والحمرا"، حيث انخفضت المبيعات أكثر من 90 في المئة عن العام الماضي، علماً أن العام الماضي انخفض المبيع بين 70 و 80 في المئة عن الذي سبقه، وقياساً لذلك، تعتبر الحركة هذا العام شبه معدومة.
محال مغلقة في أسواق دمشق
وفي جولة لموقع تلفزيون سوريا على تلك الأسواق قبل الإفطار بثلاث ساعات وهي ساعات ذروة تعتبر في مثل هذه الأوقات من العام التي تسبق عيد الفطر بأقل من أسبوع، لوحظ انخفاض كبير في اكتظاظ الأسواق ويعود السبب الرئيسي في ذلك لارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية.
ومن المعتاد أن تبقي المحال أبوابها مفتوحة طوال اليوم حتى موعد السحور قبيل العيد بأيام، إلا أن معظمها أغلق أبوابه قبل الإفطار بساعتين، ليعاد فتحها بعد الإفطار بساعتين أيضاً من الساعة (9 مساءً وحتى الساعة 11 – 12 ليلاً).
وأكد أحد أصحاب محال الألبسة الرجالية في الصالحية لموقع تلفزيون سوريا أن "عدد الزبائن منخفض جداً ولا يتناسب مع ما يتم إنفاقه عادةً في مثل هذه الأوقات من العام كشراء وجبة إفطار للعاملين والتي باتت مكلفة جداً، إضافة إلى منحهم زيادة على الراتب لعملهم لورديتين متصلتين، لذلك نقوم بالاقتصار على عامل أو عاملين قبل الإفطار، وعامل أو عاملين مساءً بعد الافطار".
وأضاف "نقوم بتوفير تشغيل المولدات نحو 4 ساعات بمعدل ساعتين قبل الإفطار وساعتين بعد الإفطار نتيجة أزمة البنزين، وارتفاع سعره بالسوق السوداء".
صدمة كبيرة
لا ينكر الباعة أن سبب انخفاض المبيعات هو ارتفاع أسعارهم، إلا أنهم يؤكدون عدم قدرتهم على التحكم بخفض الأسعار أكثر نتيحة ارتفاع تكاليف التشغيل من أيدي عاملة وفواتير، وارتفاع كلف الإنتاج في المصانع لارتفاع فواتير الكهرباء وأسعار المشتقات النفطية، مشيرين إلى حالة الصدمة "الكبيرة" التي يشهدها الزبائن عند السؤال عن الأسعار.
ووصل وسطي سعر بنطال الجينز رجالي أو نسائي إلى مابين 75 – 80 ألف ليرة، والكنزة بين 40 – 60 ألف ليرة، والقميص 70 - 80 ألف ليرة، والأحذية التهريب "فيتنامي" بين 100 – 250 ألف ليرة، والوطني بين 40 – 50 ألف ليرة.
أما بالنسبة لأسعار ألبسة الأطفال، فقد تراوح سعر البنطال الجينز بين 35 – 50 ألف ليرة، والكنزة بين 30 – 40 ألف ليرة، والحذاء بين 30 – 40 ألف ليرة (وطني)، وارتفعت الأسعار أكثر لتصل إلى نحو 95 – 125 ألف ليرة للأطقم والفساتين.
والأسعار أعلاه للنوعيات الوسط والجيدة، بينما ترتفع أكثر من ذلك بكثير للنوعيات الممتازة في الماركات، وتنخفض أكثر بكثير للنوعيات الرديئة التي غزت الأسواق بشكل ملحوظ.
الأسواق الشعبية في دمشق
وانتشرت في الأسواق نوعيات ملابس رديئة "ستوك" بأسعار منخفضة لتناسب القدرة الشرائية نوعاً ما، وخاصة في محال ضمن الأسواق الشعبية مثل الحميدية وسوق الشيخ محي الدين وشارع الثورة، إضافة إلى محال اشتهرت بالتسويق عبر الإنترنت في مناطق شعبية مثل التضامن، وهي تشهد إقبالاً شديداً.
ويتراوح سعر بنطال الجينز الرجالي والنسائي "الستوك" في تلك المحال بين 20 – 30 ألف ليرة، والكنزات بين 15 – 25 ألفا، والأحذية بين 18 – 30 ألفا، بينما تتراوح أسعار الألبسة الولادي بين 15 للقطعة و30 ألفا كأقصى حد للفساتين والأطقم.
وتشهد تلك المحال إقبالاً كبيراً من قبل المتسوقين، رغم تدني جودة الألبسة، حيث قال بائع ملابس بدمشق لموقع "الاقتصادي" مؤخراً: " نتسوق الألبسة الرخيصة ذات النوعية الوسط أو الأقل من وسط، بالإضافة لبعض القطع الجيدة التي يطلبها جزء قليل من الزبائن".
وأضاف: "رغم محاولاتنا التماشي مع القدرة الشرائية للزبون، إلا أن الناس اليوم باتوا يفضلون الأسواق الشعبية ليحصلوا على قطع ستوك كونها تتناسب مع إمكانياتهم المادية".
ونقل الموقع عن عضو في لجنة النسيج بـ "غرفة صناعة دمشق وريفها" لم يذكر اسمه، قوله إن "سبب تدني نوعية الألبسة الموجودة في الأسواق، هو أن المواطن اليوم لم يعد لديه القدرة الشرائية ليشتري الملابس القطنية، لذا تحول صناعيو النسيج من صناعة أقمشة قطنية، إلى صناعة أقمشة ممزوجة بالبوليستر أو بأنواع أقمشة أخرى رخيصة جداً وغير ذات جودة".
ووجدت بعض الأسر حلولاً بالتوجه نحو شراء الألبسة الرياضية الوطنية وألبسة الرياضة المصنوعة تماماً من البوليستر، وهو نوع قماش رخيص ويدوم طويلاً، وانتشرت الملابس هذه بشكل كبير في الأسواق نتيجة سعرها المنخفض.
محاولات متعثرة لتحريك السوق
ونتيجة الركود التاريخي في الأسواق السورية وخاصة في قطاع الألبسة، بحث وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام عمرو سالم، منذ أيام، سبب ارتفاع الأسعار في الأسواق مع الصناعيين، وأصدر تعميماً يسمح لكل الفعاليات التجارية بإجراء تنزيلات على منتجاتهم اعتباراً من 21 نيسان وحتى نهاية عطلة عيد الفطر.
وعقّب أحد أصحاب المحال في سوق الحميدية على التعميم بقوله "قمنا بخفض هامش أرباحنا إلى أقصى حد دون انتظار تعميم الوزير، ولم يعد بإمكاننا خفض الأسعار أكثر، ورغم تدني جودة المنتجات وخفض أسعارنا إلا أنها لا تزال خارج قدرة عشرات آلاف الأسر السورية".
وتابع وهو يدير محلاً لألبسة الأطفال "هل لك أن تتخيل بأن شراء بدل ملابس لطفل عمره 6 سنوات من الألبسة "الستوك" قد تصل كلفته إلى 75 ألف ليرة سورية بينما المنحة الجديدة التي حصل عليها الموظف هي 75 ألف ليرة".
وحصل الموظفون والمتقاعدون على منحة مؤخراً بقيمتها 75 ألف ليرة سورية، بررها بعض الاقتصاديون، بأنها تدخل لتحريك الأسواق الراكدة.
كسوة العائلة في سوريا بمئات الآلاف
حصل أبو عماد، وهو رب أسرة من 4 أشخاص والخامس شاب بعمر الـ30 موجود في تركيا، على حوالة منه بقيمة 300 دولار (نحو مليون ومئة ألف ليرة سورية)، إلا أن المبلغ الذي يبدو للبعض ضخماً، لم يكف لشراء الملابس، بينما كان من المفترض أن يكفي للملابس وباقي مستلزمات العيد من ضيافة.
وقال أبو عماد للموقع "انتظرت الحوالة بفارغ الصبر، ليس لدينا ملابس للصيف وكنا قد أجلنا الشراء أكثر من عام، لكن وبعد تجولي في أكثر من سوق، تبين لي أن مبلغ المليون ليرة بالكاد يكفي لشراء بدل واحد فقط من النوعية الجيدة نوعاً ما، فالبنطال بـ80 ألفا والكنزة بـ40 والحذاء الجيد بـ100 ألف، أنفقت حتى الآن نحو 950 ألف ليرة".
الأسرة التي تريد أن تشتري ملابس بنوعية جيدة (غير الماركات) بمعدل كنزة وبنطال، بحاجة وسطياً 600 ألف ليرة لو كانت مؤلفة من 5 أفراد، بينما قد يصل وسطي سعر 5 أحذية مهربة بنوعية جيدة إلى نحو نصف مليون ليرة، ما يعني أن كسوة 5 أفراد للعيد وسطياً بنوعية جيدة مليون ومئة ألف ليرة سورية.