عندما يحل الشتاء، ويبدأ هطل الأمطار والثلوج، لا يخطر على بال أهالي جنوبي إدلب سوى الاعتماد على الأطعمة الشتوية لإمداد أجسامهم بالطاقة والدفء، خصوصاً قليلة الكلفة المادية منها، مع ما يعانونه من أزمة اقتصادية مستمرة.
خسر سكان المنطقة أرزاقهم، بعد سيطرة قوات النظام على أراضيهم، أو تحولها إلى مناطق تماس، واضطرارهم إلى النزوح شمالاً، حيث حافظوا على عاداتهم في الطهي مستعينين بما تنتجه الأرض من دون زراعة، مثل الفطر والنباتات البرية، والزراعات الشتوية الموجودة، مثل القمح والعدس، والمحاصيل التي اعتادوها، مثل التين والعنب.
ومع تميز كل مدينة من مدن إدلب بأطباقها، سواء أكانت من المقبلات أو الحلويات أو الأطباق الرئيسية، فإن الريف الجنوبي، المشتهر بزراعاته، تكثر فيه الأطعمة الشعبية التي تعتمد على النباتات الطبيعية، ومن أبرز تلك الوصفات:
لبنية الحنطة
سهلة التحضير، وأعداد مكوناتها قليلة، والتي تشمل الحنطة، والحمص، واللبن، والملح.
آمنة قدي من بلدة كنصفرة، شرحت لموقع تلفزيون سوريا خطوات التحضير، حيث تبدأ بسلق الحنطة بحبتها الكاملة، قبل إضافة الحمص المنقوع مسبقاً، وطهيهما حتى النضج.
ويضاف اللبن مع رشة ملح، ويطبخ المزيج إلى أن يتماسك قبل أن يرفع عن النار، وتقدم اللبنية لتؤكل وهي ساخنة في الشتاء، بحسب ما قالت آمنة، والتي قدرت كلفتها بنحو 40 ليرة تركية.
النباتات البرية (الحويش)
يمكن أن تضم نباتات متنوعة، منها "المخاترية، والدردار، والخبيزة، ورجلين العصفورة، والحميضة، والهندباء، واللبون، وكريسة العنة"، إضافة إلى البصل الأحمر وزيت الزيتون، ويضيف سكان بعض القرى والبلدات البرغل ويسمونها "المرشوشة".
تقلي هناء العبد الله من بلدة الفطيرة، البصل الأحمر، المفروم فرماً ناعماً، بقليل من زيت الزيتون، قبل أن تضيف النباتات البرية "التي يجب أن تغسل جيداً وتقطع قطعاً صغيرة".
وأفادت هناء لموقع تلفزيون سوريا أن طهي "الحويش" لا يستغرق سوى عشر دقائق، قبل إضافة ملعقة صغيرة من الفلفل الأحمر والملح، وبعد أن ترفع عن النار يضاف الليمون، ولا تتجاوز كلفتها بكمية تكفي أسرة كاملة سوى 10 ليرات تركية تقريباً.
البصلية
طعمها حامض، ومن أهم مكوناتها البصل الأحمر، والبندورة، والخبز، ويضيف إليها بعضهم الثوم ويسمونها "حراق إصبعه".
تعد نافلة مغلاج من بلدة كفرعويد، البصلية بشكل متكرر في الشتاء، وتبدأ بطهي شرائح البصل بزيت الزيتون مع قليل من الملح، ثم تضيف رب البندورة، أو البندورة المقطعة، وبعدها كمية وافرة من الماء، وتتركها على النار حتى الغليان.
وتقول نافلة لموقع تلفزيون سوريا: ما إن يغلي الخليط حتى يضاف الخبز المقطع وترفع عن النار، وتقدم في وجبة الغداء، وكلفتها نحو 10 ليرات تركية.
شوربة العدس
تختلف شوربة العدس ذي الحبة الكاملة، عن الشوربة المعروفة بالعدس المجروش الأحمر، والتي تسمى في المنطقة بـ "المصفرة" أو "المخلوطة".
مكوناتها تضم العدس ذا الحبة الكاملة، والبصل، والفلفل الأحمر الحلو، والنعنع، ويمكن أن يضاف إليها الأرز أو البرغل.
تعد هدى مزوق من مدينة جسر الشغور، شوربة العدس عن طريق سلق العدس إضافة إلى القليل من البرغل، وشرائح البصل والملح.
وقبل أن ترفع الشوربة عن النار يضاف الفلفل الأحمر الحلو مع النعنع. وتمنح الشوربة الدفء في الشتاء، وتؤكل على الفطور أو الغداء، وكلفتها 15 ليرة تركية تقريباً.
الحلاوة المحمصة
وصفة حلو بسيطة، تتكون من الطحين، والسمسم، ودبس العنب، والزيت، بحسب ما أوضحت ديمة البكور، من بلدة تلمنس.
تحضر عن طريق تحميص السمسم قبل إضافة الطحين والقليل من الزيت، ويحرك على نار هادئة إلى أن يصل إلى اللون البني.
يرفع المزيج عن النار ويترك إلى أن يبرد قبل إضافة دبس العنب ويشكل بالأيدي كحبات متساوية الحجم، وتسمى أحياناً بالحلاوة المعصرة، وكلفتها لا تتجاوز 25 ليرة تركية.
الحنينية
طعمها مميز، وفي حين كانت من الحلويات الفاخرة في منطقة ريف إدلب التي تشتهر بزراعة مكونها الأبرز، وهو التين، إلا أن كلفتها زادت عليهم بعد النزوح.
وقالت رجاء مواس من قرية بسقلا لموقع تلفزيون سوريا إن "الحنينية" تحضَّر عن طريق طهو التين المجفف المقطع قطعاً صغيرة على نار هادئة مع قليل من زيت الزيتون أو السمن، وتؤكل كوجبة للفطور أو كتحلية بعد الوجبات الرئيسية، وتبلغ كلفتها 25 ليرة تركية تقريباً.
السيالة
تعتبر السيالة من الحلويات الشعبية الأكثر انتشاراً في المحافظات السورية، ولكنها تختلف بطرق التحضير بين منطقة وأخرى، وفي ريف إدلب الجنوبي تمتاز برقة أرغفتها.
تتكون السيالة من الطحين مع "البيكنغ باودر" الذي يضاف إليه بعض الماء ليتحول إلى عجين تطهى أرغفته الرقيقة على الصاج، ثم يضاف إليها القطر وبعض السمنة قبل أن تؤكل، ويضع لها بعضهم حشوات مختلفة، في حال أرادوا زيادة الكلفة مثل القشطة أو الفستق الحلبي والطحينة.
ويمكن تناول السيالة كفطور، "لكن لذتها تكون كتحلية في السهرات"، بحسب رأي هيلين طعان من مدينة خان شيخون. وتبلغ كلفتها بأقل تقدير نحو 30 ليرة تركية.
ليس بالإمكان ذكر كل المأكولات المنتشرة في المنطقة، فهي متنوعة ومتعددة، ومع مشاركة أهالي إدلب بقية المحافظات السورية ببعض الوصفات، إلا أنهم يضيفون لمستهم الخاصة، مثل إضافة مزيج "المحمر"، والمكون من مزيج الفليفلة الحمراء المطحونة مع البصل والبندورة والسمسم والحبة السوداء، إلى خبز التنور عند تحضيره، وانتظارهم مواسم الضباب لإعداد وصفات الفطر، الذي يمكن أن يطهى مع البصل والفلفل الأحمر والملح، أو أن يكون حشوة للكبة أو السمبوسك.
واضطر نحو مليون من سكان ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي إلى النزوح شمالاً خلال الحملة العسكرية الأخيرة على المنطقة، بداية عام 2020، وواجهوا غلاءً في المعيشة، تصاعد مع تدهور قيمة العملتين السورية والتركية خلال العامين الماضيين، لتصل نسبة الفقر في سوريا إلى 90 في المئة وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.