في أحد أشهر ميادين القاهرة "ميدان الأوبرا"، أمام عربة صغيرة تحوي أصنافا متنوعة من الحلويات السورية الشهيرة، يقف طارق السوري، طالب طب أسنان في جامعة القاهرة سابقا، يكسب قوت يومه.
طارق أشهر بائع كنافة على الفحم في منطقة العتبة يرتب عربته يومياً ويبيع منتجاته الطازجة للمارة، وسط إقبال كبير من المصريين والسوريين على حدٍ سواء.
بائع حلويات
يقول الشاب السوري الذي أبعدته صعوبات الحياة عن مقاعد الدراسة، أتيت إلى مصر منذ عشر سنوات، في البداية بدأت الدراسة في كلية طب الأسنان، ولكن مع الوقت ازداد الوضع المادي سوءا فقررت أن أعمل لأعيل عائلتي.
عمل طارق في العديد من المطاعم في مصر، منها مطعم لبيع الكشري، ولكن الأجر الزهيد وساعات العمل الطويلة دفعته لخوض تجربته الخاصة.
يضيف طارق، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، قررت أن أصنع أصنافا بسيطة من الحلويات وبالفعل بدأت العمل، كنت أضعها في أطباق وأغلفها وأبيعها صباحاً.
ويتابع، ولكن تعارض العمل مع الدراسة وبسبب الوضع المادي الصعب تركت الدراسة وكل ما يهمني اليوم هو تطوير عملي أكثر.
يقول طارق، اخترت منطقة العتبة بعدما لاحظت عدم وجود سوريين فيها، ومنذ سبع سنوات ما أزال في المكان نفسه، وحلوياتي اليوم تجد إقبالا شديدا من المصريين.
يؤكد طارق بأنه أحب هذا العمل ولا يرغب بأن يعود لدراسة الطب ويطمح أن يفتتح محله الخاص قريبا.
يعمل في مصر آلاف السوريين، الذي تقدر أعدادهم بنحو مليون ونصف حسب الإحصائيات الرسمية، بمجالات عديدة منخرطين بسوق العمل المصري.
وعلى الرغم من وجود مؤسسات وشركات ومعامل ومطاعم سورية ضخمة، إلا أنه يوجد العديد من المشاريع الصغيرة البسيطة التي استطاعت أن تعيل أسراً كاملة وتكفي احتياجاتهم.
على غرار طارق، هناك حالات كثيرة شبيهة لأفراد استطاعوا أن ينجحوا في مشاريع صغيرة، في بلد يعاني من البطالة والفقر ومن التضخم.
تقدم الحكومة المصرية تسهيلات كثيرة لأصحاب المشاريع الصغيرة، تغض الطرف عنهم، كما لا تلزم الباعة المتجولين بدفع الضرائب، ولا تفرض عليهم قيودا.
المطبخ المنزلي
هنادي الحاج، سورية تبلغ من العمر 51 عاما، مقيمة في القاهرة تصنع الحلويات في منزلها وتبيعها بشكل يومي في الأسواق التجارية في منطقة "ستة أكتوبر" القريبة من العاصمة.
أصبحت هنادي الذي تمارس عملها هذا منذ سنوات علامة من علامات المكان.
تقول هنادي، في حديثها لموقع" تلفزيون سوريا"، وجدت نفسي وحيدة مع أطفالي، بعدما فقدت زوجي في الحرب وعندما ساءت الأوضاع قررت أن أسافر إلى مصر في عام 2013.
وتضيف هنادي، في البداية كان الأمر صعبا جدا عليّ معي أطفال وكنت أنا المعيل الوحيد لهم، ولم تكن مساعدات المفوضية تكفي كل الاحتياجات، فقررت أن أعمل وأبدأ بمشروع صغير يلبي احتياجاتنا فأنا لا أريد أن يحتاج أطفالي شيئا.
وتتابع قولها، كنت أصنع الحلويات ليلا من ثم أذهب لبيعها صباحا ولا أعود إلى المنزل قبل أن أبيع كل ما صنعته، لافتة إلى أن المصريين يحبون المأكولات السورية.
استطاعت هنادي أن تحسن من دخلها الشهري، مع مرور الوقت، ووصل إلى 15 ألف جنيه، أي مايعادل حاليا 375 دولارا، ولكن لا يكفي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
تقول هنادي، حسنت في منزلي قليلا، ووضعت أطفالي في مدارس جيدة، واليوم أطفالي أصبحوا شبابا ويساعدوني في صنع الحلويات إلى جانب دراستهم.
تؤكد هنادي أنها لم تتعرض لملاحقات من قبل السلطات البلدية ولم تطلب منها أي جهة ضرائب أو مغادرة مكان "البسطة".
كذلك، مصطفى الرحال، 30 عاما، سوري مقيم في مصر، ومتخرج في كلية الآداب، قسم علم النفس، يقف وراء عربته يبيع الذرة وحلوى الوافل أمام إحدى الحدائق.
يقول مصطفى، كنت أعمل في مطعم ولكن الأجر كان زهيدا جدا لا يكفي احتياجات أسرتي، فاشتريت عربة صغيرة، في البداية كنت أبيع عليها الذرة المسلوقة المضاف إليها الجبن، وحلوى الوافل، وكان دخلي يتحسن، وبعد فترة بدأت أصنع المعجنات على الصاج فأصبح يتوافد العديد من السوريين إلى الحديقة، كما أحب المصريون ما أصنع وأصبح لدي زبائن من الطرفين.
يرسل مصطفى المال شهريا لوالده ووالدته في سوريا، مما يجعله مضطرا أن يكثف عمله من أجل تأمين احتياجاته، واحتياجات عائلته في سوريا.
عمل واحد لا يسد الحاجة
يعمل عدد كبير من السوريين في مصر بالمطاعم وفي مجال صنع المأكولات وتعد هذه المهنة الأكثر نجاحا وترحيبا من قبل المصريين، فمنهم من يصنعه ويتجول به، ومنهم من يسوقه على الإنترنت، بالإضافة إلى من يفتح مطعماً.
تعيش الطبقة المتوسطة من السوريين في مصر ظروفا اقتصاديا صعبة في الآونة الأخيرة، مما جعل العديد منهم يحاول إيجاد فرص عمل إضافية بجانب عملهم، فلم يعد يكفي دخل واحد لتلبية الاحتياجات خصوصا عند أصحاب الدخل المحدود.
محمود راتب، سوري يعمل في أحد المطاعم السورية في القاهرة يقول، أعمل 8 ساعات في اليوم ومع ذلك لم يعد يكفي، كل شيء زاد سعره للضعف ومازالت الأجور على حالها، مما جعلني أفكر في أن أجد عملا إضافيا.
ويضيف، لكن لم أكن أملك المال من أجل مشروع بسيط، فبدأت أصنع في المنزل الحلويات لمن يطلبها وروجت لمشروعي على موقع فيس بوك من خلال منشورات على مجموعات السوريين.
يضيف محمود، كما أني أقوم بشواء الحلويات المصنوعة في منازل الزبائن فيجلبونها إلي وأنا أراقبها وأشويها وآخذها إليهم.
بدوره عيسى الهاشم، ستيني سوري لم يمنعه سنه والضيق المادي من محاولة إيجاد عمل يساعده في تأمين مصاريف المنزل، يقول عيسى: أحد جيراني سوري لديه محل صغير لبيع الأواني البلاستيكية، فقمت بمشاركته وأخذت جزءا من المكان ووضعت فيه البهارات والقليل من مستلزمات الطبخ.