icon
التغطية الحية

مصر.. غلاء وتدنّي أجور يدفع لاجئين سوريين إلى الهجرة مجدّداً

2023.06.12 | 05:30 دمشق

منح الجنسية المصرية للسوريين في مصر
تدنّي الأجور يزيد من معاناة اللاجئين السوريين في مصر
مصر - آمنة رياض
+A
حجم الخط
-A

يواجه بعض اللاجئين السوريين في مصر تحديات في سوق العمل، طرأت مؤخّراً ودفعت بعضهم إلى الهجرة مجدّداً بطرق غير شرعية، على الرغم من المخاطر المترتبة على ذلك.

ورغم أنّ مصر تعدّ من الأسواق الكبيرة لاستثمارات السوريين، وحاضنة جيدة لفتح مشاريع صغيرة أو كبيرة، لكن نسبة كثيرة من السوريين، الذين لا يملكون رأس مال أو خبرات في إدارة المشاريع يواجهون صعوبات كبيرة أبرزها: قلة الرواتب والأجور مقارنة بالغلاء المعيشي الذي لا يتناسب نهائياً مع ذلك الدخل.

  • محال ومطاعم سوريّة تُغلق أبوابها

ينتشر السوريون في مناطق كثيرة بمصر، وأبرزها العبور والرحاب ومدينتا وستة أكتوبر، والعاشر من رمضان والإسكندرية وبرج العرب وغيرها، ومع تزايد أعدادهم - وصل إلى نحو مليون ونصف المليون - ارتفعت نسبة المشاريع بشكل واضح، وبات من المعتاد أن ترى محال ومطاعم وكافيتريات سوريّة منتشرة في كل مكان.

ولكن في الآونة الأخيرة، أغلقت بعض تلك المحال والمطاعم أبوابها بسبب انخفاض المبيعات نتيجة غلاء الأسعار، ما أدّى إلى خسارة الكثير من الشبّان السوريين لـ مصادر رزقهم.

وائل عبد الستار - شاب سوري عشريني يعمل في أحد مطاعم الشاورما السورية - قال لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ صاحب المطعم استغنى عنه وعن 20 عاملاً آخرين، بسبب إقفال الفرع الثاني لمطعمهم الواقع في منطقة العبور القريبة من القاهرة.

ويضيف أنّ صاحب المطعم اضطر إلى ذلك بسبب ارتفاع الأسعار، موضحاً أنّ سعر سندويشة الشاورما كان 30 جنيهاً والآن 60 جنيهاً أو أكثر، فانخفضت نسبة المبيعات وزادت المصاريف مثل إيجار المكان والعمال والكهرباء والغاز وغيرها، فلم يجد خياراً أمامه غير الإغلاق والإبقاء على الفرع الرئيسي فقط.

من جانبه قال "علي أبو رياض" لاجئ من دمشق وهو صاحب أحد المطاعم التي أغلقت أبوابها، قبل ثلاثة أشهر، إنّه وشركاءه لم يتمكّنوا من الاستمرار أكثر من شهر واحد فقط، رغم حيوية المكان الذي افتتح فيه المطعم، ويقع وسط القاهرة.

وأضاف أنهم كانوا مجبرين على إغلاقه بسبب ارتفاع الأسعار وقلة المبيعات، حيث كان دخل المطعم أقل بكثير من المصاريف المترتبة عليهم من إيجار ورواتب عمّال، الذين اضطروا واحداً تلو الآخر، ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف أمام كارثة الإغلاق بسبب الخسارات الفادحة، وفق تعبيره.

وأكّد "أبو رياض" أنه لا يفكّر في الوقت الحالي بإعادة التجربة وافتتاح أي مشروع، فالأسعار تتغيّر بين اليوم والآخر ولا ثبات في الأسواق، مردفاً: "المطاعم الكبيرة انخفضت مبيعاتها وأخرى أغلقت فروعها، وغيرها باتت على كف عفريت"، على حدِّ وصفه.

وتعدّ المطاعم السورية باب عمل كبير للسوريين، وكانت الأجور في البداية جيدة وفرص العمل كثيرة، لكن مؤخّراً اختلف كل شيء، خاصةً أنّ السوريين القادمين حديثاً إلى مصر لا يأبهون بحجم الراتب مهما كان قليلاً، خاصة الذين يأتون من دون عائلاتهم ويعيشون في سكن مشترك، مما يخفف عليهم من وطأة المصاريف.

وأثّر ذلك بشكل كبير على العمّال الذين لديهم سنوات إقامة طويلة في مصر، حيث اضطر البعض منهم إلى ترك وظيفته بسبب تخفيض أجوره، التي باتت لا تغطي احتياجات عائلاتهم المكوّنة على الأقل من زوجة وطفل أو أكثر.

وشهدت مصر في الأشهر الأخيرة وصول المئات من الشبّان والعائلات السوريّة، علماً أنّ تأشيرة دخول السوريين إلى الأراضي المصرية، منذ عام 2013، كانت تصل إلى 3000 دولار أميركي، قبل أن يستقر سعرها بين 1150 و1500 دولار.

  • شبّان يختارون وظائف لا تتناسب مع مهنهم

أدّى صرف العمال من المطاعم التي كانوا يعملون بها لفترات طويلة، أو ترك بعضهم هذا المجال بقرار منه بسبب تدنّي الدخل، إلى اختيارهم وظائف لا تتناسب أبداً مع مجال عملهم، بسبب الحاجة.

بعض الشبان اتجهوا للعمل كسائقي سيارات أجرة، كما حصل مع أحمد الشامي - شاب عشريني - عمل في مجال المطاعم لمدة 8 سنوات، ولكن ترك المجال بسبب عدم الحصول على راتب يتناسب مع خبرته وساعات عمله الطويلة.

يعمل أحمد سائق سيارة ساعدته عائلته في شرائها، ويرى أن ما يحصل عليه من مال يسد احتياجاته ويتناسب مع الجهد الذي يصرفه،  دون استغلاله من أحد، وفق تعبيره.

أما الشاب ملهم الغزال - لاجئ ينحدر من حلب - اضطر للعمل على "بسطة" في السوق الرئيسي للمنطقة التي يسكنها، فقد عمل على شراء ملابس للرجال وبيعها، إلى حين إيجاده فرصة جيدة الدخل.

الكثير من العمال يتهمون أصحاب المطاعم السورية بـ"استغلالهم" وعدم منحهم رواتب تتناسب مع جهدهم المبذول وساعات العمل الطويلة التي تصل إلى 16 ساعة في بعض الأماكن.

وتبدأ رواتب العمال في المطاعم السورية من 2500 جنيه مصري في الشهر (أي ما يعادل 80 دولاراً)، وتصل إلى 12 ألفاً في حال كان هناك خبرة طويلة جداً في المجال تصل إلى 15 سنة، وربما يكون هناك استثناءات في بعض المطاعم ذات الشهرة الكبيرة لأصحاب الخبرة فيصرفون رواتب أكثر ولكن بنسبة قليلة جداً.

ويقول عاملون إنّ متوسط الرواتب قليل جداً، فالمسؤوليات كثيرة تبدأ من إيجار المنزل وأقساط المدارس والمصاريف الأخرى التي يضطر السوري إلى دفعها كل شهر، ما يدفع الكثير من الشبان إلى ترك مجال عملهم والبحث عن فرص أخرى أو التفكير بالهجرة غير الشرعية مجدّداً.

  • ليس المطاعم فقط

لا يمكن حصر انخفاض الرواتب في مجال المطاعم فقط، بل ذلك يطول كل القطاعات، حيث ذكر براء محمد - مدير قسم في معمل سوري لتصنيع الألبسة بمنطقة جسر السويس قرب القاهرة - أنّ متوسط الرواتب في المعامل بين 5000 و5500 جنيه مصري والحد الأدنى 3000 جنيه، وذلك يعتبر قليلاً جداً مقارنة مع فترة الغلاء التي تعيشها مصر.

وأرجع انخفاض الرواتب، إلى كون أصحاب المعامل في مصر تعطي رواتب قليلة، فالشاب المصري تبقى مسؤوليته أقل من السوري، وأصحاب المعامل السورية في حال رفض السوري العمل لديه بالراتب القليل ليس لديه مشكلة، لأنّه يعمل على توظيف آخر مصري.

وخلال الفترة الأخيرة رفع صاحب المعمل الرواتب بنسبة 20% ولكن مقارنة مع ارتفاع الأسعار الذي وصل إلى 100%، أصبح هناك فجوة تقريباً بنسبة 80% بين الدخل والمصروف الشهري.

وأشار "محمد" إلى أن أصحاب المعامل لا يرفعون الرواتب، بسبب الأزمة الاقتصادية وكثرة المنافسة في السوق، فضلاً عن ظهور ورشات صغيرة تبيع المنتج بسعر الكلفة تقريباً، الأمر الذي يجعل هامش الربح بسيطاً لأصحاب المعامل.

وتابع: "إذا أراد صاحب المعمل رفع الراتب، سيكون على حساب الربح، ولا يوجد أحد مستعد لأن يقتطع جزءاً من مربحه لصالح العامل، رغم أن التجّار كسبوا خلال السنوات الفائتة مرابح خيالية، ولم يتخيلوا أن يجنوها في هذا الزمن القياسي القصير".

  • "الهجرة غير الشرعية.. أحد الحلول"

في ظل الوضع الاقتصادي المتدنّي في مصر، اضطر الكثير من السوريين إلى "الهجرة غير الشرعية" غالباً عن طريق ليبيا، خاصة فئة الشباب، رغم المخاطر التي تواجههم، لكن يرونها الطريق الأفضل للبحث عن فرص جديدة في الحياة، ومحاولة لتكوين أنفسهم، وقد اختار بعض الشبان الهجرة على الرغم من وصولهم قبل أشهر قليلة إلى مصر قادمين من سوريا.

تقول "سامية أم سمير" سيدة سورية، إنّ ابنها البالغ من العمر 23 عاماً والذي وصل إلى مصر قبل أشهر، اختار السفر إلى أوروبا بطريقة غير شرعية، لأنه لم يجد فرصة عمل مناسبة له، مضيفةً أنّها لم تستطع الوقوف أمام رغبته، واستدانت له المال من أجل السفر، حيث خرج مع نحو 20 من أصحابه ومعارفه على أمل الوصول إلى هدفهم في إحدى الدول الأوروبية.

وتعدّ مصر واحدة من الدول التي فتحت أبوابها أمام استثمارات السوريين، وباتت بعض المناطق كبلدات سورية مصغرة، بسبب كثافة وجود اللاجئين، الذين افتتحوا محال تضم مختلف الأصناف التي كانت في بلادهم.

وكان رجل الأعمال السوري المهندس خلدون الموقع - رئيس تجمّع رجال الأعمال السوري المصري بمصر - قال في تصريحات سابقة إن استثمارات السوريين بحسب تقرير هيئة الاستثمار في حكومة مصر، بلغت 800 مليون دولار أميركي.