في نهاية كانون الأول الماضي أعلن الرئيس التركي أردوغان عن رفع الحد الأدنى للأجور في تركيا لعام 2023 ليبلغ 8500 ليرة تركية (455 دولاراً أميركياً) ليرتفع بذلك الحد الأدنى بنسبة تقارب 55 في المئة بالمقارنة مع مستوى الأجور عام 2022.
من شأن القرار، الذي يخص ملايين الموظفين في تركيا، أن يؤثر على أكثر من 30 مليون وظيفة، وعلى المستوى المعيشي لمئات آلاف اللاجئين السوريين الذين يعملون في مختلف القطاعات في تركيا.
لكن، هل سيستفيد العمال السوريون في تركيا - الذين يعمل معظمهم بطرق غير رسمية - من رفع الحد الأدنى للأجور، في ظل صعوبة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي يمرون بها؟
مخاوف لدى العمال
إبراهيم الخلف عامل في معمل "كرتون" بولاية أورفا يقول، نقلاً عن صاحب المعمل الذي يعمل به، إن الزيادة التي أُعلن عنها في بداية العام ستُدفع من أرباح المعمل، وبالتالي هذا سيشكل عبئاً على المعمل بالمقارنة مع السوق الذي يعاني من ركود اقتصادي بسبب التضخم مما ينعكس على الوضع العام للمعمل.
ويضيف إبراهيم لموقع تلفزيون سوريا أن العامل في معمل الكرتون كان يتقاضى 4000 ليرة تركية وفي بداية العام رُفع الأجر إلى 6000 ليرة رغم أن الحد الأدنى للأجور 8500 ليرة، مضيفاً: "أنا وبقية العمال متخوفون من أن يقوم صاحب العمل بالتخلي عن بعض العمّال وذلك بسبب الأزمة التي يمر بها السوق وقلة الطلب على البضائع بسبب فصل الشتاء".
من ناحيته يشاطر أيمن الأقرع، وهو صاحب مكتب "سند" للتشغيل في أورفا، إبراهيم المخاوف نفسها، ويضيف أنه بالرغم من أن الزيادة التي أعلنت عنها الحكومة التركية لم تدخل حيز التنفيذ بعد، إلا أن هناك تخوفات من قيام أصحاب العمل بالاستغناء عن عدد من العمال إذا تم تطبيق زيادة الأجور للحد الأدنى.
وذكر "الأقرع" لموقع تلفزيون سوريا أن أحد أصحاب معامل النسيج، والذي كان يؤمن 50 فرصة عمل، قام بالاستغناء عن 20 عاملاً مقابل رفع الأجور للحد الأدنى للمتبقين، وبالتالي فإن هذا الأمر يترتب عليه مراجعة للقرار من قبل أصحاب العمل.
ويؤكد أن هذا الأمر يختلف من ولاية لأخرى، ففي أورفا مثلاً قد لا يصل راتب العامل السوري لأكثر من 5000 آلاف، بينما يرتفع بنسبة أكثر بكثير في باقي الولايات مثل أنقرة وإسطنبول وعنتاب.
إلى جانب ذلك يوضح فارس، وهو عامل في معمل نسيج يقف 12 ساعة أمام ماكينة حبكة قطن بأجر أسبوعي يصل إلى 1400 ليرة تركية، أنه سمع بقرار رفع الأجور من وسائل التواصل الاجتماعي لكنه لم يتلق وعوداً من صاحب المعمل بهذا الخصوص.
وأضاف الفارس أنه كان يعمل في أنقرة ولكنه عاد إلى غازي عنتاب بسبب القرارات الأخيرة التي ألزمت فيها الحكومة التركية ضرورة عودة اللاجىء الذي يحمل بطاقة الحماية المؤقتة إلى الولاية التي استصدر منها البطاقة، إذ يؤكد الفارس أنه كان يتقاضى أجراً أفضل من الذي يحصل عليه الآن.
من ناحية أخرى ينفي غازي، وهو عامل في معمل للمنظفات في أضنة ويتقاضى 160 ليرة تركية يومياً، إمكانية حصولهم على الزيادة التي تحدثت عنها الحكومة التركية وهي الحد الأدنى للأجور في بداية العام الحالي.
ويقول غازي لموقع تلفزيون سوريا أنه وبقية العمال في المعمل ينتظرون حتى نهاية الشهر الحالي لمعرفة هل سيحصلون على زيادة للأجور أم لا، وسط مخاوف أبداها من عدم وجود أي تصريح بذلك من صاحب العمل وكأن الأمر لا يعنيه.
أما أحمد، الذي يعمل في ورشة لخياطة الألبسة في إسطنبول، فيوضح أنه في الآونة الأخيرة كان هناك نقص واضح في اليد العاملة بمجال خياطة الألبسة بسبب هجرة أعداد كبيرة من السوريين إلى أوروبا، إضافة إلى عودة الكثير منهم إلى ولاياتهم التي استخرجوا منها وثائق الحماية المؤقتة "الكيملك"، وهذا أدى، بحسب أحمد، إلى إجبار أصحاب هذه الورش والمعامل إلى رفع الأجور بنسبة مرتفعة نوعاً ما.
ويضيف أحمد لموقع تلفزيون سوريا أن راتبه الأسبوعي وصل حالياً إلى 3000 ليرة مع وعود بزيادة أخرى من قبل رب العمل.
مشكلة "السيكورتا" وإذن العمل
السيكورتا "SGK " هي ضمان اجتماعي يدفعه رب العمل لصالح العامل، تركياً كان أم سورياً، اعتباراً من أول يوم عمل، ولكن السوري يجب عليه الحصول على إذن العمل أولاً ومن ثم يسجل في الضمان الاجتماعي.
بالنسبة للعمال السوريين فإن نسية كبيرة منهم لا يمتلكون هذه الوثيقة، إما بسبب رفض رب العمل استخراجها لهم حتى لا يتكلف دفع أجور التأمين الاجتماعي، أو بسبب رفض العمال أنفسهم لاستخراجها لأن ذلك سيؤدي لإيقاف المساعدات الأممية المقدمة لهم والمعروفة باسم "كرت الهلال الأحمر".
وفي هذا السياق يشير الخبير الاقتصادي المهندس سامر كعكرلي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أنه قد لا يشمل قرار رفع الحد الأدنى للأجور نسبة كبيرة من العمال السوريين، لأن غالبيتهم العظمى يعملون "بالأسود" أي دون أوراق رسمية، وبالتالي فرب العمل قد لا يعطي السوري الحد الأدنى للأجور، وفي حال طالب العامل السوري بالزيادة قد يكون مصيره التوقيف عن العمل، بعكس العامل التركي الذي لديه نقابات تحميه أو صحف تتابع هذا الأمر، أما العامل السوري فليس لديه جمعية أو نقابة تدافع عنه وتطالب بحقوقه.
ويردف "كعكرلي" أن العمال السوريين فشلوا بتشكيل كيانات وتجمعات تدافع عنهم وتطالب بحقوقهم.
التضخم أساس المشكلة
ارتفع معدل التضخم في تركيا ليصل إلى أكثر من 85 في المئة خلال تشرين الأول من العام الماضي، وهو ما يمثل أعلى مستوى له منذ نحو 25 عاماً، وذلك لأسباب داخلية تتعلق بخفض الفائدة وخارجية متعلقة بارتفاع أسعار الطاقة عالمياً وحرب أوكرانيا إلى غير ذلك من العوامل.
هذا التضخم أدى إلى زيادة كبيرة بأسعار السلع الغذائية وباقي المواد إضافة لارتفاع أجور المواصلات والمنازل؛ مما شكل ضغطاً على الأتراك والسوريين بشكل خاص.
في هذا السياق يرى يونس الكريم، المدير التنفيذي لمنصة "اقتصادي" في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أنه كان يجب على الحكومة التركية أن ترفع قيمة الليرة التركية لزيادة القدرة الشرائية بدل زيادة الأجور، من خلال خفض أسعار المحروقات، وتقديم خدمات تدخل في إنتاج السلع الغذائية الأساسية، إضافة إلى السماح بالاستيراد لكسر حدة الأسعار، إذ تؤدي هذه الإجراءات، بحسب الخبير الاقتصادي، إلى الحد من ارتفاع نسبة التضخم الذي سوف "يمتص" أي زيادة للأجور إذ بقي بهذا الارتفاع.
كم يبلغ عدد العمال السوريين في تركيا؟
لا توجد إحصائية دقيقة لعدد العمال السوريين في تركيا وذلك لأن النسبة العظمى منهم يعملون دون تصاريح عمل، إلا أن نعمان أوزجان مدير مكتب منظمة العمل الدولية في تركيا كشف في وقتٍ سابق أنه وبحسب دراسة قامت بها منظمة العمل الدولية في تركيا، بلغت عملية توظيف العمال السوريين ذروتها في عام 2018 إذ وصل العدد إلى إلى 1.2 مليون سوري من حيث المشاركة في القوى العاملة في تركيا، معظمهم من الذكور، إلا أن العدد انخفض إلى مليون سوري عام 2020 مع تباطؤ الاقتصاد وفقدان فرص العمل في تركيا.
وأشارت الدراسة إلى أنه في عام 2019 كان 65 في المئة من العمال السوريين يعملون أكثر من عدد الساعات العادية، والتي تبلغ 45 ساعة في الأسبوع، في حين لا تكشف الدراسة عن عدد العمال السوريين الذين يعملون بلا تصاريح عمل، ولكن تزيد على نسبة 90 بالمئة .
وحول طبيعة العمالة السورية في سوق العمل التركي نجد أن العمالة السورية ضمن الشريحة المدروسة التي دخلت سوق العمل التركي تُعد عمالة شابة؛ إذ ينتمي 87 في المئة من هذه العمالة للشريحة العمرية بين 18-30 عاماً.